المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأولدراسة ما أعله أبو حنيفة النعمان (ت 150 هـ)وهو في «الصحيحين» - المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين - جـ ٢

[محمد بن فريد زريوح]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الرَّابع: الاحتجاج بسبقِ نقدِ العلماء لأحاديث الصَّحيحين في القديم والحديث

- ‌المَبحث الأوَّل: استناد الطَّاعنين في أحاديث «الصَّحيحين» على سابق عمل المُحدِّثين في نقدهما

- ‌المَبحث الثَّانينبذةٌ عن أشهرِ مَن نقد «الصَّحيحين» مِن المُتقدِّمين

- ‌المَبحث الثَّالثطبيعة تعليلِ النُّقاد المُتقدِّمين لأخبار «الصَّحيحين»

- ‌المَطلب الأوَّلأقسام الأحاديث المُعلَّة في «الصَّحيحين» من قِبَل المُتقدِّمين

- ‌المَطلب الثَّانيتصدير الأمَّة للصَّحيحين فرعٌ عن نقد مُحقِّقيها لهما

- ‌المَطلب الثَّالثكلام المتقدِّمين في «الصَّحِيحَين»أغلبُه في رسوم الأسانيدِ دون رَدٍّ للمتون

- ‌المَبحث الرابعالتَّفاوت الفسيح بين منهجِ المُتقدِّمين وطُرق المُعاصرينمن غير ذوي الأهليَّة في تعليلِ «الصَّحيحين»

- ‌المَبحث الخامسنقد احتجاجِ المُعاصرين على طعنِهم في أحاديث «الصَّحيحين» بالأئمَّة الأربعة

- ‌المَطلب الأوَّلدراسة ما أعلَّه أبو حنيفة النُّعمان (ت 150 هـ)وهو في «الصَّحيحين»

- ‌المَطلب الثَّانيدراسة ما أعلَّه مالك بن أنس (ت 179 هـ) وهو في «الصَّحيحين»

- ‌المَطلب الثَّالثدراسة ما أعلَّه الشَّافعي (ت 204 هـ) وهو في أحد «الصَّحيحين»

- ‌المَطلب الرابعدراسة ما أعلَّه أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) وهو في أحد «الصَّحيحين»

- ‌المَبحث السَّادسالاحتجاج بتَضعيفِ المُحدِّثين المعاصرين لبعضِ أحاديثِ «الصَّحِيحَين»

- ‌المَطلب الأوَّلالمعايير المُصحِّحة لأيِّ نقدٍ مُعاصرٍ لأحاديث «الصَّحيحين»

- ‌المَطلب الثَّانيموقف محمَّد زاهد الكَوْثَريُّ(1)(ت 1371 هـ) من «الصَّحيحين» ونقد عمله في إعلال بعض أخبارهما

- ‌المَطلب الرَّابعموقف أحمد بن الصِّدِّيق الغُماري(1)(ت 1380 هـ) من «الصَّحيحين»

- ‌المَطلب الخامسموقف عبد الله بن الصِّديق الغُماري(1)(ت 1413 هـ) من «الصَّحيحين» ودراسة بعضِ ما أعلَّه فيهما

- ‌‌‌المَطلب السَّادسموقف الألبانيِّ(1)(ت 1420 هـ) مِن «الصَّحيحين»

- ‌المَطلب السَّادس

- ‌الباب [الثالث] [*]نقدُ دَعاوى المُعارضاتِ الفكريةِ المُعاصرةِ لأحاديث «الصحيحين»

- ‌الفصل الأولنقدُ دَعاوى المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ للأحاديث المُتعلِّقة بالإلهيَّات

- ‌المبحث الأوَّلنقد دعاوي المعارضات الفكريَّة المُعاصرة لحديث الجارية

- ‌المَطلب الأوَّلسَوق حديث الجارية

- ‌المَطلب الثَّانيسَوْق المُعارضاتِ الفكريَّة المُعاصرةِ لحديث الجارية

- ‌المَطلب الثَّالثدفعُ دعوى المُعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِعن حديثِ الجاريةِ

- ‌المَبحث الثَّانينقدُ دَعاوى المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ لحديث «احتَّج آدمُ وموسَى»

- ‌المَطلب الأوَّلسَوْق حديث «احتجَّ آدمُ وموسى»

- ‌المَطلب الثَّانيسَوْق دَعوى المُعارَضاتِ الفِكريَّةِ المُعاصرةِ لحديثِ «احتَّج آدمُ وموسَى»

- ‌المَطلب الثَّالثدَفع دعوى المعارضِات الفكريَّةِ المعاصرةِعن حديثِ «احتجَّ آدمُ وموسَى»

- ‌المَبحث الثَّالثنقد دعاوى المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة لحديث رؤية الله في الجنَّة

- ‌المَطلب الأوَّلسَوْقُ أحاديثِ رُؤيةِ الله تعالى في الَجنَّة

- ‌المَطلب الثَّانيسَوْق المعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِلأحاديثِ رؤيةِ الله تعالى في الجنَّة

- ‌المَطلب الثَّالثدَفعُ دعوى المعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِعن أحاديثِ رؤيةِ الله تعالى في الجنَّة

- ‌الفصل الثاني نقدُ دَعاوى المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ للأحاديث المُتعلِّقة بالتَّفسير

- ‌المَبحث الأوَّل نقد المعارضات الفكريَّة المعاصرة لأحاديث الموافقات القرآنيَّة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المَطلب الأوَّل سَوق أحاديث الموافقات القرآنيَّة لعمر بن الخطاب

- ‌المطلب الثاني سَوق دعوى المعارضات الفكريَّة المعاصرة لأحاديث الموافقات القرآنية لعمر بن الخطاب

- ‌المَطلب الثَّالث دفع دعوى المعارضات الفكريَّة المعاصرة عن أحاديث الموافقات القرآنية لعمر بن الخطَّاب

- ‌المَبحث الثَّاني نقد دعاوي المُعارضات المُعاصرة للتَّفسير النَّبوي لقوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}

- ‌المَطلب الأوَّل: سَوق التَّفسير النَّبوي لآية: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}

- ‌المَبحث الثَّاني:سَوق المعارضات المعاصرة للتَّفسير النَّبوي لقوله تعالى:{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}

- ‌المَطلب الثَّالث:دفعُ المعارضاتِ المعاصرةِ للتَّفسيرِ النَّبويِّ لقوله تعالى:{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}

- ‌المَبحث الثَّالث نقد دعاوي المعارضات الفكرية المعاصرة للتَّفسيرِ الأثَريِّ لآية: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ} بقتال الملائكة في بدر

- ‌المَطلب الأوَّلسَوق التَّفسيرِ الأثَريِّ لقولِه تعالى:{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ} بقتال الملائكة في بدر

- ‌المَطلب الثانيسَوق المعارضاتِ الفكريَّة المعاصرة للتَّفسير الأثريِّ لآية:{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ} بقتال الملائكة

- ‌المطلب الثالثدفع المعارضات الفكريَّة المعاصرةعن أحاديث تفسيرِ آية: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ} بقتالِ الملائكة

