الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سياق صلاته ص بالليل
عن شريح بن هانئ قالت عائشة- رضى الله عنها-: ما صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم العشاء قط فدخل بيتى إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات «1» . رواه أبو داود. وكان يقوم إذا سمع الصارخ «2» . رواه البخارى ومسلم من حديث عائشة. وهو يصرخ فى النصف الثانى. وقالت: كان- صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويقوم آخره، فيصلى ثم يرجع إلى فراشه فإذا أذن المؤذن وثب، فإن كانت به حاجة اغتسل، وإلا توضأ وخرج «3» . رواه الشيخان. وقالت أيضا:
كان- صلى الله عليه وسلم ربما اغتسل فى أول الليل، وربما اغتسل فى آخره، وربما أوتر فى أول الليل، وربما أوتر فى آخره، وربما جهر بالقراءة، وربما خفت «4» .
وقالت أم سلمة: كان يصلى بنا ثم ينام قدر ما صلى، ثم يصلى قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح «5» . رواه أبو داود والترمذى والنسائى.
وفى رواية للنسائى: كان يصلى العتمة، ثم يسبح ثم يصلى بعدها ما شاء من
(1) ضعيف: أخرجه أبو داود (1353) فى الصلاة، باب: بعد صلاة العشاء، من حديث عائشة- رضى الله عنها-، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن أبى داود» .
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (1132) فى الجمعة، باب: من نام عند السحر، ومسلم (741) فى صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبى فى الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(3)
صحيح: أخرجه البخارى (علي 1146) فى الجمعة، باب: من نام أول الليل وأحيا آخره، ومسلم (739) فى صلاة المسافرين، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبى فى الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(4)
أخرجه أحمد (6/ 256) ، وأبو داود (236) فى الطهارة، باب الجنب يؤخر الغسل من حديث عائشة- رضى الله عنها-، وقال الألبانى: حسن إلا قول أم سليم المرأة ترى
…
إلخ.
(5)
ضعيف: أخرجه أبو داود (1466) فى الصلاة باب: استحباب الترتيل فى القراءة، والترمذى (2923) فى فضائل القرآن، باب: ما جاء كيف كانت قراءة النبى، من حديث أم سلمة زوج النبى- صلى الله عليه وسلم، وليس فيه (صلى بنا) ، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن أبى داود» .
الليل ثم ينصرف فيرقد مثل ما صلى ثم يستيقظ من نومه فيصلى مثل ما نام، وصلاته تلك الآخرة تكون إلى الصبح «1» .
وعن أنس قال: ما كنا نشاء أن نرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم من الليل مصليا إلا رأيناه، ولا نشاء أن نراه نائما إلا رأيناه «2» . رواه النسائى.
وكان إذا استيقظ من الليل قال: «لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك لذنبى، وأسألك رحمتك، اللهم زدنى علما ولا تزغ قلبى إذ هديتنى، وهب لى من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب» «3» رواه أبو داود من حديث عائشة.
وعنها: كان- صلى الله عليه وسلم إذا هب من الليل كبر الله عشرا، وحمد الله عشرا، وقال سبحان الله وبحمده عشرا، وقال سبحان الملك القدوس عشرا، واستغفر الله عشرا، وهلل عشرا، ثم قال:«اللهم إنى أعوذ بك من ضيق الدنيا وضيق يوم القيامة عشرا» ، ثم يفتتح الصلاة «4» . رواه أبو داود. وقد روى حديث قيامه بالليل ووتره عائشة وابن عباس.
قال ابن القيم: وإذا اختلف ابن عباس وعائشة فى شئ من أمر قيامه- صلى الله عليه وسلم بالليل، فالقول قول عائشة، لكونها أعلم الخلق بقيامه بالليل.
(1) ضعيف: أخرجه النسائى (3/ 214) فى قيام الليل وتطوع النهار، باب: ذكر صلاة رسول الله بالليل، من حديث أم سلمة- رضى الله عنها-، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن النسائى» .
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (1141) فى الجمعة، باب: قيام النبى بالليل من نومه وما نسخ من قيام الليل، والترمذى (769) فى الصوم، باب: ما جاء فى سرد الصوم من حديث أنس بن مالك- رضى الله عنه-.
(3)
ضعيف: أخرجه أبو داود (5061) فى الأدب، باب: ما يقول الرجل إذا تعار من الليل، من حديث عائشة- رضى الله عنها- ولفظه (لا إله إلا أنت سبحانك اللهم أستغفرك لذنبى وأسألك رحمتك، اللهم زدنى علما ولا تزغ قلبى بعد إذ هديتنى وهب لى من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن أبى داود» .
(4)
ضعيف: أخرجه أبو داود (5085) فى الأدب، باب: ما يقول إذا أصبح، من حديث عائشة- رضى الله عنها-، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن أبى داود» .
