الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَوْلَيْنِ، وَإِنْ تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ فَلِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهَا.
فَصْلٌ وَعَلَى السَّيِّدِ الْإِنْفَاقُ عَلَى رَقِيقِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وَتَزْوِيجِهِمْ إِذَا طَلَبُوا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لَوِ اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَلِلزَّوْجِ الثَّانِي وَطْؤُهَا مَا لَمْ يَفْسَدِ اللَّبَنُ، فَإِنْ فَسَدَ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ، وَالْأَشْهَرُ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ، فَإِنْ شَرَطَتْ قِي عَقْدِ النِّكَاحِ أَنَّهَا تُرْضِعُهُ فَلَهَا شَرْطُهَا.
[فَصْلٌ إِنْفَاقُ السَّيِّدِ عَلَى رَقِيقِهِ]
فَصْلٌ (وَعَلَى السَّيِّدِ الْإِنْفَاقُ عَلَى رَقِيقِهِ) عُرْفًا، وَلَوْ آبِقٌ وَأَمَةٌ نَاشِزٌ (قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ) مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ، سَوَاءٌ كَانَ قُوتَ سَيِّدِهِ، أَوْ دُونَهُ، أَوْ فَوْقَهُ، وَأُدْمٌ مِثْلُهُ بِالْمَعْرُوفِ (وَكِسَوْتُهُمْ) مُطْلَقًا، أَيْ: لِأَمْثَالِ الرَّقِيقِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَكَذَا الْمَسْكَنُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ:«لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى السَّيِّدِ ; لِأَنَّهُ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ فَوَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَبَهِيمَتِهِ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ لِلرَّقِيقِ صَنْعَةٌ يَتَكَسَّبُ بِهَا (وَ) لَهُ (تَزْوِيجُهُمْ إِذَا طَلَبُوا ذَلِكَ) كَالنَّفَقَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَلِأَنَّهُ يَخَافُ مَنْ تَرَكَ إِعْفَافَهُ الْوُقُوعَ فِي الْمَحْظُورِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَزْوِيجِهِ، أَوْ تَمْلِيكِهِ أَمَةً، وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ إِذَا كَانَ كَبِيرًا (إِلَّا الْأَمَةَ إِذَا كَانَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَضَاءُ الْحَاجَةِ وَإِزَالَةُ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ، وَإِنْ شَاءَ زَوْجُهَا إِذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مُكَاتَبَةً بِشَرْطِهِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " يَلْزَمُهُ تَزْوِيجُ الْمُكَاتَبَةِ بِطَلَبِهَا، وَلَوْ وَطِئَهَا وَأُبِيحَ بِالشَّرْطِ،
ذَلِكَ. إِلَّا الْأَمَةَ إِذَا كَانَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا، وَلَا يُكَلِّفُهُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُونَ. وَيُرِيحُهُمْ وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ وَالنَّوْمِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَيُدَاوِيهِمْ إِذَا مَرِضُوا وَيُرْكِبُهُمْ عُقْبَةً إِذَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا لِمَا فِيهِ مِنِ اكْتِسَابِ الْمَهْرِ فَمَلَكَتْهُ كَأَنْوَاعِ التَّكَسُّبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِسْقَاطِ حَقِّ السَّيِّدِ وَإِلْغَاءِ الشَّرْطِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ أَبَى أُجْبِرَ عَلَيْهِ وَتَصَدَّقَ فِي أَنَّهُ لَا يَطَأُ عَلَى الْأَصَحِّ.