- ‌المَبحث الرَّابع نقد دعاوي المعارضات المُعاصرة للتَّفسير النَّبوي لآية: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ}

- ‌المطلب الأوَّلسوق التَّفسير النَّبوي لآية:{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ}

- ‌المَطلب الثَّانيسَوق المعارضات الفكريَّة المعاصرةلتفسيرِ آيةِ: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ}

- ‌المَطلب الثَّالثدفع المعارضات الفكريَّة المعاصرةللتَّفسير النَّبوي لآية: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ}

- ‌المَبحث الخامس نقد المعارضات الفكريَّة المُعاصرة للتَّفسير النَّبوي لآية: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ}

- ‌المَطلب الأوَّل سَوق التَّفسير النَّبوي لآية: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ}

- ‌المَطلب الثَّانيسَوْق المعارضاتِ الفكريَّة المعاصرةِللتَّفسير النَّبوي لآية: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ}

- ‌المَطلب الثَّالث دَفع المعارضاتِ الفكريَّة المعاصرةِ عن حديث: «مفاتح الغيب خَمسٌ»

- ‌المَبحث السَّادس نقد دعاوي المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة للتَّفسير النَّبوي لقوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ}

- ‌المَطلب الأوَّل سَوق التَّفسير النَّبوي لقولِه تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ}

- ‌المَطلب الثَّاني سَوْق المعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِ للتَّفسير النَّبوي لآيةِ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ}

- ‌المَطلب الثالث دفعُ المعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِ عن التَّفسير النَّبويِّ لآيةِ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ}

- ‌الفصل الثالث نقدُ دَعاوى المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ للأحاديث المُتعلِّقة بالغَيبيَّات

- ‌المَبحث الأوَّل نقد دعاوى المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة لحديث «مفاتيحُ الغيبِ خمسة»

- ‌المَطلب الأوَّل سَوْق حديث «مفاتيحُ الغيبِ خمسة»

- ‌المَطلب الثَّاني سَوق المُعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِ لحديث «مفاتح الغيب خمسة»

- ‌المَطلب الثَّالث دفع المعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِ عن حديثِ «مفاتح الغيب خمس»

- ‌المَبحث الثاني نقد دعاوى المعارضات الفكريَّة المُعاصرة لحديث نخسِ الشَّيطان للمَولود

- ‌المَطلب الأوَّل سَوق حديث نخسِ الشَّيطان للمَولود

- ‌المَطلب الثاني سَوق المعارضاتِ الفكريَّة المعاصرةِ على حديث نخسِ الشَّيطان للمَولود

- ‌المَطلب الثَّالث دفعُ دَعوى المعارضاتِ الفكريَّة المعاصرةِ عن حديث نخسِ الشَّيطان للمَولودِ

- ‌المَبحث الثَّالث نقد دعاوي المعارضات الفكريَّة المُعاصرة لحديث حديث «إذا سمعتم صياحَ الدِّيَكة .. وإذا سمعتم نهيق الحمار»

- ‌المَطلب الأوَّل سَوْق حديث «إذا سمعتم صياحَ الدِّيَكة .. وإذا سمعتم نهيق الحمار»

- ‌المَطلب الثَّاني سَوق المعارضات الفكريَّة المعاصرة لحديث «إذا سمعتم صياحَ الدِّيَكة»

- ‌المَطلب الثَّالث دفعُ دعاوي المعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ عن حديث «إذا سمعتم صياحَ الدِّيَكة .. وإذا سمعتم نهيق الحمار»

- ‌المَبحث الرَّابع نقد دعاوي المُعارضات الفكريَّة المعاصرة لحديث «إذا هَلك كِسرى فلا كِسرى بعده»

- ‌المَطلب الأول سَوْق حديثِ: «إذا هَلك كِسرى فلا كِسرى بعده»

- ‌المَطلب الثَّاني سَوق المُعارضات الفكريَّةِ المعاصرةِ لحديثِ «إذا هَلك كِسرى فلا كِسرى بعده»

- ‌المَطلب الثَّالث دفع المعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِ عن حديث «إذا هَلك كِسْرى فلا كِسْرى بعده»

- ‌المَبحث الخامس نقد دعاوي المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة لأحاديث انقضاءِ قرن الصَّحابةِ بعد المائة

- ‌المَطلب الأوَّل سَوْق أحاديثِ انقضاءِ قرن الصَّحابةِ بعد المائة

- ‌المَطلب الثَّاني سَوق المعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِ لأحاديث انقضاءِ قرن الصَّحابة بعد مائة سنة

- ‌المَطلب الثَّالث دَفعُ دعاوي المعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِ عن أحاديثِ انقضاءِ قرن الصَّحابة بعد المائة

- ‌المَبحث السَّادس نقد دعاوي المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة لحديث «خلق التُّربة يوم السَّبت»

- ‌المَطلب الأوَّل سَوق حديث خلق التُّربة يوم السَّبت

- ‌المَطلب الثاني سَوْق خِلافِ العلماءِ في صحَّةِ حديثِ خَلْقِ التُّربة يومَ السَّبت

- ‌المَطلب الثَّالث بيان رُجحان قول المُنكرين لحديثِ خلقِ التُّربةِ يومَ السَّبتِ

- ‌المَبحث السَّابع نقد المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة لحديث الجسَّاسة

- ‌المَطلب الأوَّل سَوْق حديثِ الجسَّاسة

- ‌المَطلب الثاني سَوْق المعارضاتِ الفكريَّة المعاصرة لحديث الجسَّاسةِ

- ‌المَطلب الثَّالث دفع المُعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِ عن حديثِ الجسَّاسة

- ‌المَبحث الثَّامن نقد دعاوي المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة لأحاديثِ المسيح الدَّجال

- ‌المَطلب الأوَّل سَوق الأحاديث المُتعلِّقة بالمسيح الدَّجال

- ‌المَطلب الثَّاني سَوْق المعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِ للأحاديث المتعلِّقة بالدَّجال

- ‌المَطلب الثالث دَفعُ دعوى المعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ للأحاديثِ المتعلِّقة بالدَّجالِ

- ‌المَبحث التَّاسع نقد المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة لأحاديثِ نزولِ المسيحِ عيسى ابنِ مريم عليه السلام

- ‌المَطلب الأوَّل سَوق أحاديثِ نزولِ المسيحِ عيسى ابنِ مريم عليه السلام

- ‌المَطلب الثَّاني سَوْق الُمعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِ لأحاديثِ نزولِ المسيحِ عيسى ابنِ مريم عليه السلام

- ‌المَطلب الثالثدفعُ المُعارَضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِلأحاديثِ نزولِ المسيحِ عيسى ابنِ مريم عليه السلام

- ‌المَبحث العاشرنقد دعاوي المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة لحديثِ سُجودِ الشَّمس تحت العَرشِ

- ‌المَطلب الأوَّلسَوق حديث سُجودِ الشَّمس تحت العَرشِ

- ‌المَطلب الثَّانيسَوْق المعارضاتِ الفكريَّة المُعاصرةلحديث سجودِ الشَّمسِ تحت العرشِ

