الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الغلول
روى أن مسلمة بن عبد الملك دخل أرض الروم فغل رجل فبعث مسلمة إلى سالم بن عبد الله فقال: حدثني أبي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخذتموه قد غل فاضربوا عنقه وأحرقوا متاعه" فكان في متاعه أراه قال: مصحفا فسأل سالما فقال: بيعوه وتصدقوا بثمنه.
وفي رواية حدثني أبي عن عمر فاضربوه مكان فاضربوا عنقه والأولى أصح وأكثر ضرب عنق الغال وحرق رحله لم يسمع في غير هذا الحديث ولا قال به من الفقهاء غير مكحول فإنه قال يحرق متاعه وكتاب الله يخالف ذلك قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} فإذا لم يكن في سرقة مال ليس للسارق فيه شركة سوى قطع يد لا جزاء له غير ذلك فأجرى أن لا يجب عليه في غلول مال له فيه حظ إحراق رحله وأما انتفاء القتل فبقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" الحديث ولم يثبت بالحجة أن الحكم في الغال كان من النبي صلى الله عليه وسلم بعدما في هذا الحديث المقبول فيلحقه بها واحتمل أن يكون قبله فيكون هذا الأثر ناسخا له فوجب أن يكون الحظر على حاله حتى تقوم الحجة بإطلاق شيء مما في ذلك الحظر فيطلقه.
في السلب
روى عن سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن فبينما نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه ثم انتزع طلقا من حقبه فقيد به الجمل ثم تقدم فتغدى مع الناس وجعل ينظر إليه1 وفينا ضعفة ورقة في الظهر وبعضنا مشاة فخرج مشتدا
1 كذا في الأصل والظاهر ينظر إلينا.
فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه فقعد عليه فأثاره واشتد به الجمل وأتبعه رجل على ناقة ورقاء فرأس الناقة عند ورك الجمل قال سلمة: وخرجت أشتد حتى كنت عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته فلما وضع ركبتيه في الأرض اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل فندر فجئت بالجمل أقوده وعليه رحله وسلاحه فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال: "من قتل الرجل؟ " قالوا: ابن الأكوع قال: "له سلبه أجمع".
وفي رواية أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس فتحدث عند أصحابه ثم انسل فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "اطلبوه فاقتلوه" فسبقتهم إليه فقتلته وأخذت سلبه فنفلنيإياه فيه غشارة إلى أن من دخل من العدو في دار الإسلام بغير أمان فقتله أحد أو أسره يكون سلبه له دون الذين كانوا معه ولم يقتلوه ولم يأسروه وهو مذهب أبي يوسف ومحمد قالا مرة لا خمس فيه وقالا مرة فيه الخمس خلافا لأبي حنيفة فإن سلبه لجميع المسلمين لأنه مغنوم بقوة دار الإسلام والحجة لهما ما قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركاز الموجود في أرض الأسلام أنه لواجده خاصة غير الخمس فيه فإنه لأهله وذلك لأن الواجد هو الغانم له فاستحقه على الخصوص بعد الخمس وقد يحتمل حديث سلمة أن يكون كذلك فيه الخمس لأهله ولكن تركه رسول اله صلى الله عليه وسلم لسلمة لانه من أهله كما قال عمر بن الخطاب لأبي طجلحة في سلب الرابء بم مالك لما قتل مرز بان إنا كنا لا نخمس الإسلاب وإن سلب البراء قد بلغ مالا عظيما ولا أرانا إلا خامسه قال: فخمسه.
وقول سلمة في الحديث فنفلني إياه إخبار من سلمة لا يصح أن يكون معارضا لقوله صلى الله عليه وسلم: "له سلبه أجمع" لأن ذلك يوجب أن يكون له باستحقاقه إياه بقتله دون أن ينفله إياه.