فَرْعٌ: مَنْ غَابَ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ، زُوِّجَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ لِحَاجَةِ نَفَقَةٍ، وَكَذَا أَوْ وَطْءٍ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ كَنَفَقَةٍ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " يُزَوِّجُهَا مَنْ يَلِي مَالَهُ أَوْمَأَ إِلَيْهِ فِي رِوَايَةِ بَكْرٍ، وَتَلْزَمُهُ نَفَقَةُ وَلَدِ أَمَتِهِ الرَّقِيقِ دُونَ زَوْجِهَا، وَيَلْزَمُ حُرَّةً نَفَقَةُ وَلَدِهَا مِنْ عَبْدٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمُكَاتَبَةً نَفَقَةُ وَلَدِهَا وَكَسْبُهُ لَهَا وَيُنْفِقُ عَلَى مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ بِقَدْرِ رِقِّهِ وَبَقِيَّتُهَا عَلَيْهِ (وَلَا يُكَلِّفُهُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُونَ) لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ مَشَقَّةٌ كَثِيرَةٌ، وَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُ الْأَمَةِ بِالرَّعْيِ ; لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ لِبُعْدِهَا عَنْ مَنْ يَذُبُّ عَنْهَا، وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " عَنْ نَقْلِ أَسْمَاءَ النَّوَى عَلَى رَأْسِهَا لِلزُّبَيْرِ مِنْ نَحْوِ ثُلْثَيْ فَرْسَخٍ مِنَ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي سَفَرِ الْمَرْأَةِ الْقَصِيرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَرَعْيِ جَارِيَةِ ابْنِ الْحَكَمِ - فِي مَعْنَاهُ، وَأَوْلَى، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَفَرٍ شَرْعًا، وَلَا عُرْفًا، وَلَا يَتَأَهَّبُ لَهُ أُهْبَتُهُ.
1 -
(وَيُرِيحُهُمْ وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ وَالنَّوْمِ، وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ) لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ (وَيُدَاوِيهِمْ إِذَا مَرِضُوا) وُجُوبًا، قَالَهُ جَمَاعَةٌ: لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ تَجِبُ بِالْمِلْكِ، وَلِهَذَا تَجِبُ مَعَ الصِّغَرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ آخَرِينَ: يُسْتَحَبُّ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي كَفَنِ الزَّوْجَةِ: الْعَبْدُ لَا مَالَ لَهُ، فَالسَّيِّدُ أَحَقُّ بِنَفَقَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ، وَلِهَذَا النَّفَقَةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْمَرَضِ تَلْزَمُهُ مِنَ الدَّوَاءِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ (وَيُرْكِبُهُمْ عُقْبَةً) بِوَزْنِ
سَافَرَ بِهِمْ، وَإِذَا وَلِيَ أَحَدُهُمْ طَعَامَهُ أَطْعَمَهُ مَعَهُ، فَإِنْ أَبَى أَطْعَمَهُ مِنْهُ، وَلَا يَسْتَرْضِعُ الْأَمَةَ لِغَيْرِ وَلَدِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ رِيِّهِ، وَلَا يُجْبَرُ الْعَبْدُ عَلَى الْمُخَارَجَةِ. فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَيْهَا جَازَ، وَمَتَى امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَطَلَبَ الْعَبْدُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
غُرْفَةٍ، وَهِيَ النَّوْبَةُ (إِذَا سَافَرَ بِهِمْ) لِئَلَّا يُكَلِّفَهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَمَعْنَاهُ يُرْكِبُهُ تَارَةً وَيُمْشِيهِ أُخْرَى (وَإِذَا وَلِيَ أَحَدُهُمْ طَعَامَهُ أَطْعَمَهُ مَعَهُ، فَإِنْ أَبَى أَطْعَمَهُ مِنْهُ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إِذَا كَفَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ طَعَامَهُ حَرَّهُ وَدُخَّانَهُ فَلْيُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُرَوِّغْ لَهُ اللُّقْمَةَ، وَاللُّقْمَتَيْنِ» وَمَعْنَى التَّرْوِيغِ غَمْسُهَا فِي الْمَرَقِ، وَالدَّسَمِ وَدَفَعُهَا إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْحَاضِرَ تَتُوقُ نَفْسُهُ إِلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا يَأْكُلُ إِلَّا بِإِذْنِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَا يَسْتَرْضِعُ الْأَمَةَ لِغَيْرِ وَلَدِهَا) لِأَنَّ فِيهِ إِضْرَارًا بِوَلَدِهَا لِلنَّقْصِ مِنْ كِفَايَتِهِ وَصَرْفِ اللَّبَنِ الْمَخْلُوقِ لَهُ إِلَى غَيْرِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ كَنَقْصِ الْكَبِيرِ عَنْ كِفَايَتِهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ رِيِّهِ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَقَدِ اسْتَغْنَى عَنْهُ الْوَلَدُ، فَكَانَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ كَمَا لَوْ مَاتَ وَلَدُهَا وَبَقِيَ لَبَنُهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ إِجَارَتُهَا بِلَا إِذْنِ زَوْجٍ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لِاشْتِغَالِهَا عَنْهُ بِرَضَاعٍ وَحَضَانَةٍ، وَهَذَا إِنَّمَا يَجِيءُ إِذَا آجَرَهَا فِي مُدَّةِ حَقِّ الزَّوْجِ، فَلَوْ آجَرَهَا فِي غَيْرِهِ تَوَجَّهَ الْجَوَازُ وَإِطْلَاقُهُ مُقَيَّدٌ بِتَعْلِيلِهِ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَلَّا يَلْزَمَ تَقْيِيدُهُ بِهِ، فَأَمَّا إِنْ ضَرَّ ذَلِكَ بِهَا لَمْ يَجُزْ (وَلَا يُجْبَرُ الْعَبْدُ عَلَى الْمُخَارَجَةِ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِ خَرَاجًا مَعْلُومًا يُؤَدِّيَهُ إِلَى سَيِّدِهِ، وَمَا فَضَلَ لِلْعَبْدِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ عَقْدٌ بَيْنَهُمَا، فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَالْكِتَابَةِ (فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَيْهَا جَازَ) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ كَسْبِهِ فَأَقَلَّ بَعْدَ نَفَقَتِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ أَبَا طَيِّبَةَ حَجَّمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُ أَجْرَهُ وَأَمَرَ مُوَالِيَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ» ، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَضْرِبُونَ عَلَى رَقِيقِهِمْ خَرَاجًا، وَرُوِيَ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ لَهُ أَلْفُ مَمْلُوكٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمٌ كُلَّ يَوْمٍ، وَجَاءَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَنْ
الْبَيْعَ لَزِمَهُ بَيْعُهُ وَلَهُ تَأْدِيبُ رَقِيقِهِ بِمَا يُؤَدِّبُ بِهِ وَلَدَهُ وَامْرَأَتَهُ. وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِإِذْنِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يُخَفِّفَ عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ، أَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ كَسْبِهِ لَمْ يَجُزْ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": إِنَّ قَدَّرَ خَرَاجًا بِقَدْرِ كَسْبِهِ لَمْ يُعَارَضْ، وَهُوَ كَعَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي هَدِيَّةِ طَعَامٍ وَإِعَارَةِ مَتَاعٍ وَعَمَلِ دَعْوَةٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَإِنَّ فَائِدَةَ الْمُخَارَجَةِ تَرْكُ الْعَمَلِ بَعْدَ الضَّرِيبَةِ
1 -
(وَمَتَى امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَطَلَبَ الْعَبْدُ الْبَيْعَ لَزِمَهُ بَيْعُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ كَزَوْجَةٍ، وَقَالَهُ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " وَغَيْرِهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، سَوَاءٌ امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ ذَلِكَ لِعَجُزٍ، أَوْ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ بَقَاءَ مِلْكِهِ عَلَيْهِ مَعَ الْإِخْلَالِ بِسَدِّ أَمْرِهِ إِضْرَارٌ بِهِ، وَإِزَالَةُ الضَّرَرِ وَاجِبَةٌ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«جَارِيَتُكَ تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي إِلَى مَنْ تَتْرُكُنِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ: أَتُبَاعُ الْجَارِيَةُ وَهُوَ يَكْسُوهَا وَيُطْعِمُهَا؛ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ تَحْتَاجَ إِلَى زَوْجٍ ; لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلسَّيِّدِ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى إِزَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ مَعَ الْقِيَامِ بِمَا يَجِبُ لَهَا، وَلَا عَلَى بَيْعِ بَهِيمَةٍ مَعَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا.
