المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث فى صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم - المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - جـ ٣

[القسطلاني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌المقصد الثامن فى طبه ص لذوى الأمراض والعاهات وتعبيره الرؤيا وإنبائه بالأنباء المغيبات

- ‌الفصل الأول فى طبه صلى الله عليه وسلم لذوى الأمراض والعاهات

- ‌النوع الأول فى طبه ص بالأدوية الإلهية

- ‌رقية الذى يصاب بالعين:

- ‌عقوبة العائن:

- ‌ذكر رقية النبى ص التى كان يرقى بها

- ‌ذكر طبه ص من الفزع والأرق المانع من النوم:

- ‌ذكر طبه ص من حر المصيبة ببرد الرجوع إلى الله تعالى:

- ‌ذكر طبه ص من داء الهم والكرب بدواء التوجه إلى الرب:

- ‌ذكر طبه ص من داء الفقر:

- ‌ذكر طبه ص من داء الحريق:

- ‌ذكر ما كان ص يطب به من داء الصرع:

- ‌ذكر دوائه ص من داء السحر:

- ‌ذكر رقية لكل شكوى:

- ‌رقيته ص من الصداع:

- ‌رقيته ص من وجع الضرس:

- ‌رقية لعسر البول:

- ‌رقية الحمى:

- ‌ذكر ما يقى من كل بلاء:

- ‌ذكر ما يستجلب به المعافاة من سبعين بلاء:

- ‌ذكر دواء داء الطعام:

- ‌ذكر دواء أم الصبيان:

- ‌النوع الثانى طبه ص بالأدوية الطبيعية

- ‌ذكر ما كان ص يعالج به الصداع والشقيقة:

- ‌ذكر طبه ص للرمد:

- ‌ذكر طبه ص من العذرة:

- ‌ذكر طبه ص لداء استطلاق البطن

- ‌ذكر طبه ص فى يبس الطبيعة بما يمشيه ويلينه:

- ‌ذكر طبه ص للمفؤود:

- ‌ذكر طبه ص لذات الجنب:

- ‌ذكر طبه ص لداء الاستسقاء:

- ‌ذكر طبه ص من داء عرق النسا:

- ‌ذكر طبه ص من الأورام والخراجات:

- ‌ذكر طبه ص بقطع العروق والكى:

- ‌ذكر طبه ص من الطاعون:

- ‌ذكر طبه ص من السلعة

- ‌ذكر طبه ص من الحمى:

- ‌ذكر طبه ص من حكة الجسد وما يولد القمل:

- ‌ذكر طبه صلى الله عليه وسلم من السم الذى أصابه بخيبر:

- ‌النوع الثالث فى طبه ص بالأدوية المركبة من الإلهية والطبيعية

- ‌ذكر طبه ص من القرحة والجرح وكل شكوى:

- ‌ذكر طبه- ص من لدغة العقرب:

- ‌ذكر الطب من النملة:

- ‌ذكر طبه ص من البثرة:

- ‌ذكر طبه ص من حرق النار:

- ‌ذكر طبه ص بالحمية:

- ‌ذكر حمية المريض من الماء:

- ‌ذكر أمره ص بالحمية من الماء المشمس خوف البرص:

- ‌ذكر الحمية من طعام البخلاء:

- ‌ذكر الحمية من داء الكسل:

- ‌ذكر الحمية من داء البواسير:

- ‌ذكر حماية الشراب من سم أحد جناحى الذباب بانغماس الثانى:

- ‌ذكره أمره ص بالحمية من الوباء النازل فى الإناء بالليل بتغطيته:

- ‌ذكر حمية الوليد من إرضاع الحمقى:

- ‌الفصل الثانى فى تعبيره ص الرؤيا

- ‌الرؤيا الصالحة جزء من النبوة:

- ‌الفصل الثالث فى إنبائه ص بالأنباء المغيبات

- ‌المقصد التاسع فى لطيفة من عباداته

- ‌النوع الأول فى الطهارة وفيه فصول:

- ‌الفصل الأول: فى ذكر وضوئه ص وسواكه ومقدار ما كان يتوضأ به

- ‌الفصل الثانى فى وضوئه ص مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا

- ‌الفصل الثالث فى صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الرابع فى مسحه ص على الخفين

- ‌الفصل الخامس فى تيممه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل السادس فى غسله صلى الله عليه وسلم

- ‌النوع الثانى فى ذكر صلاته ص

- ‌[القسم الأول] فى الفرائض وما يتعلق بها وفيه أبواب

- ‌الباب الأول فى الصلوات الخمس وفيه فصول:

- ‌الفصل الأول فى فرضها

- ‌الفصل الثانى فى ذكر تعيين الأوقات التى صلى فيها- صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس

- ‌الفصل الثالث فى ذكر كيفية صلاته ص وفيه فروع:

- ‌الفروع الأول: فى صفة افتتاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفرع الثانى: فى ذكر قراءته ص البسملة فى أول الفاتحة

- ‌الفرع الثالث: فى ذكر قراءته ص الفاتحة وقوله آمين بعدها

- ‌الفرع الرابع: فى ذكر قراءته ص بعد الفاتحة فى صلاة الغداة

- ‌الفرع الخامس: فى ذكر قراءته- صلى الله عليه وسلم فى صلاتى الظهر والعصر

- ‌الفرع السادس: فى ذكر قراءته ص فى صلاة المغرب

- ‌الفرع السابع: فى ذكر ما كان ص يقرأ فى صلاة العشاء

- ‌الفرع الثامن: فى ذكر صفة ركوعه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفرع التاسع: فى مقدار ركوعه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفرع العاشر: فى ذكر ما كان ص يقوله فى الركوع والرفع منه

- ‌الفرع الحادى عشر: فى ذكر صفة سجوده ص وما يقول فيه

- ‌الفرع الثانى عشر: فى ذكر جلوسه ص للتشهد

- ‌الفرع الثالث عشر: فى ذكر تشهده صلى الله عليه وسلم

- ‌الفرع الرابع عشر: فى ذكر تسليمه ص من الصلاة

- ‌الفرع الخامس عشر: فى ذكر قنوته صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الرابع فى سجوده ص للسهو فى الصلاة

- ‌الفصل الخامس فيما كان ص يقوله بعد انصرافه من الصلاة وجلوسه بعدها وسرعة انفتاله بعدها

- ‌الباب الثانى فى ذكر صلاته ص الجمعة

- ‌الباب الثالث فى ذكر تهجده صلوات الله وسلامه عليه

- ‌ذكر سياق صلاته ص بالليل

- ‌الباب الرابع فى صلاته ص الوتر

- ‌الباب الخامس فى ذكر صلاته ص الضحى

- ‌القسم الثانى فى صلاته ص النوافل وأحكامها وفيه بابان:

- ‌الباب الأول فى النوافل المقرونة بالأوقات وفيه فصلان:

- ‌الفصل الأول فى رواتب الصلوات الخمس والجمعة

- ‌الفرع الأول: فى أحاديث جامعة لرواتب مشتركة

- ‌الفرع الثانى: فى ركعتى الفجر

- ‌الفرع الثالث: فى راتبة الظهر

- ‌الفرع الرابع فى سنة العصر

- ‌الفرع الخامس فى راتبة المغرب

- ‌الفرع السادس فى راتبة العشاء

- ‌الفرع السابع فى راتبة الجمعة

- ‌الفصل الثانى فى صلاته ص العيدين

- ‌الفرع الأول فى عدد الركعات

- ‌الفرع الثانى فى عدد التكبير

- ‌الفرع الثالث فى الوقت والمكان

- ‌الفرع الرابع فى الأذان والإقامة

- ‌الفرع الخامس فى قراءته ص فى صلاة العيدين

- ‌الفرع السادس فى خطبته ص وتقديمه صلاة العيدين عليها

- ‌الفرع السابع فى أكله ص يوم الفطر قبل خروجه إلى الصلاة

- ‌الباب الثانى فى النوافل المقرونة بالأسباب

- ‌الفصل الأول فى صلاته ص الكسوف

- ‌الفصل الثانى فى صلاته ص صلاة الاستسقاء

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌القسم الثالث فى ذكر صلاته ص فى السفر

