الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سلمة بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه أسامة عن عبد الله بن يزيد عن أبي عياش الزرقي عن سعد وهذا محال لأن أبا عياش الزرقي من جلة الأصحاب لم يدركه عبد الله بن يزيد وإنما يروى عن أبي سلمة وأمثاله وقد روي أيضا عن عبد الله بن يزيد عن زيد مولى عياش عن سعد بن مالك وزيد مولى عياش هذا لا يعرف وقد روى أيضا عن عبد الله بن يزيد عن زيد أبي عياش عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة وقد روى أيضا عن مولى لبني مخزوم أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الرجل يسلف الرجل الرطب بالتمر إلى أجل فقال سعد: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا فبان فساد هذا الحديث في إسناده ومتنه وأنه لا حجة على من خالفه من أبي حنيفة ومن تابعه على خلافه فيه وكان القياس أيضا يوجبه لأن السنة قد أجازت بيع الرطب بالرطب مثلا بمثل ولم ينظر إلى حالة الجفاف فكذلك الرطب بالتمر لا ينظر إلى حالة الجفاف من النقصان عن التمر المبيع به وأجازت السنة بيع التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير مثلا بمثل وهذه الأشياء مما تتغير بالجفاف والنقصان أيضا فلم ينظر إلى ذلك وينظر إلى أحوالها التي تكون عليها يوم البيع فمثله الرطب بالتمر مع أن في فساد الأصل الذي تعلق به من ذهب إليه ما يقطع حجتهم به ولكنا وكدناه بما ذكرنا من القياس.
في بيع قلادة فيها ذهب
عن فضالة بن عبيد قال اشتريت يوم خيبر قلادة فيها ذهب وخرز بإثنى عشر دينارا ففصلتها فإذا الذهب أكثر من إثنى عشر دينار أفذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تباع حتى تفصل" محمل النهي عدم العلم بمقدار الذهب التي فيها قبل التفصيل فلو كان معلوما قبل التفصيل ينبغي أن يجوز وفي الحديث ما يدل عليه وهو أن القلادة كانت من المغانم وهي إنما تقسم بين أهلها على ما يجوز عليه لأعلى ما لا يجوز والحديث مضطرب فيه فروى
عن فضالة قال: أصبت يوم خيبر قلادة فيها ذهب وخرز فأردت أن أبيعها فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: "افصل بعضها من بعض ثم بعها كيف شئت".
وروي عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر بقلادة فيها خرز معلقة بذهب ابتاعها رجل بسبع أو تسع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: "لا حتى تميز ما بينهما" فقال: إنما أردت الحجارة فقال: "لا حتى تميز ما بينهما" فرده وروى عنه أنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها ذهب وخرز وهي من المغانم تباع فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب وزنا بوزن" وهذا الحديث ليس مما قبله من الأحاديث في شيء لأن التي قبله في بعضها أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تباع حتى تفصل وفي بعضها أنه رد البيع بعد وقوعه مع ما في جميعها من الدليل على جواز القسمة التي حكمها حكم البيع من غير تفصيل والذي في هذا الحديث تفصيل من غير بيع تقدم فيها وإعلام بأن الذهب وزنا بوزن وقد روي عن حنش أنه قال كنا مع فضالة في غزوة فصارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورق وجوهر فأردت أن أشتريها فقام فضالة فقال: انزع ذهبها فاجعله في الكفة واجعل ذهبا في الكفة ثم لا تأخذن إلا مثلا بمثل فإني سمعت رسو الله صلى الله عليه وسلم يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلا بمثل فذكر عن فضالة ما هو مذكور فيما قبله من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولما وقع فيه اضطراب كان المعنى المقصود منه هو ما اختلف فيه العلماء من بيع الذهب وغيره في صفقة واحدة فقال طائفة منهم إن كان ذلك الذهب الثمن أكثر من الذهب الذي في القلادة صح البيع وكان الذهب بمثله والزائد بمقابلة الخرز والورق وإن كان الذهب الثمن مثل ما في القلادة أو أقل أو لا يدري ما وزنه فالبيع فاسد وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وطائفة منهم تقول لا يجوز ذلك
