الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجب استعماله في الباقي والفائت لأن الذي يوجب رده إذا كان باقيا هو الذي يوجب رد قيمته إذا كان فائتا وهذا استخراج لطيف ومعنى حسن والله أعلم.
في خيار المجلس
عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المتبايعين بالخيار في بيعهما ما لم يتفرقا إلا أن يكون البيع خيارا" قال نافع: فكان عبد الله إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه.
وفيما روي عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المتبايعان لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار".
هذا الحديث الثاني غير مخالف للحديث الأول لأن معنى لا بيع بينهما حتى يتفرقا لا بيع بينهما لا خيرا فيه يعني أن بينهما بيعا فيه الخيار حتى يتفرقا كما في الحديث الأول فإذا اتفرقا قطع ذلك التفرق خيارهما إلا بيع الخيار يعني فإن بيع الخيار مبقى لصاحبه بعد ذلك إلى المدة المشترط له الخيار فيها وتنازع العلماء في تاويل التفرق فقالت طائفة: هو قول البائع للمبتاع قد بعتك وقول المبتاع قد قبلت ذلك منك فيكون للبائع الرجوع عما قال قبل قبول المبتاع ويكون للمتباع القبول ما لم يفراق البائع ببدنه فإن فارقه ببدنه لم يكن له القبول بعد ذلك قالوا: ولو كان له الخيار بعد المفارقة بالبدن لكان له الخيار بعد المدة الطويلة وممن يذهب إلى هذا أبو يوسف وعيسى بن أبان وقال محمد أن يقول البائع للمبتاع قد بعتك وقول المبتاع له قد قبلت منك يكونان متفرقين كقوله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} .
فإذا كان الزوجان متفرقين يقول الزوج طلقتك على كذا وقولها قبلت ذلك وإن لم يتفرقا بالبدن وجب مثله في البيع وقالت طائفة: الفرقة المقصودة هنا هي الفرقة بالأبدان لأنهما قبل تعاقدهما البيع متساومان وليسا بمتبايعين وإنما جعل لهما الخيار بعد كونهما متبايعين إلى أن يتفرقا وممن يذهب
إليه الشافعي ولا حجة له في ذلك لأن العرب قد تسمى الشيء باسم ما قرب منه كما حكى المزني عنه في تأويل قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} الآية إن العرب تقول دخل فلان بلد كذا لقربه منها ولقصده إلى دخولها وإن لم يكن في الحقيقة دخلها وإذا كان ذلك كذلك احتمل الحديث مثله والله أعلم وقد روي عن عبد الله بن عمر أنه قال: ما أدركت الصفقة حيا فهو من المبتاع ولا يكون منه إلا ما قد وقع ملكه بالصفقة عليه فيحتمل أن يكون التفرق الذي حكى نافع عنه استعماله إياه إنما كان يستعمله احتياطا من قول غيره لاحتمال الحديث له مخافة أن يلحقه فيه من غيره خلاف ما يريده في بيعه كمثل الذي لحقه في البيع الذي باعه بالبراءة من عيوبه فحكم عليه عثمان بخلاف ما كان يراه في ذلك وروي أيضا نافع عن ابن عمر بغير هذه الألفاظ من ذلك قوله: "كل بيعين بالخيار ما لم يتفرقا أو يكون بيع خيرا" وقوله: "كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا أو يكون خيارا".
وقوله: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا" إلا أن يكون البيع كان عن خيار فإن كان البيع عن خير فقد وجب البيع وقوله: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" أو يقول أحدهما لصاحبه اختر وربما قال أو يكون بيع خيار.