انتهى. فأما حديث ابن عباس، فرواه البخارى ومسلم بلفظ: بت عند خالتى ميمونة ليلة والنبى- صلى الله عليه وسلم عندها، فتحدث النبى- صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الآخر أو نصفه قعد ينظر إلى السماء فقرأ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ «1» حتى ختم السورة، ثم قام إلى القربة فأطلق شناقها «2» ، ثم صب فى الجفنة «3» ، ثم توضأ وضوآ حسنا بين الوضوءين «4» لم يكثر وقد أبلغ، فقام فصلى، فقمت وتوضأت فقمت عن يساره، فأخذ بأذنى فأدارنى عن يمينه، فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، فاذنه بلال الصلاة فصلى ولم يتوضأ. وكان يقول فى دعائه:«اللهم اجعل فى قلبى نورا، وفى بصرى نورا، وفى سمعى نورا، وعن يمينى نورا، وعن يسارى نورا، وفوقى نورا وتحتى نورا، وأمامى نورا وخلفى نورا، واجعل لى نورا» «5» ، وزاد بعضهم: وفى لسانى نورا، وذكر: عصبى ولحمى ودمى وشعرى وبشرى «6» .
وفى رواية: فصلى ركعتين خفيفتين، قلت قرأ فيها بأم الكتاب فى كل ركعة، ثم سلم، ثم صلى إحدى عشر ركعة بالوتر ثم نام، فأتاه بلال فقال:
الصلاة يا رسول الله، فقام فركع ركعتين ثم صلى للناس «7» . وفى رواية:
فقام فصلى ثلاث عشرة ركعة، منها ركعتا الفجر، حزرت قيامه فى كل ركعة
(1) سورة آل عمران: 190.
(2)
القربة: إناء من جلد لحفظ الماء والشناق رباط القربة وما تشد به.
(3)
الجفنة: القصعة وهى إناء يسع ما يشبع عشرة.
(4)
قوله (وضوآ بين وضوءين) وقال ابن حجر: قد فسره بقوله (لم يكثر وقد أبلغ) وهو يحتمل أن يكون قلل الماء مع التثليث أو اقتصر على دون الثلاث.
(5)
صحيح: أخرجه البخارى (6316) فى الدعوات، باب: الدعاء إذا انتبه من الليل، ومسلم (763) فى صلاة المسافرين، باب: الدعاء فى صلاة الليل وقيامه، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-.
(6)
تقدم فى الحديث الذى قبله.
(7)
صحيح: أخرجه مسلم (763) فى صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء فى صلاة الليل وقيامه، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-.
بقدر يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ «1» . وفى رواية: فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثمانى ركعات، ثم أوتر بخمس لم يجلس فيهن. وفى رواية النسائى: أنه صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر، ثم نام حتى استثقل فرأيته ينفخ فأتاه بلال، الحديث.
وفى أخرى له: فتوضأ واستاك وهو يقرأ هذه الآية حتى فرغ منها إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «2» ثم صلى ركعتين. ثم عاد فنام حتى سمعت نفخه، ثم قام فتوضأ واستاك ثم صلى ركعتين ثم نام ثم قام فتوضأ واستاك وصلى ركعتين وأوتر بثلاث.
ولمسلم: فاستيقظ فتسوك وتوضأ وهو يقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «3» حتى ختم السورة، ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات بست ركعات، كل ذلك يستاك ويتوضأ وهو يقرأ هذه الآيات، ثم أوتر بثلاث «4» .
وأما حديث عائشة فعن سعد بن هشام قال: انطلقت إلى عائشة فقلت:
يا أم المؤمنين، انبئينى عن خلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم، قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: كان خلقه القرآن، قلت: يا أم المؤمنين، أنبئينى عن وتر رسول الله- صلى الله عليه وسلم، فقالت: كنا نعد له- صلى الله عليه وسلم سواكه وطهوره، فيبعثه الله متى شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ، ويصلى تسع ركعات ولا يجلس فيها إلا فى الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم فيصلى التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعو، ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلى ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بنى، فلما أسن وأخذه اللحم أوتر بسبع، وصنع فى الركعتين مثل صنيعه
(1) سورة المزمل: 1.
(2)
سورة البقرة: 164.
(3)
سورة البقرة: 164.
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (763) وقد تقدم.
فى الأول، فتلك تسع يا بنى «1» . رواه مسلم. وللنسائى: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله لما شاء أن يبعثه من الليل، فيستاك ويتوضأ ويصلى تسع ركعات، ولا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، ويحمد الله تعالى ويصلى على نبيه ويدعو بينهن ولا يسلم، ثم يصلى ويقعد ويحمد الله تعالى ويصلى على نبيه، ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلى ركعتين وهو قاعد- زاد فى أخرى:
فتلك إحدى عشرة ركعة يا بنى «2» - فلما أسن- صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع، ثم صلى ركعتين وهو جالس بعد ما سلم، فتلك تسع، أى بنى «3» .
وفى رواية له: فصلى ست ركعات يخيل إلىّ أنه سوى بينهن فى القراءة والركوع والسجود، ثم يوتر بركعة، ثم يصلى ركعتين وهو جالس ثم يضع جنبه. وعن عائشة: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين «4» . رواه مسلم وأحمد.
وعنها: كان- صلى الله عليه وسلم يصلى فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، ويسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة، فيسجد السجدة فى ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين لنا الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للإقامة «5» ، رواه أبو داود. وعنها قالت: كان يصلى ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس ولا يجلس فى شئ إلا فى آخرها «6» . رواه البخارى ومسلم.
(1) صحيح: أخرجه مسلم (746) فى صلاة المسافرين وقصرها، باب: جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، والنسائى (1601) فى قيام الليل وتطوع النهار، باب: قيام الليل، وهو جزء من حديث سعد بن هشام أنه لقى ابن عباس فسأله عن الوتر، فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله- صلى الله عليه وسلم، قال: نعم، قال عائشة ائتها فسلها
…
الحديث.
(2)
تقدم فى الذى قبله.
(3)
تقدم فى الذى قبله.
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (767) وتقدم فى الذى قبله.
(5)
صحيح: أخرجه البخارى (994) فى الجمعة، باب: ما جاء فى الوتر، وأبو داود (1336) فى الصلاة، باب: صلاة الليل، من حديث عائشة واللفظ لأبى داود.
(6)
صحيح: أخرجه البخارى (1164) فى الجمعة، باب: ما يقرأ فى ركعتى الفجر، ومسلم (737) فى صلاة المسافرين، باب. صلاة الليل وعدد ركعات النبى فى الليل من حديث عائشة واللفظ لمسلم.
وفى البخارى عن مسروق: سألت عائشة عن صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم فقالت: سبع وتسع وإحدى عشرة، سوى ركعتى الفجر «1» . وعنده أيضا، عن القاسم بن محمد، عنها: كان- صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر «2» .
قال القرطبى: أشكلت روايات عائشة على كثير من أهل العلم، حتى نسب بعضهم حديثها إلى الاضطراب. وهذا إنما يتم لو كان الراوى عنها واحدا، وأخبرت عن وقت واحد.
والصواب: أن كل شئ ذكرته من ذلك محمول على أوقات متعددة، وأحوال مختلفة بحسب النشاط وبيان الجواز، انتهى. وأما حديث القاسم عنها فمحمول على أن ذلك كان غالب أحواله. قيل: والحكمة فى عدم الزيادة على إحدى عشرة: أن التهجد، والوتر مختص بصلاة الليل، وفرائض النهار: الظهر وهى أربع، والعصر وهى أربع، والمغرب وهى ثلاث وتر النهار، فناسب أن تكون صلاة الليل كصلاة النهار فى العدد جملة وتفصيلا، وأما مناسبة «ثلاث عشرة» فبضم صلاة الصبح لكونها نهارية إلى ما بعدها.
انتهى.
وعن زيد بن خالد الجهنى أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم الليلة، قال: فصلى ركعتين خفيفتين، ثم ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة «3» . رواه مسلم.
(1) صحيح: أخرجه البخارى (1139) فى الجمعة، باب: كيف كان صلاة النبى وكم كان النبى- صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (1140) فى الجمعة، باب: كيف كان صلاة النبى وكم كان النبى- صلى الله عليه وسلم من الليل، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (765) فى صلاة المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه، وأبو داود (1366) فى الصلاة، باب: فى صلاة الليل، من حديث زيد بن خالد الجهنى- رضى الله عنه-.
وقوله: «ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما» أربع مرات، هكذا فى صحيح مسلم وموطأ مالك وسنن أبى داود وجامع الأصول لابن الأثير.
فقد كان قيامه- صلى الله عليه وسلم بالليل أنواعا.
أحدها: ست ركعات، يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بثلاث، كما فى حديث ابن عباس، عند مسلم.
ثانيها: أنه كان يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين، ثم يتم ورده إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين، ويوتر بركعة. رواه البخارى ومسلم من حديث عائشة.
ثالثها: ثلاث عشرة، كذلك رواه مسلم من حديث زيد بن خالد الجهنى.
رابعها: ثمانى ركعات، يسلم من كل ركعتين، ثم يوتر بخمس سردا متوالية، لا يجلس إلا فى آخرهن. رواه البخارى ومسلم من حديث ابن عباس.
خامسها: تسع ركعات، لا يجلس فيها إلا فى الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعو، ثم ينهض ولا يسلم فيصلى التاسعة، ثم يقعد فيحمده ويدعوه ثم يسلم، ثم يصلى ركعتين بعد ما يسلم قاعدا. رواه مسلم من حديث عائشة.
