الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس فيما كان ص يقوله بعد انصرافه من الصلاة وجلوسه بعدها وسرعة انفتاله بعدها
عن ثوبان: كان النبى- صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال: «اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» «1» رواه مسلم. ولم يمكث مستقبل القبلة إلا مقدار ما يقول ذلك. وقد ثبت أنه- صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى أقبل على أصحابه. فيحمل ما ورد من الدعاء بعد الصلاة على أنه كان يقول بعد أن يقبل على أصحابه بوجهه الشريف، فقد كان- صلى الله عليه وسلم يسرع الانفتال إلى المأمومين، وكان ينفتل عن يمينه وعن شماله.
وقال ابن مسعود: رأيته- صلى الله عليه وسلم كثيرا ينصرف عن يساره «2» ، رواه الشيخان. وقالت أم سلمة: كان إذا سلم مكث فى مكانه يسيرا «3» ، قالت «4» : فنرى- والله أعلم- لكى ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال.
رواه البخارى.
وقالت عائشة: كان لم يقعد إلا بمقدار ما يقول: «اللهم أنت السلام
(1) صحيح: أخرجه مسلم (591) فى المساجد، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته من حديث ثوبان وعائشة، والترمذى (298) فى الصلاة، باب: ما يقول إذا سلم من الصلاة، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (852) فى الأذان، باب الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال، ومسلم (707) فى صلاة المسافرين، باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال، من حديث ابن مسعود- رضى الله عنه-.
(3)
صحيح: أخرجه البخارى (850) فى الأذان، باب: مكث الإمام فى مصلاه بعد الصلاة، وابن ماجه (932) فى إقامة الصلاة، باب: الانصراف من الصلاة من حديث أم سلمة- رضى الله عنها-.
(4)
القائل هو الزهرى وليست أم سلمة كما ذكر المصنف.
ومنك السلام تبارك يا ذا الجلال والإكرام» «1» . رواه مسلم. وهذا الحديث يتمسك به من قال إن الدعاء بعد الصلاة لا يشرع.
والجواب: إن المراد بالنفى المذكور نفى استمراره- صلى الله عليه وسلم جالسا على هيئته قبل السلام إلا بمقدار أن يقول ما ذكر. وكان يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» «2» . رواه الشيخان من حديث المغيرة بن شعبة.
وكان يقول بأعلى صوته: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن الجميل، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون» «3» ، رواه مسلم من حديث عبد الله بن الزبير.
وعن سعد أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات ويقول: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر الصلوات «اللهم إنى أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من البخل، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر» «4» رواه البخارى.
(1) صحيح: أخرجه مسلم (592) فى المساجد، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، والترمذى (298) فى الصلاة، باب: ما يقول إذا سلم من الصلاة، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (844) فى الأذان، باب: الذكر بعد الصلاة، من حديث المغيرة ابن شعبة- رضى الله عنه-، ومسلم (477) فى الصلاة، باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، من حديث أبى سعيد الخدرى- رضى الله عنه-.
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (594) فى المساجد، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، والنسائى (1340) فى السهو، باب: عدد التهليل والذكر بعد التسليم، من حديث عبد الله بن الزبير- رضى الله عنه-.
(4)
صحيح: أخرجه البخارى (2822) فى الجهاد، باب: ما يتعوذ من الجبن، والترمذى (3567) فى الدعوات، باب: دعاء النبى وتعوذه فى دبر كل صلاة، من حديث سعد بن أبى وقاص- رضى الله عنه-.
وعن زيد بن أرقم: كان- صلى الله عليه وسلم يقول دبر كل صلاة: «اللهم ربنا ورب كل شئ، أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك، اللهم ربنا ورب كل شئ، أنا شهيد أن محمدا عبدك ورسولك، اللهم ربنا ورب كل شئ، أنا شهيد أن العباد كلهم أخوة، اللهم ربنا ورب كل شئ، اجعلنى مخلصا لك وأهلى فى كل ساعة فى الدنيا والآخرة، يا ذا الجلال والإكرام اسمع واستجب، الله أكبر الله أكبر، الله نور السموات والأرض، الله أكبر حسبى الله ونعم الوكيل، الله أكبر الله أكبر» «1» . رواه أبو داود وأحمد.
ورأيت فى كتاب «الهدى» لابن القيم: وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة، سواء للمنفرد والإمام والمأموم، فلم يكن ذلك من هدى النبى- صلى الله عليه وسلم أصلا، ولا روى عنه بإسناد صحيح، ولا حسن، وخصص بعضهم بصلاتى الفجر والعصر، ولم يفعله النبى- صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء بعده، ولا أرشد إليه أمته، وإنما هو استحسان رآه من رآه عوضا عن السنة بعدهما.
قال: وغاية الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها، وأمر بها فيها، قال: وهذا هو الأليق بحال المصلى، فإنه مقبل على ربه مناجيه، فإذا سلم منها انقطعت المناجاة وانتهى موقفه وقربه، فكيف يترك سؤاله فى حال مناجاته والقرب منه وهو مقبل عليه، ثم يسأل إذا انصرف عنه.
ثم قال: لكن الأذكار الواردة بعد المكتوبة يستحب لمن أتى بها أن يصلى على النبى- صلى الله عليه وسلم بعد أن يفرغ منها، ويدعو بما شاء ويكون دعاؤه عقب هذه العبادة الثانية، وهى الذكر الوارد بعد المكتوبة، لا لكونه دبر المكتوبة، انتهى.
وقد كان فى خاطرى من دعواه «النفى مطلقا» شئ لما سيأتى، ثم رأيت شيخ مشايخنا إمام الحفاظ أبا الفضل ابن حجر تعقبه فقال:
(1) ضعيف: أخرجه أحمد (4/ 369) ، وأبو داود (1508) فى الصلاة، باب: ما يقول الرجل إذا سلم، من حديث زيد بن أرقم- رضى الله عنه-، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن أبى داود» .
وما ادعاه من النفى مطلقا مردود، فقد ثبت عن معاذ بن جبل أن النبى- صلى الله عليه وسلم قال له: «يا معاذ والله إنى لأحبك، فلا تدع دبر كل صلاة أن تقول:
اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» «1» . أخرجه أبو داود والنسائى.
وحديث زيد بن أرقم: سمعته- صلى الله عليه وسلم يدعو فى دبر الصلاة: «اللهم ربنا ورب كل شئ» «2» . أخرجه أبو داود والنسائى.
وحديث صهيب رفعه: كان يقول إذا انصرف من الصلاة: «اللهم أصلح لى دينى» «3» . أخرجه النسائى وصححه ابن حبان. وغير ذلك.
ثم قال: فإن قيل: المراد بدبر الصلاة قرب آخرها وهو التشهد، قلنا:
قد ورد الأمر بالذكر دبر الصلاة، والمراد به السلام إجماعا، فكذا هذا حتى يثبت ما يخالفه، وقد أخرج الترمذى من حديث أمامة: قيل يا رسول الله أى الدعاء أسمع؟ قال: «جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات» «4» ، وقال: حسن، وأخرج الطبرانى من رواية جعفر بن محمد الصادق قال:
«الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة، كفضل المكتوبة على النافلة» .
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (1522) فى الصلاة، باب: الاستغفار، من حديث معاذ بن جبل- رضى الله عنه-، وصححه الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
(2)
ضعيف: أخرجه أبو داود (1508) فى الصلاة، باب: ما يقول الرجل إذا سلم. من حديث زيد بن أرقم- رضى الله عنه-، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن أبى داود» .
(3)
ضعيف الإسناد: أخرجه النسائى (3/ 73) فى السهو، باب: نوع آخر من الدعاء عند الانصراف من الصلاة، من طريق عطاء بن أبى مروان عن أبيه قال: وحدثنى كعب أن صهيبا حلف أن محمدا- صلى الله عليه وسلم كان يقولهن عند انصرافه من صلاته، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى إسناده فى «ضعيف سنن النسائى» .
(4)
حسن: أخرجه الترمذى (3499) فى الدعوات، باب: ما جاء فى عقد التسبيح باليد، من حديث أبى أمامة- رضى الله عنه-، وقال الترمذى: حديث حسن، والحديث حسنه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .
قال: وفهم كثير من الحنابلة أن مراد ابن القيم نفى الدعاء بعد الصلاة مطلقا، وليس كذلك، فإن حاصل كلامه أنه نفاه بقيد استمرار استقبال المصلى القبلة، وإيراده عقب السلام، وأما إذا انفتل بوجهه أو قدم الأذكار المشروعة فلا يمتنع عنده الإتيان بالدعاء حينئذ. انتهى.
وكان- صلى الله عليه وسلم حين تقام الصلاة فى المسجد إذا رآهم قليلا جلس، وإذا رآهم جماعة صلى. رواه أبو داود. وقال أبو مسعود البدرى: كان- صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا فى الصلاة ويقول: «استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلنى منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم» «1» رواه مسلم.
وقال ابن عباس: قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم يصلى فقمت عن يساره، فأخذ بيدى من وراء ظهره فعدلنى كذلك من وراء ظهره إلى الشق الأيمن «2» .
رواه البخارى ومسلم.
قال أنس: سقط- صلى الله عليه وسلم عن فرس، فجحش شقه الأيمن، فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعدا، فصلينا وراءه قعودا، فلما قضى الصلاة قال:«إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا» ، حتى قال:«وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون» «3» . زاد بعض الرواة: وإذا صلى قائما فصلوا قياما. رواه البخارى ومسلم.
قال الحميدى: ومعانى سائر الروايات متقاربة وزاد البخارى: قوله:
(1) صحيح: أخرجه مسلم (432) فى الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها، وأبو داود (674) فى الصلاة، باب: من يستحب أن يلى الإمام فى الصف وكراهية التأخير. والنسائى (2/ 87) فى الإمامة، باب: من يلى الإمام ثم الذى يليه، من حديث أبى مسعود وهو عقبة بن عمرو بن ثعلبة- رضى الله عنه-.
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (117) فى العلم، باب: السمر فى العلم، ومسلم (763) فى صلاة المسافرين، فى الدعاء فى صلاة الليل وقيامه، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-.
(3)
صحيح: أخرجه البخارى (688) فى الأذان، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، من حديث عائشة- رضى الله عنهما-، ومسلم (411) فى الصلاة، باب: ائتمام المأموم بالإمام من حديث أنس- رضى الله عنه-.