الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ: وَمَنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ، أَوِ امْرَأَتَهُ فِي النُّشُوزِ، أَوِ الْمُعَلِّمُ صَبِيَّهُ، أَوِ السُّلْطَانُ رَعِيَّتَهُ، وَلَمْ يُسْرِفْ فَأَفْضَى إِلَى تَلَفِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَيَتَخَرَّجُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى مَا قَالَهُ فِيمَا إِذَا أَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيُحْضِرَهَا فَأَجْهَضَتْ جَنِينَهَا، أَوْ مَاتَتْ، فَعَلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[فَصْلٌ: أَدَّبَ وَلَدَهُ أَوِ امْرَأَتَهُ فِي النُّشُوزِ أَوِ الْمُعَلِّمُ صَبِيَّهُ فَأَفْضَى إِلَى تَلَفِهِ]
فَصْلٌ (وَمَنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ، أَوِ امْرَأَتَهُ فِي النُّشُوزِ، أَوِ الْمُعَلِّمُ صَبِيَّهُ، أَوِ السُّلْطَانُ رَعِيَّتَهُ، وَلَمْ يُسْرِفْ) أَيْ: فَوْقَ الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ (فَأَفْضَى إِلَى تَلَفِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ) لِأَنَّهُ أَدَبٌ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ كَالْحَدِّ، فَعَلَى هَذَا إِنْ أَسْرَفَ أَوْ زَادَ عَلَى الْمَقْصُودِ، أَوْ ضَرَبَ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ مِنْ صَبِيٍّ وَغَيْرِهِ - ضَمِنَ (وَيَتَخَرَّجُ وُجُوبُ الضَّمَانِ) وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَلَا يَسْقُطُ بِإِذْنِ أَبِيهِ، وَهَلْ يَسْقُطُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقِيلَ: إِنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ فَقَلَعَ عَيْنَهُ فَفِي ضَمَانِهَا وَجْهَانِ (عَلَى مَا قَالَهُ) أَيِ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ (فِيمَا إِذَا أَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيُحْضِرَهَا فَأَجْهَضَتْ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَجْهَضَتِ النَّاقَةُ: أَلْقَتْ وَلَدَهَا قَبْلَ تَمَامِهِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ الْإِجْهَاضُ فِي غَيْرِ النَّاقَةِ (جَنِينَهَا، أَوْ مَاتَتْ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ) أَمَّا ضَمَانُ الْجَنِينِ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ إِلَى امْرَأَةٍ مُغَيَّبَةٍ كَانَ يُدْخَلُ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا وَيْلَهَا مَا لَهَا وَلِعُمَرَ؟ ! فَبَيْنَا هِيَ فِي الطَّرِيقِ إِذْ فَزِعَتْ، فَضَرَبَهَا الطَّلْقُ، فَأَلْقَتْ وَلَدًا فَصَاحَ الصَّبِيُّ صَيْحَتَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ، فَاسْتَشَارَ عُمَرُ الصَّحَابَةَ، فَأَشَارَ بَعْضُهُمْ أَنْ لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ، إِنَّمَا أَنْتَ وَالٍ وَمُؤَدِّبٌ، وَصَمَتَ عَلِيٌّ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانُوا قَالُوا بِرَأْيِهِمْ، فَقَدْ أَخْطَأَ رَأْيُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا قَالُوا فِي هَوَاكَ، فَلَمْ يَنْصَحُوا لَكَ، إِنَّ دِيَتَهُ عَلَيْكَ ; لِأَنَّكَ أَفْزَعْتَهَا فَأَلْقَتْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ أَلَّا تَبْرَحَ حَتَّى تُقَسِّمَهَا عَلَى قَوْمِكَ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِأَنَّهَا نَفْسٌ هَلَكَتْ بِإِرْسَالِ السُّلْطَانِ إِلَيْهَا فَضَمِنَهَا كَجَنِينِهَا، أَوْ نَفْسٌ هَلَكَتْ بِسَبَبِهِ فَوَجَبَ أَنْ تُضْمَنَ كَمَا لَوْ ضَرَبَهَا فَمَاتَتْ، وَقِيلَ: هَدَرٌ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبِ عَادَةٍ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ سَبَبٌ عَادِيٌّ، بِخِلَافِ الضَّرْبَةِ، وَالضَّرْبَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا لِلْهَلَاكِ فِي الْعَادَةِ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا أَدَّبَ حَامِلًا فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا ضَمِنَ، وَكَذَا إِنْ شَرِبَتِ الْحَامِلُ دَوَاءً
عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ. وَإِنْ سَلَّمَ وَلَدَهُ إِلَى السَّابِحِ لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ، لَمْ يَضْمَنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَضْمَنَهُ الْعَاقِلَةُ، وَإِنْ أَمَرَ عَاقِلًا يَنْزِلُ بِئْرًا، أَوْ يَصْعَدُ شَجَرَةً فَهَلَكَ بِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِمَرَضٍ فَأَسْقَطَتْهُ، فَأَمَّا إِنْ طَلَبَ السُّلْطَانُ امْرَأَةً لِكَشْفِ حَقٍّ لِلَّهِ مِنْ حَدٍّ، أَوْ تَعْزِيرٍ، أَوِ اسْتَعْدَى عَلَيْهَا رَجُلٌ بِالشُّرْطَةِ فِي دَعْوَى لَهُ فَأَسْقَطَتْ، ضَمِنَهُ السُّلْطَانُ فِي الْأُولَى، وَالْمُسْتَعْدِي فِي الثَّانِيَةِ. نَصَّ عَلَيْهِمَا كَقَطْعٍ لَمْ يَأْذَنْ سَيِّدٌ فِيهَا، وَإِنْ مَاتَتْ فَزَعًا فَوَجْهَانِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": إِنِ اسْتَعْدَى إِنْسَانٌ عَلَى امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا، أَوْ مَاتَتْ فَزَعًا، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُسْتَعْدِي الضَّمَانُ إِنْ كَانَ ظَالِمًا لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الظَّالِمَةُ فَأَحْضَرَهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ فَيَنْبَغِي أَلَّا يَضْمَنَهَا، وَإِنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ مُكْرَهَةٍ فَأَحْبَلَهَا، وَمَاتَتْ مِنَ الْوِلَادَةِ ضَمِنَهَا ; لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِسَبَبِ تَعَدِّيهِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي " الْفُنُونِ ": إِنْ شَمَّتْ حَامِلٌ رِيحَ طَبِيخٍ فَاضْطَرَبَ جَنِينُهَا فَمَاتَتْ، أَوْ مَاتَ، فَقَالَ حَنْبَلِيٌّ وَشَافِعِيَّانِ: إِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهَا، فَلَا إِثْمَ، وَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ عَلِمُوا، وَكَانَ عَادَةً مُسْتَمِرَّةً الرَّائِحَةُ تَقْتُلُ - احْتُمِلَ الضَّمَانُ، أَوِ الْإِضْرَارُ، وَاحْتُمِلَ: لَا لِعَدَمِ تَضَرُّرِ بَعْضِ النِّسَاءِ، وَكَرِيحِ الدُّخَانِ يَتَضَرَّرُ بِهَا صَاحِبُ السُّعَالِ، وَضِيقِ نَفْسٍ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ (وَإِنْ سَلَّمَ وَلَدَهُ إِلَى السَّابِحِ) الْحَاذِقِ (لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ، لَمْ يَضْمَنْهُ) فِي الْأَصَحِّ، قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ لِمَصْلَحَتِهِ، كَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصَّبِيَّ الضَّرْبَ الْمُعْتَادَ، وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ بَالِغٌ عَاقِلٌ نَفْسَهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَضْمَنَهُ الْعَاقِلَةُ) قَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إِلَيْهِ لِيَحْتَاطَ فِي حِفْظِهِ، فَإِذَا غَرِقَ فَقَدْ نُسِبَ إِلَى التَّفْرِيطِ فِي حِفْظِهِ.
