الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الأوَّل
سَوْق أحاديثِ الإسراءِ والمِعراجِ
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه، أنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم حدَّثهم عن ليلة أُسري به: «بينما أنا في الحَطيم
(1)
-وربما قال: في الحِجْرِ
(2)
- مضطجعًا، إذْ أتاني آتٍ فَقَدَّ -قال
(3)
: وسمعته يقول: فشقَّ ما بين هذه إلى هذه -فقلتُ للجارود
(4)
وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قالَ: مِن ثُغْرَةِ
(5)
نحرهِ إلى شِعْرَتِهِ
(6)
، وسمعتُه يقول: من قَصِّهِ
(7)
إلى شِعْرَتِهِ- فاستخرجَ قلبي، ثمَّ أُتيت بطستٍ من ذهب مملوءةٍ إيمانًا، فغسل قلبي، ثمَّ حُشي، ثمَّ أعيد، ثمَّ أُتيت بدابَّة دون البغل وفوق الحمار أبيض -فقال له الجارود: هو البُراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم- يَضَعُ خَطْوَهُ عِندَ أَقصى طَرْفِهِ، فَحُمِلتُ عليه.
(1)
الحطيم: الحِجر، انظر:«فتح الباري» لابن حجر (7/ 204).
(2)
قال ابن حجر: الشكُّ من قتادة، «الفتح» (7/ 255).
(3)
القائل قتادة، والمقول عنه أنس رضي الله عنه، انظر «الفتح» (7/ 256).
(4)
الجارود قال عنه ابن حجر: لم أر من نسبه من الرُّواة ولعلَّه ابن أبي سبرة البصري صاحب أنس، فقد أخرج له أبو داود من روايته عن أنس حديثًا غير هذا» المصدر السَّابق.
(5)
من ثُغرته: الموضع المنخفض الَّذي بين الترقوَّتين، المصدر السَّابق.
(6)
شِعْرته: أي شعر العانة، المصدر السَّابق.
(7)
من قَصِّه: أي رأس صدره، المصدر السَّابق.
فانطلقَ بي جبريلُ حتَّى أتى السَّماء الدُّنيا فَاسْتَفْتَحَ، فقيل: مَنْ هَذا؟ قال جبريل، قيل: ومَن مَعك؟ قال: مُحَمَّدٌ، قِيل: وقَدْ أُرسِلَ إليه
(1)
؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به، فنِعمَ المجيءُ جاء، فَفَتَح، فَلمَّا خَلَصْتُ، فإذا فيها آدَم، فقال: هذا أبوك آدمُ فَسَلِّمْ عليه، فَسَلَّمْتُ عليه، فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَّ قال: مرحبًا بالابنِ الصَّالحِ، والنَّبي الصَّالحِ.
ثُمَّ صَعَدَ، حَتَّى أَتى السَّماء الثَّانية، فَاسْتَفْتَحَ، قِيل مَن هذا؟ قال: جبريلُ، قِيل: ومَن مَعَكَ؟ قال: مُحَمَّدٌ، قيل: وقَد أُرْسِلَ إليهِ؟ قال: نعم، قِيل: مرحبًا به، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَفَتَحَ، فَلمَّا خَلَصْتُ، إذا يَحْيَى وعِيسى، وهما ابْنَا الخالة، قَال: هذا يحيى وعيسى، فَسَلِّم عَليهِما، فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّا، ثُمَّ قالا: مرحبًا بالأخِ الصَّالِحِ، والنَّبيِّ الصَّالِحِ.
ثمَّ صَعِدَ بي إلى السَّماء الثَّالثة فاسْتَفْتحَ، قِيلَ: مَن هذا؟ قال: جبريلُ، قيل: ومَن مَعك؟ قال: مُحمَّدٌ، قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مَرحبًا به، فنعم المجيء جاء، فَفُتِحَ، فَلما خَلَصْتُ، إذا يوسفُ، قَال: هذا يُوسُفُ، فَسلِّمْ عليه، فَسَلَّمتُ عليه، فَردَّ، ثمَّ قال: مرحبًا بالأخِ الصَّالحِ، والنَّبيِّ الصَّالحِ.
