الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّاني
سَوْق المعارضاتِ الفكريَّة المعاصرةِ
للتَّفسير النَّبوي لآية: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ}
تَرجع مُجملُ نَقدَاتِ مُنكِري الحديثِ إلى أصلين:
الأوَّل: ما تَعلَّق منها بجانبِ التَّفسير وكونِه مُصادمًا لنصِّ القرآن نفسِه.
والثَّاني: ما تعلَّق بجانبِ المكتشفاتِ العلميَّة الحديثة.
فنقتصِرُ هنا على الأوَّل منهما لاندراجِه تحت موضوعِ هذا الفصلِ، والكلامَ عن الثَّاني نستوفيه في الفصل الثالث المُتعلِّق بالغيبيَّات -إن شاء الله-.
أمَّا اعتراضاتُ المُعاصرينَ الخاصَّةِ بهذا التَّفسير النَّبوي، فتنحصر في أوجهٍ ثلاثة:
الوجه الأوَّل: أنَّ في الحديثِ حصرَ مفاتحِ الغيبِ في خمسةٍ، والآية أطلَقت علمَ الله بالغُيوبِ، فدلَّت على عدمِ قصرِها على مجرَّد تلك الخمسة.
وفي تقرير هذا الوجه من الاعتراضِ على الحديث، يقول (جواد عفانة):«أمَّا متنُ هذا الخبِر فتفسيرٌ خاطئٌ للآيةِ الكريمةِ، .. فكيف حَصَرها الرَّاوي بخمسةٍ فقط؟! .. ومَفاتح الغيب لا يعلَم عدَدَها وماهيتَها إلَّا الله!»
(1)
.
(1)
«صحيح البخاري مخرج الأحاديث محقق المعاني» (2/ 1172، 3/ 1841).
الوجه الثَّاني: أنَّ الآيةَ لا تفيدُ اختصاصَ العلمِ بنزولِ الغيثِ، ولا العلمِ بما في الأرحامِ بالله تعالى وحده، كما يُفهِمه الحديث، بدلالةَ التَّغايرِ في التَّعبير في الآيةِ بين جملة إنزال الغَيث، فجاءت فعليَّة، وبين جملةِ (العلمِ بالسَّاعة) المَعطوفةِ عليها، حيث جاءت جملةً اسميَّة.
وفي تقريرِ هذه الشُّبهة، يقول (جعفر السُّبحاني): «لا شَكَّ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم إذا أخبرَ بأنَّ ثمَّة أمورًا خمسة لا يعلمها إلَّا الله، يحتَّم علينا القبول، لأنَّه خبر صادق مصدَّق، إنَّما الكلام إذا حاولنا استخراجَ هذا الخبر الغَيبيِّ مِن الآية الواردة في آخرِ سورةِ لقمان، فالظَّاهر أنَّ الآية لا تدلُّ على الانحصار إلَاّ في مَوارد ثلاثة:
علم السَّاعة: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} .
العلمُ بما يكسِبه الإنسان في غَدِه: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً} .
العلمُ بالأرض الَّتي تموت فيها: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} .
هذه الأمور الثَّلاثة ممَّا استأثر الله سبحانه علمها لنفسه، وأمَّا الأمران الباقيان فلا دلالة في الآية على الاستئثار!
أمَّا الأوَّل، أعني قوله:{وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} : فهو إخبارٌ عن كونِه سبحانه مُنزِّلَ الغيث، ولا دلالةَ في قولِه على استئثارِ علمِ النُّزولِ بنفسه، ويشهد لذلك تغيير الصِّيغة بين المعطوف عليه والمعطوف، فالمعطوف عليه جملة اسميَّة {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} ، والمعطوف جملة فعليَّة {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} ، فلو كانت الجملة الثَّانية هادفةً لبيانِ الانحصار، كان الأنسبُ أن يقول:(ونزولُ الغيث)!
وأمَّا الثَّاني: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} : فهو بصددِ إثباتِ العلمِ لله سبحانه، لا بصددِ النَّفيِ عن غيرِه، واستفادة النَّفي منه يحتاج إلى دليلٍ قاطعٍ»
(1)
.
الوجه الثَّالث: لو كان هذا الحديث وَحيًا حقًّا، لما استُعمِل لفظُ (المَطَر) فيه بَدلَ لفظ (الغَيث)، فهو الَّذي جاءَ في الآية، إذْ دلالةُ الأوَّل في القرآنِ على الشَّر، ودلالة الثَّاني فيه على الخير.
(1)
«الحديث النبوي بين الرواية والدراية» (ص/415 - 416).
حتَّى جَعلَ (نيازي عزُّ الدِّين) هذا الوجهَ قاطعًا على وضعِ الحديثِ! مُدَّعيًا جهلَ راويهِ بأسلوب القرآن، فتراه يقول:« .. إنَّ راويَ الحديث وضَعَ بصمة التَّأليفِ بيدِه في قوله: «وما يدري أحدٌ متى يجيء المَطر» ، فإنَّ الله سبحانه لم يستخدِم في كلِّ القرآن كلمةَ المطر إلَّا غَضبًا على العِباد، أمَّا إذا كان خيرًا استخدمَ الغيث!
فلو كان -فِعلًا- وَحيًا ثانيًا مِن السَّماء كما يدَّعي أهل العلم مِن السُّنة، لوَجَب أن لا يَتناقض مع القرآن في استخدامِ الكلمات، ولوَجَب أن يلتزم في هذا الوحيِ كما التزم في الوحي الأوَّل!»
(1)
.
(1)
«دين السلطان» (ص/323).