الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتعدى إلى غيره، فلا يقع به الطلاق والعتق المعلقين بدخول رمضان، ولا يحل به الدين المؤجل، ولا يتم به حول الزكاة، كذا أطلقه الرافعى هنا نقلا عن البغوى، وأقره وتبعه عليه فى الروضة، وصورته: فيما إذا سبق التعليق على الشهادة، فإن وقعت الشهادة أولا، وحكم الحاكم بدخول رمضان ثم جرى التعليق فإن الطلاق والعتق يقعان. كذا نقله القاضى حسين فى تعليقه عن ابن سريج وقال الرافعى: فى الباب الثانى من كتاب الشهادات: إنه القياس، انتهى.
الفصل الرابع فيما كان يفعله ص وهو صائم
عن ابن عباس: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم «1» . رواه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى. واعلم أن الجمهور أجمعوا على عدم الفطر بالحجامة مطلقا. وعن على وعطاء والأوزاعى وأحمد وإسحاق وأبى ثور: يفطر الحاجم والمحجوم، وأوجبوا عليهما القضاء. وشذ عطاء فأوجب الكفارة أيضا. وقال بقول أحمد، من الشافعية: ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان.
ونقل الترمذى عن الزعفرانى: أن الشافعى علق القول به على صحة الحديث. قال الترمذى: كان الشافعى يقول ذلك ببغداد، وأما بمصر فمال إلى الرخصة. انتهى.
وقال الشافعى فى «اختلاف الحديث» ، بعد أن أخرج حديث شداد «كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم فى زمان الفتح، فرأى رجلا يحتجم لثمان عشرة خلت من رمضان. فقال- وهو آخذ بيدى-: أفطر الحاجم والمحجوم» «2» ثم ساق حديث ابن عباس «أنه- صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم» «3» قال: وحديث ابن
(1) صحيح: أخرجه البخارى (1938) فى الصوم، باب: الحجامة والقئ للصائم، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما- وليس فى مسلم احتجم وهو صائم.
(2)
عزاه صاحب «كنز العمال» لابن جرير، انظر «الكنز» (24337) .
(3)
تقدم.
عباس أمثلهما إسنادا، فإن توقى أحد الحجامة كان أحب إلىّ احتياطا، والقياس مع حديث ابن عباس. والذى أحفظ عن الصحابة والتابعين وعامة أهل العلم أنه لا يفطر أحد بالحجامة، انتهى.
وأول بعضهم حديث «أفطر الحاجم والمحجوم» أن المراد به أنهما سيفطران، كقوله تعالى: إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً «1» ، أى ما يؤول إليه.
ولا يخفى بعد هذا التأويل. وقال البغوى فى «شرح السنة» معناه: أى تعرضا للإفطار، أما الحاجم فإنه لا يأمن من وصول شئ من الدم إلى جوفه عند مصه، وأما المحجوم فإنه لا يأمن من ضعف قوته بخروج الدم، فيؤول أمره إلى أن يفطر. وقيل: معنى أفطرا: فعلا مكروها وهو الحجامة، فصارا كأنهما غير متلبسين بالعبادة.
وقال ابن جزم: صح حديث «أفطر الحاجم والمحجوم» بلا ريب، لكن وجدنا من حديث أبى سعيد «أرخص النبى- صلى الله عليه وسلم فى الحجامة للصائم» «2» وإسناده صحيح، فوجب الأخذ به، لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة، سواء كان حاجما أو محجوما. انتهى.
والحديث المذكور، أخرجه النسائى وابن خزيمة والدار قطنى، ورجاله ثقات، ولكن اختلف فى رفعه ووقفه، وله شاهد من حديث أنس عند الدار قطنى ولفظه «أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبى طالب احتجم وهو صائم، فمر به رسول الله- صلى الله عليه وسلم فقال: «أفطر هذان» ، ثم أرخص رسول الله- صلى الله عليه وسلم بعد فى الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم. ورواته كلهم من رجال البخارى إلا أن فى المتن ما ينكر، لأن فيه أن ذلك كان فى الفتح، وجعفر كان قتل قبل ذلك.
ومن أحسن ما ورد فى ذلك، ما رواه عبد الرزاق وأبو داود عن
(1) سورة يوسف: 36.
(2)
رواه البزار والطبرانى فى الأوسط، ورجال البزار رجال الصحيح، قاله الهيثمى فى «المجمع» (3/ 170) .