سادسها: يصلى سبعا كالتسع، ثم يصلى بعدها ركعتين جالسا. رواه مسلم أيضا من حديثها.
سابعها: كان يصلى مثنى مثنى، ثم يوتر بثلاث لا يفصل بينهن. رواه أحمد عنها.
ثامنها: ما رواه النسائى عن حذيفة أنه صلى مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم فى رمضان، فركع فقال فى ركوعه:«سبحان ربى العظيم» مثل ما كان قائما، ثم
جلس يقول: «رب اغفر لى، رب اغفر لى» ، فما صلى إلا أربع ركعات حتى جاء بلال يدعوه إلى الغداة «1» .
ورواه أبو داود، ولفظه: أنه رأى النبى- صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل فكان يقول: «الله أكبر، ثلاثا، ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة» ، ثم استفتح فقرأ البقرة، ثم ركع فكان ركوعه نحوا من قيامه، وكان يقول فى ركوعه:«سبحان ربى العظيم» ، ثم رفع رأسه من الركوع فكان قيامه نحوا من ركوعه، يقول:«لربى الحمد» ، ثم سجد فكان سجوده نحوا من قيامه، فكان يقول فى سجوده:«سبحان ربى الأعلى» ، ثم رفع رأسه من السجود، وكان يقعد فيما بين السجدتين نحوا من سجوده، وكان يقول:«رب اغفر لى» ، فصلى أربع ركعات، فقرأ فيهم البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام، شك شعبة «2» .
ورواه البخارى ومسلم بلفظ: صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت يركع عند المائة، ثم مضى فقلت يصلى بها فى ركعة، فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مر باية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول:«سبحان ربى العظيم» ، فكان ركوعه نحو قيامه، ثم قال:«سمع الله لمن حمده» - زاد فى رواية: «ربنا لك الحمد» - ثم قام قياما طويلا قريبا مما ركع، ثم سجد فقال:«سبحان ربى الأعلى» ، فكان سجوده قريبا من قيامه «3» .
(1) صحيح: أخرجه النسائى (3/ 226) فى قيام الليل وتطوع النهار، باب: تسوية القيام والركوع والقيام بعد الركوع والسجود، من حديث حذيفة بن اليمان- رضى الله عنه-، قال النسائى: هذا حديث عندى مرسل، وقال الألبانى فى «صحيح النسائى» صحيح.
(2)
صحيح: أخرجه أبو داود (874) فى الصلاة، باب: ما يقول الرجل فى ركوعه وسجوده، من حديث حذيفة بن اليمان- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (772) فى صلاة المسافرين باب: استحباب تطويل القراءة فى صلاة الليل، من حديث حذيفة بن اليمان- رضى الله عنه-.
وزاد النسائى: لا يمر باية تخويف أو تعظيم لله عز وجل إلا ذكره «1» .
وقد كانت هيئة صلاته- صلى الله عليه وسلم ثلاثة:
أحدها: أنه كان أكثر صلاته قائما: فعن حفصة قالت: ما رأيته- صلى الله عليه وسلم صلى فى سبحته قاعدا «2» ، حتى كان قبل وفاته بعام فكان يصلى فى سبحته قاعدا، الحديث رواه أحمد ومسلم والنسائى وصححه الترمذى.
الثانى: كان يصلى قاعدا ويركع قاعدا. رواه البخارى ومسلم وغيرهما من حديث عائشة بلفظ: وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد «3» .
الثالث: كان يقرأ قاعدا، فإذا بقى يسير من قراءته قام فركع قائما. رواه مسلم من حديث عائشة ولفظه: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم كان يصلى جالسا، ويقرأ وهو جالس فإذا بقى من قراءته قدر ما يكون ثلاثين آية أو أربعين آية قام وقرأ وهو قائم، ثم ركع ثم سجد، ثم يفعل فى الركعة الثانية مثل ذلك «4» .
وعن عائشة: كان- صلى الله عليه وسلم يصلى متربعا «5» . رواه الدار قطنى. وكان- صلى الله عليه وسلم يصلى ركعتين بعد الوتر جالسا تارة، وتارة يقرأ فيهما وهو جالس
(1) صحيح: أخرجه النسائى (2/ 224) فى التطبيق، باب: نوع آخر، من حديث حذيفة- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن النسائى» .
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (733) فى صلاة المسافرين، باب: جواز النافلة قائما وقاعدا، والترمذى (373) فى الصلاة، باب: ما جاء فى الرجل يتطوع جالسا، والنسائى (1658) فى قيام الليل وتطوع النهار، باب: صلاة القاعد فى النافلة، من حديث حفصة- رضى الله عنها-.
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (730) فى صلاة المسافرين، باب: جواز النافلة قائما وقاعدا، والترمذى (373) وقد تقدم فى الذى قبله من حديث حفصة.
