الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّاني
سَوق المعارضات الفكريَّة المعاصرة
لتفسيرِ آيةِ: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ}
ترجع مُجمَل طعونِ المعاصِرين في حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه إلى سبعةِ أوجهٍ من المعارضاتِ المَتنيَّة:
المعارضة الأولى: أنَّ ظاهرَ الآية على أنَّ جهنَّم لا تَضيقُ بمَن فيها مهما بلغَت أعدادُهم، بينما يُشير الحديث إلى ضِيقِها من ذلك حتَّى تمتلِئ.
وفي تقرير هذه الشُّبهة، يقول (ابن قرناس):«إنَّ الآيات تُصوِّر كيف أنَّ النَّار لن تضيق بمن يُلقى فيها من المكذِّبين مهما بلغت أعدادهم»
(1)
.
المعارضة الثَّانية: أنَّ في إثباتِ صِفةِ القَدمِ لله تعالى في الحديث نوعَ تجسيمٍ، والقَدَم صِفة للمَخلوقِ تُنزَّه الذَّات الإلهيَّة عن مثلِه.
وفي تقرير هذا الاعتراضِ العَقديِّ يقول (زهير الأدهَمي): « .. عندما يضع الله -سبحانه وتعالى عمَّا يصفون- قدَمه على سطحِ هذا الوِعاء، تكون جَهنَّم قد امتلأت، تقول: حَسبي، كَفاني، وعندها تُجرُّ أطرافَ هذا الوِعاء بعضها إلى بعض، وتكون جَهنَّم قد تمَّ إغلاقها على أهلها، .. وعلى طريقة المجسِّمة
(1)
«القرآن والحديث» (ص/414).
أو المشبِّهة -تعالى الله الَّذي ليس كمثله شيء- يمكن أن نتخيَّل ربَّ العزَّة هنا على هيئة وصورة أقلُّ ما يُقال فيها إنَّها لا تليق بجلالة الله وعظمته»
(1)
.
المعارضة الثَّالثة: أنَّه يلزم من وضعِ قدم الله تعالى في النَّار مَسُّ الخلقِ للذَّاتِ الإلهيَّة ومخالطتها، فإنَّ لفظ (في) في روايةِ أنس رضي الله عنه:« .. حتَّى يضع فيها ربُّ العالمين قدَمه»
(2)
، يفيد الظَّرفية، و «معنى ذلك أنَّ بعضَ أجزاءِ جسمِه تحلُّ بخلقِه، لأنَّ النَّارَ بعضُ خلقِه»
(3)
، وهذا باطل شَرعًا وعقلًا.
ثمَّ فرَّع المُعترض عن هذا التَّوهم الوجهَ التَّالي من أوجُه المعارضةِ، وهو:
أنَّ القرآن أخبر أنَّ النَّار تمتلئ بإبليسَ وأتباعه فقط: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85]، بينما الحديث يذكر امتلائها بوضعِ قدمِ الرَّبِ فيها أيضًا
(4)
.
المعارضة الرَّابعة: أنَّ الجنَّة والنَّار مِن الجمادات المَسلوبة العقلِ والحاسَّة، فلن يكون لهما «مَعرفةٌ بما حلَّ فيهما مِن مُتجبِّر ومتكبِّر، أو ضعيفٍ وساقط مِن النَّاس»
(5)
، وعليه فإنَّ في «متنِ هذا الحديث خَللًا في المعنى، لأنَّ الجنَّة والنَّار غير عاقلتين فتتكلَّمان»
(6)
.
ثمَّ فرَّعوا عن هذا الاعتراض اعتراضًا لازمًا له، مفاده في:
المعارضة الخامسة: أنَّ مَن علِم أساليبَ العربيَّة في الخطابِ القرآنيِّ، يدرك أنَّ ما وَرد في آيةِ {وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} مِن كلامِ جهنَّم، هو مَحمول على المجازِ
(1)
«قراءة في منهج البخاري ومسلم» لمحمد زهير الأدهمي (ص/351)، وانظر «تحرير العقل من النقل» (ص/257).
(2)
أخرجه البخاري (ك: التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ}، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ}، ومن حلف بعزة الله وصفاته، رقم: 7384)، ومسلم (ك: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، رقم: 2848).
(3)
«الحديث النبوي بين الرواية والدراية» (ص/651).
(4)
«الحديث النبوي بين الرواية والدراية» (ص/338)، وقوله آخر كلامه (لم يُعد) صوابه: لم يوعد.
(5)
«الحديث النبوي بين الرواية والدراية» (ص/338).
(6)
«نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» لإسماعيل الكردي (ص/161).
لا الحقيقة، ومَعناه: استيعابُها لمِن أُلقِيَ فيها مهما بلَغَت أعدادُهم، لكن الحديث صوَّر ذلك على أنَّه حَقيقة.
(1)
.
وليتَ هؤلاءِ سَلكوا في الحديث ما سلكه (رشيد رضا) مِن تأويلِه متحاشيًا إنكاره
(2)
.
المعارضة السَّادسة: أنَّه من المُحال أن تَتبرَّمَ الجنَّة مِمَّن فيها مِن أولياءِ الله تعالى وإن كانوا ضَعفة، وتغتبطَ النَّارُ بمَن فيها مِن المُتجبِّرين! وهذا ما ظَهَر للموسويِّ مِن الحديث، فيقول:«فأيُّ فضلٍ للمُتجبِّرين والمتكبِّرين لتفتخرَ بهم النَّار، وهم يَومئذٍ في أسفلِ سافلين؟! وكيف تظنُّ الجنَّة أنَّ الفائزين بها من سَقطة النَّاس، وهم مِن الَّذين أنعمَ الله عليهم بين نبيٍّ وصدِّيق وشهيد وصالح؟! ما أظنُّ الجنَّة والنَّار قد بلَغ بهما الجهلُ والحمقُ والخرفُ إلى هذه الغاية»
(3)
.
(1)
«نحو تفعيل قواعد متن الحديث» (ص/208)، وبهذه العلَّة أيضًا ردَّه ابن قرناس في «القرآن والحديث» (ص/415).
(2)
«تفسير المنار» (1/ 233)، وهو قول عدد من المفسرين، منهم الزمخشري في «الكشاف» (4/ 392)، والبيضاوي في «تفسيره» (5/ 230).
(3)
«أبو هريرة» لعبد الحسين الموسوي (ص/62).