ومنه ما روى عن أبي قتادة بن ربعى أنه قال: خرجنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة قال: فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه ضربة قطعت بها الدرع فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلقيت عمر بن الخطاب فقلت: ما بال الناس؟ فقال: أمر الله ثم أن الناس رجعوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا له عليه وبينة فله سلبه" فقمت فقلت: من يشهد لي ثم جلست، ثم قال: ذلك الثانية ثم قال: ذلك الثالثة فقمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مالك يا أبا قتادة؟ " فاقتصصت عليه القصة فقال: رجل من القوم صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه يا رسول الله فقال أبو بكر: لا ها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق فأعطه إياه" قال أبو قتادة: فأعطانيه فبعت الدرع فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام قيل فيه أن القاتل يستحق السلب قال الإمام ذلك أو لم يقل لأن قوله صلى اله عليه وسلم يدل على قتل متقدم لذلك القول ولا دليل فيه إذ قد يجوز أن يكون قال صلى الله عليه وسلم يدل على قتل متقدم لذلك القول ولا دليل فيه إذ قد يجوز أن يكون قال صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا فله سلبه" قبل ذلك القتل فكان ما قاله في هذا الحديث ليعلم من القاتلون فيدفع إليهم إسلاب قتلاهم وروى عن أنس ما يدل على ذلك قال لما كان يوم حنين جاءت هوازن تكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإبل والغنم والنساء والصبيان فانهزم المسلمون يومئذ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا معشر المهاجرين أنا عبد الله ورسوله يا معشر الأنصار أنا عبد الله ورسوله فهزم الله المشركين من غير أن يطعن برمح أو يضرب بسيف وقال رسول الله صلى اله عليه وسلم يومئذ "من قتل مشركا فله سلبه" فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين فأخذ إسلابهم وقال أبو قتادة: يا رسول الله إني ضربت رجلا على حبل العاتق فاجهضت عنه وعليه درع فانظر من أخذ الدرع فقام رجل فقال: يا رسول الله إني أخذتها فأعطينها وأرضه منها وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا يسئل إلا أعطاه أو يسكت فقام عمر بن الخطاب فقال ولا والله لا يفيئها الله عز وجل على أسد من أسد الله ثم يعطيكها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق عمر" فدل هذا الحديث إن هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان منه عند انهزام الناس عنه وتفرقهم وعند حاجته إلى رجوعهم إليه فكان ذلك تحريضا لهم على القتال وعلى الرجوع غليه فدل ذلك إن قوله الثاني الذي كان في حديث أبي قتادة إنما كان لقوله الأول الذي كان في حديث نس وفي ذلك ما قد دل على أن من قتل قتيلا في الحرب لا يستحق سلبه إذا لم يكن قال الإمام قبل ذلك من قتل قتيلا فله سلبه كما يقوله أبو حنيفة وأصحابه ومالك وأصحابه لا كما يقول من خالفهم فيه وفي قول لمالك لا يجوز أن ينفل الإمام القاتل بالسلب إلا من الخمس.
ومنه ما روى عن جبير بن نفير عن عوف أن مدديا وافقهم في غزوة موته وإن روميا كان يشد على المسلمين فتلطف له المددى فقعد له تحت صخرة فلما مربه عرقب فرس وخر الرومي لقفاه وعلاه بالسيف فقتله فأقبل بفرسه بسرجه ولجامه وسيفه ومنطقته وسلاحه مذهب بالذهب والجوهر إلى خالد بن الوليد فأخذ خالد طائفة ونفله بقيته فقلت: يا خالد ما هذا أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلب القاتل السلب كله؟ قال: بلى ولكني استكثرته فقلت: إيم الله لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته خبره فدعاه وأمره أن يدفع إلى المددى بقية سلبه فولى خالد ليفعل فقلت: كيف رأيت يا خالد أو لم أوف لك بما وعدتك فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا خالد لا تعطه واقبل على فقال: "هل أنتم تاركون امرائي لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره" عوف هذا هو عوف بن مالك بن أبي عوف الأجشعي أول مشاهده خيبر مات سنة ثلاث وسبعين في خلافة عبد الملك بن مروان ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسامح القاتلين بالأسلاب من غير أن تجب لهم يدل عليه ما روى أن البراء بن مالك أخا أنس
ابن مالك بارز مرزبان الزأرة فطعنه طعنة فكسر القربوس وخلصت إليه فقتله فقوم سلبه ثلاثين ألفا فلما صلينا الغداة غدا علينا عمر فقال لأبي طلحة: إنا كنا لا نخمس الأسلاب وإن صلب البراء قد بلغ ما لا ولا أرانا إلا خامسيه فقومناه ثلاثين ألفا فدفعنا إليه ستة آلاف وهذا مع حضور عمرو أبي طلحة وأنس ابن مالك ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من قوله: "من قتل قتيلا فله سلبه".
وفي ذلك ما ينفي أن يكون فيه خمس وقد طلب عمر الخمس من سلب البراء فدل أنهم كانوا يتركون أخماس الأسلاب مسامحة لا وجوبا عليهم تركها إذا كان كذلك في أخماس الأسلاب كان كذلك في بقيتها فإنما أمضى خالد ما كان له أن يسمح به ومنع ما كان له أن يمنعه وأمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قول عوف وبعده ما أمضى لما قد كان له أن يمضيه عليه وفي ما دل على أن إسلاب القتلى لا تستحق إلا بقول متقدم من الإمام من قتل قتيلا فله سلبه فذلك الذي لا يجوز أن يمنع منه بحال.
قال الطحاوي: وقال محمد بن الحسن لو أن عسكرا من المسلمين دخل أرض الحرب وعليهم أمير فقال الأمير من قتل قتيلا فله سلبه فضرب رجل من المسلمين رجلا من المشركين فصرعه واحتز آخر رأسه فالسلف للذي صرعه وإن كان لم يقتله وإن كان صرعه وضربه ضربا يقدر على التحامل معه فالسلب للذي احتز رأسه قال: وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: "من قتل قتيلا فله سلبه" فضرب ابن عفراء أبا جهل فأثخنه وقتله ابن مسعود فجعل النبي صلى الله عليه وسلم سلبه لابن مسعود وكذلك إن كان الذي صرعه ضربه ضربا لا يعاش من مثله ويعلم أن آخره إلى الموت إلا أنه ربما عاش اليوم واليومين والثلاثة أو أكثر إلا أن آخر احتز رأسه فالسلب للذي احتز رأسه وإن كان الأول ضربه فنثر ما في بطنه فألقاه أو قطع أو داجه إلا أن فيه شيئا من الروح ثم إن الآخر احتز رأسه فالسلف للذي صرعه لأن هذا إنما بقى منه مثل الذي