(4)
صحيح: أخرجه البخارى (1119) فى الجمعة، باب: إذا صلى قاعدا ثم صح أو وجد خفة تمم ما بقى، ومسلم (731) فى صلاة المسافرين، باب: جواز النافلة قائما وقاعدا وفعل بعض الركعة قائما، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(5)
أخرجه النسائى (3/ 224) فى قيام الليل والتطوع بالنهار، باب: كيف صلاة القاعد، من حديث عائشة- رضى الله عنها-، قال النسائى: لا أعلم أحدا روى هذا الحديث غير أبى داود وهو ثقة ولا أحسب هذا الحديث إلا خطأ، قال الألبانى فى «صحيح سنن النسائى» : صحيح.
فإذا أراد أن يركع قام فركع «1» . قالت عائشة: كان يوتر بواحدة، ثم يركع ركعتين يقرأ فيهما وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام فركع «2» . رواه ابن ماجه.
وعن أبى أمامة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم كان يصلى ركعتين بعد الوتر وهو جالس، يقرأ فيهما إِذا زُلْزِلَتِ «3» والْكافِرُونَ «4» . رواه أحمد:
واختلف فى هاتين الركعتين فأنكرهما مالك وكذا النووى فى المجموع. وقال أحمد: لا أفعله ولا أمنعه. انتهى.
والصواب: أنه إنما فعلهما بيانا لجواز الصلاة بعد الوتر، وجواز الصلاة جالسا، ولفظة «كان» لا تفيد دواما ولا أكثرية هنا. وغلط من ظنهما سنة راتبة، فإنه- صلى الله عليه وسلم ما داومهما، ولا تشبه السنة بالفرض حتى يكون للوتر صلاة بعده.
وأما قيامه- صلى الله عليه وسلم ليلة النصف من شعبان، فعن عائشة- رضى الله عنها- قالت:
قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض، فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك فرجعت، فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته، قال:«يا عائشة، أو يا حميراء، أظننت أن النبى- صلى الله عليه وسلم قد خاس بك» ، قلت: لا والله يا رسول الله، ولكنى ظننت أنك قد قبضت لطول سجودك، فقال:«أتدرين أى ليلة هذه؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله عز وجل يطلع على
(1) صحيح: أخرجه ابن ماجه (1195) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فى الركعتين بعد الوتر جالسا، من حديث أم سلمة، ولفظه:(أن النبى- صلى الله عليه وسلم، كان يصلى بعد الوتر ركعتين خفيفتين وهو جالس) ، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن ابن ماجه» .
(2)
صحيح: أخرجه ابن ماجه (1196) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فى الركعتين بعد الوتر جالسا، من حديث عائشة- رضى الله عنها-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن ابن ماجه» .
(3)
سورة الزلزلة: 1.
(4)
سورة الكافرون: 1.
عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم» ، رواه البيهقى من طريق العلاء بن الحارث عنها، وقال:
هذا مرسل جيد، يعنى أن العلاء لم يسمع من عائشة.
وقد ورد فى فضل ليلة النصف من شعبان أحاديث كثيرة، لكن ضعفها الأكثرون، وصحح ابن حبان بعضها وخرجه فى صحيحه، ومن أمثلها- كما نبه عليه الحافظ ابن رجب- حديث عائشة قالت: فقدت النبى- صلى الله عليه وسلم فخرجت فإذا هو بالبقيع، رافع رأسه إلى السماء، فقال:«أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله» ، فقلت: يا رسول الله قد ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال:«إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب» «1» . رواه أحمد، وقال الترمذى: إن البخارى ضعفه.
وفى سنن ابن ماجه: بإسناد ضعيف، عن على مرفوعا:«إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر» «2» . وقد كان التابعون من أهل الشام، كخالد بن معدان، ومكحول يجتهدون ليلة النصف من شعبان فى العبادة، وعنهم أخذ الناس تعظيمها، ويقال: إنه بلغهم فى ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم اختلف الناس، فمنهم من قبله منهم، وقد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز، منهم عطاء، وابن أبى مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول
(1) صحيح: أخرجه الترمذى (739) فى الصوم عن رسول الله، باب: ما جاء فى ليلة النصف من شعبان، وابن ماجه (1389) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فى ليلة النصف من شعبان، من حديث عائشة- رضى الله عنها-، قال الترمذى: حديث حسن صحيح، وهو كما قال.
(2)
ضعيف جدّا: أخرجه ابن ماجه (1388) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فى ليلة النصف من شعبان، من حديث على بن أبى طالب- رضى الله عنه-، قال الألبانى فى «ضعيف سنن ابن ماجه» : ضعيف جدّا أو موضوع.
أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة. واختلف علماء أهل الشام فى صفة إحيائها على قولين:
أحدهما: إنه يستحب إحياؤها جماعة فى المساجد، وكان خالد بن معدان، ولقمان بن عامر يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون فى المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهواه على ذلك، وقال فى قيامها فى المساجد جماعة ليس ذلك ببدعة، نقله عنه حرب الكرمانى فى مسائله.
