الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يشير قوله صلى الله عليه وسلم جوابا للذي سأله عن ضحكه الذي كان منه فقال: "رأيت قوما يجرون إلى الجنة في السلاسل بخلاف الكفار فإنهم يسيئون إلى من يأسرون من المسلمين" ثم للمسلمين إحسان آخر إليهم باعتقاهم بعد الإسلام وإلحاقهم بالأحرار ابتغاء مرضاة الله تعالى فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصل الإحسان إليهم فلا يفارقهم ما كانوا في الدنيا والله أعلم.
في كسرى وقيصر
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله تعالى" حكى عن الشافعي أن قريشا كانت تتجر بالشام والعراق كثيرا فلما دخلت في الإسلام خافت من انقطاع معاشهم من الشام والعراق لمعاداة ملكيهما لأهل الإسلام فقال صلى الله لعيه وسلم: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده" فلم يكن بأرض العراق كسرى ثبت له أمر بعده وكذا لم يكن بأرض الشام قيصر عن الشام وثبت لقيصر ملك ببلاد الروم وقيل أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا هلك" أي سيهلك ولا يكون بعده كسرى إلى يوم القيامة وكذا إذا هلك قيصر لكنه لم يهلك إلى الآن ولكنه هالك قبل يوم القيامة واختلاف هلاكيهما تعجيلا وتأخيرا لاختلاف ما كان منهما عند ورود كتاب رسول الله صلى اله عليه وسلم عليهما وذلك لأن كسرى مزقه فدعا صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق وقيصر لما قرأ كتابه وسأل أبا سفيان عما سأله عنه قال إن يكن ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت قدميه الحديث وهذا أشبه لان قيصر لم يهلك وإنما تحول من الشام إلى الروم يحققه قوله: "لتنفقن كنوزهما"
في سبيل الله" وقد أنفق كنز كسرى ولم ينفق كنز قيصر في مثله إلى الآن وسينفق على ما روى جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ستغزون جزيرة العرب وتفتح عليكم وتغزون فالرسا فتفتح عليكم وتغزون الروم فتفتح عليكم ثم الدجال" قال جابر: ولا يخرج الدجال حتى تفتح الروم فأخبر أن فتح الروم المقترن بفتح كسرى لم يكن وأنه كائن البتة وإذا يكون كفتح كسرى الذي قد كان وقد روى معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عمران بيت المقدس خراب يثرب وخراب يثرب خروج الملحمة وخروج الملحمة فتح القسطنطينية وفتح القسطنطينية خروج الدجال ثم ضرب على فخذي أو فخذ الذي بجنبه أو منكبه ثم قال أما أنه لحق كما أنك هاهنا ففيه أن هلاك قيصر إذا هلك لا يكون بعده قيصر إلى يوم القيامة كما لا يكون بعد كسرى إلى يوم القيامة وتخلو الأرض من كل منهما وتصرف كنوزهما إلى ما أخبر صلى الله عليه وسلم أنها منفقة فيه.
في المسابقة
روى عن عائشة أنها قالت سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال: "هذه بتلك" وفيما روى عنها أنها قالت خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر الآخرة حتى إذا كنا بالأثيل انصرفت لبعض حاجتي فنكبت عن الطريق فبينما أنا كذلك إذا راكب يضرب فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرغت من حاجتي ثم جئت فقال: "أسابقك فأرمي بدرعي خلف ظهري ثم أجعل طرفه في حجري ثم خططت خطا برجلي ثم قلت: تعال فقم على هذا الخط" فنظر في وجهي وكأنه عجب فقمنا على ذلك الخط قالت: فقلت: اذهب قال: اذهبي فخرجنا فسبقني وخرج بين يدي فقال: "هذه بيوم ذي المجاز" فتذكرت ما يوم ذي المجاز فذكرت أنه جاء وأنا جارية وكان في يدي شيء فسألنيه فمنعته فذهب يتعاطاه ففررت فخرج في أثري فسبقته ودخلنا البيت، وفيما روى عن سلمة بن الأكوع أنه قال: قدمنا من
الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأردفني راجعين إلى المدينة على ناقته العضباء فلما كان بيننا وبين المدينة وكرة وفينا رجل من الأنصار لا يسبق عدوا فقال: هل من مسابق إلى المدينة؟ قالها مرارا وأنا سكات فقلت: ما تكرم كريما ولا تهاب شريفا قال: لا إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله ائذن لي فلأسابقنه فقال: "إن شئت فعلت" فقلت: اذهب إليك فخرج يشتد وانطفق1 عن الناقة ثم أعدو فربطت على شرفا أو شرفين فسألته ما ربطت قال استبقيت نفسي ثم أني عدوت حتى ألحقه فأصك بين كتفيه وقل: ت سبقتك والله قال: فنظر إلي فضحك.