فَرْعٌ: إِذَا قَالَ لَهُ: سَبِّحْ عَبْدِي هَذَا، فَسَبَّحَهُ، ثُمَّ رَقَّاهُ، ثُمَّ عَادَ وَحْدَهُ يَسْبَحُ، فَغَرِقَ، فَهَدَرٌ، وَإِنِ اسْتُؤْجِرَ لِيُسَبِّحَهُ وَيُعَلِّمَهُ، وَمِثْلُهُ لَا يَغْرَقُ غَالِبًا، وَإِنِ اسْتُؤْجِرَ لِحِفْظِهِ ضَمِنَهُ إِنْ غَفَلَ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَشُدَّ مَا يُسَبِّحُهُ عَلَيْهِ شَدًّا جَيِّدًا، أَوْ جَعَلَهُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ جَارٍ، أَوْ وَاقِفٍ لَا يَحْمِلُهُ، أَوْ عَمِيقٍ مَعْرُوفٍ بِالْغَرَقِ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "(وَإِنْ أَمَرَ عَاقِلًا يَنْزِلُ بِئْرًا، أَوْ يَصْعَدُ شَجَرَةً فَهَلَكَ بِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَذِنَ لَهُ،
إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ السُّلْطَانَ، فَهَلْ يَضْمَنُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ وَضَعَ جَرَّةً عَلَى سَطْحِهِ فَرَمَتْهَا الرِّيحُ عَلَى إِنْسَانٍ فَتَلِفَ لَمْ يَضْمَنْهُ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَلَمْ يَأْمُرْهُ، وَكَاسْتِئْجَارِهِ قَبْضُهُ الْأُجْرَةَ أَوَّلًا (إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ السُّلْطَانَ، فَهَلْ يَضْمَنُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَا ضَمَانَ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمُوهُ كَغَيْرِهِ، وَالثَّانِي: يَضْمَنُهُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَهُوَ مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ، وَلِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْهُ إِذَا خَالَفَهُ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِطَاعَتِهِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَأْمُورُ صَغِيرًا لَا يُمَيِّزُ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَذَكَرَ الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ: صَاحِبُ " التَّرْغِيبِ " وَ " الرِّعَايَةِ " غَيْرَ مُكَلَّفٍ ضَمِنَهُ ; لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إِلَى إِتْلَافِهِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَلَعَلَّ مُرَادَ الشَّيْخِ مَا جَرَى بِهِ عُرْفٌ وَعَادَةٌ، كَقَرَابَةٍ وَصُحْبَةٍ وَتَعْلِيمٍ، وَنَحْوِهِ، فَهَذَا مُتَّجِهٌ وَإِلَّا ضَمِنَهُ، وَقَدْ «كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَبَعَثَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُعَاوِيَةَ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ فِي شَرْحِهِ: لَا يُقَالُ: هَذَا تَصَرُّفٌ فِي مَنْفَعَةِ الصَّبِيِّ ; لِأَنَّهُ قَدْرٌ يَسِيرٌ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالْمُسَامَحَةِ بِهِ لِلْحَاجَةِ، وَاطَّرَدَ بِهِ الْعُرْفُ وَعَمَلُ الْمُسْلِمِينَ (وَإِنْ وَضَعَ جَرَّةً عَلَى سَطْحِهِ) أَوْ حَائِطٍ، وَعِبَارَةُ " الْفُرُوعِ ": وَإِنْ وَضَعَ شَيْئًا عَلَى عُلُوٍّ فَهِيَ أَجْوَدُ، وَفِيهِ شَيْءٌ (فَرَمَتْهَا الرِّيحُ عَلَى إِنْسَانٍ فَتَلِفَ لَمْ يَضْمَنْهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، وَوَضْعُهُ لِذَلِكَ كَانَ فِي مِلْكِهِ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ إِذَا وَضَعَهَا مُتَطَرِّفَةً، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إِلَى إِلْقَائِهَا وَتَعَدَّى بِوَضْعِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَنَى حَائِطًا مَائِلًا، وَلَوْ تَدَحْرَجَ فَدَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَضْمَنْ، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَجْهَانِ، وَأَنَّهُمَا فِي بَهِيمَةٍ حَالَتْ بَيْنَ مُضْطَرٍّ وَطَعَامِهِ لَا تَنْدَفِعُ إِلَّا بِقَتْلِهَا مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ.
1 -
مَسْأَلَةٌ: مَنْ نَزَلَ بِئْرًا فِي مَحَلٍّ عُدْوَانًا، أَوْ سَقَطَ فِيهِ فَسَقَطَ فَوْقَهُ آخَرُ فَمَاتَا ضَمِنَهُمَا عَاقِلَةُ الْحَافِرِ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ، وَقِيلَ: عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي نِصْفُ دِيَةِ الْأَوَّلِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.