الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يرضين به من الصداق في العقد أجوز فدل منح الله إياهم من ذلك إنهن غير بالغات ويؤيده ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتم بعد حلم".
فإن قيل فما معنى الاستئذان المأمور به في حديث أبي هريرة إذا لم يكن بالغات قيل له يحتمل أن يكون المراد به المراهقات العارفات ما يصلحهن المائلات إلى الخير والنازعات عن السوء وعسى يكون من مثلها من حسن الاختيار ما لا يكون ممن بلغت وحينئذ ينبغي لا وليئهن أن يستأمروهن إذا أرادوا تزوجيهن قبل البلوغ وثبت بهذا جواز تزوجي الأولياء اليتامى اللاتي لم يبلغن كما قاله من ذهب إليه من أهل العلم ودل عليه ما روى عن يزيد الأزدي قال كنت عند علي بعد العصر إذ أتى برجل فقالوا وجدنا هذا في خربة بواد ومعه جارية مخضب قميصها بالدم فقال له ويحك ما هذا الذي صنعت قال أصلح الله أمير المؤمنين كانت بنت عمي ويتيمة في حجري وهي غنية في المال وأنا رجل قد بكرت وليس لي مال فخشيت أن هي أدركت ما تدرك النساء ترغب عني فتزوجتها وهي تبكي فقال أتزوجته فقائل من القوم عنده يقول لها قولي نعم وقائل يقول لها قولي لا فقالت نعم تزوجته فقال خذ بيد امرأتك فدل ما كان من علي رضي الله عنه على أن تأويل الآيتين كمثل ما تأولهما عليه عائشة وابن عباس وفيه جواز إنكاح الرجل نفسه موليته كما يقوله أبو حنيفة ومالك وأصحابهما بخلاف من يقول لا يجوز أن يكون مزوجا من نفسه كما لا يكون بائعا من نفسه وفيه أيضا أن القول قول من إليه عقد التزويج وهو قول أبي يوسف ومحمد خلافا لأبي حنيفة حيث قال لا يقبل إلا ببينة تقوم عليه
في إنكاح الأولياء
عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها" وروى عنه أنه قال: "ليس للأب مع الثيب أمر والبكر تستأمر وإذنها صماتها" قوله: "الأيم أحق بنفسها من
وليها" يعم الأب وغيره من الأولياء ولهذا صرح في الحديث الثاني بذلك وفيه أن البكر لا يزوجها الأب حتى يستأمرها كما في الثيب فإن زوج الأب بنته البكر قبل استئذانها كان تار كالما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون غير جائز عليها حتى ترضى وهو قول أبي حفيفة وسفيان وأصحابهما وعن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها أتستأمر أم لا قال: "نعم، تستأمر" قلت: أنها تستحيي فتسكت قال: "فذلك إذنها إذا هي سكتت"
وعن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح الثيب حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن" قالوا: وكيف إذنها يا رسول الله؟ قال: "الصمت" وعن عدي بن عدي الكندي عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الثيب تعرب عن نفسها والبكر رضاها صمتها".
ففي هذه الآثار أن الأب بمنزلة غيره من الأولياء في تزويج البكر وتوقفه على رضاها وروي عن ابن عباس أن رجلا زوج ابنته البكر وهي كارهة فأنت النبي صلى الله عليه وسلم فخيرها لا يقال أن سفيان روى هذا الحديث عن أيوب عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين رجل وبين امرأته زوجها أبوها وهي كارهة وكانت ثيبا فظهر به فساد متته وإسناده لأن حمل الأحاديث المتضادة ظاهرا على وجه يرفع التضاد أولى فيحمل على أنهما حديثان في حادثتين أحدهما في بكر والآخر ثيب فلا يتنافيان واحتج بعض من ذهب إلى ما اخترناه بما روى جابر بن عبد اله أن رجلا زوج ابنته وهي بكر بغير إذنها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما ولا يصح الاحتجاج به لأنه موقوف على عطاء بن أبي رباح ثم النظر يوجب ارتفاع ولاية الأب عن البكر ببلوغها في بضعها كما يرتفع أمره في مالها ببلوغها دل عليه قوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ} فكما لا اعتراض للأب عليها فيما تطيب به نفسا لزوجها من صداقها فكذلك لا اعتراض له عليها في بعضها بتزويجها من غير أذنها وقوله تعالى:
{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} الآية ففي جواز وصاياهن بعد الموت كالرجال ما قد دل على جوازه منهن قبله وفي جواز ذلك منهن وارتفاع الأيدي عنهن ما قد دل على ارتفاعها عنهن في إبضاعهن وما روى عن ابن عباس من قوله: "لا تنكح المرأة إلا بإذن ولي أو السلطان" ليس بمخالف لحديثه في البكر والثيب لان الذي للمرأة من الحق في عقد نكاحها أن تأذن فيه لوليها وتوليه ذلك فيكون العقد منه عليها بأمرها عقدا منها إياه على نفسها لأن عقود الوكلاء في هذا مضافة إلى آمريهم يقول الرجل أفعلت كذا لما فعل بأمره وحق الولي فيما قاله ابن عباس هو الذي جعلته المرأة إليه مما جعل لها أن تجعله إليه مما ليس له اعتراض فيه عليها وبعض الناس جعل قول ابن عباس هذا أناسخا إذ لا يخالف ما قد أخذه عن النبي إلا إلى ما هو أولى منه مما قد أخذه عنه وليس ذلك كما توهمه وما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو حرام وجعلت أمرها إلى العباس فأنكحها إياه يحتمل إنكاح العباس إياها لأنه لم يكن أحد من أوليائها حاضرا فعادت ولايتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ذلك إلى العباس فعقد عليها ويحتمل أن تكون هي وكلت العباس فعقد العباس عليها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك تجويز العقود للأشياء التي كانت إلى غير من عقدها لإجازة من كانت إليه كما يقوله أبو حنيفة ومالك والثوري وأصحابهم وما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أرسل إلى أم سلمة يخطبها فقالت أم سلمة مرحبا برسول الله أن في خلالا ثلاثا أنا امرأة شديدة الغيرة وأنا امرأة مصبية وأنا امرأة ليس هاهنا أحد من أوليأتي شاهد يزوجني فنضب عمر فأتاها فقال أنت تردين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا ابن الخطاب في كذا وكذا فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أما ما ذكرت من غيرتك فإني أدعو الله أن يذهبها عنك وأما ما ذكرت من أنه ليس أحد من أوليائك شاهد فيزوجك فإنه ليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكرهني" فقلت لابنها زوج
رسول الله فزوجه ليس في ترك الإنكار من رسول الله صلى الله عليه وسلم على قولها ليس من أوليائي أحد يزوجني ما يدل على اشتراط الولي للثيب مخالفا لما صححنا عن ابن عباس في نفي الولي عن الثيب وإنما فيه نفي عقد المرأة على نفسها وإن كانت ثيبا حتى توليه غيرها من الرجال وكان الذي كان من ابنها عمر وليس بولي لها لأنه كان طفلا على معنى ما كان من رسول الله صلى اله عليه وسلم من تزويج ميمونة لأنه عاد أمرها حينئذ إلى رسولالله صلى الله عليه وسلم فجعل لها أن تجعل إلى من رأت فجعتله إلى ابنها ويحتمل أن تكون هي فعلت ذلك ابتداء فكان في قبول رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابنها أمضاء منه له وهذا يدل على أن عقد الصبي بأمر البالغين جائز كما يقوله أبوحنيفة وأصحابه ودل على كونه صغيرا قولها ليس أحد من أوليائي شاهد لأن ابنها لو كان بالغا لكان وليا لها لكونه ابنها وابن ابن عمها لا يقال أن الصبي لا أمر له في نفسه فكيف يكون له أمر في غيره وهو مذهب الشافعي لأن أمور الصبيان ليس كلا أمر مطلقا ألا ترى أن الشافعي يخير الصبي السعي بين أبيه وأمه المطلقة على ما روى حديثا في ذلك ولم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم له الخيار إلا ولاختياره حكم ثم لا خلاف في أن الصبي الغير العاقل إذا كان في يدمن يدعى أنه عبده ثم بلغ فدفع ذلك أنه لا يفيد دفعه وهو عبد ولو كان يعبد عن نفسه إلا أنه غير بالغ وادعى الحرية أن القول قوله: كما لو كان بالغا فقد جعل بقوله حكم وهو غير بالغ ولقد قال مالك في وصية اليفاع المراهق أنها جائزة وروى في ذلك ما رواه ولم يجعل كلا وصية لعدم البلوغ وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بعبد الله بن جعفر وهو يبيع بعض ما يبيع الغلمان فقال: "بارك الله في صفقة يمينك" فيحتمل أنه كان بيعه بإطلاق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك له ودل أن له صفقة فدعا له بالبركة فيها وإن لم يبلغ أو بإذن من إليه ذلك فثبت بما ذكرنا جواز عقود الصبيان الذين يعقلون بأمر من إليه الولاية عليهم وجوازا طلاق من له العقد على نفسه إن يعقد عليه وإن القول قول من أجازه لا قول مخالفيه.