الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّاني
سَوْق المعارضاتِ الفكريَّة المُعاصرةِ
على الأَحاديثِ الدَّالة على أنَّ شدَّة الحرِّ والبرد مِن جهنَّم
مَدار شبهة الطَّاعنن في دلالةِ هذه الأحاديثِ تدور على ثلاثة أمور:
الأوَّل: دعواهم أنَّ هذه الأحاديث تناكد ما دلَّت عليه الحقيقة العلميَّة الَّتي تقضي أنَّ سبب الحرِّ وشدَّته وكذا البرد: يعود إلى أنَّها مِن الظَّواهر الطبيعيَّة الَّتي تتعلَّق باقترابِ أو ابتعادِ الأرض مِن الشَّمس، فلا علاقة للبرد والحرِّ بسببٍ غيبيٍّ لا يمكن إدراكه ولا تفسيره.
الأمر الثَّاني: أنَّ حديث أبي هريرة يصوِّر الأرضَ بأنَّها لا يجتمع فيها فَصْلان، فهي ذات جوٍّ واحدٍ؛ إمَّا صيف، أو شتاء، وهذا خلاف الضَّرورية الحسيَّة.
الأمر الثَّالث: أنَّ قَبول هذه الأحاديث يلزم منه مخالفة الضَّرورة العقليَّة بامتناع اجتماع النَّقيضين، إذ كيف يصحُّ أن يتصوَّر عن النَّار نَفَسٌ يخالف طبيعتها؟!
وفي تقرير الشُّبهتين الأولَيْين، يقول (إسماعيل الكرديُّ):
«هناك حديث يُروى عن عدَّةٍ من الصَّحابة أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اشتدَّ الحرُّ فأبرِدوا عن الصَّلاة، فإن شدَّة الحرِّ مِن فيحِ جهنَّم» ، وهذا سياق لا إشكال في معناه؛ إذْ يُحمل على أنَّ شدَّة الحرِّ من نَمَط، أو مِن جنس حَرِّ جهنَّم.
لكن حديث أبي هريرة اَّلذي ذكرناه لا يتحمَّل هذا التَّفسير؛ بل هو صريح في نسبة حَرِّ الصَّيف وبرد الشِّتاء إلى نَفَسَي جهنَّم بالتَّحديد
…
فهذا السِّياق مَعْلولٌ بمخالفته الصَّريحة للعلم الَّذي أَثبت -بما أصبح الآن مِن البديهيَّات في علم الجغرافيا- أنَّ سبب الحرِّ واشتدادِه، وسبب البرد وشدته: إنَّما هو عوامل جغرافيَّة وجويَّة؛ مثل: درجة عموديَّة أو ميل الشَّمس على المنطقة، وبُعْد وقُرْب المنطقة من سطح الأرض إلى قُرْصِ الشَّمس.
ثمَّ إنَّه لا يوجد جَوٌّ واحد في الأرض؛ بل في كلِّ وقتٍ توجد على أَجزاء مختلفة مِن الأرض درجاتُ حرارة متفاوتة، مِن أقصى البرودة لأقصى الحرِّ؛ حسب الموقع الجغرافيِّ للمنطقة.
فسياق رواية أبي هريرة للحديث تتعارض مع العلم، وحتَّى مع المحسوس؛ لأنَّ روايته تصوِّر أنَّ الأرض كلَّها ذات جَوٍّ واحد؛ إمَّا صيف .. أو شتاء .. هذا في حين أنَّ الأرض تشتمل على الفصلين معًا في الوقت، فعندما يكون نصف الكرة الشَّمالي في أشدِّ برد الشِّتاء، يكون نصفها الجنوبيُّ في أحرِّ الصَّيف، والعكس بالعكس»
(1)
.
وفي تقرير الشُّبهة الثَّالثة يقول (ابن قرناس): «النَّار مصدر للحرارة، كما الشَّمس الَّتي هي عبارة عن كرَّة عملاقة ملتهبة، ولا يمكن أن يصدر منها برد، ولذلك فإنَّ أهل الجنَّة لن يروا الشَّمس كمصدر للحرارة، ولن يصيبهم برد برغم عدم وجود الشَّمس كمصدر للحرارة .. »
(2)
.