الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذا وكذا لما يعلم أنه قد كان فقد علق قوله: هو يهودي بما لا معنى له فكان بمنزلة قوله: هو يهودي من غير تعليق يصير به مرتدا فإن التعليق بالكائن تنجيز كالرجل يقول امرأته طالق إن كان كذا لما هو عالم أنه قد كان بخلاف التعليق بالمستقبل فإنه لا يصير مرتد أو لا يقع الطلاق لما لم يكن بعد فالحديث إنما هو في الحلف على الأشياء المستدبرة لأعلى المستقبلة.
في النذر
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: "إنه لا يؤخر شيئا ولكن يستخرج به من البخيل" وزاد بعض وأمر بالوفاء به.
ليس النذر بمعصية فينهى عنه وإنما المنهي اعتقادهم أنه يؤخر ما يحبون تأخيره أو يعجل ما يحبون تعجيله ولذلك أمر بالوفاء به ومدح من يوفيه في قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً} الآية أي إن لم يوفوا به.
ومنه ما روي عن أنس بن مالك قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان رجل من الكفار أشد الناس على المسلمين فقال رجل من الصحابة لئن أمكنه الله منه ليضربن عنقه قال: فأظفر الله المسلمين بهم فكانوا يجيئون بهم أسارى فيبا عهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جئ بذلك الرجل فكف صلى الله عليه وسلم عن بيعته ليفي الرجل بنذره وكره الرجل أن يضرب عنقه قدام الرسول صلى الله عليه وسلم فلما رآه لا يصنع شيئا بايعه فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف أصنع يا رسول الله بنذري؟ قال: "قد كففت عنه لتفي بنذرك فلم تصنع شيئا" فقال: يا رسول الله لولا أومضت إلي؟ قال: "ما كان لنبي أن يومض" فيه إنه نذر بالقتل وإن الوفاء به فاته بإسلامه لأن المنع بالشريعة كالمنع بالعدم وعيه فارة لما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه" وزاد بعض في الحديث ويكفر يمينه لأن الشرع أعجزه عن الوفاء بالمعصية فيكون كالنذر.
الذي عجز عن الوفاء به فيجب فيه الكفارة وما روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لا نذر في معصية وكفارته كفارة اليمين بالله" وإن كان غير قائم الإسناد لكنه يستظهر به على صحة زيادة بعض الرواة في الحديث المذكور وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين" ولو صح فمعناه في غضب الله فيعود إلى معنى النذر في المعصية ولو كان النذر مما يصح فعله شرعا فعجز عن ذلك لضعفه يجب عليه الكفارة كما يؤمر الحالف بالكفارة إذا حنث فيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفارة النذر كفارة اليمين" على ما روى ابن عباس قال جاء رجل فقال يا رسول الله إن أختي نذرت أن تحج ماشية فقال: "إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا لتحج راكبة وتكفر يمينها" وروى زيادة تفسير فيه بيان الموجب للكفارة وهو ما روى عن عقبة بن عامر الجهني أن أخته نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية غير متخمرة فذكر ذلك عقبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مر أختك فلتركب ولتختمر ولتصم ثلاثة أيام" وكان كشفها وجهها حراما فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفارة لمنع الشريعة إياها منه وهو على ما زاده بعض الرواة من قوله: "ويكفر يمينه فيمن نذر أن يعصي الله" وعليها مع ذلك الهدى لركوبها فيما نذرت من المشي يبين ذلك أن الحديث قد روى من رواية ابن عباس عن عقبة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن أخته نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية ناشرة شعرها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "مرها فلتركب وتخمر رأسها ولتهد هديا" فأوجب عليها الهدي لمكان المشي الذي نذرته وهو من الطاعات فعحزت عنه كما يؤمر به من قصر في شيء من حجه وسكت فيه عن الكفارة لما نذرته من المعصية في كشف رأسها وأوجب عليها في الحديث الأول الكفارة لما نذرته من المعصية في كشف رأسها وسكت عن وجوب الهي عليها لعجزها عن المشي فبان معنى الأحاديث وأنه لا تعارض في شيء منها.
فإن قيل: روى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نظر إلى أبي إسرائيل فقال: "ما باله؟ " قالوا: إنه نذر أن يصوم ويقوم في الشمس ولا يتكلم قال: "مروه فليتم صومه وليجلس وليستظل ويتكلم" ولم يذكر في ذلك كفارة قيل له يحتمل أنه أمر بالكفارة فقصر الراوي عن نقله كما قصر الراوي في المفطر بجماع أهله عن نقل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من قضاء يوم مكان ذلك اليوم ويحتمل أن تكون الكفارة لم تكن حينئذ واجبة ثم وجبت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها في حال ما وجب التمسك بها1 حتى يعلم نسخها.
ومنه ما روي أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام قال: "ف بنذرك". لا حجة لمن استدل في لزوم نذر حال الكفر بعد الإسلام به لأن لفظة ف لا تستعمل إلا فيما ليس بواتجب يقال ف لفلان بوعدك وفي الواجب يقال أوف قال تعالى: {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} يقال أوفي يوفي إيفاء ووفى يفي وفاء فقوله صلى الله عليه وسلم لعمر "ف بنذرك" معناه فهو أحسن لا أنه واجب ولكنه وجد في بعض الآثار أوف بنذرك فتعارض اللفظان فسقط أن يكون حجة لبعض المختلفين على بعض مع أن الإيفاء قد يستعمل في غير الواجب وإن كان الأفصح ما قلنا ولما كان كذلك نظرنا هل نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على حقيقة الأمر فيه فوجدنا حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه قال قلت: يا رسول الله والله ما أتيتك حتى حلفت عددا وجمع بين أصابع يديه أن لا آتيك ولا آتي دينك وإني قد جئتك امرءا لا أعقل شيئا إلا ما علمني الله ورسوله الحديث ولم يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بكفارات عما كان من إيمانه التي قد حنث فيها فدل ذلك أنه لم يكن عليه فيها كفارات وإن حلفه بها في حال شركه كلا حلف وإذا كان في حلفه كذلك فنذره أحرى يؤيده ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما النذر فيما ابتغى به وجه الله عز وجل"
1 كذا.