(وَلَهُ تَأْدِيبُ رَقِيقِهِ) عَبْدًا كَانَ، أَوْ أَمَةً (بِمَا يُؤَدِّبُ بِهِ وَلَدَهُ وَامْرَأَتَهُ) أَيْ: لَهُ تَأْدِيبُهُمَا بِالتَّوْبِيخِ، وَالضَّرْبِ كَمَا يُؤَدِّبُ وَلَدَهُ وَامْرَأَتَهُ فِي النُّشُوزِ وَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، وَلَيْسَ لَهُ ضَرْبُهُ عَلَى غَيْرِ ذَنْبٍ، وَلَا أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا إِنْ أَذْنَبَ، وَلَا لَطْمُهُ فِي وَجْهِهِ ; لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا:«مَنْ لَطَمَ غُلَامَهُ فَكَفَّارَتُهُ عِتْقُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَنَقَلَ حَرْبٌ: لَا يَضْرِبُ إِلَّا فِي ذَنْبٍ بَعْدَ عَفْوِهِ مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَلَا يَضْرِبُهُ شَدِيدًا، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَضْرِبُهُ إِلَّا فِي ذَنْبٍ عَظِيمٍ لِقَوْلِهِ عليه السلام «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا» وَيُقَيِّدُهُ إِذَا خَافَ عَلَيْهِ، وَيَضْرِبُهُ غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ وَافَقَهُ، وَإِلَّا بَاعَهُ لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ
سَيِّدِهِ. وَقِيلَ: يُبْنَى ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ بِالتَّمْلِيكِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ سَيِّدُهُ أَمَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّسَرِّي بِهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
اللَّهِ» .
1 -
(وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ عَلَى رِوَايَتَيِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ، بَلِ الْخِرَقِيُّ وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: إِنَّهُ لَا يُمَلَّكُ وَيُبَاحُ لَهُ التَّسَرِّي، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: أَيَتَسَرَّى الْعَبْدُ؛ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى هَذَا، قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَمَنِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] الْآيَةَ، فَأَيُّ مِلْكٍ لِلْعَبْدِ؛ قَالَ: إِذَا مَلَكَهُ مَلَكَ، يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنِ اشْتَرَى عَبْدَا وَلَهُ مَالٌ فَقَدْ جَعَلَ لَهُ مِلْكًا» وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ مِمَّنِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ فِي النِّكَاحِ فَمَلَكَ التَّسَرِّي كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ فَيَمْلِكُ الْمَالَ كَالْحُرِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِآدَمِيَّتِهِ يَتَمَهَّدُ لِأَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ إِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْأَمْوَالَ لِلْآدَمِيِّينَ لِيَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى الْقِيَامِ بِوَظَائِفِ التَّكَالِيفِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْجَنِينِ مَعَ كَوْنِهِ نُطْفَةً لَا حَيَاةَ فِيهَا - بِاعْتِبَارِ مَآلِهِ إِلَى الْآدَمِيَّةِ، فَالْعَبْدُ الَّذِي هُوَ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا تَسَرَّى بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَنَّ الْوَلَدَ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ وَأَطْلَقَ تَسَرَّى بِوَاحِدَةٍ فَقَطْ كَالتَّزْوِيجِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَلَهُ التَّسَرِّي بِمَا شَاءَ. نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ التَّسَرِّي جَازَ لَهُ بِغَيْرِ حَصْرٍ كَالْحُرِّ (وَقِيلَ: يُبْنَى ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ بِالتَّمْلِيكِ) كَذَا بَنَاهُ الْقَاضِي وَعَامَّةُ مَنْ بَعْدَهُ. احْتَجَّ الْمَانِعُ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ، وَالْوَطْءُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي نِكَاحٍ، أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ لِلنَّصِّ. وَاحْتَجَّ الْمُجِيزُ بِمَا سَلَفَ إِذِ الشَّارِعُ يُثْبِتُ مِنَ الْمِلْكِ مَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْعِبَادِ وَيَمْنَعُ مَا فِيهِ فَسَادُهُمْ، وَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إِلَى النِّكَاحِ، فَالْمَصْلَحَةُ تَقْتَضِي ثُبُوتَ مِلْكِ الْبِضْعِ لَهُ، وَإِلَّا فَكَوْنُ الْعَبْدِ يَمْلِكُ مُطْلَقًا إِضْرَارٌ بِالسَّيِّدِ، وَمَنْعُهُ مُطْلَقًا إِضْرَارٌ بِهِ، فَالْعَدْلُ ثُبُوتُ قَدْرِ الْحَاجَةِ، وَقَوْلُهُمْ إِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ - مَمْنُوعٌ (وَلَوْ وَهَبَ لَهُ سَيِّدُهُ أَمَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّسَرِّي بِهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ) لِأَنَّ