الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مأمنه إذ في تركه إتباعه بقاؤه على كفره الذي يوجب سفك دمه لو لم يأته طالبا لاستماع كلام الله تعالى فكما حرم سفك دمه حتى يخرج من ذلك الطلب فكذلك سفك دم الرسول حتى يخرج من تلك الرسالة بالرجوع إلى مرسله فيقبل ما جاء به فيؤمن أو لا فيبقى حربيا ويحل سفك دمه.
في قبول هدايا أهل الحرب
روى عن عياش بن حمار كان حرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية أنه أهدى له هدية فردها وقال: "إنا لا نقبل زبد المشركين" والعرب تسمى الهدية زبد أو الحرمى يكون من أهل الحرم ويكون الصديق أيضا وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية يعني بكتابه معه إليه فقبل كتابه وأكرم حاطبا وأحسن نزله ثم سرحه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له مع حاطب كسوة وبغلة بسرجها وجاريتين إحداهما أم إبراهيم والأخرى وهبها لجهم بن قيس هي أم زكريا بن جهم الذي كان خليفة لعمرو بن العاصي على مصر وروى أنه أعطاها حسان بن ثابت.
رد هدية عياض وقبول هدية المقوقس مع أنهما كانا كافرين لافتراق كفرهما فإن عياض بن حمار من المشركين كالمجوس من العجم لا يؤمنون بالبعث لا تؤكل ذبائحهم ولا تنحح نساؤهم والمقوقس أهل كتاب يؤمن بالبعث وتقبل منهم الجزية وتؤكل ذبائحهم وتنكح نساؤهم فكل مشرك كافر من غير عكس وقد أمرنا أن لا نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن وقبول هديتهم أحسن من ردها والمشركون في ذلك بخلافهم لأنا أمرنا بمنابذتهم وقتالهم حتى يكون الدين كله لله وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في خطبته روى عن أبي أمامة الباهلي قال: شهدت الخطبة يوما في حجة الوداع فقال صلى الله عليه وسلم قولا كثيرا حسنا جميلا وفيها: "من أسلم من أهل الكتاب فله أجره مرتين وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا ومن أسلم من المشركين
فله أجره وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا" قال القاضي: هذا خاص بالنصارى على دين عيسى من غير تبديل كما سيجئ.
ومنه عن علي بن أبي طالب قال: أهدى كسرى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه وأهدت إليه الملوك فقبل منهم، وعن ابن عباس قال: أهدى المقوقس صاحب مصر إلى رسول الله صلى الله عيه وسلم قدحا من زجاج فكان يشرب فيه وعن أنس أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة بثلاثين قلوصا وبثلاثين بعيرا وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن صاحب الحشة أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خفين ساذجين فلبسهما ومسح عليهما وعن عبد الرحمن القارئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حاطبا إلى المقوقس فأكرمه وأهدى معه بغلة بسرجها وجاريتين الحديث وكان عبد الرحمن حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك ادخل حديثه في المسند وعن عبد الرحمن ابن يزيد عن أبيه قال: أهدى أمير القبط لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاريتين أختين قبطيتين وبغلة فأما البغلة فكان يركبها واحدى الجاريتين تسراها فولدت له إبراهيم وأما الأخرى فأعطاها حسان بن ثابت.
إنما خالف أمر الأمة في الهدايا أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله تعال اختصه في أموال أهل الحر بخاصة خالف بها غيره من أمته فقال: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} الآية.
من ذلك أموال بني النضير كانت له خالصة فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة ويجعل الباقي في الخيل والكراع في سبيل الله.
ومن ذلك الهدايا لأنه لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب والذي يروي من رده هدايا المشركين بقوله: "إنا لا نقبل زبد المشكرين" كان قبل أن تنزل عليه هذه الآية فلما نزلت أباحت له من أموالهم ما صار إليه بغير إيجاف خيل عليه ولا ركاب.