- ‌المَطلب الثَّالثدفعُ دعاوي المعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِعن حديثِ سجودِ الشَّمسِ تحت العرشِ

- ‌المَبحث الحادي عشرنقد دعاوي المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة للأحاديث الدَّالةِ على أنَّ شِدَّة الحرِّ والبردِ مِن جهنَّم

- ‌المَطلب الأوَّلسوق الأحاديث الدَّالةِ على أنَّ شِدَّة الحرِّ والبردِ مِن جهنَّم

- ‌المَطلب الثَّانيسَوْق المعارضاتِ الفكريَّة المُعاصرةِعلى الأَحاديثِ الدَّالة على أنَّ شدَّة الحرِّ والبرد مِن جهنَّم

- ‌المَطلب الثَّالثدفع دعوى المعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِعن الأَحاديث الدَّالة على أنَّ شدَّة الحرِّ والبرد مِن جهنَّم

- ‌المَبحث الثَّاني عشرنقد دعاوي المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة لأحاديث عذاب القبرِ ونَعيمِه

- ‌المَطلب الأوَّلسَوْق أحاديث عذابِ القبرِ ونعيمِه

- ‌المَطلب الثَّانيسَوْق المُعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِلأحاديث عذابِ القبرِ ونعيمه

- ‌المَطلب الثَّالثدَفعُ دعاوى المعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِعن أحاديث عذاب القبرِ ونعيمه

- ‌المَبحث الثَّالث عشرنقد دعاوي المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة لأحاديثِ عذابِ الميِّت ببكاءِ أهلِه عليه

- ‌المَطلب الأوَّلسَوق أحاديثِ عذابِ الميِّت ببكاءِ أهلِه عليه

- ‌المَطلب الثَّانيسَوْق المُعارضاتِ الفكريَّة المعاصرةِلأحاديث عذابِ الميِّت ببكاءِ أهلِه عليه

- ‌المَطلب الثَّالثدَفعُ دعوى المعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِعن أحاديثِ عذابِ الميِّت ببكاءِ أهلِه عليه

- ‌المَبحث الرَّابع عشرنقد دعاوي المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة لحديث الشفاعةِ الكبرى

- ‌المَطلب الأوَّلسَوْق حديثِ الشَّفاعةِ الكبرى

- ‌المَطلب الثَّانيسَوْق دعاوي المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِلحديث شفاعة النَبي صلى الله عليه وسلم الكبرى

- ‌المَطلب الثَّالثدفع دعاوي المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِعن حديث شفاعة النَبي صلى الله عليه وسلم الكبرى

- ‌المبحث الخامس عشرنقد دعاوي المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة لأحاديث شفاعة النَّبي صلى الله عليه وسلم لعمِّه أبي طالب يوم القيامة

- ‌المَطلب الأوَّلسَوْق أحاديث شفاعة النَّبي صلى الله عليه وسلملعمِّه أبي طالب يوم القيامة

- ‌المَطلب الثَّانيسَوْق المُعارضاتِ الفكريَّة المُعاصرةِلأحاديث شفاعة النَّبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالبٍ يوم القيامة

- ‌المَطلب الثَّالثدَفعُ المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِعن أحاديثِ شفاعةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب

- ‌المَبحث السادس عشرنقد دعاوي المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة لحديثِ ذَبِح الموتِ بين الجنَّةِ والنَّارِ

- ‌المَطلب الأوَّلسَوق حديثِ ذَبِح الموتِ بين الجنَّةِ والنَّارِ

- ‌المطلب الثَّانيسَوْق المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِلحديث ذبِح المَوت بين الجنَّة والنَّار

- ‌المَطلب الثَّالثدَفعُ المعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِعن حديث ذبح الموت بين الجنَّة والنَّار

- ‌الفصل الرابعنقد دعاوي المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة للأحاديث المُتعلِّقة بالنَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المَبحث الأوَّلنقد المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة للحديثِ الدَّالِ على سِحْرِ النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المَطلب الأوَّلسَوق الحديث الدَّال على سِحر النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المَطلب الثَّانيسَوْق المُعارضات الفكريَّةِ المعاصرةِلحديثِ سحرِ النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المَطلب الثَّالثدفع المعارَضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِعن الحديث الدَّالِ على سحرِ النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المَبحث الثَّانينقد دعاوي المعارضاتِ الفكريَّة المعاصرةِ لأحاديثِ الآياتِ الحسِّيَّة للنَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المَطلب الأوَّلسَوق دعاوي المعارضاتِ الفكريَّة المعاصرةِلأحاديثِ الآياتِ الحسِّيَّة للنَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المَطلب الثَّانيدَفعُ دعاوي المُعارضات الفكريَّةِ المُعاصرةِعن أحاديث الآياتِ الحسِّيَّة للنَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المَبحث الثَّالثنقد دعاوي المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة لأحاديثِ انشقاقِ القَمرِ

- ‌المَطلب الأولسَوق أحاديث انشقاقِ القمر

- ‌المَطلب الثَّانيسَوْقُ دعاوي المُعارِضات الفكريَّةِ المُعاصرةِعلى أحاديثِ انشقاقِ القَمر

- ‌المَطلب الثَّالثدفع المُعارِضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِعن أحاديثِ انشقاقِ القَمَر

- ‌المَبحث الرَّابعنقد دعاوي المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة لأحاديثِ الإسراءِ والمِعراجِ

- ‌المَطلب الأوَّلسَوْق أحاديثِ الإسراءِ والمِعراجِ

- ‌المَطلب الثَّانيسَوْق الُمعارضات الفكريَّةِ المُعاصرةِلأحاديثِ الإسراءِ والمعراجِ

- ‌المَطلب الثَّالثدَفعُ دعاوى المعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِعن أحاديثِ الإسراءِ والمعراج

- ‌المَبحث الخامسنقد دعاوي المُعارضات الفكريَّة المُعاصرة لحديث شَقِّ صدر النَّبي صلى الله عليه وسلم، وحفظِه مِن وسواس الشَّيطان

- ‌المَطلب الأوَّلسَوْق حديث شَقِّ صدر النَّبي صلى الله عليه وسلموحفظِه مِن وسواس الشَّيطان

- ‌المَطلب الثَّانيسَوْق المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِلأحاديث شَقِّ صدرِ النَّبي صلى الله عليه وسلم وحفظِه مِن وسواس الشَّيطان

- ‌المَطلب الثَّالثدفع المُعارضات الفكريَّةِ المُعاصرةِعن أحاديثِ شقِّ صدر النَّبي صلى الله عليه وسلم، وحفظه مِن وسواس الشَّيطان

الفصل: ‌المطلب الأولدراسة ما أعله أبو حنيفة النعمان (ت 150 هـ)وهو في «الصحيحين»

‌المَطلب الأوَّل

دراسة ما أعلَّه أبو حنيفة النُّعمان (ت 150 هـ)

وهو في «الصَّحيحين»

بلغَت أحاديث «الصَّحيحين» الَّتي يُدَّعَى على أبي حنيفة طعنُه فيها سِتَّةَ أحاديث، نأخذها واحدةً تلو الأخرى، لنستبين حقيقةَ دعوى اتِّباعه في إنكارِ المتون إذا صحَّت أسانيدها، والمنهجَ الَّذي يُعامل به هذا الإمام مَنقولاتِ السُّنة، فنقول:

الفرع الأوَّل: دراسة ما نُسب إلى أبي حنيفة إعلالُه في أحد «الصَّحيحين» .

