الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّاني
سَوْق الُمعارضات الفكريَّةِ المُعاصرةِ
لأحاديثِ الإسراءِ والمعراجِ
قد أُورِدَتْ على حديث الإسراء عِدَّةُ اعتراضات؛ تختلف باختلاف مَشارِب المُورِدين، ومُحصَّل هذه الشُّبهات يؤول إلى ثلاثٍ:
المعارضة الأولى: أنَّه مِن المقرَّر فلكيًّا: أنَّ الهواء يُفقَد بعد أميالٍ فوق الأرض؛ وعلى هذا فلا يتأتَّى العيشُ لأحدٍ بعد انقطاع الهواء، وهذا الاعتراض نقله عبد الله القَصيمي عن بعضِ المُعاصرين، قالوا:« .. فلو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عُرِج به إلى ما فوق الهواء، لَما أمكنَ أن يَبْقى حَيًّا»
(1)
.
المعارضة الثَّانية: أنَّ إثباتَ الحديث يَلزم منه إضافة الجهل لله تعالى؛ ذلك أنَّه جاء في الحديث: أنَّ الله بعد أن فَرَض على نبيِّه صلى الله عليه وسلم خمسين صلاةً، لم يَفقهْ استحالةَ أدائها على البَشَر إلَّا موسى عليه السلام، وكأنَّ الله لا يَعلمُ بقُدرة عبادِه، ومَدى تحمُّلِهم!
وفي تقريرِ هذه الشُّبهة، يقول (محمود أبو ريَّة):
«في حديث المعراج أنَّه: لمَّا فَرَض الله خمسين صلاةً على العباد في النَّهار وفي اللَّيل، لم يستطِع أحدٌ من الرُّسل جميعًا غير موسى أن يفقه استحالة أدائها
(1)
«مشكلات الأحاديث النبوية» للقصيمي (ص/122).
على البشر! .. وكأنَّ الله سبحانه وتعالى لمَّا فَرَض الصَّلاة على المسلمين، كان لا يعلم مَبلغ قوَّة احتمال عباده على أدائها -تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا- وكذلك لا يعلم محمَّد الَّذي اصطفاه للرِّسالة العامَّة إلى النَّاس كافَّة .. لا يعلم إنْ كان مَن أُرسِل إليهم يستطيعون احتمال هذه العبادة أو لا يستطيعون، حتَّى بصَّره موسى! وهكذا ترى الإسرائيليَّات تنفذ إلى ديننا، وتسري في معتقداتنا، فتعمل عملها، ولا تجد أحدًا إلَّا قليلًا يزيِّفها أو يردُّها»
(1)
.
المعارضة الثَّالثة: أنَّ في خبر عُروجِه صلى الله عليه وسلم ما هو مخالِفٌ لمقتضى الضَّرورة العقليَّة؛ إذ كيف يصلِّي بالأنبياء في بيت المقدس، ويكونون في الوقتِ نفسِه في السَّماء، ويكون أيضًا موسى عليه السلام يصلِّي في قبره، كما ورد بذلك الحديث في «صحيح مسلم» ؟!
(2)
.
(1)
«أضواء على السنة المحمدية» (ص/135)، وقد تكرر إيراد هذه الشبهة على حديث المعراج كثيرًا في كتب الطاعنين المعاصرين، منها:«الحديث والقرآن» لابن قرناس (ص/427 - 430)، و «دين السلطان» (ص/374)، و «جناية البخاري» لأوزون (ص/143)، «البخاري وصحيحه» للهرساوي الإمامي (ص/40).
(2)
انظر «مشكلات الأحاديث النبوية» للقصيمي (ص/121 - 121)، والحديث الذي في مسلم أخرجه في (ك: الفضائل، باب: فضائل موسى عليه السلام، رقم: 2375) أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «مررتُ على موسى ليلة أُسري بي عند الكثيب الأحمر، وهو قائم يصلِّي في قبره» .