الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثاني سَوق المعارضاتِ الفكريَّة المعاصرةِ على حديث نخسِ الشَّيطان للمَولود
مع جلاءِ الحديث في تقريرِ عداوةِ الشَّيطانِ للإنسان منذ لحظةِ خروجِه إلى مُعتركِ الدُّنيا، وعدم منابذتِه للعقل إذْ كان خبرًا غَيبيًّا محضًا؛ إلَاّ أنَّه لَم ينْجُ من سِهامِ الاعتراضِ قديمًا وحديثًا؛ فكان القاضي عبد الجبَّار الهمَداني فرَطَ القومِ إلى مَلْءِ عَيبتِه منه
(1)
، ثمَّ تبِعَه عليه فئامٌ مِن المُحْدَثين، كان إمامهم في عصرِنا (محمود أبو ريَّة)، حيث أنَّه قد شمَّ بأنْفِه النَّقديِّ أنفاسًا مِن أَثَرِ المَسيحيَّة في الحديث! يقول:
(2)
.
وقد كان (محمَّد عبده) من فتح البابِ لأمثالِ هذا للوُلوغِ في هذا الحديث خاصَّةً، حيث قال:«المُحَقَّق عندنا أنَّه ليس للشَّيطانِ سلطانٌ على عبادِ الله المُخلَصين، وخيرُهم الأنبياء والمُرسَلون، وأمَّا ما وَرَد في حديثِ مريم وعيسى، مِن أنَّ الشَّيطان لم يمْسَسهما .. فهو مِن الأخبارِ الظَّنية، لأنَّه مِن رواية الآحاد، ولمَّا كان مَوضوعها عالم الغَيب، والإيمان بالغَيب مِن قسمِ العقائد، وهي لا يُؤخَذ فيها بالظَّن: كُنَّا غير مُكَلَّفين الإيمانَ بمَضمونِ تلك الأحاديث في عقائدِنا»
(1)
.
وقد كان مِمَّا أورَده المخالفون مِن معارضاتٍ على هذا الحديث؛ قولهم:
المعارضة الأولى: أنَّ حِفظَ عيسى عليه السلام وأمِّه مِن نَخسةِ الشَّيطان دون سائر الأنبياء، فيه نوعُ تفضيلٍ لهما عليهم، ومنهم نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم!
وهذا ما يُفهم جَليًّا مِن تعليقِ (أبو ريَّة) آنفًا على الحديثِ
(2)
.
المعارضة الثَّانية: أنَّ الحديثَ مُناقضٌ لِما ثَبَت في الطِّب مِن أنَّ سَبب صُراخِ كلِّ مَولود حين ولادتِه هو: دخولُ الَهواء لأوَّلِ مرَّةٍ لرِئَتِه.
المعارضة الثَّالثة: أنَّ زوجةَ عمران (أمَّ مريم) ليست الوحيدة في الدُّنيا الَّتي أعاذت وليدَها وذرَّيته مِن الشَّيطان الرَّجيم؛ بل كلُّ مسلمٍ تقيٍّ يفعل ذلك!
وفي تقرير الشُّبهتين الأخيرتين، يقول (إسماعيل الكرديُّ):
«لقد ثَبَت في الطبِّ أنَّ سببَ صراخِ كلِّ مولود حين ولادته هو: دخول الهواء لأوَّل مرَّةٍ لرئتيه، بعد أن كان يَتلقَّى الأوكسجين مِن دَم أمِّه عبر الحبل السُّري، ولو لم يبكِ لاختنق.
ثمَّ؛ هل زوجةُ ابنِ عمران (أمُّ مريم) هي الوَحيدة في الدُّنيا الَّتي أعاذت وليدها وذريَّته مِن الشَّيطان الرَّجيم؟! أليسَ كلُّ مسلمٍ تَقِيٍّ يقول حين الجماع:
(1)
«تفسير المنار» (3/ 240).
(2)
وبه شنَّع صاحب كتاب «صحيح البخاري نهاية أسطورة» (ص/157) على البخاري كون النَّبي صلى الله عليه وسلم لم ينجُ من هذه الطعنة الشيطانية.
(اللَّهم جنِّبنا الشَّيطان، وجنِّب الَّشيطان ما رَزقتنا)؟! فلماذا لا يُعيذُ الله مَوْلودَه -حسب الحديثِ- مِن نَخْسة الشَّيطان؟ وهل دعاءُ المسلمين جميعُهم غير مَقبول»
(1)
.
(1)
«نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/279).