الحديث الأوَّل:

أخرج الشَّيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: عَدا يهوديٌّ في عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم على جارية، فأخذ أوضاحًا كانت عليها، ورضخَ رأسها، فأتى بها أهلُها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهي في آخر رَمق وقد أُصمتت

(1)

، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مَن قَتلك؟ فلان؟» -لغيرِ الَّذي قَتلها- فأشارت برأسها: أن لا،

(1)

أي اعتُقل لسانها فلا تقدر على الكلام، انظر «النهاية» لابن الأثير (2/ 229).

ص: 681

قال: فقال لرجلٍ آخر غير الَّذي قَتلها، فأشارت: أن لا، فقال:«ففُلان؟» لقاتلِها، فأشارت: أن نعم، فأمرَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرضخَ رأسَه بين حَجرين

(1)

.

هذا الحديث ادَّعى (زكريَّا أوزون)

(2)

و (إسماعيل الكرديُّ)

(3)

و (جمال البَنَّا)

(4)

أنَّ أبا حنيفةَ رَدَّه لمُعارضتِه ما هو مَعروفٌ في الشَّرعِ من قتلِ المَقتولِ مِن غير بيِّنةٍ، وينقلون عنه أنَّه قال فيه:«إنَّه هَذَيان»

(5)

!

ومثل هذا لا يثبُت عن أبي حنيفة، حيث جاء عنه من طريقين:

الأوَّل: من طريق زكريَّا السَّاجي، عن عصمة بن محمد، عن العباس بن عبد العظيم، عن أبي بكر بن أبي الأسود، عن بشر بن المفضل، أنَّه سأل أبا حنيفة .. إلخ الكلام

(6)

.

وزاد ابن عبد البرِّ في سنده مع عصمة هذا: سعيد بن محمد بن عمرو

(7)

.

وكلاهما عصمة وسعيد لم أجد لهما ترجمة، والرَّاجح أنَّهما غير مَعروفين، فلا تقوم بمثلهما حجَّة.

والثَّاني: من طريق محمَّد بن عمر بن بهتة، عن أحمد بن محمَّد بن سعيد المعروف بابن عقدة الكوفي، عن موسى بن هارون بن إسحاق، عن العبَّاس بن عبد العظيم بنفس الإسناد الأوَّل

(8)

.

(1)

أخرجه البخاري بهذا اللفظ في (ك: الطلاق، باب الإشارة في الطلاق والأمور، رقم:4989)، ومسلم في (ك: القسامة، باب: ثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره، رقم: 1672).

(2)

«جناية البخاري» (ص/74).

(3)

«نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/52).

(4)

«تجريد البخاري وسلم» (ص/16).

(5)

«تاريخ بغداد» (15/ 530).

(6)

أخرجه ابن حبَّان في «المجروحين» (3/ 70).

(7)

«الانتقاء» لابن عبد البر (ص/151).

(8)

أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (15/ 533).

ص: 682

وابن عقدة -مع حفظِه وإكثاره من الرِّواية- قد ضَعَّفه الدَّارقطني

(1)

، وكان من أعلمِ النَّاس به مِمَّن أخذ عنه؛ بل رَماه بالإكثار من المناكير

(2)

، وقال:«لم يكنْ في الدِّينِ بالقويِّ، ولا أزيدُ على هذا»

(3)

؛ ومن ثَمَّ خلُص الذَّهبي إلى كونه «صاحب تصانيف، على ضعفٍ فيه»

(4)

.

والَّذي يتحرَّر عندي مِن مجموع ما قيل في ابن عقدة، من سرقة للكُتب، والأمر بالكذب وبناء الرِّواية عليه:«أنَّ الرَّجل ليس بعُمدة»

(5)

، وبخاصَّة فيما يُستغرَب متنه أو ينفرد به، كحال هذه الحكاية عن أبي حنيفة؛ ومِمَّا يَشهدُ لبُطلانِها: أنَّ أحدًا من تلاميذ أبي حنيفة لم يذكرها عنه، فلذا لم يعتمدها الحَنفيَّة في كُتبِ المَذهب.

وهذا (الكرديُّ) نفسُه، يعلمُ بطعنِ أعلامٍ من الحنفيَّة في هذه الحكايةِ ونقلها، ومع ذلك يُصرُّ على التَّهويشِ بها في كتابِه ذاك! ليصدُقَ عليه قولُ (الكوثريِّ) عقب ردِّه لهذا الهَذيان عن إمامه:«حَاشا أن يقول في حديثٍ صَحَّ عنده: هذا هَذيان؛ وهو نَزيهُ اللِّسان في مخاطبتِه للنَّاس، فكيف يقول هذا في مثل هذا الموقف؟! .. وبعدَ استذكارِ ما في سنِدِه مِن وجوهِ السُّقوط، لا تشُكَّ لحظةً أنَّ الهاذي هو مَن ينسِب الهذيانَ إليه بمثل هذا السَّند»

(6)

.

وأمَّا عن أئمَّة الحنفيَّةِ: فليس في وَدْعِهم الاحتجاجَ بهذا الحديثِ في بابِ القَصاص ما يدلُّ على ردِّه، كما يَدَّعيه مَن لم يَدر مآخذ أقوال الفقهاء ومَناطاة أحكامهم؛ فإنَّ الحنفيَّة يُصَحِّحونه أيضًا تبعًا لأهل الحديث؛ ولكنْ مذهبُ إمامهم أنَّ القَصاص لا يكون إلَّا بالسَّيف، لأدلَّة خاصَّة مُقدَّمة عندهم في هذا الباب،

(1)

كما في «السنن» له (3/ 307، برقم: 2631).

(2)

«تاريخ يغداد» (6/ 147).

(3)

«سؤالات السُّلمي للدارقطني» (ص/107).

(4)

«أعلام النبلاء» (15/ 354).

(5)

انظر «التَّنكيل» (1/ 373).

(6)

«تأنيب الخطيب» للكوثري (ص/160).

ص: 683

وهم يُخرِّجون حديث الرَّضخِ: إمَّا على النَّسخ، أي بنسخِ المُثْلَة، أو على أنَّه خاصٌّ بقُطَّاعِ الطُّرق

(1)

.

والمُؤسِف حقًّا: أنَّ مَن ذكرتُ آنفًا مِن بعض المُعاصرين لجهلِهم بمناهجِ الأئمَّة في التَّصنيفِ، ادَّعوا أنَّ الحديث فيه إقامة للحدِّ على مُتَّهم من غير إقامة بيِّنة سوى إشارة المقتولة، فتوجَّهوا بإنكار رواية الحديث الَّتي في غيرِ مَوضِعه الأصليِّ من «صحيح البخاريِّ» ، وهو كتاب الطَّلاق، وشَنَّعوا على البخاريِّ ما اختارَه في ذلك الموطِن من لفظِ مُختصَرٍ للحديث، وأنَّه يخلو مِن اعترافِ القاتل بالقتل؛ وتَجاهلوا باقي المواضِع الثَّلاثة الأخرى في «صَحيحِه» الَّتي فيها ذكرُ هذا الاعتراف في نصِّ المتن!

