الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال «1» : وعندى أن هذا التعبد يشتمل على أنواع: وهى الانعزال عن الناس، كما صنع إبراهيم- عليه السلام باعتزاله قومه والانقطاع إلى الله تعالى، فإن «انتظار الفرج عبادة» «2» ، كما رواه على بن أبى طالب مرفوعا، وينضم إلى ذلك الأفكار، وعن بعضهم: كانت عبادته- صلى الله عليه وسلم فى حراء التفكر.
انتهى.
وقد آن أن أشرع فيما قصدته على النحو الذى أردته. وقد اقتصرت من عباداته على سبعة أنواع:
النوع الأول فى الطهارة وفيه فصول:
الفصل الأول: فى ذكر وضوئه ص وسواكه ومقدار ما كان يتوضأ به
اعلم أن الوضوء، بالضم: الفعل، وبالفتح: الماء الذى يتوضأ به، على المشهور فيهما، وهو مشتق من الوضاءة، وسمى به لأن المصلى يتنظف به فيصير وضيئا. وقد استنبط بعض العلماء- كما حكاه فى فتح البارى- إيجاب النية فى الوضوء من قوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا «3» لأن التقدير: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضؤوا لأجلها. ومثله قوله: إذا رأيت الأمير فقم، أى، لأجله.
وقال ابن القيم: لم يرو أنه- صلى الله عليه وسلم كان يقول فى أول وضوئه نويت رفع الحدث ولا غيرها، لا هو ولا أصحابه البتة، ولم يرو عنه لا بسند صحيح ولا ضعيف. انتهى.
(1) القال هنا: شيخ الإسلام البلقينى أحد شراح البخارى.
(2)
ضعيف: أخرجه ابن أبى الدنيا فى الفرج، وابن عساكر عن على، كما فى «ضعيف الجامع» (1331) وانظر رقمى (1329 و 1330) .
(3)
سورة المائدة: 6.
قال: أما التلفظ بالنية فلا نعلم أنه روى عنه- صلى الله عليه وسلم، وأما كونه أتى بها فقد قال الإمام فخر الدين الرازى فى «المعالم» : اعلم أنا إذا أردنا أن نقول فى أمر من الأمور: هل فعله الرسول- صلى الله عليه وسلم؟ قلنا فى إثباته طرق:
الأول: أنا إذا أردنا أن نقول إنه- صلى الله عليه وسلم توضأ مع النية والترتيب، قلنا:
لا شك أن الوضوء مع النية والترتيب أفضل، والعلم الضرورى حاصل بأن أفضل الخلق لم يواظب على ترك الأفضل طول عمره، فثبت أنه أتى بالوضوء المرتب المنوى، ولم يثبت عندنا أنه أتى بالوضوء العارى عن النية والترتيب، والشك لا يعارض اليقين، فثبت أنه أتى بالوضوء المرتب المنوى، فوجب أن يجب علينا مثله.
والطريق الثانى: أن نقول: لو أنه- صلى الله عليه وسلم ترك النية والترتيب وجب علينا تركه للدلائل الدالة على وجوب الاقتداء به، ولما لم يجب علينا تركه ثبت أنه ما تركه، بل فعله. وفى الصحيحين وغيرهما من حديث عمر مرفوعا «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» «1» . قال البخارى:
«فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحج والصوم والأحكام» .
وأشار بذكر الوضوء إلى خلاف من لم يشترط فيه النية، كما نقل عن الأوزاعى وأبى حنيفة وغيرهما. وحجتهم: أنه ليس عبادة مستقلة، بل وسيلة إلى عبادة كالصلاة. ونوقضوا بالتيمم، فإنه وسيلة، وقد اشترط الحنفية فيه النية. واستدل الجمهور على اشتراط النية فى الوضوء بالأدلة الصحيحة المصرحة بوعد الثواب عليه فلا بد من قصد يميزه ليحصل الثواب الموعود به.
وقوله: «إنما الأعمال بالنيات» ليس المراد منه نفى ذات العمل لأنه قد يوجد بغير نية، بل المراد نفى أحكامها كالصحة والكمال. ولكن الحمل على نفى الصحة أولى لأنه أشبه بنفى الشئ نفسه، ولأن اللفظ دل على نفى الذات بالصريح وعلى نفى الصفات بالتبع، فلما منع الدليل نفى الذات بقيت دلالته على نفى الصفات مستمرة.
(1) صحيح: أخرجه البخارى (1) فى بدء الوحى، باب: بدء الوحى، ومسلم (1907) فى الإمارة، باب: قوله- صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنية» .
قال ابن دقيق العيد: الذين اشترطوا النية، قدروا: صحة الأعمال، والذين لم يشترطوها قدروا: كمال الأعمال. ورجح الأول لأن الصحة أكثر لزوما للحقيقة من الكمال، فالحمل عليها أولى.
وفى هذا الكلام إيهام أن بعض العلماء لا يرى اشتراط النية، وليس الخلاف بينهم فى ذلك إلا فى الوسائل، وأما المقاصد فلا اختلاف بينهم فى اشتراط النية لها. ومن ثم خالف الحنفية فى اشتراطها للوضوء كما تقدم، وخالف الأوزاعى فى اشتراطها فى التيمم أيضا. نعم بين العلماء اختلاف فى اقتران النية بأول العمل كما هو معروف فى مبسوطات الفقه.
وأما قوله- أى البخارى- «فدخل فيه الإيمان» ، فتوجيه دخول النية فى الإيمان على طريقة البخارى: أن الإيمان عمل، وأما الإيمان بمعنى التصديق فلا يحتاج إلى نية كسائر أعمال القلوب، من خشية الله وتعظيمه ومحبته والتقرب إليه، لأنها متميزة لله فلا تحتاج إلى نية تميزها، لأن النية إنما تميز العمل لله عن العمل لغيره رياء، وتميز مراتب الأعمال كالفرض عن الندب، وتميز العبادة عن العادة كالصوم عن الحمية.
وقوله أيضا: «والأحكام» أى المعاملات التى يدخل فيها الاحتياج إلى المحاكمات فتشمل البيوع والأنكحة والأقارير وغيرها، وكل صورة لم تشترط فيها النية فذلك لدليل خاص.
وقد ذكر ابن المنير ضابطا- لما تشترط فيه النية مما لا تشترط فيه- فقال:
كل عمل لا تظهر له فائدة عاجلة بل المقصود به طلب الثواب فالنية مشترطة فيه، وكل عمل ظهرت فائدته ناجزة، وتقاضته الطبيعة قبل الشريعة لملاءمة بينهما فلا تشترط النية فيه إلا لمن قصد بفعله معنى آخر يترتب عليه الثواب.
قال: وإنما اختلف العلماء فى بعض الصور من جهة تحقيق مناط التفرقة.
قال: وأما ما كان من المعانى المحضة كالخوف والرجاء فهذا لا يقال باشتراط النية فيه لأنه لا يمكن أن يقع إلا منويّا، ومتى فرضت النية مفقودة فيه استحالت حقيقته، فالنية فيه شرط عقلى.
وأما الأقوال، فتحتاج إلى النية فى ثلاثة مواطن: أحدها: التقرب إلى الله تعالى فرارا من الرياء، والثانى: التمييز عن الألفاظ المحتملة لغير المقصود. والثالث: قصد الإنشاء ليخرج سبق اللسان. انتهى، ذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى.
وقد اختلف العلماء فى الوقت الذى وجب فيه الوضوء:
فقال بعضهم: أول ما فرض بالمدينة، وتمسك بقوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ «1» الآية. ونقل ابن عبد البر اتفاق أهل السير على أن غسل الجنابة فرض عليه- صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، كما افترضت الصلاة، وأنه لم يصل قطّ إلا بوضوء، وقال: وهذا مما لا يجهله عالم.
وقال الحاكم فى المستدرك: أهل السنة بهم حاجة إلى دليل الرد على من زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول آية المائدة، ثم ساق حديث ابن عباس:
دخلت فاطمة- رضى الله عنها- على النبى- صلى الله عليه وسلم وهى تبكى فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك، فقال:«ائتونى بوضوء فتوضأ» «2» . قال الحافظ ابن حجر: وذا يصلح أن يكون ردّا على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة، لا على من أنكر وجوبه حينئذ.
وقد جزم ابن الجهم المالكى بأنه كان قبل الهجرة مندوبا، وجزم ابن حزم بأنه لم يشرع إلا بالمدينة. ورد عليه بما أخرجه ابن لهيعة فى المغازى التى يرويها عن أبى الأسود عن عروة أن جبريل- عليه السلام علم النبى- صلى الله عليه وسلم الوضوء عند نزوله عليه بالوحى. وهو مرسل، ووصله أحمد من طريق ابن لهيعة أيضا، لكن قال: عن الزهرى عن عروة، عن أسامة بن زيد عن أبيه، وأخرجه ابن ماجه من رواية رشدين بن سعد عن عقيل عن الزهرى نحوه،
(1) سورة المائدة: 6.
(2)
ضعيف: أخرجه الحاكم فى «المستدرك» (1/ 268) ، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-، وقال الحاكم: حديث صحيح ولا أعلم له علة. قلت: إن مولد ابن عباس- رضى الله عنهما- كان فى الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين، فمتى تحمل رواية هذا الخبر فى مكة قبل الهجرة!.
لكن لم يذكر زيد بن حارثة فى السند، وأخرجه الطبرانى فى الأوسط من طريق الليث عن عقيل موصولا. ولو ثبت لكان على شرط الصحيح، لكن المعروف رواية ابن لهيعة.
وعن أنس قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة. قيل له:
كيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزى أحدنا الوضوء ما لم يحدث «1» . رواه البخارى وأبو داود والترمذى. وعن عثمان- رضى الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة. رواه الدارمى. وروى مسلم عن بريدة قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى صلوات بوضوء واحد. فقال له عمر: فعلت شيئا لم تكن تفعله، فقال:«عمدا فعلته يا عمر» «2» يعنى لبيان الجواز. وفى رواية أحمد وأبى داود، من حديث عبد الله بن أبى عامر الغسيل، أنه- صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك عند كل صلاة»
ووضع عنه الوضوء إلا من حدث. واختلف العلماء فى موجب الوضوء:
فقيل: يجب بالحدث وجوبا موسعا.
وقيل: به وبالقيام إلى الصلاة معا، ورجحه جماعة من الشافعية.
وقيل: بالقيام إلى الصلاة حسب، ويدل له ما رواه أصحاب السنن عن ابن عباس مرفوعا: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة. وقد تمسك بحديث عبد الله بن أبى عامر هذا من قال بوجوب السواك عليه- صلى الله عليه وسلم، لكن فى إسناده محمد بن إسحاق، وقد رواه بالعنعنة وهو مدلس، والخصائص لا تثبت إلا بدليل صحيح.
(1) صحيح: أخرجه البخارى (214) فى الوضوء، باب: الوضوء من غير حدث، وأبو داود (171) فى الطهارة، باب: الرجل يصلى الصلوات بوضوء واحد، والترمذى (60) فى الطهارة، باب: ما جاء فى الوضوء لكل صلاة.
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (277) فى الطهارة، باب: جواز الصلوات كلها بوضوء واحد.
(3)
حسن: أخرجه أبو داود (48) فى الطهارة، باب: السواك، والدارمى (658) ، والحاكم فى «المستدرك» (1/ 258) والحديث حسنه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
وأخرج الطبرانى فى الأوسط والبيهقى فى السنن عن عائشة مرفوعا:
«ثلاث هن علىّ فرائض وهن لكم سنة: الوتر والسواك وقيام الليل» «1» . وقد روى أحمد فى مسنده بإسناد حسن من حديث واثلة بن الأسقع أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب على» «2» . وقد حكى بعضهم الإجماع على أنه ليس بواجب علينا. لكن حكى عن بعض الشافعية أنه أوجبه للصلاة ونوزع فيه. واتفقوا على أنه مستحب مطلقا، ويتأكد بأحوال:
منها: عند الوضوء وإرادة الصلاة.
ومنها: عند القيام من النوم، لما ثبت فى الصحيحين من حديث حذيفة أنه- صلى الله عليه وسلم (كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) «3» لكن قد يقال:
المراد، قام من الليل للصلاة، فيكون المراد السواك للصلاة وعند الوضوء.
ومنها: قراءة القرآن، كما جزم به الرافعى.
ومنها: تغير الفم، سواء فيه تغير الرائحة أو تغير اللون، كصفرة الأسنان، كما ذكره الرافعى.
ومنها: دخول المنزل، جزم به النووى فى زيادة الروضة، لما روى مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه، من حديث عائشة، أنه- صلى الله عليه وسلم (كان إذا دخل بيته يبدأ بالسواك)«4» .
(1) ضعيف: أخرجه أحمد فى «المسند» (1/ 231) ، والحاكم فى «المستدرك» (1/ 441) ، والدار قطنى فى «سننه» (2/ 21) ، والبيهقى فى «الكبرى» (2/ 468) و (9/ 264) ، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-، بسند فيه أبو جناب الكلبى، اسمه يحيى بن أبى حية، ضعيف الحديث، ولم يتابع عليه.
(2)
أخرجه أحمد فى «المسند» (3/ 490) ، والطبرانى فى «الكبير» (22/ 76)، وذكره الهيثمى فى «المجمع» (2/ 98) وقال: وفيه ليث بن أبى سليم، وهو ثقة مدلس، وقد عنعنه.
(3)
صحيح: أخرجه البخارى (246) فى الوضوء، باب: السواك، ومسلم (255) فى الطهارة، باب: السواك.
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (253) فى الطهارة، باب: السواك.
ومنها: إرادة النوم، كما ذكره الشيخ أبو حامد «1» فى «الرونق» «2» ، وروى فيه ما رواه ابن عدى فى الكامل من حديث جابر: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم كان يستاك إذا أخذ مضجعه «3» . وفيه: حرام بن عثمان، متروك.
ومنها: الانصراف من صلاة الليل، لما روى ابن ماجه من حديث ابن عباس بإسناد صحيح قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم يصلى بالليل ركعتين ركعتين، ثم ينصرف فيستاك «4» .
ويجزئ بكل خشن، ولو بأصبع غيره الخشنة، وقد جزم النووى فى شرح المهذب ودقائق المنهاج أنه يجزئ بها قطعا. قال فى شرح تقريب الأسانيد: وما أدرى ما وجه التفرقة بين أصبعه وأصبع غيره وكونه جزآ منه لا يظهر منه ما يقتضى منعه، بل كونها أصبعه أبلغ فى الإزالة، لأنه يتمكن بها أكثر من تمكن غيره أن يسوكه بأصبعه لا جرم. قال النووى فى شرح المهذب: المختار أجزاؤه مطلقا. قال: وبه قطع القاضى حسين والمحاملى فى اللباب والبغوى واختاره فى البحر. انتهى.
ولقد أطبق أصحاب الشافعى على استحباب «الأراك» فروى الطبرانى من حديث أبى خيرة الصنابحى- وله صحبة- حديثا قال فيه: ثم أمر لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم بأراك فقال: «استاكوا بهذا» «5» .
(1) هو: الشيخ أبو حامد الإسفرايينى الفقيه الشافعى المعروف، المتوفى سنة 406 هـ.
(2)
الرونق: مختصر فى فروع الشافعية على طريقة اللباب للمحاملى، وقد اختلف فى مؤلفه، قيل إنه منسوب إلى الشيخ أبى حامد الإسفرايينى، وقيل إنه من تصانيف أبى حاتم القزوينى كذا فى طبقات السبكى، قال ابن السبكى: وهذا غير مستبعد فإن أبا حاتم قرأ على المحاملى والرونق أشبه شئ بكلام المحاملى فى اللباب، انظر كشف الظنون (1/ 934) .
(3)
ضعيف: لضعيف راويه.
(4)
صحيح: أخرجه ابن ماجه (288) فى الطهارة، باب: السواك، والحديث صححه الألبانى فى «صحيح الجامع» (4961) .
(5)
ضعيف: ذكره الهيثمى فى «المجمع» (5/ 61- 62) وقال: رواه الطبرانى، وفيه جماعة لم أعرفهم.
وفى مستدرك الحاكم من حديث عائشة فى دخول أخيها عبد الرحمن ابن أبى بكر فى مرضه- صلى الله عليه وسلم ومعه سواك من أراك، فأخذته عائشة فطيبته ثم أعطته رسول الله- صلى الله عليه وسلم فاستاك به «1» . والحديث فى الصحيح وليس فيه ذكر الأراك. وفى بعض طرقه عند البخارى: ومعه سواك من جريد النخل.
وقد روى أبو نعيم فى كتاب السواك، من حديث عائشة قالت: كان النبى- صلى الله عليه وسلم يستاك عرضا «2» ، وروى البيهقى أيضا من حديث ربيعة بن أكثم قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم يستاك عرضا الحديث.
قال أصحابنا: والمراد بقوله «عرضا» : عرض الأسنان فى طول الفم.
وهل الأولى أن يباشر المستاك بيمينه أو شماله؟ قال بعضهم بيمينه، لحديث:
كان يعجبه التيمن فى ترجله وتنعله وطهره وسواكه. وبناه بعضهم على أنه هل هو من باب التطهير والتطيب، أو من باب إزالة القاذورات. فإن قلنا بالأول استحب أن يكون باليمنى، وإن قلنا بالثانى فبشماله لحديث عائشة:
كانت يد رسول الله- صلى الله عليه وسلم اليمين لطهوره وطعامه، واليسرى لخلائه وما كان من أذى «3» . رواه أبو داود بإسناد صحيح.
قال فى شرح تقريب الأسانيد: وما استدل به على أنه يستحب باليمين ليس فيه دلالة، فإن المراد منه بالشق الأيمن فى الترجل، والبداءة بلبس النعل، والبداءة بالأعضاء اليمنى فى التطهير، والبداءة بالجانب الأيمن فى الاستياك، وأما كونه يفعل ذلك بيمينه فيحتاج إلى نقل، والظاهر أنه من باب إزالة الأذى
(1) أخرجه الحاكم فى «المستدرك» (4/ 8) ، وهو فى صحيح البخارى (890) فى الجمعة، باب: من تسوك بسواك غيره، بدون ذكر (الأراك) ورواية (جريد النخل) عند البخارى (4451) .
(2)
ضعيف: أخرجه البغوى وابن قانع والطبرانى فى الكبير وابن السنى وأبو نعيم فى الطب عن بهز، والبيهقى فى السنن عن ربيعة بن أكثم، كما فى «ضعيف الجامع» (4552) .
(3)
صحيح: أخرجه أبو داود (33 و 34) فى الطهارة، باب: كراهية مس الذكر باليمين فى الاستبراء، وأحمد فى «المسند» (6/ 156 و 170 و 265) ، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
كالامتخاط ونحوه فيكون باليسرى. وقد صرح بذلك أبو العباس أحمد القرطبى فقال فى «المفهم» حكاية عن مالك: أنه لا يتسوك فى المساجد لأنه من باب إزالة القذر والله أعلم.
وأما مقدار ما كان- صلى الله عليه وسلم يتوضأ أو يغتسل به من الماء:
فعن أنس قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد، وفى رواية: كان يغتسل بخمسة مكاكيك ويتوضأ بمكوك «1» . رواه البخارى ومسلم وأبو داود وعنده: يتوضأ بإناء يسع رطلين ويغتسل بالصاع. ورواه الترمذى وعنده: أنه- صلى الله عليه وسلم قال: «يجزئ فى الوضوء رطلان من الماء» «2» . وعن عائشة قالت: كان- صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد «3» . رواه أبو داود. وعن ابن عباس، أن النبى- صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد «4» . والصاع: خمسة أرطال وثلث، برطل بغداد، وهو على ما قاله النووى مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم.
وحذر- صلى الله عليه وسلم أمته من الإسراف فيه.
ومر بسعد وهو يتوضأ، فقال:«ما هذا السرف يا سعد؟» قال: أفى الوضوء سرف؟ قال: «نعم، وإن كنت على نهر جار» «5» ، رواه أحمد بإسناد لين، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
(1) صحيح: أخرجه البخارى (201) فى الوضوء، باب: الوضوء بالمد، ومسلم (325) فى الحيض، باب: القدر المستحب من الماء فى غسل الجنابة، وأبو داود (95) فى الطهارة، باب: ما يجزئ من الماء من الوضوء.
(2)
صحيح: أخرجه الترمذى (609) فى الجمعة، باب: قدر ما يجزئ من الماء فى الوضوء، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .
(3)
صحيح: أخرجه أبو داود (92) فى الطهارة، باب: ما يجزئ من الماء فى الوضوء، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
(4)
صحيح: أخرجه البخارى (253) فى الغسل، باب: الغسل بالصاع ونحوه، ومسلم (322) فى الحيض، باب: القدر المستحب من الماء فى غسل الجنابة.
(5)
ضعيف: أخرجه أحمد فى «المسند» (2/ 221) ، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص- رضى الله عنه-، بسند فيه ضعف.