الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الأوَّل سَوْق حديثِ الجسَّاسة
عن عَامِرُ بن شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ -أُخْتَ الضَّحَّاكِ بن قَيْسٍ- وكانت من الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ، فقال: حَدِّثِينِي حَدِيثًا سَمِعْتِهِ من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تُسْنِدِيهِ إلى أَحَدٍ غَيْرِهِ.
فقالت: «لَئِنْ شِئْتَ لأَفْعَلَنَّ، فقال لها: أَجَلْ؛ حَدِّثِينِي .. » .
فذَكرتْ له قصَّةَ تأَيُّمِها من زوجِها، واعتدادها عند ابن أمِّ مكتوم، ثمَّ قالت:
«فلمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِي، سمعتُ نِدَاءَ المُنَادِي مُنَادِي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُنَادِي: الصَّلاةَ جَامِعَةً، فَخَرَجْتُ إلى المَسْجِدِ، فَصَلَّيْتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَكُنْتُ في صَفِّ النِّسَاءِ الَّتي تَلِي ظُهُورَ الْقَوْمِ، فلمَّا قَضَى رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلاتَهُ، جَلَسَ على الْمِنْبَرِ وهو يَضْحَكُ، فقال: «لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ» ، ثُمَّ قال:«أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟» قالوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: «إنِّي والله ما جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ ولا لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كان رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ فَبَايَعَ، وَأَسْلَمَ، وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذي كنت أُحَدِّثُكُمْ عن مَسِيحِ الدَّجَّالِ: حدَّثني أَنَّهُ رَكِبَ في سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مع ثَلاثِينَ رَجُلًا من لخمٍ وَجُذَامَ، فَلَعِبَ بِهِمْ المَوْجُ شَهْرًا
في الْبَحْرِ، ثُمَّ أرفَؤوا
(1)
إلى جَزِيرَةٍ في الْبَحْرِ حتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَجَلَسُوا في أَقْرُب
(2)
السَّفِينَةِ، فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ
(3)
كَثِيرُ الشَّعَرِ، لا يَدْرُونَ ما قُبُلُه من دُبُرِهِ من كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكِ! ما أَنْتِ؟
فقالت: أنا الجسَّاسَةُ.
قالوا: وما الجسَّاسَةُ؟
قالت: أَيُّهَا الْقَوْمُ! انْطَلِقُوا إلى هذا الرَّجُلِ في الدَّيرِ؛ فإنَّه إلى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ.
قال: لَمَّا سَمَّتْ لنا رَجُلًا؛ فَرِقْنَا منها أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً؛ قال: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ؛ فإذا فيه أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا، وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إلى عُنُقِهِ ما بين رُكْبَتَيْهِ إلى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ.
قُلْنَا: وَيْلَكَ! ما أنت؟!
قال: قد قَدَرْتُمْ على خَبَرِي، فَأَخْبِرُونِي: ما أَنْتُمْ؟
قالوا: نَحْنُ أُنَاسٌ من الْعَرَبِ رَكِبْنَا في سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حين اغْتَلَمَ، فَلَعِبَ بِنَا الموْجُ شَهْرًا، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إلى جَزِيرَتِكَ هذه، فَجَلَسْنَا في أَقْرُبِهَا، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لا يُدرَى ما قُبُلُهُ من دُبُرِهِ من كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقُلْنَا: وَيْلَكِ! ما أَنْتِ؟ فقالت: أنا الْجَسَّاسَةُ، قُلْنَا: وما الْجَسَّاسَةُ؟ قالت: اعْمِدُوا إلى هذا الرَّجُلِ في الدَّيْرِ
(4)
؛ فإنَّه إلى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ، فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا، وَفَزِعْنَا منها، ولم نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً.
(1)
أرفؤوا: يقال أَرْفَأْت السفينةَ: إذا قرَّبتها من الشطِّ، والموضع الذي تشد فيه المرفأ، انظر «النهاية في غريب الحديث» (2/ 241).