والباعث للبخاريِّ لإخراج تلك الرِّواية النَّاقصة في كتاب الطَّلاق: عادته في ذكره تحت كلِّ بابٍ ما يَتَعلَّق به مِن أحاديث تامَّة يُخرجها مناسبة لتراجمها، وإذا احتاج لحديث منها في باب آخر، فإنَّه يُخرجه فيه مقتصرا على موضع الشَّاهد منه.

وجملة الاعترافِ في الحديث قد ذَكَرها البخاريُّ في أبوابِ الحدودِ، حيث بَوَّب فيه على الحديث بِبابين: باب: «سؤال القاتل حتَّى يقرَّ، والإقرار في الحدود»

(2)

، وباب:«إذا أقرَّ بالقتل مرَّة قُتل به»

(3)

؛ فلمَّا جاء إلى كتاب الطَّلاق، اختصَرَ الرِّوايةَ هناك، واقتصَرَ على الشَّاهِد منها المتعلِّق بموضوع الطَّلاقِ.

والحاصل أنَّ أبا حنيفة بريء من الطَّعن في هذا الحديث، فضلًا عن ازدراءه.

(1)

انظر «المبسوط» للسرخسي (26/ 122)، و «اللُّباب» للمنبجي (2/ 711)، و «تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق» للزَّيلعي (6/ 106).

(2)

«صحيح البخاري» (6/ 2520، برقم: 6482).

(3)

«صحيح البخاري» (6/ 2524، برقم: 6490)، وانظر أيضا (2/ 849، باب: ما يذكر في الأشخاص والملازمة والخصومة بين المسلم واليهودي).

ص: 684

الحديث الثَّاني:

ادَّعى (الكرديُّ)

(1)

و (جمال البنَّا)

(2)

إعلالَ أبي حنيفة لِما اتُّفق عليه من حديث عبد الله بنِ عمر رضي الله عنه في رفعِ اليدين عند الرُّكوعِ والقيام منه، وتقديمَه حديثَ ابن مسعود رضي الله عنه عليه، في قوله:«صلَّيتُ مع النَّبي صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر، ومع عمر، فلم يرفعوا أيديهم إلَّا عند التَّكبيرة الأولى في افتتاح الصَّلاة»

(3)

.

وهذه دعوى غير صحيحة عن الإمام، فليس المَنقول عنه إلَّا أنَّه لم يكُن يَرى رفع اليَدين، فإنَّه وأهلَ الكوفةِ اقتصروا على ما بَلغَهم مِن تَركِ ابن مسعودٍ رضي الله عنه للرَّفعِ

(4)

، وغيرُ لازمٍ من عدمِ عمل العالمِ بالنَّصِ تضعيفه

(5)

، ولكن لم تبلغهم باقي الأحاديث في سُنيَّةِ الرَّفعِ؛ وهذا كافٍ في الاعتذارِ لأبي حنيفة عن دعوى إنكارِ الحديث في ذلك.

وفي تقرير هذا العُذر له، يقول ابن تيميَّة:

«أمَّا رفعهما عند الرُّكوعِ والاعتدال مِن الرُّكوع فلم يَعرفه أكثرُ فقهاءِ الكُوفة، كإبراهيم النَّخعي، وأبي حنيفة، والثَّوري، وغيرهم، وأمَّا أكثر فقهاء الأمصار وعلماء الآثار، فإنَّهم عَرفوا ذلك، لِما استفاضت به السُّنة عن

ص: 685

النَّبي صلى الله عليه وسلم، كالأوزاعيِّ، والشَّافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبي عبيد، وهو إحدى الرِّوايتين عن مالك»

(1)

.

الحديث الثَّالث:

ما اتَّفق عليه الشَّيخانِ من حديثِ زيدِ بن ثابت رضي الله عنه: «أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص في العَرايا

(2)

في أن تُباع بخَرصِها كَيلًا»

(3)

.

فقد زَعَم (الكرديُّ) أنَّ هذا الحديث مَرويٌّ مِن طريق زيد بن ثابت رضي الله عنه وحده، وأنَّ «أبا حنيفةَ وأصحابه ردُّوا ذلك الخبرَ، لأنَّه مُخالف للقياس، إذ هو مِن الأموالِ الرِّبَويَّة، فلا يجوز إلَّا مِثلًا بمِثلٍ، ويحرُم فيه رِبا الفَضل، وفي بَيعهِ بالخرصِ مَظنَّة الرِّبا، وشُبهة الرِّبا تَعمل كالرِّبا، فتُوجب التَّحريم»

(4)

.

وحديث التَّرخيصِ في العَرايا -على نقيضِ ما ادَّعاه- لم يَنفرد به زيد بن ثابت، بل هو ثابتٌ عن أبي هريرة أيضًا

(5)

، وغيرهما مِن أصحابِ النَّبي صلى الله عليه وسلم

(6)

.

ثمَّ إنَّ أبا حنيفةَ لم يرُدَّ الحديث لمخالفتِه الكتابَ والسُّنة المشهورةَ -كما هي دعوى (محمَّد أبو زهرة) أيضًا

(7)

- فهذا الطَّحاوي وهو الأعلمُ بالمَنقولِ عن

(1)

«مجموع الفتاوى» (22/ 247 - 248) بتصرف.

(2)

العرايا: جمع عرية، الأَصْل فِيهَا أَنه إِذا عرض النّخل على بيع ثَمَرهَا عريت مِنْهَا نَخْلَة أَي عزلت عَن المساومة فَتلك النَّخْلَة عرية أَي معراة من البيع، والمقصود بها: بيع الرُّطب في رؤوس النخل خرصا، بالتمر على وجه الأرض كيلا، فيما دون خمسة أوسق، لمن به حاجة إلى أكل الرطب، ولا ثمن معه مثلا، وانظر «تفسير غريب ما في الصحيحين» للحميدي (ص/104).

(3)

أخرجه البخاري (ك: البيوع، باب: تفسير العرايا، برقم: 2080)، ومسلم (ك: البيوع، باب: تحريم بيع الرطب بالتمر، برقم: 1538).

(4)

«نحو تفعيل نقد متن الحديث» (ص/56).

(5)

أخرجه عنه أحمد في «المسند» (برقم: 7235)، وصحَّحه ابن حبان في «صحيحه» (11/ 379، برقم: 5006) وعن غيره.

(6)

نقله بشير بن يسار عن أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، في «صحيح مسلم» (ك: البيوع، باب: تحريم بيع الرطب بالتمر غلا في العرايا، برقم: 1540).

(7)

في كتابه «أبو حنيفة» (ص/327) حين ادَّعى أنَّ أبا حنيفة وأصحابه ردَّوا هذا الحديث لمخالفته للكتاب أو السنة المشهورة.

