الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ حَدِّ الْمُسْكِرِ
كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَيُسَمَّى خَمْرًا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
حَنْبَلٌ: يُحَدُّ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمَذْهَبُ يُعَزَّرُ، وَعَلَيْهِمَا لَا لِعَانَ، وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ: يُلَاعِنُ، إِلَّا أَنْ يَقْذِفَهَا بِزِنًا، لَاعَنَ عَلَيْهِ مَرَّةً، وَاعْتَرَفَتْ أَوْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُلَاعِنُ لِنَفْيِ تَعْزِيرٍ، وَلَوْ قَذَفَهَا بِزِنًا آخَرَ بَعْدَ حَدِّهِ فَرِوَايَاتٌ، ثَالِثُهَا: يُحَدُّ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ.
فَرْعٌ: إِذَا تَابَ مِنْ زِنًا حُدَّ قَاذِفُهُ، وَقِيلَ: يُعَزَّرُ، وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ: يُحَدُّ بِزِنًا جَدِيدٍ، لِكَذِبِهِ يَقِينًا، بِخِلَافِ مَنْ سَرَقَ عَيْنًا ثَانِيَةً، فَإِنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ مَا وُجِدَ فِي الْأَوَّلَةِ، وَإِنْ قَذَفَ مَنْ أَقَرَّتْ بِهِ مَرَّةً، وَفِي الْمُبْهِجِ: أَرْبَعًا، أَوْ شَهِدَ بِهِ اثْنَانِ، أَوْ شَهِدَ بِهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا، فَلَا لِعَانَ وَيُعَزَّرُ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا.
مَسْأَلَةٌ: لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ تَوْبَةٍ مِنْ قَذْفٍ وَغِيبَةٍ وَنَحْوِهِمَا إِعْلَامُهُ وَالتَّحَلُّلُ مِنْهُ، وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ، وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ، وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَ بِهِ الْمَظْلُومُ، وَإِلَّا دَعَا لَهُ وَاسْتَغْفَرَ، وَلَمْ يُعْلِمْهُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَوْ أَصْبَحَ، وَتَصَدَّقَ بِعِرْضِهِ عَلَى النَّاسِ، لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلَمْ يُبَحْ، وَلَا يَصِحُّ إِسْقَاطُ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ، وَإِذْنُهُ فِي عِرْضِهِ كَإِذْنِهِ فِي قَذْفِهِ، وَهِيَ كَإِذْنِهِ فِي دَمِهِ وَمَالِهِ.
[بَابُ حَدِّ الْمُسْكِرِ]
[حَدُّ شَارِبِ الْخَمْرِ]
بَابُ حَدِّ الْمُسْكِرِ.
الْمُسْكِرُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ: أَسْكَرَ الشَّرَابُ فَهُوَ مُسْكِرٌ، إِذَا جَعَلَ صَاحِبَهُ سَكْرَانَ، أَوْ كَانَ فِيهِ قُوَّةٌ يَفْعَلُ ذَلِكَ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: السَّكْرَانُ خِلَافُ الصَّاحِي، وَالْجَمْعُ: سَكْرَى، وَسُكَارَى، بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا، وَالْمَرْأَةُ: سَكْرَى، وَلُغَةُ بَنِي أَسَدٍ: سَكْرَانَةٌ.
وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ وَعَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، وَأَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ أَنَّهَا حَلَالٌ فَمَرْجُوعٌ عَنْهُ، نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَسَنَدَهُ قَوْله تَعَالَى:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ} [المائدة: 90]
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» . وَفِي لَفْظٍ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» . رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.
(كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَسْكَرُ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ نَزَّلَ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ، مِنَ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَبَاحَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ مِنْ نَقِيعِ التَّمْرِ إِذَا طُبِخَ مَا دُونَ السُّكْرِ، قَالَ الْخَلَّالُ: فُتْيَاهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِي الرُّخْصَةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: جَاءَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِأَحَادِيثَ مَعْلُولَةٍ، وَقِيلَ: إِنَّ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ عليه السلام:«قَالَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» . مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ. مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالسُّكْرِ الْمُسْكِرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ (وَيُسَمَّى خَمْرًا) لِقَوْلِهِ عليه السلام: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» ، لِأَنَّ الْخَمْرَ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، أَيْ: غَطَّاهُ وَسَتَرَهُ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مُسْكِرٍ، وَحُكْمُ عصير غير الْعِنَبِ كَحُكْمِهِ، رُوِيَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ،
، وَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلَذَّةٍ وَلَا لِلتَّدَاوِي، وَلَا لِعَطَشٍ، وَلَا لِغَيْرِهِ، إِلَّا لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غُصَّ بِهَا،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَعْدٍ، وَأُبَيٍّ، وَأَنَسٍ، وَعَائِشَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَصِيرُ الْعِنَبِ إِذَا طُبِخَ وَذَهَبَ ثُلُثَاهُ، وَنَقِيعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إِذَا طُبِخَ وَلَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ، وَنَبِيذُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، نَقِيعًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ - حَلَالٌ، إِلَّا مَا بَلَغَ السُّكْرَ، وَجَوَابُهُ: مَا رَوَتْ عَائِشَةُ مَرْفُوعًا: «مَا أَسْكَرَ الْفَرَقُ مِنْهُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَسَعِيدٌ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَظَاهِرُهُ: يَقْتَضِي أَنَّ الْحَشِيشَةَ لَا تُسْكِرُ، لَكِنَّ قَوْلَهُ:«كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» يَقْتَضِي أَنَّهَا تُسْكِرُ، قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: الْحَشِيشَةُ الْمُسْكِرَةُ حَرَامٌ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي الْحَدِّ، لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا تُغَطِّي الْعَقْلَ كَالْبَنْجِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُسْكِرُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ نَجِسَةً بِخِلَافِ الْبَنْجِ، وَجَوَّزَة الطَّيبُ: لِأَنَّهَا تُسْكِرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، كَالْخَمْرِ يُسْكِرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، وَالْبَنْجُ يُغَيِّبُ الْعَقْلَ وَيُسْكِرُ بِغَيْرِ الِاسْتِحَالَةِ، كَجَوْزَةِ الطَّيبِ (وَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلَذَّةٍ) لِعُمُومِ «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» (وَلَا لِلتَّدَاوِي) لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ:«أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ، أَوْ كَرِهَ لَهُ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ حَسَّانِ بْنِ مُخَارِقٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ لِعَيْنِهِ فَلَمْ يَحِلَّ شُرْبُهُ لِلتَّدَاوِي، كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ (وَلَا لِعَطَشٍ) لِأَنَّهُ لَا يُذْهِبُهُ وَلَا يُزِيلُهُ وَلَا يَدْفَعُ مَحْذُورَهُ، فَوَجَبَ بَقَاؤُهُ عَمَلًا بِالْأَدِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِذَلِكَ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنَ الْمُعَارِضِ (وَلَا لِغَيْرِهِ إِلَّا لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غُصَّ بِهَا) فَيَجُوزُ تَنَاوُلُهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَخَافَ التَّلَفَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] وَلِأَنَّ حِفْظَ النَّفْسِ مَطْلُوبٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ تُبَاحُ الْمَيْتَةُ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إِلَيْهَا، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا، فَوَجَبَ جَوَازُهُ تَحْصِيلًا لِحِفْظِ النَّفْسِ الْمَطْلُوبِ
وَمَنْ شَرِبَهُ مُخْتَارًا عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
