الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثالث: قول عطاء أنهاترعى ولا تحتش واختاره أبو يوسف والأول أولى لما روى أن عمر رأى رجلا يقطع من شجر الحرم ويعلف بعيرا له فقال على به فأتى به فقال: يا عبد الله أما علمت أن مكة حرام لا يعضد عضاهها ولا ينفر صيدها ولا يحل لقطتها إلا لمعرف فقال: والله ما حملني على ذلك إلا أن معي نضوا لي فخشيت أن لا يبلغني أهلي وما معي من زاد ولا نفقة فرق عليه عمر بعد ما هم به وأمر له ببعير من إبل الصدقة موقر طحينا فأعطاه إياه وقال لا تعد أن تقطع من شجر الحرم شيئا.
وفي الحديث الذي تقدم منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من اختلاء خلا مكة فذهب قوم إلى أن الاختلاء ما أخذ باليد دون ما سواه من إعلافه الإبل على ما اختاره أبو يوسف وقد روى في حرم المدينة حديث في المنع من الاختلاء من خلاها إلا أن يعلف رجل بعيره فاستدلوا بذلك على مثلها من شجر مكة وخلاها وهو حديث منقطع الإسناد وبعد ثبوته لا يجوز قياس خلا مكة على خلا المدينة لأن أحكامهما في هذه قد تفترق كما افترقت في وجوب جزاء الصيد لحرم مكة دون المدينة وفي المنع من دخول مكة إلا بالإحرام بخلاف المدينة.
في حرم المدينة
روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض والشمس والقمر ووضعها بين هذين الأخشبين لم تحل لأحد قبلي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ولا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا يرفع لقطتها إلا منشد" فقال العباس: ألا الإذخر فإنه لا غناء لأهل مكة عنه لبيوتهم وقبورهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إلا الإذخر".
وروى عن أبي شريح الخزاعي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسفكن فيها دما ولا يعضدن فيها شجرا فإن ترخص مترخص فقال: قد حلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل أحلها لي ولم يحلها للناس وإنما أحلها لي ساعة من نهار".
وروى عن أبي هريرة قال: لما فتح الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فقتلت هذيل رجلا من بني بكر بقتيل كان لهم في الجاهلية فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أن الله حبس عن أهل مكة الفيل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين وأنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار وأنها ساعتي هذه حرام لا يعضد شجرها ولا يختلى شوكها ولا يلتقط لقطتها إلا منشد" ففي هذه الآثار إن الله حرم مكة وأنها لم تحل لأحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم وكان الواجب على من انتهك حرمة صيدها الواجب على قاتل الصيد في الإحرام كما ذكر تعالى في كتابه بقوله: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} الآية إلا ما إختلف أهل العلم فيه من الصوم في ذلك فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لا يجزي في ذلك صوم وذهب غيرهم إلى أن الصوم يجزي في ذلك كما يجزي في القتل في الإحرام وهو القول عندنا وما أنبأنا الله به من قول إبراهيم {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً} .
ليس من التحريم الذي كان من الله في شيء كما لم يكن الربا1 الذي حرمه الله في كتابه في شيء لأن الربا الذي في كتابه في النسية والذي حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم في التفاضل فالذي دعا به إبراهيم لأهل مكة هو الأمان دل عليه {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} وكان ذلك استجابة لدعوة إبراهيم وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إن إبراهيم حرم مكة ودعا لهم وأني حرمت المدينة ودعوت لهم بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة أن يبارك لهم في صاعهم ومدهم" ففيه أن الذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة مثل الذي كان من إبراهيم في مكة في أمان
1 يظهر أن هنا سقطا كما يدل علي السياق – ح.
أهلها بما يتميزون به عن سائر البلدان وما روى جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن إبراهيم حرم بيت الله وآمنه وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يعضد عضاهه ولا يصاد صيدها".
يحتمل أن يكون هذا زيادة زادها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدينته على ما كان من إبراهيم في مكة ببركة دعائه وإجابة الله تعالى إياه فيه ولكن حكم منتهك حرمة الصيد ولاعضاه بين اللابتين غير حكم المنتهك في حرم مكة على ما روى عن سعد بن أبي وقاص أنه أخذ عبدا صاد في حرم المدينة فسلبه ثيابه فجاء مواليه إلى سعد فكلموه فقال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا الحرم وقال: "من أخذ من يصيد فيه شيئا فلمن أخذه سلبه" فلم أكن لأرد عليكم طعمة أطعمينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن إن شئتم أعطيتكم ثمنه.
والواجب في جزاء صيد مكة ما ذكر الله تعالى في كتابه ليس كذلك ووجدنا فقهاء الأمصار أجميعين مجمعين على ترك أخذ سلب منتهك حرمة الصيد والعضاه بالمدينة فعقلنا بذلك أن أجماعهم على ترك ما روى إنما كان لوقوفهم على نسخه لا يظن بهم خلاف السنة بلا خلاف لأنهم المأمونون على ما رووا وعلى ما قالوا سيما فيما أجمعوا فحاشا لله أن يتركوا ذلك إلا لما هو أولى منه وذلك مثل تركهم ما روى في مانعي الزكاة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا آخذوها منه وشطر ما له عزمة من عزمات ربنا".
وما روى في حريسة الجبل "إن فيها غرامة مثلها وجلدات نكال" وما روي فيمن وقع على جارية امرأته مستكرها لها أنها تعتق عليه ويكون عليه مثلها وإن كانت طائعة كانت له وعليه مثلها لزوجته فمن ذلك والله أعلم ما روى عن السلب فيما ذكرنا يحتمل أنه كان ثم نسخ بنسخ أشكاله التي ذكرناها.