الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّاني سَوْق المعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِ للأحاديث المتعلِّقة بالدَّجال
أورَد المخالفون عدَّة شُبهاتٍ عقليَّة متعلِّقة بحقيقة الدَّجال وتشخُّصِه، ومتعلِّقة أيضًا بصفاتِه الثَّابتة في السُّنة، أبرزها مُجملٌ في سبعة مُعارضاتٍ:
المعارضة الأولى: أنَّ أحاديث الدَّجال تُنافي حكمةَ إنذارَ القرآن النَّاسَ بقربِ السَّاعة وإتيانها بغتةً، «فالمسلمون المنتظرون لها -أي للسَّاعة- يعلمون أنَّ لها أشراطًا تقع بالتَّدريج، فهم آمنون من مجيئها بغتةً في كلِّ زمن، وإنَّما ينتظرون قبلها ظهور الدَّجال، والمهدي، والمسيح عليه السلام، ويأجوج ومأجوج»
(1)
.
المعارضة الثَّانية: أنَّ هذه الأحاديث نَسَبَت جملةً مِن الخوارق للدَّجال؛ تُضاهي أكبر الآيات الَّتي أيَّد الله بها أولي العزم من الرُّسل، أو تفوقها، وإثبات هذه الأحاديث يُعدُّ شبهةً على آيات الأنبياء، مما يُسقِط الثِّقة بها، والانتفاع بهدايتها.
المعارضة الثَّالثة: أنَّ هذه الخوارق مخالفة لسُنَنِ الله في خلقه، ونصوص القرآن قاطعة في أنَّه لا تبديل لسُنَّة الله تعالى ولا تحويل.
(1)
«تفسير المنار» (9/ 407).
وهذه الشبهات الثَّلاث تولَّى كِبرها ومصادمة الأدلَّة القاطعة بثبوتِ المسيح الدَّجال: (محمَّد رشيد رضا) في «تفسيره»
(1)
، فأجلبَ على أحاديثه بأوقارٍ من الشُّبهات مِن جهة الرِّواية والدِّراية.
وقد ساق غيره مُعارضًا لصِفةٍ من صفات الدَّجال الواردة في الحديث؛ وهي ما ورد مِن أنَّه مكتوب بين عينيه (كافر)، فزعم منْعَ حملِ هذه الكتابة على حقيقتها، ومناطُ المنع عنده:
المعارض الرَّابع: أنَّه لو حُمِلت تلك الكتابة على حقيقتها، لاسْتوَى في إدراكِ ذلك المؤمن والكافر، ولم يقَع الاختصاص بإدراكِ ذلك للمؤمن فقط، ثمَّ إنَّ مِن المؤمنين من هو أُمِّيٌّ لا يقرأ ولا يكتب، أو مَن هو أعمى؛ فكيف يتَحَصَّل له إدراك ذلك؟
وفي تقرير هذه الشُّبهة، يقول (حسن حنفي) ساخرًا ممَّا صحَّ مِن أَمر هذه الكتابة:« .. ومكتوب بين العَين العوراء والعَين العمياء كافر! وكأنَّ الجبين سَبُّورة أو قرطاس! وبأيِّ لونٍ تكون الكتابة؟ وبأيَّة لغةٍ؟ وما حجمها؟ وماذا عن المؤمن الَّذي لا يعرف القراءة أو اللُّغة؟ أو المؤمن الأعمى؟ .. »
(2)
.
المعارضة الخامسة: أنَّ بين أحاديثِ المسيحِ الدَّجال عِدَّة تَعارضاتٍ في تحديد شخصِ الدَّجال، وفي زمان خروجِه ومكانِه، وفي خوارِقه الَّتي تكون معه، وكلُّ هذه التَّعارضات يوجب تساقطَها بالمرَّة.
يفصِّل هذه التَّعارضات (رشيد رضا) في «تفسيره» فيقول:
«إنَّها متعارضة تعارضًا كثيرًا يوجب تساقطَها كما ترى فيما يلي؛ فمِن ذلك التَّعارض: .. أنَّه كان يشكُّ في ابنِ صيَّاد مِن يهود المدينة هل هو الدَّجال أم لا، وأنَّه وَصف صلى الله عليه وسلم الدَّجال بصفاتٍ لا تنطبق على ابن صيَّاد، كما قال ابن صيَّاد لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
ومن التَّعارض أيضًا: أنَّه يُصرِّح في بعض الرِّوايات بأنَّه يكون معه -أي الدَّجال- جبل أو جبال من خبزٍ ونهر أو أنهار من ماء وعسل، .. مع ما رواه الشَّيخان -واللَّفظ للبخاري- من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قلت: لأنَّهم يقولون إنَّ معه جبل خبزٍ ونهر ماء، قال صلى الله عليه وسلم: بل هو أهون على الله من ذلك.
ومن التَّعارض أيضًا: ما وَرَد مِن اختلاف الرِّوايات في المكان الَّذي يخرج منه، ففي بعضِ الرِّويات أنَّه يخرج من قِبل المشرق على الإبهام، وفي حديث النَّواس بن سمعان رضي الله عنه عند مسلم: أنَّه يخرج مِن خَلَّة بين الشَّام والعراق، وفي رواية أخرى لمسلم: أنَّه يخرج مِن أصبهان، وفي حديث الجسَّاسة عنده: أنَّه محبوس بدِيرٍ أو قصرٍ في جزيرة بحر الشَّام -أي البحر المتوسِّط وهو في الشَّمال- أو بحر اليَمين، وهو في الجنوب، وأنَّه يخرج منها»
(1)
.
المعارضة السَّادسة: أنَّ المسيح الدَّجال لو كان حقيقةً لوَرَد ذكرُه في القرآنِ تحذيرًا للنَّاس مِن فِتَنِه، يقول (نيازي):«ليس في كلِّ القرآن ذكرٌ لأيِّ مسيح دجَّال، .. وإنَّما هي مِن محرَّفات أهل الكتاب جميعًا»
(2)
المعارضة السَّابعة: أنَّ في الأحاديث الواردة في وصفِ المسيح الدَّجال تجسيمًا لله تعالى وتشبيهًا له بصفات خلقه، فهي تثبت ضمنًا أنَّ لله عينين.
يقول إسماعيل الكردي: «الإشكال الكبير في الحديث أنَّه عندما يميِّز الدَّجال المدَّعي للألوهيَّة عن الله الحقِّ المتعال، يقول: إنَّ الدَّجال أعور، بعكس الله الَّذي ليس بأعور، وهذا يفيد أنَّ لله تعالى عين أو عينين! إذ لو لم تكن العينان ثابتتان لله تعالى أصلًا لما كان هنالك وجه لمثل هذه المقارنة!
وهذا بالضَّبط ما يذهب إليه الحشويَّة، فيجعل هذا الحديث دليلًا على ما يسمِّيه صفة العينين أو الأعين لله! ومن هنا فإنَّ فخر المتكلِّمين الإمام محمد بن
(1)
«تفسير المنار» (9/ 409 - 410).
(2)
«دين السلطان» (ص/355).
عمر الرَّازي طعن في كتابه (أساس التَّقديس) في صحَّة هذا الحديث، وقال: لا يصحُّ متنه وإن كان مخرَّجًا في الصَّحيح، لأنَّ فيه تجسيمًا وتشبيهًا لله تعالى»
(1)
.
(1)
«نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/208 - 209).