الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في ما للعبيد من المغنم
عن عمير مولى أبي اللحم قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فقمت فقلت: يا رسول الله سهمي، قال:"خذ هذا السيف فتقلده" قال: فتقلدته فخطت نعله في الأرض قال: فأمر لي من الخرنى وروى عنه في حديث آخر قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر وعنده الغنائم وأنا عبد مملوك فقلت: يا رسول الله أعطني، قال:"تقلد هذا السيف" فتقلدته فوقع بالأرض فإعطاني من خرثى المتاع فعلمنا بذلك على أنه كان عبد أو أمره صلى الله عليه وسلم بتقلد السيف ليعلم قدر غنائه في القتال ليعطى له ما يعطى مثله دون أن يضرب له بسهم كالإحرار الذين ساوى الله بين قويهم وضعيفهم في ذلك.
روى أن نجدة بن عامر كتب إلى ابن عباس يسئله عن المرأة والعبد إذا حضرا البأس هل يسهم لهما فكتب إليه ابن عباس لم يكن يسهم لهما إلا أن يحذيا من غنائم القوم وإنما أعطى صلى الله عليه وسلم عميرا بقتاله وإنما الذي يجب له في ذلك لمن يملكه روى عنه قال: شهدت خيبر مع ساداتي فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخروه أني مملوك فأمرني فتقلدت السيف فإذا أنا أجره فأمر لي بشيء من خرثى المتاع.
في الغنائم والأسرى
روى عن ابن عباس قال: لما أسروا الأسارى في يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر ويا عمر ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ " قال أبو بكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ترى يا ابن الخطاب؟ " قال عمر: والله ما أرى الذي رأى أبو بكر يا نبي الله ولكن أرى إن تمكنا منهم فنضرب أعناقهم وتمكن عليا من عقيل
فيضرب عنقه وتمكنى من فلان نسيب لعمر فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفار وصناديدها وقادتها فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله أبو بكر ولم يهو ما قلت: فلما كان الغد جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وأبو بكر قاعدان يبكيان قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت ببكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أبكي لذي عرض على من الفداء لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة" لشجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {حَلالاً طَيِّباً} فأحل الله الغنيمة لهم.
وروى عن أبي هريرة قال لما كان يوم بدر تعجل ناس من المسلمين فأصابوا من الغنائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤس قبلكم" كان النبي إذا غنم هو وأصحابه جمعوا غنائمهم فتنزل نار من السماء فتأكلها فأنزل الله تعالى: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً} هذا أشبه بالآية من حديث ابن عباس لأنه أثبت فيها أخذا متقدما كان الوعيد عليه بقوله: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وهو أخذهم ما أخذوا من الغنائم قبل أن تحل لهم وليس في حديث ابن عباس أنهم أخذوا شيئا إنما فيه أن أبا بكر أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منهم الفداء لا غير فيه معنى يجب الوقوف عليه والحذر من الله في التقدم لأمره لأن هذا الوعيد لما لحق أهل بدر وقيل فيهم "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" كان لمن سواهم ممن هو دون رتبتهم ألحق واختلف في المراد بالآية قال ابن عباس سبقت لهم من الله الرحمة قبل أن يعملوا بالمعصية وقال الحسن سبق أن الله مطعم هذه الأمة الغنيمة ففعلوا الذي فعلوا قبل أن تحل لهم الغنيمة وروى عنه قال: سبق من الله أنه كان مطعما هذه الأمة الغنائم وأنهم أخذوا الفداء من القوم يوم بدر قبل أن يؤمروا بذلك فتاب الله عليهم وعابه عليهم ثم أحله لهم وجعله غنيمة وروى عنه أنه قال: سبق من الله أن لا يعذب قوما إلا بعد تقدمه
ولم يكن تقدم إليهم فيها وروى عنه قال سبق من الله الغفران لأهل بدر وهذه التأويلات كلها محتملة للآية والله أعلم بمراده فيها.
ومنه ما روى عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كان مطعم بن عدي حيا فكلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له" يعني أسارى بدر وكانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم يد إن الله تعالى خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يطلق منا منه ويأخذ الفداء ممن يفتدى به من القتل الواجب عليه بقوله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية فلا وجه لإنكار من أنكر ذلك وقد من على غير أسارى بدر وهم سبى هو أزن لما كلموه فيهم وخيرهم بين المال والسبي فاختاروا السبي فطلقهم لهم على ما روى أنه قال صلى الله عليه وسلم: "أما بعد فإن أخوانكم هؤلاء قد جاؤا تائبين وإني قد رأيت إن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فعل ومن أحب منكم أن يكون على حقه حتى نعطيه إياه من أول ما يفئ الله تعالى علينا فليفعل" فقال الناس قد طيبنالك يا رسول الله ولهم فقال: "إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم" فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا.
إنما استأذن صلى الله عليه وسلم في سبى هوازن الناس وقال في أسارى بدر: "لو أن مطعم بن عي كلمني فيهم لتركتهم" لأن في أسارى بدر ما كانوا ليملكوا وكان السبيل فيهم أما القتل أو المن أو الفداء منهم فما كان حاجة إلى استئذان أحد بخلاف سبي هوازن فإنهن قسمن وملكن فلا يجوز إخراجهن عن ملك الغزاة بغير رضاهم يؤيده ما روى أن رسول الله صلى الله عله وسلم أعطى عمر بن الخطاب جارية من سبى هوازن فوهبها لعبد الله ابنه فبعث بها إلى أخواله من بني جمح ليصلحوا له منها حتى يطوف بالبيت وهو يريد أن يصيبها إذا ارجع إليها فخرج من المسجد حين فرغ فإذا الناس يشتدون فقال:
ما شأنكم فقالوا: أرد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا قال: قلت: تيكم صاحبتكم في نبي جمح فاذهبوا فخذوها فذهبوا فأخذوها.
في إطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم السبى إلى قومهم بمجرد نقل العرفاء أنهم أذنوا دليل لمن يقول يقبل إقرار الوكيل على موكله فيما وكله به عند الحاكم لأن العرفاء مقام الوكلاء وهو أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وهو احتجاج صحيح خلافا لمن يقول لا يقبل إقرار الوكيل على موكله وينعزل به وهو زفر وأبو يوسف وغيرهما وروى عن عطاء أنه كان يكره قتل الأسير صبرا ويتلو هذه الآية {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} وقال ابن خديج: فنسخها قوله تعالى: {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} قال الطحاوي: دل قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} على أن القتل فيهم أولى من الأسر وقوله: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} كان نزولها بعد إحلال الله تعالى لهم الغنائم ألا ترى إلى قوله: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} أي منافعها بالأسر الذي فعلتموه حتى تأخذوا الفداء ممن أسرتموه ثم أتبع ذلك بقوله: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} والأخذ هو الأسر الذي يكون سببا لذلك الأخذ ومما يدل على قتل الأسرى ما روى أن الضحاك بن قيس أراد أن يستعمل مسروقا فقال له عمارة بن عقبة أتستعمل رجلا من بقايا قتلة عثمان فقال له مسروق: حدثنا عبد الله بن مسعود أن أباك لما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله فقال: من للصبية يا محمد؟ قال: "النار فقد رضيت لك ما رضى لك رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وما روى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة فربطوه بسارية المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما عندك يا ثمامة؟ " قال: عندي يا محمد خير إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكرو إن ترد المال فسل
تعط منه ما شئت الحديث فعدم رد الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: إن تقتل تقتل ذا دم، دل على أن قتله كان جائزا له وإن كان أسيرا وما روى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه قيل له هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال:"اقتلوه" وابن خطل حينئذ كان في حكم الأسير وما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن الناس يوم الفتح إلا أربعة نفر وامرأتين وقال: "اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة" فقتل منهم عبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وركب عكرمة بن أبي جهل البحر فأصابتهم ريح عاصف فعاهد الله ليأتين رسول الله صلى الله أن نجا فنجا وأسلم وأما عبد الله بن أبي سرح فإنه اختبى عند عثمان بن عفان فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للبيعة جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى أن يبايعه فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على أصحابه فقال: "أما كان فيكم رجل يقوم إلى هذا حين كففت يدي عن بيعته فيقتله" قالوا: ما درينا يا رسول الله ما في نفسك فهلا أومأت إلينا بعينك؟ فقال: "إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة الأعين"
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك وعبد الله أسيره إذ ذاك ومثل ذلك حديث أنس في الذي كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعته ليفي بنذره الذي كان نذر أن يقتله لما رأى شدته على المسلمين ويدل عليه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لابن النواحة وصاحبه الوافدين عليه من عند مسيلمة إذ قال لهما: "أتشهدان أني رسول الل هـ1" فقالا له: أتشهد أنت أن مسيلمة رسول الله؟ "لو كنت قاتلا وفدا لقتلتكما" وكانا كالأسيرين ففيما ذكرنا ما دل على إباحة قتل الأسرى.
وما روى عن عبد الله بن مغفل قال: أصبت جرابا من شحم يوم خيبر
1 كذا لعله سقط.
فألتزمته فقلت: لا أعطي أحدا اليوم من هذا شيئا فألتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم.
قد عارضه بعض بما روى عبد الله بن شقيق عن رجل من بلقين قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى فقلت: يا رسول الله لمن المغنم؟ قال: "لله عز وجل سهم ولهؤلاء أربعة أسهم"، قلت: فهل أحد أحق بشيء من المغنم من أحد؟ قال: "لا حتى السهم يأخذه أحدكم من جنبه فليس بأحق به من أخيه" وهذا جهل من معارضه لأنه حديث لا يحتج بمثله لأن روايته تعود لى مجهول ولأن عبد الله بن مغفل إنما أخذ من طعام كان محتاجا إليه وقد كانت الصحابة في المغازي يصيبون العنب والعسل والطعام وتينا ولونه من غير أن يرفعوا منه شيئا فإذا كان واسعا لهم أخذ ما تقدمت غنيمة المسلمين إياه حتى يستأثرون به لحاجتهم دون من ليس له حاجة به إليه كان ما كان منابن مغفل مما لم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذه بيده وقوله بلسانه أوسع بخلاف حديث البلقيني فإنه لا حاجة بالمرمى إليه حتى لو احتاج أن يرمى به من رماه أو سواه من عدوه يحبسه لذلك فبان أن لا تضاد بينهما.
ومنه ما روى عن عائشة قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء زوجها أبي العاصي بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاصي حين بنى عليها فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلادة رق لها رقة شديدة حتى دمعت عيناه وقال: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا" فقالوا: يا رسول الله بآبائنا أنت وأمهاتنا فأطلقوه وردوا عليها الذي لها.
لا يقال: كان المن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إليهم حتى قال في مطعم "لو كلمني فيهم لأطلقتهم له" فأي حاجة كانت في مشاورتهم لأن قوله في مطعم كان في الوقت الذي كان له قتلهم فكان إليه المن عليهم وقوله: في القلادة كان بعد ان حقنن فداؤهم دماءهم وعاد الفداء في حكم الغنيمة المشتركة فلم يصلح منها أن يطلق إلا ما طابت به أنفسهم.