الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّالث
كلام المتقدِّمين في «الصَّحِيحَين»
أغلبُه في رسوم الأسانيدِ دون رَدٍّ للمتون
بتتبُّعِ الانتقاداتِ المُوجَّهة مِن أئمَّة العِلَل إلى أحاديثِ «الصَّحيحين» ، والَّتي تبلغُ في مَجموعِها زهاءَ (عِشرينَ وأربعمائةِ) حديثٍ مُتكَلَّمٍ فيه
(1)
، نجد أغلبَ هذه الإعلَالاتِ مُتَّجه إلى الصّنعةِ الإسناديَّةِ البَحتةِ
(2)
.
وذلك أنَّا رأينا الدَّارقطنيَّ وغيرَه يَتكلَّمون في سَندٍ مُعيَّنٍ، ومِن وجهٍ خاصٍّ لا مُطلقًا، كأنْ يُعِلُّوا طريقًا أو روايةَ شيخٍ بعينِه، خَلَّط في إسنادِه، أو زادَ راوِيًا أو أسقطَه تَوهُّمًا، أو أنَّه مُدلِّس، وفيه ضَعف، أو أنَّ الإسنادَ مُضطَربٌ، أو مُرسَل، أو مَوقوف .. إلخ
(3)
؛
فأكثر استدراكاتِهم على الشَّيخينِ إنَّما هو قَدحٌ
(1)
أوصلها مصطفى باحو في كتابه «الأحاديث المنتقدة في الصَّحيحين» إلى ثلاثمئةٍ وستة وتسعين (396) حديثًا، واستدرك عليه عبد الله القحطاني ثلاثين (30) حديثًا أعلَّها الدَّارقطني في «العلل» لم يذكرها الباحث الأوَّل في كتابه، وذلك في رسالتِه العلميَّة «أحاديث الصَّحيحين التي أعلها الدراقطني في كتابه العلل وليست في التتبع» (ص/8).
(2)
انظر مصداق هذا في أنواع الأحاديث السبعة المنتقدة على «الصحيحين» في «هدى الساري» لابن حجر (ص/347).
(3)
لم أقف على تعليل متنيٍّ للدراقطني لأحاديثِ «الصَّحيحين» إلَّا في مِثالين:
ما أخرجه من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب: «إذا جاء أحدُكم والإمام يخطب أو قد خرج فليصل ركعتين» ، حكَم عليه بالشُّذوذ في «التَّتبع» (ص/368)، وأجابَ عنه ابن حجر في «هدى الساري» (ص/355).
وما أخرجه مسلم (برقم 1480) مِن حديث فاطمة بنت قيس في نَفَقة البائن، حَكم على قول عمر فيه:« .. ولا سُنَّة نبيِّنا» بالشُّذوذ، في كتابِه «العِلل» (2/ 141 - 142).
في بعض ما أورداه من أسانيدِ
(1)
، غيرُ مُخرجٍ لمتونِ الحديثِ مِن حَيِّز الصِّحة
(2)
.
أمَّا كلام النُّقاد في ذات المتونِ فقليلٌ جدًّا، وهو مع ذلك مُتَّجِه في أكثرِه إلى طَرفٍ مِن المتنِ لا أصله، كوَهمٍ في لفظٍ، أو شذوذِه، أو قَلْبٍ فيه ونحو ذلك
(3)
؛ اللَّهم إلَّا في النَّادرِ من الحديث، وهم في ذلك يُرجعون خلل المتن إلى سببه في الإسناد.
فأين هذا مِن منهجِ مَن يَروغُ على أحاديثِهما ضَرْبًا باليَمينِ لأدنى إشكالٍ يَتَوهَّمه في متونِهما، ولا هو يُبالي بالنَّظر إلى مَكمنِ الخَلل في إسنادِه؟!
(1)
وقلت هنا: (أكثر)، تفاديًا لما وقع فيه بعض الأفاضل مِن تَعميم الدَّفعِ عن كلِّ الأحاديث المُنتقدة، لمِا مرَّ معنا من كونِ بعض الأئمَّة قد علَّلوا أحاديثَ في «الصَّحيحين» تعليلًا حقيقيًّا، يودِي بالحديث إلى الرَّدِ، وخاصَّةُ أمثلة هذا موجودة في القسم الثَّالث والرَّابع من أقسام الأحاديث المُعلَّة الَّتي ذكرت آنفًا.
وبه نعلم خطأ ما أطلقه (أحمد شاكر) في تحقيقه لـ «مسند أحمد» (6/ 553) من دعواه أنَّ انتقادات الأئمَّة لما انتقدوه فيهما ليس غرضها إلَّا بيان الأصحِّ من أوجه الحديث فحسب، مع التَّسليم بكونِ ما في «الصَّحيحين» صحيح كلُّه؛ فتراه يقول في ذلك:«غَلا بعضُهم، فزعَم أن في الصَّحيحين أحاديث غير صحيحة، إن لم يزعم أنَّها لا أصل لها، بما رأوا من شبهات في نقد بعض الأئمَّة لأسانيد قليلة فيهما، فلم يفهموا اعتراض أولئك المتقدِّمين الَّذين أرادوا بنقدهم أنَّ بعض أسانيدهما خارجة عن الدَّرجة العُليا من الصِّحة الَّتي التزمها الشَّيخان، لم يريدوا أنَّها أحاديث ضعيفة قطُّ» .
وتبعه على مثل هذا الإطلاقِ بعض من تصدَّى للذَّب عن الصَّحيحين من المعاصرين، كالَّذي وقع فيه الباحثون في موسوعة «بيان الإسلام» (6/ 72) مِن دعوى أنَّ إجماعِ علماء الحديث على أنَّ أحاديث «صحيح مسلم» صحيحة!
وهذا نموذج من الأخطاء النَّقليَّةِ الَّتي يَستمسك بها أولئك الطَّاعنون، للتَّهوينِ من ردودِ أهل السُّنة، والسُّخرية مِن تقريراتهم، للأسف.
(2)
انظر تقرير هذا في «صيانة صحيح مسلم» لابن الصَّلاح (ص/177)، و «النكت على مقدمة ابن الصلاح» للزركشي (1/ 278).
(3)
من أمثلته: ما أخرجه البخاري في «صحيحه» (5/ 132، برقم:4203) من طريق الزُّهري قال: أخبرني سعيد بن المسيِّب أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه قال: «شهِدنا خَيبر .. » ، فأصل الحديث صحيح، إلَاّ قوله في آخره:«قُم يا بلال فأذِّن .. » فمدرج في روايةِ شعيب الَّتي خرَّج البخاري، كما قرَّره ابن حجر في «هدى الساري» (ص/370).