الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحتياجه إلى النية ليصير عبادة لا ليصير عملا والوجه في تخصيص الصوم بأنه لله كون الصوم غير ظاهر فلا يعلمه من صاحبه غير الله تعالى فلا يمكن أن يراد به سواه وسائر العبادات صلاة وصدقة وحجا وغيرها تظهر من فاعلها فيمكن أن يراد بها غير الله تعالى فلما كان الصيام مما ينفرد الله بمعرفته ان أخفاه ولا يقصد به سوى الله أضيف إليه بخلاف سائر العبادات والله أعلم.
في أي الصيام أفضل
عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحب الصيام إلى الله صوم داود كان يفطر يوما ويصوم يوما وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه" مع ما روى عن أبي هريرة أنه قال: أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي الصلاة بعد المكتوبة أفضل؟ قال: "صلاة في جوف الليل" قال: وأي الصيام أفضل؟ قال: "شهر الله الذي يدعونه المحرم" لا تضاد في الأفضل من الصيامين لأن المعنى أن المحرم أفضل الأوقات لمن أراد أن يصوم صوما خاصا وصيام داود أفضل لمن أراد أن يصوم دائما ففي المحرم فضل الوقت وفي صوم داود فضل الدوام ومنه ما روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله مرني بصيام قال: "صم يوما ولك تسعة أيام" قال: قلت يا رسول الله إني أجد قوة فزدني قال: "صم يومين ولك ثمانية أيام" قال: قلت: يا رسول الله إني أجد قوة، قال:"صم ثلاثة أيام ولك سبعة أيام" فما زال يحط به حتى قال: "إن أفضل الصوم صوم أخي داود صوم يوم وافطار يوم" فقال عبد الله لما ضعف: ليتني قبلت ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيما روى عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "صم يوما ولك عشرة أيام" قال: زدني يا رسول الله فإن لي قوة قال: "صم يومين ولك تسعة أيام" قال: زدني فإن لي قوة، قال:"صم ثلاثة أيام ولك ثمانية أيام" قال ثابت
فحدثت بذلك مطرفا فقال: ما أراه إلا يزاد في العمل وينقص من الأجر ففيه أنه جعل لعبد الله بن عمرو في صوم اليوم الأول عشرة أيام يعني ثوابها ثم جعل له باليوم الثاني الذي زاده تسعة أيام يعني ثواب صيامها وباليوم الذي زاده بعد ذلك ثمانية أيام يعني ثواب صيامها فكل ما كثر عمله قل أجره1 ووجهه أن بصوم اليوم الأول قوته على قراءة القرآن والصلاة باقية من غير نقص فله الأجر كاملا بعشرة كاملة فأمره صلى الله عليه وسلم بالصيام الذي يبقي معه قوته ليصل إلى الأعمال التي نفعها أفضل من الصيام فلما قال له: زدني زاده يوما يكون ضعفه أكثر مما يكون عليه بصيام يوم فينقص بذلك حظه من هذه الأعمال التي نفعها أفضل فرد ثوابه على اليومين اللذين يصومهما مع تقصيره عن الأعمال إلى دون ثوابه على صوم اليوم الأول وكذلك رده في صيام الثلاثة الأيام من الثواب إلى ما دون ثوابه على صيام يومين لهذا المعنى2 ومنه ما روى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب الصيام
1 بحاشية الأصل – قلت: في توجيهه نظر لأنه يلزم أن يكون صوم يوم وافطار يوم أقل درجة من صوم يوم عشرة وقوله: "أحب الصيام إلي الله صوم داود" ينافيه والحديث يحتمل أنه صلي الله عليه وسلم أجاب عن قوله: مرني بصيام، بقوله:"صم يوما في عشرة أيام واصرف السبع الباقية" إلي الحظوظ المباحة
بدليل قوله صلي الله عليه وسلم: "إن لنفسك عليك حقا، ولزوجك عليك حقا"، فلما استزاده قال:"يومين ولك ثمانية" وكذا "صم ثلاثة ولك سبعة" وكذا قال له: "صم أربعة ولك ستة" بدليل قوله: فما زال يحط به حتي قال "إن أفضل الصوم صوم أخي داود" هو أن يصوم خمسة أيام ويكون له خمسة وجعل هذا أفضل الصيام فكلما كثر الصوم كثر الثواب لا كلما كثر ما فهم.
2 بحاشية الصل – قال القاضي: تابع الطحاوي مطرفا علي خطأ في تأويله إذ يلزم منه أن الحسنات لا يهبن السيئات وهو خلاف النص والحامل لهما علي
هذا التأويل البغيد ما روي بطريق آخر "صم يوما ولك أجر عشرة أيام" – "صم.. =
إلى الله عز وجل صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما".
لا يقال فيه أن صيام داود أفضل وفيه الزيادة على الصيام المذكور في الحديث الذي قبل هذا فدل على أن صوم ثلاثة أيام أحب من صوم يومين وصوم يومين أحب من صوم يوم وهذا خلاف ما ذكرنا آنفا لأنا نقول لا مخالفة بينهما لأن هذا إخبار عن صوم داود عليه السلام وحال الأنبياء في صيامهم ليس كغيرهم ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الناس عن الوصال وواصل هو فقال إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فكذلك داود يكون صومه أحب إلى الله بخلاف غيره ومما يدل على أن قلة
= يومين ولك أجر تسعة أيام – وصم ثلاثة أيام ولك أجر ثمانية أيام" – ولكن إذا ثبت هذا فتأويله أنه أراد صم يوما من كل أحد عشر يوما ولك أجر التي تفطر منهن وثلاثة أيام منها ولك أجر فطر ثمانية أيام فاعلمه صلي الله عليه وسلم أن له في غطر ما يفطر بها أجرا لأنه يتقوي به علي العمال الصالحة فندبه من صوم يوم ويومين إلي يوم ويوم مترقيا من الدني إلي العلي وسكت عن أجر الصوم لأنه معلوم مققر بخلاف أجر الفطر ألا تري أن صوم يوم عرفة لغير الحاج أفضل وفطره للحاج أفضل ويؤجر علي ترك صومه لحاجته إلي التقوي علي الأعمال والدعاء انتهي بمعناه دون لفظه – قلت ماذهب إليه الطحاوي من اضمار ثوب صيامها أظهر من اضمار أجر فطرها لأن الكلام سبق لثواب الصيام لا لثواب الفطر وكل منهما محتمل والتأويل من المجتهد الذي يخطئ ويصيب والله أعلم بمراد قائله الذي لا ينطق عن الهوي صلي الله وسلم فإن الصوم كف عن الشهوات والفطر إقدام عليها فكيف يكون عبادة مع موافقة النفس لها والفطر كما يصلح سببا للأعمال الصالحة يصلح لضدها أيضا فنفس الفطر ليس بعبادة إنما العبادة ما يؤتي بعده فأذن الجر للأعمال الحسنة لا للفطر ما فهم.