وذلك كله سواء معناه معنى الحديثين المذكورين أولا غير أن فيه أو يقول أحدهما لصاحبه اختر فإنه يحتمل أن يكون ذلك على قول يقوله بعد البيع فيكون قد أوجب به خيارا لم يكن له قبله ويحتمل أن يكون على خيار يشترطان في البيع لأحدهما وهذا أولى لأنه يرجع إلى إيجاب ما لم يكن للمقول له قبل ذلك ويؤيده رواية الليث عنه عن ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا" وكانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع فدل هذا على أن معنى قوله: أو يخير أحدهما الآخر إنما هو على تخيير يتعاقد متبايعان البيع عليه على ما في الحديث لأعلى ما سوى
ذلك مما قد حمله بعض الناس عليه وكيف يجوز أن يخير من له خيار بعقد البيع هذا يبعد في القلوب وإنما يكون التخيير لإيجاب ما لم يكن واجبا قبله على ما في رواية الليث من تعاقدهما البيع عليه وفي ذلك ما قد دل على أن البيع يجب بالتعاقد وإنه لا خيار لأحدهما فيه بعد عقده إلا أن يكون وقع على أن لأحدهما خيارا إلى مدة فيكون له الخيار إلى انقضاء تلك المدة وقد وجدنا الذي قال بالتفرق بالأبدان يقول إذا خير أحدهما صاحبه فالخيار الذي يجب له بذلك التخيير هو الذي كان واجبا له قبله فيكون كلام النبي صلى الله عليه وسلم على هذا لا فائدة فيه وحاضا لله أن يكون كذلك ولكنه عندنا على ما بينه الليث من انعقاد البيع عليه وإذا كان الخيار المشروط في البيع لا يمنع من له الخيار أن يكون مالكا قبل انقطاع خياره بعد الافتراق بالبدن كانا قبل الافتراق بذلك كذلك أيضا وكان الخيار المذكور في الحديث وجوبه وإن لم يشترط على خلاف ذلك وهو الخيار بين العقد وبين القبول على ما ذكرناه عن قائليه والنظر يوجب أن يكون تمليك الأموال بالبياعات يلزم بتمام البيع قبل الافتراق قياسا على تمليك المنافع بالإجارات وتمليك الإبضاع بالتزويجات والمخالعات وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يكون صفقة خيرا فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله".
يعني لا يحل للذي عليه الخيار أن يغيب عن الذي له الخيار خشية أن يريد رده عليه بما وجب له من الخيار فلا يجده ويكون هذا التفرق خلاف التفرق الأول المختلف في تأويله ويجوز في اللغة أن يقول ما فارقت فلانا منذ كذا سنة وأن كان فراقه ببده في بعض المدة غير أنه لازمه الملامة المعقولة من مثله وهذا يؤيد ما ذهب إليه أبو حنيفة ومحمد من عدم جواز الفسخ بالخيار إلا بحضرة صاحبه وروي عن حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المتبايعان بالخيار حتى يتفرقا أو ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما
وإن كذبا وكتمامحقت بركة بيعهما" قوله: "فإن صدقا" إلى آخره يريد بعض الباعة لأكلهم إذ قد يتبايعان على العرض بالعرض فيكون على كل واحد منهما أن يبين ما في عرضه ولا يكتم شيئا من عيوبه وكذا يجب بيان ثمنه إن كان البيع مرابحة وقد يبيع أحدهما صاحبه عرضا بثمن إلى أجل فلا يكون على المبتاع أن يبين شيئا لأن الصمن في ذمته وإنما يكون ذلك على البائع قال القاضي وقد تكون ذمة خربة لا تفي بالثمن عند الأجل فعليه أن يبين حال ذمته فحمله على العموم أولى قلت أن مال الله غاد ورائح فمن أين يعلم عدم القدرة على الوفاء عند الأجل.
قال الطحاوي: روي عن جميل بن مرة عن أبي الوضي قال: نزلنا منزلا فباع صاحب لنا من رجل فرسا فأقمنا في منزلنا يومنا وليلتنا فلما كان الغد قام الرجل يسرج فرسه فقال له صاحبه: إنك قد بعتني فاختصما إلى أبي برزة فقال: إن شئتما قضيت بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "البيعان بالخيرا ما لم يتفرقا وما أراكما تفرقتما" لا يصح الاحتجاج في إثبات الخيار بعد عقد البيع بهذا ولا بقول أبي برزة وما أراكما تفرقتما لأنهما قد أقاما بعد البيع مدة يتحقق تفرقهما بدن ولو إلي حاجة الإنسان أو إلى صلاة مما لو رقع مثله في صرف تصارفاه قبل القبض لفسد الصرف فكذلك لو كان الخيرا واجبا بعد عقد البيع لقطعه هذه الأشياء فدل أن التفرق عند أبي برزة لم يكن التفرق بالأبدان وروي أنهم اختصموا إلى أبي برزة في رجل باع جارية فنام معها البائع فلما أصبح قال لا أرضى فقال أبو برزة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" وكانا في خباء شعر.
فاختلف الحديث بالروايتين عن أبي برزة كما ذكرنا ولم تكن إحداهما أولى من الأخرى فلم يكن لأحد أن يحتج بأحدها إلا احتج عليه مخالفه بالآخر وليس في واحد منهما ما يوجب أن التفرق المذكور في الحديث هو التفرق بالأبدان وروي عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان