الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى. وفى حديث عائشة عند البخارى ومسلم: دخل- صلى الله عليه وسلم وعلى النار برمة تفور، فدعا بالغداء، فأتى بخبز وأدم من أدم البيت، فقال:«ألم أر برمة على النار تفور؟» قالوا: بلى يا رسول الله، لكنه لحم تصدق به على بريرة، وأهدت إلينا منه، وأنت لا تأكل الصدقة، فقال:«هو صدقة عليها، وهدية لنا» «1» .
النوع الرابع فى ذكر صيامه صلى الله عليه وسلم
اعلم أن المقصود من الصيام إمساك النفس عن خسيس عاداتها، وحبسها عن شهواتها، وفطامها عن مألوفاتها، فهو لجام المتقين، وجنة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر أعمال العاملين، كما قال الله تعالى فى الحديث الإلهى الذى رواه مسلم:«كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهو لى وأنا أجزى به» «2» . فأضافه تعالى إليه إضافة تشريف وتكريم، كما قال تعالى: ناقَةُ اللَّهِ «3» مع أن العالم كله له سبحانه.
وقيل: لأنه لم يعبد غيره به، فلم يعظم الكفار فى عصر من الأعصار معبودا لهم بالصيام، وإن كانوا يعظمونه بصورة الصلاة والسجود وغيرها.
قال فى شرح تقريب الأسانيد: واعترض بما يقع من عباد النجوم وأصحاب الهياكل والاستخدامات فإنهم يتعبدون لها بالصيام.
وأجيب: بأنهم لا يعتقدون أنها فعالة بأنفسها.
وقيل: لأن الصوم بعيد عن الرياء لخفائه، بخلاف الصلاة والحج والغزو
(1) صحيح: أخرجه البخارى (5430) فى الأطعمة، باب: الأدم. من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (1904) فى الصوم، باب: هل يقول إنى صائم إذا شتم، ومسلم (1151) فى الصيام، باب: فضل الصيام. من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.
(3)
سورة الشمس: 13.
وغير ذلك من العبادات الظاهرات، قال فى فتح البارى: معنى النفى فى قولهم «لا رياء فى الصوم» أنه لا يدخله الرياء بفعله، وإن كان قد يدخله الرياء بالقول، كمن يصوم ثم يخبر بأنه صائم، فقد يدخله الرياء من هذه الحيثية، فدخول الرياء فى الصوم إنما يقع من جهة الإخبار، بخلاف بقية الأعمال، فإن الرياء يدخلها بمجرد فعلها. انتهى.
وعن شداد بن أوس مرفوعا: «من صام يرائى فقد أشرك» «1» . رواه البيهقى. وقيل: لأنه ليس للصائم ونفسه فيه حظ. وقيل: لأن الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفات الرب تعالى، فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق صفاته أضافه إليه، قال القرطبى معناه: أن أعمال العباد مناسبة لأحوالهم، إلا الصيام فإنه مناسب لصفة من صفات الحق، كأنه تعالى يقول:
إن الصائم يتقرب إلىّ بأمر هو متعلق بصفة من صفاتى. أو لكون ذلك من صفات الملائكة، أو لأنه تعالى هو المنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته، بخلافه غيره من العبادات، فقد أظهر سبحانه بعض مخلوقاته على مقدار ثوابها، ولذا قال فى بقية الحديث:«وأنا أجزى به» وقد علم بأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى ذلك سعة العطاء، وإنما جوزى الصائم هذا الجزاء لأنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده.
والمراد بالشهوة فى الحديث شهوة الجماع لعطفها على الطعام والشراب، ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص، لكن وقع فى رواية عند ابن خزيمة «يدع لذته من أجلى، ويدع زوجته من أجلى، وأصرح منه ما روى «من الطعام والشراب والجماع من أجلى» .
وللصيام تأثير عجيب فى حفظ الأعضاء الظاهرة، وقوى الجوارح الباطنة، وحميتها عن التخليط الجالب للمواد الفاسدة، واستفراغ المواد الرديئة المانعة له من صحتها، فهو من أكبر العون على التقوى، كما أشار إليه تعالى بقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ «2»
(1) أخرجه أحمد (4/ 125) من حديث شداد بن أوس- رضى الله عنه-.
(2)
سورة البقرة: 183.
وقال- صلى الله عليه وسلم كما فى البخارى-: «الصوم جنة» «1» ، هى بضم الجيم، الوقاية والستر، أى: ستر من النار. وبه جزم ابن عبد البر، وفى النهاية: أى يقى صاحبه مما يؤذيه من الشهوات، وقال القاضى عياض: من الآثام. وقد اتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصى قولا وفعلا.
وقد اختلف: هل الصوم أفضل أم الصلاة؟ فقيل الصوم أفضل الأعمال البدنية، لحديث النسائى عن أبى أمامة قال: أتيت النبى- صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، مرنى بأمر آخذه عنك قال:«عليك بالصوم فإنه لا عدل له» «2» ، والمشهور تفضيل الصلاة، وهو مذهب الشافعى وغيره، لقوله- صلى الله عليه وسلم:
«واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة» «3» رواه أبو داود وغيره. ثم إن الكلام فى صيامه- صلى الله عليه وسلم على قسمين:
(1) صحيح: البخارى (7492) فى التوحيد، باب: قول الله تعالى: «يريدون أن يبدلوا كلام الله» ، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.
(2)
صحيح: أخرجه النسائى (4/ 165) فى الصيام، باب: ثواب من صام يوما فى سبيل من حديث أبى أمامة- رضى الله عنه-، والحديث صحيح الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن النسائى» .
(3)
صحيح: أخرجه ابن ماجه (277) فى الطهارة والسنة، باب: المحافظة على الوضوء، من حديث ثوبان بن بجدد- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن ابن ماجه» .