الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّاني
سَوْق دَعوى المُعارَضاتِ الفِكريَّةِ المُعاصرةِ لحديثِ «احتَّج آدمُ وموسَى»
أُسُّ المُعارضاتِ الدَّارجة على لسان الطَّاعنين في قدحِهم بهذا الحديثِ تتركَّز في دعواهم: أنَّ آدم عليه السلام فيه احتجَّ بما ليس بحُجَّةٍ؛ ولو كان كذلك لكان لِفرعون وهامان وسائرِ الكفَّارِ أن يَحتجُّوا بها، ولمَّا بَطُل ذلك، عَلِمْنا فسادَ هذه الحجَّة.
وفي تقريرِ هذه الشُّبهة، يقول (إسماعيل الكرديُّ):
«الإشكالُ الكبير في الحديث: أنَّه يَنسِب لآدمَ احتجاجَه على معصيته لله، بأنَّ الله تعالى قَدَّرها عليه مِن قبل؛ وبالتَّالي: فلا يجوز مَلامَته عليها! وهذا عَينُ قولِ فرقةِ الجبريَّة، وعليه لا يجوز لَوْمُ أحدٍ مِن العُصاة جميعِهم مِن البَشر؛ لأنَّ كلَّ ما فَعلوه كان مُقدَّرًا عليهم مِن الأزَل! إذن فلماذا الحدود، والقَصاص، والجنَّة، والنَّار؟!
والأنكى مِن ذلك: أنَّه يَنسبُ للرَّسول موافقتَه لكلامِ آدم، واعتباره أنَّه غلب موسى وحَجَّه؛ مكرِّرًا ذلك أكثر مِن مرَّة! هذا مع أنَّ القرآن أبطل هذا النَّوع من الاحتجاج بصريح العبارة .. ويستحيل أن يعلِّمنا رسولُ الله أمرًا يخالف القرآن»
(1)
.
(1)
«نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/284).
ويقول (سامر إسلامبولي): «النَّبي موسى يلوم آدمَ على إِخراجِ الذُّريَّةِ من الجَنَّة، وسببُ ذلك هو معصيةُ آدم، فاللَّوم هو على المعصيةِ الَّتي نتَج عنها الإخراج من الجنَّة، ولا علاقة هنا لكونِ آدمَ تاب مِن المعصية أو لم يَتُب؛ لأنَّ ذلك متعلِّقٌ به وبمغفرة الله له، والَّذي يهمُّنا ما ترتَّب على المعصية الَّذي هو الإخراجُ من الجَنَّةِ؛ أمَّا تبرير آدم فكان بالقَدَر، واحتجَّ أنَّ ذلك الإخراجَ كان مكتوبًا عليه قبل خلْقه بأربعين سَنة، والجواب النَّبوي هو: أنَّ آدم حجَّ موسى.
ولاشَكَّ هنا أَنَّ احتجاج آدم بالقَدر على إخراجه من الجنَّة يتضمَّن تبرير المعصية؛ لأنَّ الإخراجَ نتيجة المعصية، ولا مُبرِّر لأيِّ تأويلٍ ولَفٍّ ودوران لجعل النَّصِّ صحيحًا، وأنَّ الاحتجاج بالقَدر كان على الإخراج فقط دون معصيةٍ، أو أنَّه يصحُّ الاحتجاج بالقَدر على المعصية الَّتي تاب منها الإنسان وهي في حكم الماضي: ذلك كلُّه تأويل متهافت لنصٍّ باطل، فالنَّص صريحٌ في ترسيخ فكرة أنَّ المعاصي وما يَنتُجُ عنها إنَّما هو بتقدير الله عز وجل، وذلك مكتوب قبل الخلق، وذلك يُرسِّخُ فكرة الإجبار والإكراه على الأعمال»!
(1)
.
وهذان المعترضان ومَن وافقهما في هذا الفهمِ للخَبرِ أذيالٌ للمعتزلة؛ فقد سُئل كبيرُهم الجبَّائيُّ (ت 303 هـ): «ما تقول في حديث أبي الزِّناد، عن الأَعرج، عن أبي هريرة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: ألَّا تُنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها؟
فقال الجبَّائي: هو صحيح.
قال البركاني: فبهذا الإسناد نُقل حديث: حَجَّ آدم موسى!
فقال الجبَّائي: هذا خَبَرٌ باطل!
فقال البركاني: حديثان بإسناد واحدٍ؛ صحَّحت أحدهما، وأبطلت الآخر!
قال الجبَّائي: لأنَّ القرآن يدلُّ على بطلانه، وإجماع المسلمين، ودليل العقل.
فقال: كيف ذلك؟
(1)
«تحرير العقل من النَّقل» (ص/237 - 238).
قال الجبَّائي: أليس في الحديث: إنَّ موسى لقي آدم في الجنة
…
، قال الجبَّائيُّ للبركاني: أليس هذا الحديث هكذا؟ قال: بلى، قال الجبَّائي: أليس إذا كان عذرًا لآدم يكون عذرًا لكلِّ كافر وعاصٍ من ذريِّته، وأن يكون مَن لامهم محجوجًا؟ .. فسكَتَ البركاني»
(1)
.
فأنت ترى أنَّ الجُبَّائي لمَّا استقرَّ عنده ما هو نَقيض الظَّاهر مِن الحديث؛ انبنَى على ذلك اعتقادُه مناقضةَ الحديث للضَّرورتين النَّقليَّة والعقليَّة، فردَّ الحديث بناءً على فهمِه المغلوط هذا، وعلى ذلك سار المُحْدَثون من أشياعِه.
(1)
«طبقات المعتزلة» (ص/81).