ص: 686

أبي حنيفةَ ومَذهبِه يقول: «جاءت هذه الآثار عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وتَواترت في الرُّخصةِ في بَيعِ العَرايا، وقَبِلَها أهل العلمِ جميعًا، ولم يَختلفوا في صحَّةِ مَجيئها، وتَنازعوا في تأويلِها»

(1)

.

فالتَّأويل الفِقهيُّ للحديث هو مَحلُّ الخِلاف بين أبي حنيفةَ والفقهاء لا صِحَّته، حيث نزعَ الحنفيَّة بالحديثِ إلى مَعنى الثَّمرِ الَّذي وَهبه صاحبُه، وهو ما زال في رؤوسِ النَّخل، ثمَّ تَراجع عن هِبَته، لتَحرُّجِه مِن دخول المَوهوبِ له بُستانَه أو لنحوِ ذلك، فيُباح له أن يُعطِيَه بَدَله بخَرْصِه تمرًا.

واستبعدَ أبو حنيفة أن يكون المُراد بالعَرايا فيه بيعُ الرُّطبِ على رؤوسِ النَّخلِ بالتَّمر خَرْصًا

(2)

؛ فردَّ أن يكونَ معنى التَّرخيصِ هنا داخلًا في البيوع، بل في معنى الهِبَة، توفيقًا منه بين هذا الحديثِ وحديثِ النَّهيِ عن المُزابنةِ

(3)

.

ولا شكَّ أنَّ هذا التَّأويل كلَّه مِن أبي حنيفةَ فرعٌ عن تصحيحِه الخَبر.

الحديث الرَّابع:

عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُصَرُّوا

(4)

الإبلَ والغنمَ، فمَن ابتاعها بعدُ فإنَّه بخير النَّظَرَيْن بعد أن يحتلِبها: إن شاءَ أمسَكَ، وإن شاء رَدَّها وصاعَ تمرٍ»

(5)

.

فقد نَسبَ (الكرديُّ) إلي أبي حنيفة الإعراضَ عن هذا الحديثِ

(6)

، و «يُبرِّر

(1)

«شرح معاني الآثار» للطحاوي (4/ 30).

(2)

انظر «شرح معاني الآثار» للطحاوي (4/ 31)، و «المبسوط» للسرخسي (12/ 193).

(3)

الَّذي فيه بيع التَّمر بالتَّمر خرصًا، انظر «شرح معاني الآثار» للطحاوي (4/ 31)، و «فتح القدير» لابن الهمام (6/ 381)، و «فتح الباري» لابن حجر (4/ 364).

(4)

على وزنِ (تُزكُّوا)، من التَّصرية: وهي الجمع والشَّد، ومعناها في الحديث حبس اللبن في ضروع الأنعامِ لتُباع كذلك فيغتر بها المشتري، انظر «مشارق الأنوار» (2/ 42).

(5)

أخرجه البخاري (ك: البيوع، باب: باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل، والبقر والغنم وكل محفلة، برقم: 2041)، ومسلم (ك: البيوع، بابك حكم بيع المصراة، برقم: 1524).

(6)

نسب هذا القول إلى أبي حنيفة أيضًا محمد أبو زهرة في كتابه «أبو حنيفة» (ص/327).

ص: 687

فخرُ الإسلامِ البزدويُّ الحنفيُّ عدمَ اعتمادِ الأحنافِ هذا الخبَرَ بأنَّه مُخالفٌ للقواعدِ والأصول»

(1)

.

والحديث لم يَتفرَّد به أبو هريرة -كما أوهمه (الكرديِّ) في مَعرض كلامِه- بل رواه معه ابن عمر، وأنس، وعمرو بن عوف، وأفتى بمُوجِبه ابن مسعود وأبو هريرة، ولا مُخالف لهؤلاء مِن الصَّحابة، وقال به مِن التَّابعين ومَن بعدهم مَن لا يُحصى عددًا، وبظاهرِه أخَذَ جمهور الفقهاء

(2)

.

ثمَّ الأحناف أنفسُهم لم يتَّفقوا على تركِ العَملِ به، فقد أخَذَ به زُفَر، وأبو يوسف في روايةٍ

(3)

.

وما أُثِر عن أبي حنيفةَ تركُه لهذا لحديث، فهو مِن جهة العَمل بظاهِرِه لا غير، وقد حكى ابن عبد البرِّ عن بعضِ أصحابِه أنَّ مُستند تركِه العمَلَ به كونُه مَنسوخًا

(4)

، والقول بنسخ الخبر فرع تصحيحِه.

يؤكِّد هذا قول الطَّحاويِّ: «ذَهبوا -يعني الحَنفيَّة- إلى أنَّ ما رُوِيَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في ذلك مَنسوخٌ، فرُوِي عنهم هذا الكلام مُجمَلًا، ثمَّ اختُلِف عنهم مِن بَعدُ في الَّذي نَسَخَ ذلك ما هو .. »

(5)

؛ والله أعلم.

الحديث الخامس:

أخرجَ الشَّيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أدركَ مالَه بعَيْنِه عند رجلٍ -أو إنسانٍ- قد أفلَسَ فهو أحَقُّ به مِن غيره»

(6)

.

(1)

«نحو تفعيل نقد متن الحديث» (ص/56).

(2)

انظر «فتح الباري» لابن حجر (4/ 364 - 366)، وما نُقل في «العُتبية» عن مالكٍ ردَّ هذا الحديث قد أنكره عنه ابن عبد البرِّ في «التمهيد» (18/ 203) قال:«هذه رواية منكرة، والصحيح عن مالك ما رواه ابن القاسم» ، يعني أخذه بحديث المصراة.

(3)

انظر «فتح القدير» لابن الهمام (6/ 400)، و «البحر الرائق» لابن نجيم (6/ 51).

(4)

«التمهيد» لابن عبد البر (18/ 201).

(5)

«شرح معاني الآثار» للطحاوي (4/ 19).

(6)

أخرجه البخاري في (ك: الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب: إذا وجد ماله عند مفلس في البيع، والقرض والوديعة فهو أحق به، برقم: 2272)، ومسلم في (ك: المساقاة، باب: باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس فله الرجوع فيه، برقم: 1559).

ص: 688

قال الكرديُّ: «ورَدَّ أبو حنيفة الحديث المَرويَّ عن أبي هريرة وحدِه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال .. » وذكر الحديث

(1)

؛ وتَبِعه على هذه الدَّعوى (جمال البنَّا)

(2)

.

ولم يَرِدْ عن أبي حنيفةَ التَّنصيصُ على ردِّ الحديث، إنَّما الوارد عنه وأصحابِه تأويلُه، وذلك أنَّ الحديث عندهم يحتملُ مَعْنَيين:

المعنى الأوَّل: أن يكون استردادُ هذا المالِ بعد أن انتقلت مِلكيَّتُه إلى الَّذي أفلسَ بعدُ؛ فهذا المعنى مَردودٌ عندهم، لأنَّها لم تَعُد في مِلكيِّة البائعِ حتَّى يَحِقَّ له استرجاعُها بعَيْنِها.

