الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّاني
سَوْق المُعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِ
لأحاديث عذابِ القبرِ ونعيمه
مِمَّا استندَ إليه المُبطِلون لأخبار هذا الباب مجموع ضَرورتين لا يُمكن دفعُهما: الضَّرورة العقليَّة، والضَّرورة الحِسيَّة
(1)
.
فأمَّا الضَّرورة الأولى: فإنَّه مِن المُحال عقلًا بعد موتِ الإنسان وتوسيدِه الثَّرى، وصيرورته إلى جثَّةٍ هامدةٍ لا حياة فيها: أن يشعر بالعذاب أو النَّعيم في قبره، أو أن تقع المساءلة والخطاب له؛ إذْ شرْطُ ذلك الحياةُ، والحياةُ زالت بزوالِ الرُّوحِ، والبنْيةُ قد انتَقَضت؛ فامتنعَ عقلًا ما ذُكِر في تلك الأحاديث.
يقول (حسن التُّرابي) في تقريرِ هذا الاعتراض: «هناك أفكار مُتخلِّفة .. مثلًا هناك مَن يقول بمُنكرٍ ونكير، وعذابٍ داخلَ القبر، وهذا غير صحيح! والإنسان حينما يموت تصعد روحه لله سبحانه وتعالى، أمَّا الجسد فيَتآكل وينتهي، لا يُبعَث مرَّة أخرى»
(2)
.
(1)
انظر «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/526).
(2)
نقلًا عن «سلسلة الدراسات الفكرية» (ص/6)، إعداد الأمانة العامة لهيئة علماء السودان، العدد السَّادس، 11 شوال 1427 هـ الموافق 1 نوفبر 2006 م، نقلًا عن «الاتجاه العلماني المعاصر» (ص/491).
(1)
.
أمَّا الضَّرورة الأخرى: فيقولون: أنَّنا بعد طول التَّجاربِ نكشِفُ عن القَبْر، فلا نجدُ ملائكةً يضربون بمطارق من حديد، ولا نرى فيه حيَّاتٍ، ولا ثعابينَ، ولا نيرانًا، بل نرى أجسادًا باليةً، أو عِظامًا نَخِرَةً، بل لو كشفنا عنه في كلِّ حالةٍ، لوجدْناه فيه لم يذهبْ ولم يتغيَّر عن حالته السَّابقة.
فكيف يصِحُّ بعد ذلك الزَّعمُ بأنَّ الميت يُقْعَدُ في قبره؟ مع كوننا لو وضعْنا زِئْبَقًا بين عينيه، أو دُخنًا
(2)
على صدره، وأتيناه بعد بُرهة مِن الزَّمن؛ لَمَا تَغيَّر زِئْبَقٌ ولا دُخْنٌ عن وضْعِهما! ثمَّ إنَّا نفتح القَبْر فنجدُ لحْدًا ضيِّقًا على قدْرِ ما حفرْناهُ؛ فكيف تزعمون أنَّ القَبْر يتَّسع له وللمَلكين السَّائلين له؟!
(3)
(1)
«دين السلطان» (ص/923).
(2)
الدُّخن: نَبَات عشبي أسود، حبُّه صَغِير أملس كحب السِّمسم، ينْبُت بريًّا ومزروعًا، انظر «المعجم الوسيط» (1/ 276)
(3)
انظر «التذكرة» للقرطبي (ص/371).