- ‌الفصل الأول فى قصره ص الصلاة فيه وأحكامه

- ‌الفرع الأول فى كم كان ص يقصر الصلاة

- ‌الفرع الثانى فى القصر مع الإقامة

- ‌الفصل الثانى فى الجمع

- ‌الفرع الأول فى جمعه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثالث فى ذكر صلاته ص النوافل فى السفر

- ‌الفصل الرابع فى صلاته ص التطوع فى السفر على الدابة

- ‌القسم الرابع فى ذكر صلاته ص صلاة الخوف

- ‌القسم الخامس فى ذكر صلاته ص على الجنازة

- ‌الفرع الأول فى عدد التكبيرات

- ‌الفرع الثانى فى القراءة والدعاء

- ‌الفرع الثالث فى صلاته ص على القبر

- ‌الفرع الرابع فى صلاته ص على الغائب

- ‌النوع الثالث فى ذكر سيرته ص فى الزكاة

- ‌النوع الرابع فى ذكر صيامه صلى الله عليه وسلم

- ‌القسم الأول فى صيامه ص شهر رمضان

- ‌الفصل الأول فيما كان يخص به رمضان من العبادات وتضاعف جوده ص فيه

- ‌الفصل الثانى فى صيامه ص برؤية الهلال

- ‌الفصل الثالث فى صومه ص بشهادة العدل الواحد

- ‌الفصل الرابع فيما كان يفعله ص وهو صائم

- ‌الفصل الخامس فى وقت إفطاره ص

- ‌الفصل السادس فيما كان ص يفطر عليه

- ‌الفصل السابع فيما كان يقوله ص عند الإفطار

- ‌الفصل الثامن فى وصاله صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل التاسع فى سحوره صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل العاشر فى إفطاره ص فى رمضان فى السفر وصومه

- ‌القسم الثانى فى صومه ص غير شهر رمضان وفيه فصول

- ‌الفصل الأول فى سرده ص صوم أيام من الشهر وفطره أياما

- ‌الفصل الثانى فى صومه ص عاشوراء

- ‌الفصل الثالث فى صيامه ص شعبان

- ‌الفصل الرابع فى صومه ص عشر ذى الحجة

- ‌الفصل الخامس فى صومه ص أيام الأسبوع

- ‌الفصل السادس فى صومه ص الأيام البيض

- ‌النوع الخامس فى ذكر اعتكافه ص واجتهاده في العشر الأخير من رمضان وتحريه ليلة القدر

- ‌النوع السادس فى ذكر حجه وعمره صلى الله عليه وسلم

- ‌النوع السابع من عبادته ص فى ذكر نبذة من أدعيته وأذكاره وقراءته

- ‌المقصد العاشر

- ‌الفصل الأول فى إتمامه تعالى نعمته عليه بوفاته ونقلته إلى حظيرة قدسه لديه ص

- ‌الفصل الثانى فى زيارة قبره الشريف ومسجده المنيف

- ‌الفصل الثالث

- ‌خاتمة

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌الفصل الثالث فى صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم

وحكى الدارمى من الشافعية عن قوم أن الزيادة على الثلاث تبطل الوضوء، كالزيادة فى الصلاة، وهو قياس فاسد. وقال أحمد وإسحاق وغيرهما: لا تجوز الزيادة على الثلاث. وقال ابن المبارك: لا آمن أن يأثم.

ويلزم من القول بتحريم الزيادة على الثلاث أو كراهتها أنه لا يندب تجديد الوضوء على الإطلاق.

‌الفصل الثالث فى صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم

عن عثمان بن عفان- رضى الله عنه- أنه دعا بإناء فأفرغ على يديه ثلاث مرات فغسلهما، ثم أدخل يمينه فى الإناء فمضمض واستنشق ثم غسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا إلى المرفقين، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «من توضأ نحو وضوئى هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه» «1» رواه البخارى.

وقد استدل بعضهم بقوله: «ثم أدخل يمينه» على عدم اشتراط نية الاغتراف. ولا دلالة فيه نفيّا ولا إثباتا، وأما اشتراط نية الاغتراف فليس فى هذا الحديث ما يثبتها ولا ما ينفيها. قال الغزالى: مجرد الاغتراف لا يصيّر الماء مستعملا، لأن الاستعمال إنما يقع فى المغترف منه. وبهذا قطع البغوى.