عبد الرحمن بن أبى ليلى عن رجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال:
نهى النبى- صلى الله عليه وسلم عن الحجامة للصائم، وعن المواصلة، ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه «1» . وإسناده صحيح، والجهالة بالصحابى لا تضر، ورواه ابن أبى شيبة عن وكيع عن الثورى بلفظ «عن أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم قالوا: إنما نهى النبى- صلى الله عليه وسلم عن الحجامة للصائم وكرهها للضعف» «2» أى لئلا يضعف. انتهى ملخصا من فتح البارى والله أعلم.
وقالت عائشة: (كان- صلى الله عليه وسلم يقبل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكت» «3» رواه البخارى ومسلم ومالك وأبو داود. قالت: (وكان أملككم لإربه)«4» أى لحاجته، تعنى أنه كان غالبا لهواه. قال ابن الأثير: أكثر المحدثين يروونه بفتح الهمزة والراء، يعنون به الحاجة، وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء، وله تأويلان: أحدهما: أنه الحاجة يقال فيها؛ الأرب، والإرب، والإربة والمأربة، والثانى: أرادت به العضو، وعنت به من الأعضاء الذكر خاصة، انتهى. فمذهب الشافعى والأصحاب: أن القبلة ليست محرمة على من لم تحرك شهوته، لكن الأولى تركها، وأما من حركت شهوته فهى حرام فى حقه على الأصح عند أصحابنا.
وقوله: «فضحكت» قيل: يحتمل ضحكها التعجب ممن خالف هذا، وقيل: تعجبت من نفسها، إذ حدثت بمثل هذا مما يستحى من ذكر النساء مثله للرجال، ولكنها ألجأتها الضرورة فى تبليغ العلم إلى ذكر ذلك، وقد يكون خجلا لإخبارها عن نفسها بذلك، أو تنبيها على أنها صاحبة القصة ليكون ذلك أبلغ فى الثقة بها، أو سرورا بمكانتها من النبى- صلى الله عليه وسلم ومحبته لها.
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (2374) فى الصوم، باب: فى الرخصة فى ذلك، عن عبد الرحمن ابن أبى ليلى عن رجل من أصحاب النبى- صلى الله عليه وسلم، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
(2)
انظره: فى «فتح البارى» (4/ 178) .
(3)
صحيح: أخرجه البخارى (1927) فى الصوم، باب: المباشرة للصائم، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(4)
تقدم فى الذى قبله.
وقد روى ابن أبى شيبة عن شريك عن هشام فى هذا الحديث:
«فضحكت فظننا أنها هى» «1» . وروى النسائى عنها قالت: أهوى إلىّ النبى- صلى الله عليه وسلم ليقبلنى فقلت: إنى صائمة، فقال:«وأنا صائم فقبلنى» «2» . وقد روى أبو داود عن عائشة أن النبى- صلى الله عليه وسلم كان يقبلها ويمص لسانها، يعنى وهو صائم «3» . وإسناده ضعيف، ولو صح فهو محمول على أنه لم يبتلع ريقه الذى خالط ريقها.
وكان- صلى الله عليه وسلم يكتحل بالإثمد وهو صائم «4» . رواه البيهقى من رواية محمد بن عبد الله بن أبى رافع عن أبيه عن جده. ثم قال: إن محمدا هذا ليس بالقوى، وثقه الحاكم وأخرج له فى مستدركه. وقالت أم سلمة: كان- صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع لا حلم، ثم لا يفطر ولا يقضى «5» . رواه البخارى ومسلم.
قال القرطبى: فى هذا الحديث فائدتان: إحداهما: أنه كان يجامع فى رمضان ويؤخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر بيانا للجواز، الثانية: أن ذلك كان من جماع لا من احتلام، لأنه كان لا يحتلم، إذ الاحتلام من الشيطان، وهو معصوم منه، وقال غيره فى قولها:«من غير الاحتلام» إشارة إلى جواز الاحتلام عليه، وإلا لما كان لاستثنائه معنى.
وردّ: بأن الاحتلام من الشيطان، وهو معصوم منه. وأجيب: بأن الاحتلام يطلق على الإنزال، وقد يقع الإنزال بغير رؤية شئ فى المنام.
(1) إخرجه ابن أبى شيبة فى «مصنفه» (2/ 314) من الطريق المذكور.
(2)
أخرجه أحمد (6/ 269) من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(3)
ضعيف: أخرجه أبو داود (2386) فى الصوم، باب: الصائم يبلغ الريق. من حديث عائشة- رضى الله عنها-، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن أبى داود» .
(4)
ضعيف: أخرجه الطبرانى فى الكبير، والبيهقى فى «السنن» عن أبى رافع، كما فى «ضعيف الجامع» (4599) .
(5)
صحيح: أخرجه البخارى (1930) فى الصوم، باب: اغتسال الصائم، ومسلم (1109) فى الصيام، باب: صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، من حديث أم سلمة- رضى الله عنها-.