والمعنى الثَّاني: أنَّ المُفلِسَ لم يَتَملَّك ذلك المالَ أصلًا، فقد جاء فيه قوله:« .. فأصابَ رجلٌ مالَه بعينِه» ، وإنَّما مالُه بعينِه يَقعُ على المَغصوبِ والعَواري والوَدائع وما أشبه ذلك، فذلك مالُه بعينِه، فهو أحقُّ به مِن سائرِ الغُرمَاء؛ أمَّا المَبيع: فلم يَبقَ بالبيعِ مِن أموالِه حقيقةً! وكان حملُ الكلامِ على الحقيقةِ أولى

(3)

.

وهذا المعنى هو المُراد عند الحَنفيَّةِ مِن حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه، توفيقًا منهم بينه وقواعدِ الباب وباقي الآثارِ فيه

(4)

؛ فبانَ بذا بأنَّهم يُصحِّحون الحديثَ بدليلِ تأويلِه.

(1)

«نحو تفعيل نقد متن الحديث» (ص/54).

(2)

«تجريد البخاري وسلم» (ص/16).

(3)

وهو ما ذهب إليه محمَّد بن الحسن -أحدُ صاحِبَي أبي حنيفة- في كتابه «الحجَّة على أهل المدينة» (2/ 716)، وانظر «شرح معاني الآثار» للطحاوي (4/ 165)، و «الغرَّة المنيفة» لأبي حفص الغزنوي (ص/99).

(4)

مِن الأحاديث التي يحتجون بها في هذا الباب مما يعضد المعنى الثاني للحديث دون الأول: ما ذكره البدر العيني في «البناية شرح الهداية» (11/ 128) قال:

«أبو هريرة رضي الله عنه رَوى أيضًا عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيُّما رجل باع سلعةً فأدركها عند رجل قد أفلس فهو ماله بين غرمائه» ، أخرجه الدارقطني، فاختلفت الرِّواية، وذلك يوجب وهنًا في الحديث على ما عُرف.

فإن قلتَ: في إسناده ابن عيَّاش، وهو ضعيف! قلتُ: قد وثَّقه أحمد، وقد احتج بالحديث الخصَّاف والرَّازي.

فإن قلتَ: قال الدَّارقطني: لا يثبت هذا الحديث عن الزُّهري مسندا، وإنما هو مرسل! قلتُ: المرسل عندنا حجَّة».

ص: 689

بيدَ أنَّ المعنى الأوَّل الَّذي استبعدوه، قد جاء التَّأكيد عليه في ألفاظٍ أخرى صحيحةٍ للحديث ورَدَ فيها لفظ (البيعِ) صراحةً، بمعنى أنَّ المَتاعَ خَرَج مِن البائع إلى مُلكِ المُشتري الغارِم حَقيقةً، فأذِنَ النَّبي صلى الله عليه وسلم للبائِع أن يُعيدَ تملُّكَه بعينِه إذا أفلَس المُشتَرِي، كما في قوله صلى الله عليه وسلم مثلًا:«أيمُّا رجلٍ باعَ مَتاعًا، فأفلسَ الَّذي ابتاعَه منه، ولم يَقبِض الَّذي باعَه مِن ثمنِه شيئًا، فوَجَده بعينِه، فهو أحقُّ به»

(1)

.

وظنِّي بأبي حنيفةَ أن لو وقفَ على مثلِ هذه الرِّواياتِ الصَّحيحِة سندًا، والصَّريحة دلالةً على هذا المعنى، لتَركَ قولَه الآخر، ولأذعَنَ لسنَّةِ نَّبيِّه صلى الله عليه وسلم دونما تَردُّدٍ؛ وهذا عينُ ما ظنَّه الطَّحاويُّ بإمامِه؛ فبعد أن رَجعَ الطَّحاويُّ عن القولِ بمَذهبِ إمامِه أبي حنيفةَ في هذه المسألة، قال في تقريرٍ له يَصلُح مثالًا لحُسنِ التَّجرُّدِ للحقِّ وتركِ التَّعصُّب للأشياخِ:

« .. وقد كُنَّا نقول في هذا الحديث: إنَّ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: « .. فوَجَد رجلٌ مالَه بعينِه» : أنَّ ذلك قد يحتملُ أن يكون أُريدَ به الودائعُ والعَواري، وأشباههما الَّتي مَلَك واجِدِها قائمٌ فيها، ليست الأشياء المَبيعات الَّتي ليست لواجدِها حينئذٍ، وإنَّما هي أشياء قد كانت له، فزالَ مُلكه عنها، كما يقول أبو حنيفة وأصحابه في ذلك.

وقد كان بعض النَّاس مِمَّن يذهب في ذلك مَذهب مالك ومَن تابعه، على قولِه في ذلك، يحتجُّ علينا في ذلك

(2)

، وكُنَّا لا نرى ذلك حُجَّةً له علينا في خلافِنا إيَّاه الَّذي ذَكرنا، لانقطاعِ هذا الحديث .. ».

(1)

أخرجه أبو داود في «سننه» (ك: البيوع، باب: في الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه عنده، برقم: 3522)، والدارقطني في «سننه» (برقم: 2902)، والبيهقي في «سنن الكبرى» (6/ 78 - 79)، وصحَّحه ابن التُّركماني في «الجوهر النقي» (6/ 47)، والألباني في «إرواء الغليل» (5/ 272).

(2)

وذكَرَ الحديثَ بلفظه الآخر: «أيُّما رجلٍ باعَ متاعًا .. » .

ص: 690

ثمَّ أقرَّ بأنَّه استدرَكَ على ما كان قاله آنفًا، بما حُدِّث به مِن هذا الحديثِ مَوصولًا مِن الثِّقاتِ، فقال:« .. فقَوِيَ بذلك هذا الحديث في قلوبِنا، لمَّا اتصَّل لنا إسناده عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كما قد ذَكرنا .. فلم يَسَع عندنا خِلافُ هذا الحديث لمِن بَلَغه، ووَقَف عليه مِن هذه الوجوهِ المَقبولةِ خلافه، ورجعنا في هذه المعاني المَرويَّة فيه إلى ما كان مالِكٌ يقولُه فيها، وعَذَرنا مَن خالَفَها في خلافِه إيَّاها، إنمَّا كان ذلك منه لأنَّها لم تَتَّصل به هذا الاتِّصال، ولو اتَّصَلَت به هذا الاتِّصال، وقامَت عنده كمِثلِ ما قامت عندنا: لمَا خالَفَها، ولرَجَع إليها وقال بها»

(1)

.

الحديث السادس:

أخرج البخاريُّ عن أبي جحيفة قال: قلت لعليٍّ رضي الله عنه: هل عندكم شيءٌ مِن الوَحيِ إلَّا ما في كتابِ الله؟ قال: «لا والَّذي فَلَق الحَبَّة، وبَرَأ النَّسمة، ما أعلمُه إلَّا فهمًا يُعطيه الله رجلًا في القرآن، وما في هذه الصَّحيفة» ، قلتُ: وما في الصَّحيفة؟ قال: «العَقل، وفكاكُ الأَسِير، وأنْ لا يُقتَل مسلمٌ بكافرٍ»

(2)

.