وقد ذكروا فى حكمة تأخير غسل الوجه، أنه لاعتبار أوصاف الماء، لأن اللون يدرك بالبصر، والطعم يدرك بالفم، والريح بالأنف. فقدمت المضمضة والاستنشاق قبل الوجه، وهو مفروض احتياطا للعبادة.

وقال النووى فى قوله: «نحو وضوئى» ، إنما لم يقل- صلى الله عليه وسلم: مثل، لأن حقيقة مماثلته لا يقدر عليها غيره. لكن تعقبه فى «فتح البارى» بأنه ثبت

(1) صحيح: أخرجه البخارى (160) فى الوضوء، باب: الوضوء ثلاثا ثلاثا.

ص: 166

التعبير بها فى رواية البخارى فى الرقاق من طريق معاذ بن عبد الرحمن عن حمران بن عثمان ولفظه: «من توضأ مثل وضوئى هذا» . وفى الصيام من رواية معمر: «من توضأ وضوئى هذا» ، قال: وعلى هذا فالتعبير بنحو من تصرف الرواة، لأنها تطلق على المثلية مجازا، ولأن «مثل» وإن كانت تقتضى المساواة ظاهرا، لكنها تطلق على الغالب، فبهذا تلتئم الروايتان، ويكون المتروك بحيث لا يخل بالمقصود، انتهى.

وعن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصارى، أنه قيل له: توضأ لنا وضوء رسول الله- صلى الله عليه وسلم، فدعا بإناء، فأكفأ على يديه فغسلهما ثلاثا، ثم أدخل يده فاستخرجها فتمضمض واستنشق من كف واحد ففعل ذلك ثلاثا «1» . ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل وجهه ثلاثا. ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين، ثم أدخل يده فاستخرجها فمسح رأسه فأقبل بيديه وأدبر، ثم غسل رجليه إلى الكعبين، ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله- صلى الله عليه وسلم.

وفى رواية: فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذى بدأ منه «2» . رواه البخارى ومسلم ومالك وأبو داود والترمذى والنسائى. وفى رواية لأبى داود: ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وأدخل أصابعه فى صماخى أذنيه.

وفى رواية أبى داود والترمذى والنسائى عن عبد خير، أبى عمارة بن زيد بن خولى- بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو وتشديد الياء- الهمدانى،

(1) زيادة من مصادر التخريج.

(2)

صحيح: أخرجه البخارى (185) فى الوضوء، باب: مسح الرأس كله، ومسلم (235) فى الطهارة، باب: وضوء النبى- صلى الله عليه وسلم، وأبو داود (118- 120) فى الطهارة، باب: صفة وضوء النبى- صلى الله عليه وسلم، والترمذى (32) فى الطهارة، باب: ما جاء فى مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره، والنسائى (1/ 71) فى الطهارة، باب: حد الغسل، وباب: صفة مسح الرأس، وابن ماجه (434) فى الطهارة، باب: ما جاء فى مسح الرأس، ومالك (1/ 18) فى الطهارة، باب: العمل فى الوضوء.

ص: 167

من كبار أصحاب على بن أبى طالب، قال: أتانا على وقد صلى، فدعا بطهور، فقلنا ما يصنع بالطهور وقد صلى، ما يريد إلا ليعلمنا، فأتى بإنا فيه ماء وطست، فأفرغ من الإناء على يمينه فغسل يديه ثلاثا، ثم تمضمض واستنثر ثلاثا، فمضمض ونثر من الكف الذى يأخذ فيه، ثم غسل وجهه ثلاثا، وغسل يده اليمنى ثلاثا، وغسل يده اليسرى ثلاثا، ثم جعل يده اليمنى فى الإناء فمسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثا ورجله اليسرى ثلاثا، وقال: من سره أن يعلم وضوء رسول الله- صلى الله عليه وسلم فهو هذا «1» .

وقال ابن القيم: والصحيح أنه- صلى الله عليه وسلم لم يكرر مسح رأسه، انتهى.