ثُمَّ صَعِدَ بي، حَتَّى أَتى السَّماءَ الرَّابعةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قيل: مَن هذا؟ قال: جبريلُ، قيل: ومَن معك؟ قال: مُحَمَّدٌ، قِيل: أَوَ قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مَرْحَبًا به، فنِعمَ المجيءُ جاءَ، فَفُتِح، فلمَّا خَلَصْتُ إلى إدريس، قال: هذا إدريسُ فَسلِّم عليه، فَسَلَّمتُ عليه، فَرَدَّ، ثُمَّ قال: مَرْحَبًا بالأَخِ الصَّالحِ، والنَّبيِّ الصالحِ.
(1)
أي للعروجِ، وليس المراد أصل البعث؛ لأنَّ ذلك كان مُشتهرًا في الملكوت الأعلى، المصدر السَّابق (7/ 262).
ثُمَّ صَعِدَ بي، حتَّى أتى السَّمَاءَ الخامسةَ، فاسْتَفْتَحَ، قيل: مَن هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومَن مَعَك؟ قال: مُحمَّد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مَرْحبًا به، فَنِعمَ المجيءُ جاءَ، فلمَّا خَلَصْتُ، فإذا هارون، قال: هذا هارونُ فَسَلِّم علي، فَسَلَّمْتُ عليه، فَرَدَّ، ثُمَّ قال: مَرحبًا بالأَخِ الصَّالحِ، والنَّبيِّ الصَّالحِ.
ثُمَّ صَعِدَ بي، حتَّى أتى السَّماء، فَاسْتفتحَ، قيل: مَن هذا؟ قال: جبريلُ، قيل: مَن مَعَكَ؟ قال: مُحمَّدٌ، قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبًا به، فَنِعمَ المجيءُ جاءَ،.فلما خَلَصْتُ، فإذا موسى، قال: هذا مُوسَى فَسَلِّم عليه، فَسَلَّمْتُ عليه، فَرَدَّ، ثُمَّ قال: مرحبًا بالأخِ الصَّالِحِ، والنبيِّ الصَّالحِ، فَلمَّا تجاوزتُ بَكَى، قيل له: ما يُبْكِيك؟ قال: أَبكي لأنَّ غُلامًا بُعثَ بَعْدِي يدخلُ الجَنَّةَ من أُمَّته أكثرُ مِمَّن يَدْخُلُها من أُمَّتي.
ثُمَّ صَعد بي إلى السَّماء السَّابعةَ فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريلُ، قيل: ومن معك؟ قال: مُحَمَّدٌ، قيل: وقد بُعِثَ إليه؟ قال: نعم، قال: مَرحبًا به، فَنِعمَ المَجيءُ جاءَ، فَلمَّا خَلصْتُ فإذا إبراهيمُ، قال: هذا أبوكَ فَسلِّم عليه، قال: فَسَلَّمتُ عليه، فَرَدَّ السَّلام، قال: مَرحبًا بالابنِ الصَّالح، والنَّبيِّ الصَّالحِ، ثُمَّ رُفِعَتْ لي سِدْرَةُ المُنْتَهى. فإذا نَبِقُها
(1)
مثلُ قِلالِ هَجَرَ
(2)
، وإذا ورقها مثل آذان الفِيَلة، قال: هذه سِدرة المُنْتهى، وإذا أربعةُ أَنهارٍ نهرانِ باطنانِ، ونَهرانِ ظَاهرانِ، فقلتُ ما هذان يا جبريل؟ قال: أَمَّا الباطنان فنهران في الجنَّة، وأمَّا الظَّاهران: فالنِّيلُ والفُراتُ، ثُمَّ رُفِعَ لي البيتُ المَعمورُ، يدخله كلَّ يومٍ سبعون ألف مَلَك، ثُمَّ أُتِيتُ بإِناءٍ مِن خَمر، وإناء مِن لَبَنٍ، وإناءٍ مِن عَسَل؛ فأخذتُ اللَّبنَ، فقال: هي الفِطرةُ الَّتي أنتَ عليها وأمَّتك.
ثُمَّ فُرضتْ عليَّ الصَّلواتُ خمسينَ صلاةً كلَّ يوم، فَرجعتُ فَمررتُ على مُوسى، فقال: بِمَ أُمرتَ؟ قال: أُمرتُ بخمسين صلاةً كلَّ يوم، قال: أمَّتُك لا تستطيع خمسينَ صلاةً كُلَّ يومٍ، وإنِّي -والله- قد جرَّبتُ النَّاس قبلَك، وعَالجْتُ بني إسرائيل أشَدَّ المعالجةِ، فارْجِعْ إلى ربِّك فاسْألهُ التَّخفيفَ لأُمَّتِك، فرجعتُ، فوضعَ عَنِّي
(1)
النَّبِقُ: ثمر السِّدر، واحدته: نَبِقة ونَبْقَة، انظر «النهاية» لابن الأثير (5/ 10).
(2)
قِلال هجر: القلال جمع قُلَّة: وهي الجرَّة العظيمة، وهَجَر: قرية قريبة من المدينة، وليست هجر البحرين، المصدر السابق (4/ 104).
عَشْرًا، فرجعتُ إلى مُوسى فقال مثله، فرجعتُ فَوضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرجعتُ إلى مُوسى فقال مثلَهُ، فرجعتُ فوضعَ عنِّي عَشْرًا، فرجعتُ إلى موسى فقال مثلَهُ، فرجعتُ فَأُمرتُ بعشر صلواتٍ كلَّ يوم، فَرجعتُ فقال مثلَهُ، فرجعت فأُمِرتُ بخمسِ صَلَواتٍ كلَّ يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بمَ أُمرتَ؟ قلتُ: أُمرتُ بخمسِ صلواتٍ كلَّ يوم، قال: إنَّ أُمَّتَك لا تستطيعُ خمسَ صلواتٍ كلَّ يوم، وإنِّي قد جرَّبتُ النَّاسَ قبلك وعالجتُ بني إسرائيلَ أشدَّ المعالجة، فارجع إلى ربِّك فاسأله التَّخفيف لأمَّتك، قال: سألتُ ربِّي حتَّى استحييتُ، ولكن أرضى وأُسَلِّم، قال: فَلمَّا جاوزتُ نَادَى مُنَادٍ: أَمْضيتُ فريضتي، وخَفَّفْتُ عن عبادي» متَّفق عليه
(1)
.
وعن أنس قال: كان أبو ذر رضي الله عنه يُحدِّثُ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «فُرِجَ سَقْفُ بيتي وأنا بمكَّةَ، فنزلَ جبريلُ، فَفَرَجَ صدري، ثُمَّ غَسَلَهُ بماءِ زَمْزَم، ثُمَّ جاءَ بطست من ذهبٍ مُمتلئٍ حكمةً وإيمانًا، فأفرغَها في صدري، ثُمَّ أَطبَقه، ثُمَّ أَخذَ بيدي فَعَرَجَ بي إلى السَّماءِ، فَلمَّا جاء إلى السَّماء الدُّنيا، قال جبريل لخازن السَّماء: اِفتح، قال: مَن هذا؟ قال: هذا جبريل، قال: معك أحدٌ، قال: معي مُحَمَّدٌ، قال: أُرْسِلَ إليه؟ قال: نعم، فَافْتَح، فلمَّا عَلَونا إلى السَّماء إذا رَجُلٌ عن يمينه أَسْوِدَةٌ
(2)
، وعن يَساره أَسودة، فإذا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحك، وإذا نَظَرَ قِبل شماله بكى، فقال: مَرحَبًا بالنَّبيِّ الصَّالحِ، والابنِ الصَّالحِ، قلتُ: مَن هذا يا جبريل؟ قال: هذا آدم، وهذه الأَسْودةُ عن يمينه وعن شماله نَسَم بَنيِهِ
(3)
، فَأهْلُ اليمينِ مِنهمْ أهْلُ الجنَّةِ، والأَسْوِدة الَّتي عن شماله أَهل النَّارِ، فإذا نَظَر قِبَل يَمِينهِ ضَحِكَ، وإذا نَظَر قِبل شماله بكى .. » الحديث.