البيع أصلا لأن الذهب الثمن يكون مقسوما على الذهب والخرز اللذين في القلادة على قدر قيمتهما فيكون الذهب المبيع في تلك الصفقة مبيعا بما أصابه على قسمة الثمن من الذهب المبتاع به فلا يجوز وممن يقول به الشافعي وجعل أهل هذا القول الذهب والشيء المبيع معه كالعرضين اللذين من غير الذهب إذا بيعا بذهب صفقة واحدة أنه يكون كل واحد منهما مبيعا بما أصابه من القسمة على قيمته وعلى قيمة الشيء المبيع معه وكان الآخرون يذهبون إلى أن القسمة على القيم لا تستعمل في هذا وإنما تستعمل في غير الذهب المبيعة بالذهب وفي غير الفضة المبيعة بالفضة في غير الأشياء الميكلات المبيعات بأجناسها وفي غير الأشياء الموزونات المبيعات بأمثالها فيستعمولن في ذلك الأمثال المستعملة فيها ولا يستعملون في ذلك القيم التي ذكرنا محتجين في ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مما دلهم على ذلك من تحريم التفاضل في بيع الذهب بالذهب والورق بالورق والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر والملح بالملح وخرج الآثار بذلك بأسانيدها ففي هذه الآثار إباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الذهب بالذهب مثلا بمثل وقد يكون الذهب بتفاضل فيكون دينار أن أحدهما أعلى من الآخر يباعان بدينارين مستويين فظاهر آثار النبي صلى الله عليه وسلم التي ذكرنا تطلق ذلك لأن ذلك لو كان مما يختلف لاختلاف الدينارين ليس ذلك للناس حتى يعلموا أنه أراد بما أطلق غيرهما ولا سبيل لأحد أن يأتي إلى ما أجمله رسول الله صلى اله عليه وسلم بحكم واحد فيستعمل فيه تفريق الأحكام وضرب الأمثل وكذلك التمر فقد أباح بعضه ببعض مثلا بمثل يدا بيد ولم يخالف في ذلك بين تمرين متفاضلين بيعا بتمر مساو وقد وجدنا التمر في نفسه موجودا فيه ولا تمنع منه السنة لتباينه في اسقاط نفسه ولاختلافه في قيمته كان ذلك لا يراعى بقسمة الثمن عليه إذا يع بجنسه وكان البيع فيه جائزا دل ذلك
أنه قد خولف في ذلك بين الأشياء المكيلات وبين الأشياء الموزونات المبيعات بأمثالها فلم تستعمل فيها القيم واستعمل فيها التساوي فيما هي عليه من كيل أو وزن فأجيز مع ذلك وأبطل إذا كان خلاف ذلك وقد روي عن ابن عباس قال: بيع التمر في رؤس النخل إذا كان فيه غيره دراهم أو دنانير لا بأس به ووجه ذلك أنه جعل التمر المبيع في رؤس النخل مبيعا بمثله من التمر الذي بيع به ولو راعى في ذلك استعمال قسمة الثمن على القيم لما جوز هذا البيع وفي تجويزه إياه ما قد دل على أنه لم يستعمل قسمة الثمن على القيم كما يستعملها في بيع العرضين اللذين بخلاف ذلك وإذا كان كذلك فيما ذكرنا كان مثله في المذهبين المتفاضلين المبيعين بذهب مساو لا يراعي فيه قسمة الثمن على القيم ولكن يراعى فيه التساوي في الوزن لا ما سواه.
لا يقال ما ذكر عن ابن عباس مستحيل لأنه يجيز الفاضل بين الفضتين يد أبيد محتجا بما روي عن أسامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الربا في النسيئة" لأنا نقول أن ابن عباس أرأيت الذي تقول الدينار أن بالدينار والد رهمان بالدرهم أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما" فقال ابن عباس: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: نعم قال: أني لم اسمع هذا إنما أخبرنيه أسامة قال أبو سعيد نزع عنه ابن عباس.
فإن قلت: كيف ساغ لابن عباس ترك ما حدثه أسامة وموضعه من الإسلام موضعه إلى ما حدثه غيره مما يجوز أن يكون ما حدثه أسامة ناسخا له؟ قلت: الربا الذي حرمه القرآن وجاء فيه الوعيد عليه هو الربا في النسيئة وهو ما كانوا يبتاعون من الآجال في الأموال بالأموال وكان ذلك ربا النسيئة في الميكلات والموزونات فوقف ابن عباس على أن الذي حدثه أبو سعيد كان في ربا غير ربا النسيئة بل في الربا الفضل فسار إليه وترك ما كان عليه قبل ذلك.