وقال النووى: والأحاديث الصحيحة فيها المسح مرة واحدة وفى بعضها الاقتصار على قوله: مسح. واحتج الشافعى بحديث عثمان- رضى الله عنه- فى صحيح مسلم أنه- صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا، وبالقياس على باقى الأعضاء، انتهى.

وأجيب: بأنه مجمل مبين فى الروايات الصحيحة أن المسح لم يتكرر، فيحمل على الغالب ويخص بالمغسول، وبأن المسح مبنى على التخفيف فلا يقاس على الغسل الذى المراد منه المبالغة فى الإسباغ، وبأن العدد لو اعتبر فى المسح لصار فى صورة الغسل، إذ حقيقة الغسل جريان الماء.

واحتج الشافعية أيضا بما رواه أبو داود فى سننه عن عثمان من وجهين، صحح أحدهما ابن خزيمة: أنه- صلى الله عليه وسلم مسح رأسه ثلاثا «2» . وفى رواية أبى داود والترمذى من حديث الربيع بنت معوذ: فغسل كفيه ثلاثا، ووضأ وجهه ثلاثا، وتمضمض واستنشق مرة، ووضأ يديه ثلاثا، ومسح رأسه مرتين بدأ

(1) حسن: أخرجه أبو داود (116) مختصرا فى الطهارة، باب: صفة وضوء النبى- صلى الله عليه وسلم، والترمذى (48) فى الطهارة، باب: ما جاء فى وضوء النبى- صلى الله عليه وسلم، والنسائى (1/ 70) فى الطهارة، باب: عدد غسل اليدين، وأحمد فى «المسند» (1/ 127) بسند حسن.

(2)

ضعيف: أخرجه أبو داود (110) فى الطهارة، باب: صفة وضوء النبى- صلى الله عليه وسلم، بسند فيه عامر بن شقيق بن جمرة، ضعيف الحديث.

ص: 168

بمؤخر رأسه ثم بمقدمه وبأذنيه كليهما ظهورهما وبطونهما، ووضأ رجليه ثلاثا ثلاثا» .

وقد أجاب العلماء عن أحاديث المسح مرة واحدة بأن ذلك لبيان الجواز، ويؤيده رواية مرتين هذه. وقال ابن السمعانى- كما حكاه فى فتح البارى- اختلاف الرواية يحمل على التعدد، فيكون مسح تارة مرة، وتارة ثلاثا، فليس في رواية مسح مرة حجة على منع التعدد، ويحتج للتعدد بالقياس على المغسول، لأن الوضوء طهارة حكمية، ولا فرق فى الطهارة الحكمية بين الغسل والمسح.

قال «2» : ومن أقوى الأدلة على عدم التعدد، الحديث المشهور الذى صححه ابن خزيمة وغيره من طريق عبد الله بن عمرو بن العاصى فى صفة الوضوء بعد أن فرغ:«من زاد على هذا فقد أساء وظلم» «3» فإن فى رواية سعيد بن منصور التصريح بأنه مسح رأسه مرة واحدة، فدل على أن الزيادة فى مسح الرأس على المرة غير مستحبة، ويحمل ما ورد من الأحاديث فى تثليث المسح، إن صحت- على إرادة الاستيعاب بالمسح، لا أنها مسحات مستقلة لجميع الرأس، جمعا بين الأدلة. انتهى.

وفى حديث عبد الله بن زيد- عند البخارى- الذى ذكرته قبل: ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر. وفى رواية: بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما فى المكان الذى بدأ منه. وزاد ابن الطباع بعد قوله:

«ثم مسح رأسه» كله، كما هو فى رواية ابن خزيمة. وفى رواية غيره- كما

(1) أخرجه أبو داود (126- 131) فى الطهارة، باب: صفة وضوء النبى- صلى الله عليه وسلم، والترمذى (33) فى الطهارة، باب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس، وابن ماجه (390) فى الطهارة، باب: الرجل يستعين على وضوئه فيصب عليه، و (438) باب: ما جاء فى مسح الرأس، وأحمد فى «المسند» (6/ 379) بسند فيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وفيه مقال مشهور، ولا سيما إذا عنعن.

(2)

القائل هنا: هو الحافظ ابن حجر صاحب فتح البارى.

(3)

تقدم: وفيه ضعف بهذه الزيادة.

ص: 169

قدمته-: «برأسه» بزيادة الباء، موافقة لقوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ «1» .

قال البيضاوى: «الباء» أى فى الآية مزيدة، وقيل: للتبعيض، فإنه الفارق بين قولك، مسحت المنديل وبالمنديل، ووجه أن يقال: إنها تدل على تضمين الفعل معنى الإلصاق، فلكأنه قيل: وألصقوا المسح برؤوسكم، وذلك لا يقتضى الاستيعاب، بخلاف ما لو قيل: وامسحوا رؤوسكم فإنه كقوله:

فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ، انتهى.

وقال الشافعى: احتمل قوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ «2» جميع الرأس أو بعضه، فدلت السنة على أن بعضه يجزئ، والفرق بينه وبين قوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ «3» فى التيمم، أن المسح فيه بدل عن الغسل، ومسح الرأس أصل فافترقا. ولا يرد كون مسح الخف بدلا عن غسل الرجل، لأن الرخصة فيه ثبتت بالإجماع.

وقد روى من حديث عطاء أنه- صلى الله عليه وسلم توضأ، فحسر العمامة عن رأسه ومسح مقدم رأسه، وهو مرسل، لكنه اعتضد بمجيئه من وجه آخر موصولا أخرجه أبو داود من حديث أنس «4» ، وفى إسناده أبو معقل، لا يعرف حاله، لكن اعتضد كل من المرسل والموصول بالآخر وحصلت القوة من الصورة المجموعة وهذا مثال لما ذكره الشافعى من أن المرسل يعضد بمرسل آخر أو مسند.

وفى الباب أيضا عن عثمان فى صفة الوضوء قال: ومسح مقدم رأسه،

(1) سورة المائدة: 6.

(2)

سورة المائدة: 6.

(3)

سورة المائدة: 6.

(4)

حديث أنس أخرجه أبو داود (147) فى الطهارة، باب: المسح على العمامة وابن ماجه (564) فى الطهارة، باب: ما جاء فى المسح على العمامة، والحديث فى إسناده أبو معقل الراوى عن أنس مجهول، والراوى عنه عبد العزيز بن مسلم مقبول الحديث، قاله الحافظ فى «التقريب» (4123) .

ص: 170

أخرجه سعيد بن منصور، وفيه خالد بن يزيد بن أبى مالك مختلف فيه.

وصح عن ابن عمر الاكتفاء بمسح بعض الرأس، قاله ابن المنذر وغيره، ولم يصح عن أحد من الصحابة إنكار ذلك قاله ابن حزم. قال الحافظ ابن حجر:

وهذا كله مما يقوى به المرسل المتقدم ذكره. انتهى.

واختلف فى القدر الواجب فى مسح الرأس، فذهب الشافعى وجماعة إلى أن الواجب ما ينطلق عليه الاسم ولو شعرة واحدة أخذا باليقين. وذهب مالك وأحمد وجماعة إلى وجوب استيعابه أخذا بالاحتياط. وقال أبو حنيفة فى رواية: الواجب ربعه، لأنه- صلى الله عليه وسلم مسح على ناصيته وهو قريب من الربع. والله أعلم.

وعن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال: دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره، فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق «1» . رواه أبو داود. وعنه أيضا قال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم توضأ، فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا من كف واحد «2» . رواه ابن ماجه.

وفى حديث مسلم أن عثمان دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما، ثم أدخل يمينه فى الإناء فمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاث مرات. وفى حديث عبد الله بن زيد عند البخارى: ثم غسل ومضمض واستنشق من كف واحد ثم قال: هكذا وضوء رسول الله- صلى الله عليه وسلم «3» . قال النووى: فيه أن السنة فى المضمضة والاستنشاق، أن يأخذ الماء لهما بيمينه، قال: وفى الأفضل فى كيفية المضمضة والاستنشاق خمسة أوجه:

(1) ضعيف: أخرجه أبو داود (139) فى الطهارة، باب: فى الفرق بين المضمضة والاستنشاق، والبيهقى فى «الكبرى» (1/ 51) وقال: قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: أن ابن عيينة كان ينكره ويقول: أيش هذا طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده.

(2)

قلت: هو عند ابن ماجه (404) فى الطهارة، باب: المضمضة والاستنشاق من كف واحد، من حديث على- رضى الله عنه-، وذكر حديثان معه فى نفس الباب ليس فيها أحد من طريق طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده.

(3)

تقدم حديثى عثمان وعبد الله بن زيد- رضى الله عنهما-.

ص: 171

الأصح: يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات، يتمضمض من كل واحدة ثم يستنشق.

والثانى: يجمع بينهما بغرفة واحدة، يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا.

والثالث: يجمع أيضا بغرفة، ولكن يتمضمض منها ثم يستنشق، ثم يتضمض منها ثم يستنشق، ثم يتمضمض منها ثم يستنشق.

والرابع: يفصل بينهما بغرفتين، فيتمضمض من إحداهما ثلاثا، ثم يستنشق من الآخرى ثلاثا.

والخامس: يفصل بست غرفات، يتمضمض بثلاث غرفات، ثم يستنشق بثلاث غرفات.

قال: والصحيح الأول: وبه جاءت الأحاديث الصحيحة. وقد ذهب الإمام أحمد وأبو ثور إلى وجوب الاستنشاق، وهو أن يبلغ الماء إلى خياشمه، مستدلين بقوله- صلى الله عليه وسلم فى حديث أبى هريرة:«إذا توضأ أحدكم فليجعل فى أنفه ماء ثم ليستنثر» «1» لظاهر الأمر. وحمله الجمهور ومالك والشافعى وأهل الكوفة على الندب، لقوله- صلى الله عليه وسلم للأعرابى:«توضأ كما أمر الله» «2» ، وليس فى الآية المائدة: 6 ذكر الاستنشاق، والله أعلم.

وعند أبى داود: كان- صلى الله عليه وسلم يمسح الماقين «3» . وعن عثمان أنه- صلى الله عليه وسلم

(1) صحيح: أخرجه البخارى (162) فى الوضوء، باب: الاستجمار وترا، ومسلم (237) فى الطهارة، باب: الإيتار فى الاستنثار والاستجمار.

(2)

صحيح: أخرجه أبو داود (861) فى الصلاة، باب: صلاة من لا يقيم صلبه فى الركوع والسجود، من حديث رفاعة بن رافع- رضى الله عنه-، والحديث صححه الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .

(3)

ضعيف: أخرجه أبو داود (134) فى الطهارة، باب: صفة وضوء النبى- صلى الله عليه وسلم، وابن ماجه (444) فى الطهارة، باب: الأذنان من الرأس، وأحمد فى «المسند» (5/ 258 و 264) ، من حديث أبى أمامة- رضى الله عنه-، والراوى عنه شهر بن حوشب، وفيه مقال مشهور.

ص: 172

كان يخلل لحيته «1» ، رواه الترمذى وابن ماجه. وعنده من حديث ابن عمر:

كان- صلى الله عليه وسلم إذا توضأ عرك «2» عارضيه بعض العرك ثم شبك لحيته بأصابعه من تحتها «3» . وعن أنس كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أخذ كفّا من ماء فيدخله تحت حنكه ويخلل به لحيته ويقول: «بهذا أمرنى ربى عز وجل» «4» رواه أبو داود. وعن أبى رافع: كان- صلى الله عليه وسلم إذا توضأ حرك خاتمه «5» . رواه ابن ماجه والدار قطنى وضعفه. وعن المستورد بن شداد: كان- صلى الله عليه وسلم إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره «6» ، رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجه.

وعن عائشة: كانت يد رسول الله- صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه. وكانت اليسرى لخلائه وما كان من أذى «7» .

وعن المغيرة بن شعبة أنه كان مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم فى سفر، وأنه ذهب لحاجة له وأن المغيرة جعل يصب الماء عليه وهو يتوضأ «8» . رواه

(1) حسن: أخرجه الترمذى (31) فى الطهارة، باب: ما جاء فى تخليل اللحية، وابن ماجه (430) فى الطهارة، باب: ما جاء فى تخليل اللحية، وقال الترمذى: حديث حسن صحيح.