الثانى: أنه يكره الاجتماع لها فى المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يصلى الرجل فيها لخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعى إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم.
ولا يعرف للإمام أحمد كلام فى ليلة النصف من شعبان، ويتخرج فى استحباب قيامها عنه روايتان من الروايتين عنه فى قيام ليلتى العيد، فإنه فى رواية لم يستحب قيامها جماعة، لأنه لم ينقل عن النبى- صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه فعلها، واستحبها فى رواية لفعل عبد الرحمن بن زيد بن الأسود لذلك، وهو من التابعين، وكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها شئ عن النبى- صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، إنما ثبت عن جماعة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام. انتهى ملخصا من اللطائف.
وأما قوله تعالى فى سورة الدخان: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ «1» فالمراد بها إنزاله تعالى القرآن فى ليلة القدر، كما قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «2» وكان ذلك فى شهر رمضان، كما قال تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ «3» .
قال الحافظ ابن كثير: ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان، كما روى
(1) سورة الدخان: 3.
(2)
سورة القدر: 1.
(3)
سورة البقرة: 185.
عن عكرمة، فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها فى رمضان. وأما الحديث الذى رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهرى، أخبرنى عثمان بن محمد بن المغيرة: أن الأخنس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:
«تقطع الأجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد وقد أخرج اسمه فى الموتى» «1» . فهو حديث مرسل، ومثله لا تعارض به النصوص.
انتهى.
وأما قيامه- صلى الله عليه وسلم فى شهر رمضان، وهو الذى يسمى بالتراويح: جمع روحية، وهى المرة الواحدة من الراحة، وسميت بذلك لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين.
فعن عائشة: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر «2» . رواه البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى.
ولمسلم: قالت: كان- صلى الله عليه وسلم يجتهد فى رمضان ما لا يجتهد فى غيره، وفى العشر الأخير منه ما لا يجتهد فى غيره «3» . وفى رواية الترمذى: كان يجتهد فى العشر الأواخر منه ما لا يجتهد فى غيره «4» .
وعنها: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم صلى فى المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: «قد رأيت الذى صنعتم، ولم
(1) أخرجه ابن زنجويه، والديلمى عن عثمان بن محمد الأخنس كما فى «كنز العمال» (42780) .
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (2024) فى صلاة التراويح، باب: العمل فى العشر الأواخر من رمضان، ومسلم (1174) فى الاعتكاف، باب: الاجتهاد فى العشر الأواخر من شهر رمضان، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (1175) فى الاعتكاف، باب: الاجتهاد فى العشر الأواخر من شهر رمضان، والترمذى (796) فى الصوم، باب: منه من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(4)
تقدم فى الذى قبله.
يمنعنى من الخروج إليكم إلا أنى خشيت أن تفرض عليكم» ، وذلك فى رمضان «1» . رواه البخارى ومسلم وأبو داود.
وفى رواية للبخارى ومسلم، أنه- صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل فصلى فى المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم فخرج- صلى الله عليه وسلم فى الليلة الثانية فصلوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كان فى الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليه- صلى الله عليه وسلم، فطفق رجال منهم يقولون: الصلاة فلا يخرج إليهم، حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، ثم تشهد فقال:«أما بعد؛ إنه لم يخف على شأنكم الليلة، ولكنى خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليلة فتعجزوا عنها» «2» . وفى رواية بنحوه ومعناه مختصرا: قال: وذلك فى رمضان.
قال فى فتح البارى: ظاهر الحديث أنه- صلى الله عليه وسلم توقع ترتب افتراض الصلاة بالليل جماعة على وجود المواظبة عليها، وفى ذلك إشكال بناه بعض المالكية على قاعدتهم: فى أن الشروع ملزم، وفيه نظر.
وأجاب المحب الطبرى: أنه يحتمل أن يكون الله عز وجل أوحى إليه:
إنك إن واظبت على هذه الصلاة معهم افترضتها عليهم، فأحب التخفيف عنهم.
وقيل: خشى أن يظن أحد من الأمة من مداومته عليها الوجوب، قال القرطبى: أى يظنوه فرضا، فيجب على من ظن ذلك، كما إذا ظن المجتهد حل شئ أو تحريمه فإنه يجب عليه العمل به.
(1) صحيح: أخرجه البخارى (1129) فى الجمعة، باب: تحريض النبى على صلاة الليل والنوافل، ومسلم (761) فى صلاة المسافرين، باب: الترغيب فى قيام رمضان وهو التراويح، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (2012) فى صلاة التراويح، باب: فضل من قام رمضان ومسلم وقد تقدم فى الذى قبله.
وقد استشكل الخطابى أصل هذه الخشية، مع ما ثبت فى حديث الإسراء، من أن الله تعالى قال:(هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدى) فإذا أمن التبديل كيف يقع الخوف من الزيادة، وهذا يدفع فى صدور الأجوبة المتقدمة.