حِفْظُهَا، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ بَوْلًا، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا مَاءً نَجِسًا (وَمَنْ شَرِبَهُ) وَهُوَ مُكَلَّفٌ (مُخْتَارًا عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ) وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّتِهِمْ، وَكَذَا إِذَا ادَّعَى الْجَهَالَةَ بِإِسْكَارِ غَيْرِ الْخَمْرِ، أَوْ تحريمه أو بِوُجُودِ الْحَدِّ بِهِ، وَمَثَلُهُ يَجْهَلُهُ، صُدِّقَ وَلَمْ يُحَدَّ، وَكَذَا إِذَا شَرِبَهَا مُكْرَهًا لِحِلِّهِ لَهُ، وَعَنْهُ: لَا تَحِلُّ لَهُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَفِي حَدِّهِ رِوَايَتَانِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى حِلِّهِ لَهُ وَعَدَمِهِ، وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا كُلُّ مَا جَازَ فِعْلُهُ لِلْمُكْرَهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُرَخِّصُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ (قَلِيلًا كَانَ) مَا شَرِبَهُ (أَوْ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا جَلَدُوا شَارِبَهَا، وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ خَمْرٌ، فَيَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ، وَلِأَنَّهُ شَرَابٌ فِيهِ شِدَّةٌ مَطْرِبَةٌ، فَوَجَبَ الْحَدُّ بِهِ كَالْكَثِيرِ، وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ مَا لَوْ احْتَقَنَ بِهَا فِي الْمَنْصُوصِ، كَمَا لَوْ اسْتَعَطَ أَوْ عَجَنَ بِهِ دَقِيقًا فَأَكَلَهُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَوْ تَمَضْمَضَ حُدَّ، وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: إِنْ وَصَلَ جَوْفَهُ حُدَّ، وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَثْبُتُ بِعَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا، وَلَا يَسْتَفْسِرُهُمَا الْحَاكِمُ عَمَّا شَرِبَ، لِأَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ يُوجِبُ الْحَدَّ، فَدَلَّ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرَهُ الْحَاكِمُ مُوجِبًا اسْتَفْسَرَهُمَا (فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلْهُ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكَتَبَ بِهِ إِلَى خَالِدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بِالشَّامِ، وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي الْمَشُورَةِ: إِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ. رَوَاهُ الْجَوْزَجَانِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَجَوَّزَهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِلْمَصْلَحَةِ، وَأَنَّهُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ
ثَمَانُونَ جَلْدَةً، وَعَنْهُ: أَرْبَعُونَ إِنْ كَانَ حُرًّا. وَالرَّقِيقُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الذِّمِّيَّ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ بِشُرْبِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَهَلْ يَجِبُ الْحَدُّ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَالْعَصِيرُ إِذَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ حَرُمَ، إِلَّا أَنْ يُغْلَى قَبْلَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَعَنْهُ: أَرْبَعُونَ إِنْ كَانَ حُرًّا) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُمَا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ «جَلَدَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ قَالَ: جَلَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. لَا يُقَالُ: فِعْلُ عُمَرَ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّ فِعْلَهُ عليه السلام حُجَّةٌ، لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ مَعَ مُخَالَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّ عُمَرَ فَعَلَ الزِّيَادَةَ عَلَى أَنَّهَا تَعْزِيرٌ، يَجُوزُ فِعْلُهَا إِذَا رَآهَا الْإِمَامُ، وَضَرَبَ عَلِيٌّ النَّجَاشِيَّ بِشُرْبِهِ فِي رَمَضَانَ ثَمَانِينَ، ثُمَّ حَبَسَهُ، ثُمَّ عِشْرِينَ مِنَ الْغَدِ، نَقَلَ صَالِحٌ: أَذْهَبُ إِلَيْهِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُغَلَّظُ عَلَيْهِ كَمَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ: يُعَزَّرُ بِعَشَرَةٍ فَأَقَلَّ، وَفِي الْمُغْنِي: عَزَّرَهُ بِعِشْرِينَ لِفِطْرِهِ (وَالرَّقِيقُ) عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً (عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ) كَالزِّنَا وَالْقَذْفِ، فَكَذَا مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، فَعَلَى الْأُولَى: يُحَدُّ أَرْبَعِينَ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: عِشْرِينَ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ (إِلَّا الذِّمِّيَّ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ بِشُرْبِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ، فَلَمْ يُحَدَّ بِفِعْلِهِ، كَنِكَاحِ الْمَجُوسِ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِمْ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، لِأَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا عَالِمًا بِهِ مُخْتَارًا، أَشْبَهَ شَارِبَ النَّبِيذِ إِذَا اعْتَقَدَ حِلَّهُ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَعِنْدِي يُحَدُّ إِنْ سَكِرَ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلَوْ رَضِيَ بِحُكْمِنَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمِ الِانْقِيَادَ فِي مُخَالَفَةِ دِينِهِ (وَهَلْ يَجِبُ الْحَدُّ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) .
أَظْهَرُهُمَا: لَا يَجِبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، فَعَلَى هَذَا