(2)

عرك: أى دلك.

(3)

ضعيف: أخرجه ابن ماجه (432) فى الطهارة، باب: ما جاء فى تخليل اللحية، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن ابن ماجه» .

(4)

صحيح: أخرجه أبو داود (145) فى الطهارة، باب: تخليل اللحية، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .

(5)

ضعيف: أخرجه ابن ماجه (449) فى الطهارة، باب: تخليل الأصابع، والدار قطنى فى «سننه» (1/ 83) وقال البوصيرى فى «الزوائد» : إسناده ضعيف، لضعف معمر وأبيه محمد بن عبيد الله.

(6)

حسن: أخرجه أبو داود (148) فى الطهارة، باب: غسل الرجلين، والترمذى (40) فى الطهارة، باب: ما جاء فى تخليل الأصابع، وابن ماجه (446) فى الطهارة، باب: تخليل الأصابع، وأحمد فى «المسند» (4/ 229)، وقال الترمذى: حديث حسن غريب، وهو كما قال.

(7)

صحيح: وقد تقدم.

(8)

صحيح: أخرجه البخارى (182) فى الطهارة، باب: الرجل يوضئ صاحبه، ومسلم (274) فى الطهارة، باب: المسح على الخفين.

ص: 173

البخارى ومسلم. وعن صفوان بن عسال: صببت على النبى- صلى الله عليه وسلم الماء فى السفر والحضر فى الوضوء «1» . رواه ابن ماجه. وفى ذلك جواز استعانة الرجل بغيره فى صب الماء فى الوضوء من غير كراهة، وكذا إحضار الماء من باب أولى، ولا دليل فى هذين الحديثين لجواز الإعانة المباشرة.

وقد روى الحاكم فى المستدرك، من حديث الربيع بنت معوذ أنها قالت:

أتيت النبى- صلى الله عليه وسلم بوضوء فقال: «أمسكى» ، فمسكت عليه. وهذا أصرح فى عدم الكراهة من الحديثين المذكورين لكونه فى الحضر، ولكونه بصيغة الطلب، والله أعلم.

وفى الترمذى، من حديث معاذ بن جبل: كان- صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه «2» . وعن عائشة: كانت له- صلى الله عليه وسلم خرقة ينشف بها بعد الوضوء «3» . قال الترمذى: هذا الحديث ليس بالقائم، وأبو معاذ الراوى ضعيف عند أهل الحديث.

وقد احتجم- صلى الله عليه وسلم ولم يتوضأ، ولم يزد، على غسل محاجمه «4» ، رواه الدار قطنى. وأكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ «5» . رواه البخارى ومسلم. وللنسائى: قال كان آخر الأمرين من رسول الله- صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء

(1) ضعيف: أخرجه ابن ماجه (391) فى الطهارة، باب: الرجل يستعين على وضوئه فيصب عليه، وفى إسناده حذيفة بن أبى حذيفة، لم يعرف إلا بهذا الحديث، ولذا قال عنه الحافظ فى «التقريب» (1155) : مقبول، أى: عند المتابعة.

(2)

إسناده ضعيف: أخرجه الترمذى (54) فى الطهارة، باب: ما جاء فى المنديل بعد الوضوء، وقال الألبانى فى «ضعيف سنن الترمذى» : إسناده ضعيف.

(3)

ضعيف: أخرجه الترمذى (53) فيما سبق، وقال الترمذى: حديث عائشة ليس بالقائم، ولا يصح عن النبى- صلى الله عليه وسلم فى هذا الباب شئ، وهو كما قال.

(4)

ضعيف: أخرجه الدار قطنى فى «سننه» (1/ 151، 152) وضعفه.

(5)

صحيح: أخرجه البخارى (207) فى الوضوء، باب: إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان، ومسلم (354) فى الحيض، باب: نسخ الوضوء مما مست النار، من حديث عبد الله بن عباس- رضى الله عنهما-.

ص: 174