قال (محمَّد الغزاليُّ): «أبو حنيفة يَرى أن مَن قاتَلَنا مِن أفرادِ الكُفَّار قاتلناه، فإنْ قُتل فإلى حيث ألْقَت، أمَّا مَن له ذِمَّة وعهدٌ، فقاتِلُه يُقتَصُّ منه، ومِن ثَمَّ رَفَضَ حديثَ: «لا يُقتَل مسلمٌ في كافر» ، مع صِحَّةِ سندِه، لأنَّ المَتن مَعلول بمخالفتِه للنَّصِ القرآنيِّ»

(3)

.

قلت: لم يَرفُض أبو حنيفة هذا الحديث، ولا أعَلَّ متنَه بمخالفةِ القرآن كما ادَّعى الغَزاليُّ؛ وإنَّما حملَه أبو حنيفة وأصحابُه على السِّياقِ الآخر لحديث عليٍّ رضي الله عنه:« .. لا يُقتَل مؤمنٌ بكافر، ولا ذو عهدٍ في عهدِه»

(4)

، فإنَّ هذه الرِّواية

(1)

«شرح مشكل الآثار» (12/ 17 - 19).

(2)

أخرجه البخاري في (ك: الديات، باب: لا يقتل مسلم بكافر، رقم: 6915).

(3)

«السُّنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/24 - 25).

(4)

أخرجه أبو داود في (ك: الديات، باب: باب أيقاد المسلم بالكافر، رقم:4530)، والنسائي في (ك: القسامة، باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس، رقم: 4735) بإسناد صحيح.

ص: 691

أتَمُّ مِن الأولى، وهي عندهم على «التَّقديمِ والتَّأخيرِ في المعنى: أي لا يَقتل مؤمنٌ ولا ذو عهدٍ في عهدِه بكافرٍ؛ فيكون الكافر المُراد بذلك هو: الكافر غير ذي العَهد»

(1)

.

فالمُراد -إذن- بالكافر: الحَربيُّ، لأنَّ الكافر عندهم متى أُطلِق، يَنصرِفُ إلى الحربيِّ عادةً وعُرْفًا، فصَرَفوا الحديث إليه، توفيقًا بينه وبين عمومات القرآن، وما يَروُونَه أيضًا مِن آثارٍ في هذا الباب، كحديث جابر رضي الله عنه:«أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَادَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ، وقال: أنا أَحَقُّ مَن وَفَى بِذِمَّتِهِ»

(2)

.

فهذه جملةُ الأحاديث المَشهورة الَّتي ادُّعِي على أبي حنيفةَ إنكارها، وهي في «الصَّحيحين» أو أحدِهما، قد لاحَت براءتُه عن دعوى إنكارِ متونها، ولله الحمد.

الفرع الثَّاني: عدم صحة المَقولة المَنسوبة إلى أبي حنيفة في عرضِ الحديث على القرآن.

ولا يصحُّ استدلال المُعاصرين بما يُنسَب إلى أبي حنيفة في كتابِ «العالم والمُتعلِّم» مِن تقرير طويل في ضرورة عرضِ الأحاديثِ على القرآنِ، فإنَّ الكتابَ مَطعون النِّسبةِ إليه

(3)

.

ومَعلومٌ تعظيم أبي حنيفة رضي الله عنه للحديثٍ النَّبويِّ واحتجاجه به، بل «أصحاب أبي حنيفة مُجمعون على أنَّ مذهبَ أبي حنيفة أنَّ ضعيفَ الحديث عنده أوْلى مِن

(1)

«شرح مشكل الآثار» للطحاوي (3/ 277).

(2)

«الحجة على أهل المدينة» لمحمد بن الحسن (4/ 339)، وانظر «بدائع الصنائع» للكاساني (7/ 237)، و «الاختيار لتعليل المختار» لأبي الفضل الحنفي (5/ 27)، و «فتح القدير» للكمال ابن الهمام (10/ 219).

(3)

ذكره النَّديم في «فهرسته» (ص/251) وحاجي خليفة في «كشف الظنون» (2/ 1437)، وقد درس محمد الخميس في كتابه «أصول الدِّين عند الإمام أبي حنيفة» (ص/141) نسبته إلى الإمام أبي حنيفة، وخلُص إلى عدم ثبوته إسناديًا عنه، وإنَّما هي أمال وأقوال جُمعت ونسبت إليه فيما بعد لا تُدرى صحَّتها.

ومن ثمَّ يخطئ من يعتمد على الكتاب لنسبة مذهبٍ إلى أبي حنيفة، كما فعله علي الخضر في رسالته «الموازنة بين منهج الحنفية ومنهج المحدثين» (ص/490 - 491).

ص: 692

القياس والرَّأي! وعلى ذلك بَنى مَذهبَه؛ كما قَدَّم حديثَ القهقهةِ -مع ضعفِه- على القياسِ والرَّأي»

(1)

؛ وإن كان قد خولِف مِن الجمهور في منعِه تخصيصَ الآحادِ لعامِّ القرآن، لاعتبارِه إيَّاه نسخًا، والظَّني عنده لا ينسخ القطعيَّ

(2)

.

وأمَّا تلك القواعد الَّتي يوردها بعض الحنفيَّة فهي مِن اختراعِ عيسى بن أبان (ت 221 هـ)

(3)

، فهو مَن أصَلَّ لوجوبِ عرضِ الصِّحاحِ على القرآن

(4)

، وأنَّه يُردُّ منها فيما تَعُمُّ به البَلوى، وقام باستخلاصِ ما يُؤيِّد ذلك مِن بعضِ فتاوى أبي حنيفة وصَاحِبَيه أبي يوسف ومحمَّد الشَّيباني، «وهو كذِبٌ عليه، وعلى أبي يوسف ومحمَّد، فلم يَقُل ذلك أحدٌ منهم البتَّة»

(5)

؛ ومع ذلك اغترَّ بها بعض الحنفيَّة كأبي الحسن الكرخي

(6)

.

وبهذا نكون قد أنهينا ما يَتعلَّق بأبي حنيفة؛ وعلى نفسِ هذا المَهيعِ نمشي في تفحُّصِ ما نُسب إلى مالكٍ من الطَّعنِ في بعض أحاديث «الصَّحيحين» ، فنقول:

(1)

«إعلام الموقعين» (1/ 61).

(2)

انظر تفصيل الأدلة الفريقين في «إرشاد الفحول» للشوكاني (1/ 387).

(3)

عيسى بن أبان بن صدقة، قاض من كبار الحنفية، كان عفيفا، وسريعا بإنفاذ الحكم، وولي القضاء بالبصرة عشر سنين، من كتبه (إثبات القياس) و (الجامع في الفقه)، توفي سنة (221 هـ)، انظر «الجواهر المضية» (1/ 104).

(4)

انظر «المعتمد» لأبي الحسين البصري (1/ 154).

(5)

«مختصر الصواعق المرسلة» لابن القيم (ص/607).

(6)

انظر «المبسوط» للسرخسي (1/ 364 - 367) و «كشف الأسرار» للعلاء البخاري (3/ 8).

ص: 693