وقد أجاب عنه الخطابى: بأن صلاة الليل كانت واجبة عليه- صلى الله عليه وسلم، وأفعاله الشرعية يجب على الأمة الاقتداء به فيها- يعنى عند المواظبة- فترك الخروج إليهم لئلا يدخل ذلك فى الواجب من طريق الأمر بالاقتداء به، لا من طريق إنشاء فرض جديد زائد على الخمس، وهذا كما يوجب المرء على نفسه صلاة نذر، فتجب عليه ولا يلزم من ذلك زيادة فرض فى أصل الشرع.
قال: وفيه احتمال آخر، وهو أن الله تعالى فرض الصلاة خمسين، ثم حط معظمها بشفاعة نبيه- صلى الله عليه وسلم، فإذا عادت الأمة فيما استوهب لها والتزمت ما استعفى لهم نبيهم- صلى الله عليه وسلم منه، لم يستنكر أن يثبت ذلك فرضا عليهم.
قال الحافظ ابن حجر: وقد تلقى هذين الجوابين عن الخطابى جماعة كابن الجوزى، وهو مبنى على أن قيام الليل كان واجبا على النبى- صلى الله عليه وسلم، وعلى وجوب الاقتداء بأفعاله، وفى كل من الأمرين نزاع.
ثم أجاب منه بثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد فى المسجد جماعة شرطا فى صحة التنفل بالليل، قال: ويومئ إليه قوله فى حديث زيد بن ثابت: «حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس فى بيوتكم» «1» فمنعهم من التجمع فى
(1) صحيح: أخرجه البخارى (731) فى الأذان، باب صلاة الليل، والنسائى (1599) فى قيام الليل وتطوع النهار، باب: الحث على الصلاة فى البيوت والفضل فى ذلك من حديث زيد بن ثابت- رضى الله عنه-.
المسجد إشفاقا عليهم من اشتراطه، وأمن مع إذنه فى المواظبة على ذلك فى بيوتهم من افتراضه عليهم.
وثانيها: أن يكون المخوف افتراض قيام الليل على الكفاية لا على الأعيان، فلا يكون ذلك زائدا على الخمس، بل هو نظير ما ذهب إليه قوم فى العيد ونحوها.
وثالثها: يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام رمضان خاصة، فقد وقع فى حديث الباب أن ذلك كان فى رمضان، وفى حديث سفيان بن حسين «خشيت أن يفرض عليكم قيام هذا الشهر» «1» ، قال: فعلى هذا يرتفع الإشكال لأن قيام رمضان لا يتكرر كل يوم فى السنة، فلا يكون ذلك قدرا زائدا على الخمس، وأقوى هذه الأجوبة الثلاثة فى نظرى الأول.
وعن النعمان بن بشير قال: قمنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم فى شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح، وكانوا يسمونه السحور «2» . رواه النسائى. واختلف العلماء:
هل الأفضل فى صلاة التراويح أن تصلى جماعة فى المسجد، أو فى البيوت فرادى؟
فقال الشافعى وجمهور أصحابه وأبو حنيفة وبعض المالكية وغيرهم:
الأفضل صلاتها جماعة، كما فعل عمر بن الخطاب والصحابة، واستمر عمل المسلمين عليه، لأنه من الشعائر الظاهرة، فأشبه صلاة العيد.
فإن قلت: قد ذكرت أن الحافظ ابن حجر حمل قوله- صلى الله عليه وسلم: «إنى
(1) صحيح: أخرجه مسلم (761) وقد تقدم أكثر من مرة ولفظه خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها.
(2)
صحيح: أخرجه النسائى (3/ 203) فى قيام الليل وتطوع النهار، باب قيام شهر رمضان، من حديث النعمان بن بشير- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن النسائى» .
خشيت أن تفرض عليكم» على التجميع فى المسجد، وقال: إنه أقوى الأوجه. فالجواب: أنه- صلى الله عليه وسلم لما مات حصل الأمن من ذلك، ورجح عمر التجميع لما فى الاختلاف من افتراق الكلمة، ولأن الاجتماع على واحدة أنشط لكثير من المصلين.
وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم: الأفضل صلاتها فرادى فى البيوت، لقوله- صلى الله عليه وسلم:«أفضل الصلاة صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة» «1» ، قالوا: وإنما فعلها- صلى الله عليه وسلم فى المسجد لبيان الجواز، أو لأنه كان معتكفا.
وأما عدد الركعات التى كان- صلى الله عليه وسلم يصليها فى رمضان، فعن أبى سلمة أنه سأل عائشة: كيف كانت صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم فى رمضان؟
قالت: ما كان يزيد فى رمضان ولا فى غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلى أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلى أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلى ثلاثا، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، أتنام قبل أن توتر؟ قال:«يا عائشة، إن عينى تنامان ولا ينام قلبى» «2» . رواه البخارى ومسلم.
