الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّاني
سَوْق المُعارضاتِ الفكريَّة المعاصرةِ
لأحاديث عذابِ الميِّت ببكاءِ أهلِه عليه
ينحصِر مُجمَل ما أورده المعاصرون مِن معارضاتٍ لهذه الأخبارِ النَّبويَّة في واحدةٍ: وهي دعواهم أنَّها مصادمةٌ لصَريحِ القرآن الكريم، فالله تعالى في غير مَوضعٍ منه ينفي عن الإنسان حملَ أوزارِ غيره وتبعاتِ أفعالِهم ممَّا لا دخلَ له فيها.
وفي تقرير هذا الاعتراضِ، يقول (جعفر السُّبحاني):
«هذه الرِّواية وإن رواها مسلم بطرقٍ مختلفة، لكنَّها مَرفوضة جدًّا، لأنَّها تخالف صريح القرآن، قال سبحانه:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، وقال سبحانه:{وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فاطر: 18].
فكيف يمكن أن نقبلَ أنَّ الميِّت البَريء يُعذَّب بفعل الغير، وهو شيء يرفضه العقل والفطرة؟! .. ولأجل ذلك رَدَّت السَّيدة عائشة هذه الرِّواية»
(1)
.
ويقول (محمَّد الغزالي) مُستغربًا مِن بقاءِ المحدِّثين على قَبول هذا الرِّوايات: «إنَّها -يعني عائشة- تردُّ ما يخالف القرآن بجرأةٍ وثقة، ومع ذلك فإنَّ
(1)
هذا الحديث المَرفوض من عائشة ما يزال مُثبتًا في الصِّحاح! .. والخطأ غير مُستبعَدٍ على راوٍ، ولو كان في جلالةِ عمر!»
(1)
.
ويقول (أبو عبد الرَّحمن ابن عقيل الظَّاهري) مُعقِّبًا على حديث ابنِ عمر:
«نَجِدُ صُورًا يجب فيها تقديم العقل على النَّقل؛ نجد ذلك في صُوَر ظَهَرَ فيها تنافي التَّناقض أَو التَّضادِّ في أَذهاننا لا في الواقع، كالخبر الصَّحيح: بأنَّ الميت يُعذَّب ببكاء أهله عليه، مع العلمِ القطعيِّ بأنَّه لا تزِر وازرةٌ وزرَ أخرى.
الرُّجحان هاهنا تَعيَّن في العقلِ تَعيُّنًا لا احتمال فيه، بأنَّ تعذيب الله للميِّت بغير فعلٍ منه: ليسَ مِن العدل الَّذي أَوجبه ربُّنا على نفسِه؛ إذْ حَرَّم الظُّلمَ على نفسه، وليس مِن عصمةِ الشَّرع الَّتي حَكَم بها العقل ابتداءً، وتنافي ما بَيَّنه الشَّرع: أنَّ المكلَّف مَسئولٌ عمَّا جناهُ مباشرةً، أو بتسبُّب، وليس مَسئولًا عن جنايةِ غيره»
(2)
.
(1)
«السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/22 - 23) بتصرف يسير.
(2)
«قانون التَّوفيق بين الدِّين والعقل» لابن عقيل الظَّاهري (ص/22)، نقلًا عن «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/63).