(2)
أَقْرُب -بضم الراء-: سفن صغار تكون مع السفن الكبار كالجنائب لها، يتصرَّف فيها الركاب لقضاء حوائجهم، واحدها: قارَب، وجمعه: قوارب؛ وأمَّا أقرب فهو صحيح؛ ولكنه خلاف القياس، وقيل: أقرُب السفينة: أدانيها، وما قارَب الأرضَ منها. انظر «شرح النووي على صحيح مسلم» (18/ 81).
(3)
أهلب: أي كثيرة الشعر، ذَكر الصِّفَة لأنَّ الدَّابَّة تَقَعُ على الذَّكَر والأنْثَى، انظر «النهاية في غريب الحديث» (5/ 625) ..
(4)
الدَّير: خانُ النَّصارى، جمعه: أدْيارٌ، انظر «القاموس المحيط» (ص/506).
فقال: أَخْبِرُونِي عن نَخْلِ بَيْسَانَ
(1)
؛ قُلْنَا: عن أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قال: أَسْأَلُكُمْ عن نَخْلِهَا: هل يُثْمِرُ؟ قُلْنَا له: نعم، قال: أَمَا إنه يُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ.
قال: أَخْبِرُونِي عن بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ؛ قُلْنَا: عن أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قال: هل فيها مَاءٌ؟ قالوا: هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ؛ قال: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ.
قال: أَخْبِرُونِي عن عَيْنِ زُغَرَ
(2)
؛ قالوا: عن أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قال: هل في الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا له نعم، هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ من مَائِهَا.
قال: أَخْبِرُونِي عن نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ؛ ما فَعَلَ؟ قالوا: قد خَرَجَ من مَكَّةَ، وَنَزَلَ يَثْرِبَ، قال: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نعم، قال: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ: أَنَّهُ قد ظَهَرَ على من يَلِيهِ من الْعَرَبِ، وَأَطَاعُوهُ، قال لهم: قد كان ذلك؟! قُلْنَا: نعم.
قال: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لهم أَنْ يُطِيعُوهُ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عنِّي: إنِّي أنا الْمَسِيحُ! وإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لي في الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ، فَأَسِيرَ في الأرض، فلا أَدَعَ قَرْيَةً إلا هَبَطْتُهَا؛ في أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غير مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أو وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بيَدِه السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِي عنها، وَإِنَّ على كل نَقْبٍ منها مَلائِكَةً يَحْرُسُونَهَا».
قالت -أي: فاطمة بنت قيس-: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ
(3)
في الْمِنْبَرِـ: «هذه طَيْبَةُ! هذه طَيْبَةُ! هذه طَيْبَةُ! -يَعْنِي: الْمَدِينَةَ- أَلَا هل كنت حَدَّثْتُكُمْ ذلك؟» ، فقال النَّاس: نعم، «فإنَّه أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذي كنتُ أُحَدِّثُكُمْ عنه وَعَنْ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، أَلَا إنَّه في بَحْرِ الشَّام، أو بَحْرِ الْيَمَنِ؛ لا،
(1)
بَيْسان: من أرض الأردن، بها عيون ومياه. انظر «معجم البلدان» (2/ 202).
(2)
عين زُغَر: عَيْن بالشَّام من أرْض البَلْقاءِ، انظر «النهاية في غريب الحديث» (2/ 749).
(3)
بمخصرته: ما يُتَوَكَّأُ عليه كالعَصا ونحوِه، وما يأخذه المَلِكُ يُشيرُ به إذا خاطب، والخَطيبُ إذا خَطب، انظر «القاموس المحيط» (ص/492).
بَلْ مِن قِبَلِ الْمَشْرِقِ ما هو
(1)
! مِن قِبَلِ الْمَشْرِقِ ما هو! مِن قِبَلِ الْمَشْرِقِ ما هو! .. وأَوْمَأَ بيدِه إلى الْمَشْرِقِ.
قالت: فَحَفِظْتُ هذا مِن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»
(2)
.
(1)
من قبل المشرق ما هو: لفظة (ما) زائدة صلة للكلام، ليست بنافية، والمراد إثبات أنه فى جهة المشرق، انظر «شرح صحيح مسلم» (18/ 33).
(2)
أخرجه مسلم في (ك: الفتن وأشراط السَّاعة، باب: قصَّة الجسَّاسة، رقم:2942).