(1)
أخرجه البخاري في (ك: مناقب الأنصار، باب: المعراج، رقم: 3887)، ومسلم في (ك: الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم: 164).
(2)
أَسْوِدة: جمع سواد، كسنام وأسنمة، وفسر الأسودة في الحديث بأنَّها نَسَم بنيه، وتجمع الأسودة على أساود، والسواد: الشخص، وقيل السواد: الجماعات، انظر «شرح صحيح مسلم» للنووي (2/ 218).
(3)
نَسَم بنيه: الواحدة نسمة، وهي نفس الإنسان، والمراد: أرواح بنى آدم، المصدر السَّابق.
قال: وأَخبرني ابن حزم
(1)
، أنَّ ابن عباس رضي الله عنه وأبا حَبَّةَ الأَنْصَاري رضي الله عنه، كانا يقولانِ: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ثمَّ عُرِجَ بي حتَّى ظَهَرتُ لِمُستوًى أَسمَعُ صَرِيفَ الأَقْلامِ»
(2)
.
وعن ابن حزم وأنس بن مالك رضي الله عنهم: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: « .. ثُمَّ انْطَلَقَ، حتَّى أتى بي السِّدرةَ المُنْتهى، فَغَشِيها أَلوانٌ لا أدري ما هيَ! ثمَّ أُدْخِلتُ الجنَّةَ، فإذا فيها جَنابِذُ اللُّؤلؤ
(3)
، وإذا تُرابُها المِسْكُ» متَّفق عليه
(4)
.
وعن ثابت البُناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُتِيتُ بالبُراقِ، وهو دابَّة أَبيض طويل، فَوْق الحِمار، ودون البغل، يضع حافِره عندَ مُنْتهى طَرْفِهِ، قال: فركِبْتُه، حتَّى أَتيتُ بيْتَ المَقْدِسِ، قال: فَرَبطْتُهُ بالحَلْقَةِ، الَّتي يَربِطُ به الأَنبياءُ، قال: ثُمَّ دَخَلتُ، فَصَلَّيتُ ركعتين، ثُمَّ خرجتُ، فجاءني جِبريل عليه السلام بإناءٍ من خَمْر، وإناءٍ من لَبَنٍ، فاخترتُ اللَّبن، فقال جبريلُ عليه السلام: اخْتَرتَ الفِطْرةَ
(5)
، ثُمَّ عُرج بنا إلى السَّماء» أخرجه مُسلم
(6)
.
(1)
قال ابن رجب: «الظاهر أنَّه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم» ، «فتح الباري» له (2/ 318).
(2)
صريف الأقلام: صوت ما تكتبه الملائكة بأقلامها من أقضية الله تعالى ووحيه، أو ما ينسخونه من اللَّوح المحفوظ، أو ما شاء الله من ذلك، انظر «فتح الباري» لابن رجب (2/ 318).
(3)
جنابذ اللُّؤلؤ: جمع جُنْبُذة: وهي القُبَّة، انظر «النهاية» (1/ 333).
(4)
أخرجه البخاري في (ك: أخبار الأنبياء، باب: ذكر إدريس .. ، رقم: 3342)، ومسلم في (ك: الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات، رقم:163).
(5)
فيه أقوال، أوجهها: الإسلام، أو الاستقامة، أو الحنيفيَّة، وهذا هو اختيار القاضي عياض في «إكمال المعلم» (1/ 501)، واقتصر عليه النَّووي في «شَرحه لمسلم» (2/ 212).
(6)
أخرجه مسلم في (ك: الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات، رقم: 162).