الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّاني
سَوْق دعاوي المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ
لحديث شفاعة النَبي صلى الله عليه وسلم الكبرى
مع قيامِ البَراهين النَّقليَّةِ الكثيرةِ على ثبوتِ الشَّفاعةِ النَّبويَّةِ يومَ القيامة، إلَّا أنَّ فريقًا مِن مُخالِفي أهل السُّنةِ استَرْوَحوا إلى مُدافعتِها وعدمِ التَّصديقِ بها، وحاصلُ مَواقفِهم مِن حديثِ الشَّفاعة الكبرى لا يخرُج عن مَقامَين:
الأوَّل: مُعارَضاتٌ مُجْلَبةٌ على أَصلِ الشَّفاعة.
الثاني: مُعارَضاتٌ سِيقت لإنكارِ بعضِ مُتعلَّقاتِ حديثِ الشَّفاعة.
فأمَّا المقام الأوَّل: فمِمَّا أُورد على أصلِ الشَّفاعة ما تَضَمَّنته:
المعارضة الأولى: وهي دعواهم أنَّ جَريان الشَّفاعة على يَدِ الشُّفعاءِ يَقتضي مشاركةَ الله في مُلكِه، ومُنازعتَه فيما تَفرَّد به.
وممَّن قنِع بهذه الدَّعوى في رَدِّ أخبارِ هذا الباب: (مُصطفى محمود)
(1)
، وهو مع حِرصِه على عَقْلَنة التَّصوُّرات، مُضطَرِبٌ في هذا الباب بخاصَّةٍ اضطرابًا ظاهرًا، فتارةً يُنكِر الشَّفاعة في الظَّاهر، وتارةً يُظهِر استحسانَ مَنْ أَثبتَها بقُيودِها؛ وإن كان جانبُ النَّفي عنده ظاهر التَّغليب.
(1)
مصطفى كمال محمود: طبيب ومفكر مصري، كان متأثرًا بموجة الشيوعية الملحدة، ثم تاب، وتفرغ للكتابة من عام 1960 م، فبلغ ما نشره زهاء تسعين كتابًا متنوعًا في الدين والفكر والروايات، منها كتابه:«حوار مع صديقي الملحد» ، وشُهر بحلقاته التلفزية (العلم والإيمان).
ففي تقريرِ إنكارِه للشَّفاعةِ الكُبرى، يقول:«جمعيَّة الشَّفاعة كلُّها لله وحدَه، كما ذَكر القرآن، وكرَّر في مُحكمِ آياته، وأنَّه لا يُشرك في حُكمِه أحدًا .. وليس لله مُنافسٌ في هذا، ولا يجوز أن يكون له مُنافس»
(1)
.
ثمَّ يُقرِّر بأنَّ الاعتقادَ بالشَّفاعةِ لَونٌ مِن الشِّرك خَفيٌّ! وذلك أنَّه «لا يصلُح الإنسان أو المَلِك، أو رئيسُ الملائكة، أو أبو الأنبياء، أنْ يكون له عز وجل شريكٌ على أيِّ مُستوى .. وهو مُتفرِّد بالأمرِ والحُكمِ، ولا يجوز أن يَتدخَّل أحدٌ، أو أن يُعدِّل أن يُبدِّل في حكمِه .. وهذا جوهرُ الإسلام، وبدايةُ هذا الشِّرك الخَفيِّ كان مَعناها انحدارُ الإنسان .. »
(2)
.
ويزيد (نيازي) عليه تَشنيعًا على مَن يؤمن بأحاديث هذا البابِ بقولِه:
«إنَّ الكلام الَّذي سمِعناه، مَهما كان جميلًا وأحببناه، فإنَّه مُجرَّد وهمٍ وخيالٍ لا أصل له أبدًا، وإشراكٌ بالله، إذ كيف يريد لنا جنودُ السُّلطان أن نعود ونُشرك بالله مرَّةً أخرى بالإيمان مِن جديد بوجودِ شُفعاءَ مع الله؟! مع أنَّنا نعلمُ أنَّ سبب تسمية أهلِ الجاهليَّة القديمةِ مِن قريشٍ والجزيرة العَربيَّة بالمشركين، أنَّهم كانوا يُشركون مع الله شفعاءهم، أليس هذا هو الصَّحيح؟ أم هل نَسِينا آياتِ القرآن الكريم الَّتي تُنكر الشَّفاعة، وتحصرُها بالله تعالى في الآيات التَّالية:
{قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الزمر: 44].
{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48].
{لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 51].
{أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ} [الزمر: 43]»
(3)
.
(1)
«الشفاعة» لمصطفى محمود (ص/48).
(2)
«الشفاعة» لمصطفى محمود (ص/113).
(3)
«دين السلطان» لنيازي عز الدين (ص/925).
وأمَّا المَقام الثَّاني: فمِن المُعارضات المَقولةِ على بعضِ ما تَضَمَّنه حديث الشَّفاعة الكبرى:
المعارضةُ الثَّانية: أنَّ مِن صِفاتِ الرُّسُل العصمةُ مِن المَعاصي، فصدُورها منهم -كما يثبتُه الحديث- قادِحٌ في تلك العِصمة، ومُناقضٌ لأمرِ الله أقوامَهم باتِّباعهم في جميعِ أعمالِهم.
(1)
.
والمعارضةُ الثَّالثة: أنَّ في اقتصارِ النَّبي صلى الله عليه وسلم في دعاءِه على الشَّفاعةِ لأمَّتِه، تَخْيِيبًا لباقي الأُمَم الَّتي ترَّجَت منه الشَّفاعة، وهذا أبعدُ ما يكون مِن خُلُقه.
(2)
.