ففي هذه الآثار إباحة السبق على الإقدام وبه كان يقول محمد بن الحسن خلافا لمن قال أنه لا مسابقة إلا في خف أو حافر احتجاجا بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "لا سبق إلا في خف أو حافر" ذهب آخرون إلى خلاف ذلك أيضا فقالوا: "لا سبق إلا في نصل أو حافرا وخف".
فهذه أقوال ثلاثة احتج قائلوها بروايات تدل على مدعاهم ولأهل المقالة الأولى عليهم أن ذلك إنما يكون كذلك لو وقفنا على أن ما في الآثار التي احتجوا بها مما ينفي السبق على الأقدام كان بعد ما روته عائشة في ذلك ولكن يحتمل أن مروى عائشة كان بعدها فيكون مبيحا للسبق على الأقدام ناسخا لحظره السابق ولا ينبغي رفع ما ثبت يقينا وهو إباحة السبق بالإقدام إلا بيقين مثله وليس فليس.
وفيما روى عنه صلى الله عليه والله وسلم: "لا جلب ولا جنب" المراد بالنهي عن هذين المعنيين هو في السبق بما يجوز السبق بمثله سئل مالك هل سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا جلب ولا جنب" وما تفسيرهما فقال: لم يبلغني ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتفسيره أن يجلب وراء الفرس حين يدبر ويحرك وراءه الشيء يستحث به فيسبق فذلك الجلب والجنب أن يجنب مع الفرس الذي يسابق به فرس آخر حتى إذا أدنى من الغاية تحول صاحبه على الفرس
1 كذا لعله "وأطفره".
المجنوبة. وروى عن الليث قال في تفسير لا جلب أن يجلب وراء الفرس في السباق والجنب أن يكون إلى جنبه تخفيف به للسباق ولا يعلم في ذلك قول غير هذين القولين فالواجب في ذلك استعمال التأويلين حتى يحيط مستعملهما علما أنه لم يدخل فيما نهاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة أنه قال: "من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يؤمن أن يسبق فلا بأس ومن أدخل فرسا بين فرسين وهو يؤمن أن يسبق فذلكم القمار" يعني أن الرجلين إذا سابقا بفرسين يدخلان بينهما دخيلا بجعل فالعرب تسمى الدخيل محللا فيضع الأولان رهنين ولا يضع المحلل شيئا ويرسلون الأفراس الثلاثة فإن سبق أحد الأولين أخذ رهن صاحبه فكان طيبا له مع رهنه وإن سبق المحلل ولم يسبق واحد من الأولين أخذ الرهنين وكانا له طيبين وإن سبق هو لم يكن عليه للاولين شيء ولا خلاف أن المراد بقوله: "وهو يؤمن أن يسبق أنه المبطئ من الخيل الذي يؤمن منه أن يسبق" قال الطحاوي وجعل الدخيل في هذا في حكم المتسابقين أنفسهما بلا دخيل بينهما برهن يجعله أحدهما أن سبق الذي هو من عنده سلم له ولم يكن له على المسبوق شيء وإن سبق الذي ليس هو له أخذ ذلك الرهن فكان طيبا حلالا له وإن كان الرهان وقع بينهما على أنه لمن سبق غرم شيئا لصاحبه سميا ذلك الشيء كان ذلك قمارا ولم يحل فيسلك بالمحلل الدخيل بينهما هذا المعنى إن سبق أخذ الرهنين جميعا وإن سبق لم يكن عليه شيء لصاحبيه ولا لواحد منهما.
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد لا نعلمه روى عنه في الرهان غيره روى عن أبي لبيد أرسلت الخيل زمن الحجاج والحكم ابن أيوب أمير على البصرة قال: فلما انصرفنا من الرهان قلنا: لو ملنا إلى أنس ابن مالك فسألناه هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراهن على الخيل؟ قال: فسئل أنس عن ذلك فقال: نعم، والله لقد راهن على فرس يقال له: سبحة فسبقت الناس فبهش لذلك وأعجبه.