وأما ما رواه ابن أبى شيبة من حديث ابن عباس: كان- صلى الله عليه وسلم يصلى فى رمضان عشرين ركعة والوتر «3» ، فإسناده ضعيف. وقد عارضه حديث عائشة هذا، وهى أعلم بحال النبى- صلى الله عليه وسلم ليلا من غيرها.
(1) صحيح: أخرجه البخارى (731) فى الأذان، باب: صلاة الليل، ومسلم (781) فى صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة النافلة فى بيته وجوازها فى المسجد، من حديث زيد بن ثابت- رضى الله عنه-.
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (2013) فى صلاة التراويح، باب: فضل من قام رمضان، ومسلم (738) فى صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبى فى الليل.
(3)
صحيح: أخرجه البخارى (2010) فى صلاة التراويح، باب: فضل من قام رمضان، ومالك فى الموطأ (252) فى النداء للصلاة، باب: ما جاء فى قيام رمضان، عن عبد الرحمن بن عبد القارى أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب فى رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون
…
فذكره.
وقد كان الأمر فى زمنه- صلى الله عليه وسلم استمر على أن كل واحد يقوم فى رمضان فى بيته منفردا، حتى انقضى صدر من خلافة عمر.
وفى البخارى: أن عمر خرج ليلة فى رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلى الرجل لنفسه، ويصلى الرجل فيصلى بصلاته الرهط، فقال عمر: إنى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أجمع، ثم عزم فجمعهم على أبى بن كعب، ثم خرج ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعمت البدعة هذه، والتى تنامون عنها أفضل من التى تقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله. وإنما اختار أبيّا لأنه كان أقرأهم، كما قال عمر.
وروى سعيد بن منصور من طريق عروة: أن عمر جمع الناس على أبى ابن كعب، فكان يصلى بالرجال، وكان تميم الدارى يصلى بالنساء. وفى الموطأ: أمر عمر أبى بن كعب وتميما الدارى أن يقوما للناس فى رمضان «1» .
وروى البيهقى بإسناد صحيح أن الناس كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب فى شهر رمضان بعشرين ركعة.
قال الحليمى: والسر فى كونها عشرين ركعة أن الرواتب فى غير رمضان عشر ركعات، فضوعفت لأنه وقت جد وتشمير.
وفى الموطأ: بثلاث وعشرين «2» . وجمع البيهقى بينهما بأنهم كانوا يوترون بثلاث. وفى الموطأ: عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنها إحدى عشرة «3» ، وعند عبد العزيز: إحدى وعشرين.
والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال، ويحتمل أن ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها، فحيث يطيل القراءة يقل الركعات وبالعكس.
(1) أخرجه مالك فى «الموطأ» (254) .
(2)
أخرجه مالك فى «الموطأ» (255) .
(3)
أخرجه مالك فى «الموطأ» (253) .
وقد روى محمد بن نصر من طريق داود بن قيس، قال: أدركت الناس فى إمارة أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز- يعنى بالمدينة- يقومون بست وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث. وقال مالك: هو الأمر القديم عندنا. وعن الزعفرانى عن الشافعى: رأيت الناس يقومون بالمدينة بتسع وثلاثين وبمكة بثلاث وعشرين، وليس فى شئ من ذلك ضيق. وعنه قال: إن أطالوا القيام وأقلوا السجود فحسن، وإن أكثروا السجود وأخفوا القراءة فحسن، والأول أحب إلى. انتهى.
وهل يجوز لغير أهل المدينة صلاتها ستّا وثلاثين، قال النووى: قال الشافعى: لا يجوز ذلك لغيرهم، لأن لأهلها شرفا بهجرته- صلى الله عليه وسلم ومدفنه، ويخالفه قول الحليمى: ومن اقتدى بأهل المدينة فقام بست وثلاثين فحسن أيضا.
وينبغى أن يسلم من كل ركعتين، فلو صلى أربعا بتسليمة واحدة لم يصح وفاقا للقاضى حسين فى فتاويه، ولو صلى سنة الظهر أو العصر أربعا بتسليمة واحدة جاز، والفرق: أن التراويح بمشروعية الجماعة أشبهت الفرائض، قاله النووى فى فتاويه، وصرح به فى «الروضة» .
وقد كان- صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة فى رمضان بالليل أكثر من غيره. وقد صلى معه حذيفة ليلة فى رمضان، قال: فقرأ بالبقرة ثم بالنساء ثم آل عمران، لا يمر باية تخويف إلا وقف وسأل، قال: فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فاذنه بالصلاة «1» . أخرجه أحمد وأخرجه النسائى. وعنده أيضا:
أنه ما صلى إلا أربع ركعات «2» . وكان للشافعى فى رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة.
(1) تقدم.
(2)
تقدم.