المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر طبه ص من داء الهم والكرب بدواء التوجه إلى الرب: - المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - جـ ٣

[القسطلاني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌المقصد الثامن فى طبه ص لذوى الأمراض والعاهات وتعبيره الرؤيا وإنبائه بالأنباء المغيبات

- ‌الفصل الأول فى طبه صلى الله عليه وسلم لذوى الأمراض والعاهات

- ‌النوع الأول فى طبه ص بالأدوية الإلهية

- ‌رقية الذى يصاب بالعين:

- ‌عقوبة العائن:

- ‌ذكر رقية النبى ص التى كان يرقى بها

- ‌ذكر طبه ص من الفزع والأرق المانع من النوم:

- ‌ذكر طبه ص من حر المصيبة ببرد الرجوع إلى الله تعالى:

- ‌ذكر طبه ص من داء الهم والكرب بدواء التوجه إلى الرب:

- ‌ذكر طبه ص من داء الفقر:

- ‌ذكر طبه ص من داء الحريق:

- ‌ذكر ما كان ص يطب به من داء الصرع:

- ‌ذكر دوائه ص من داء السحر:

- ‌ذكر رقية لكل شكوى:

- ‌رقيته ص من الصداع:

- ‌رقيته ص من وجع الضرس:

- ‌رقية لعسر البول:

- ‌رقية الحمى:

- ‌ذكر ما يقى من كل بلاء:

- ‌ذكر ما يستجلب به المعافاة من سبعين بلاء:

- ‌ذكر دواء داء الطعام:

- ‌ذكر دواء أم الصبيان:

- ‌النوع الثانى طبه ص بالأدوية الطبيعية

- ‌ذكر ما كان ص يعالج به الصداع والشقيقة:

- ‌ذكر طبه ص للرمد:

- ‌ذكر طبه ص من العذرة:

- ‌ذكر طبه ص لداء استطلاق البطن

- ‌ذكر طبه ص فى يبس الطبيعة بما يمشيه ويلينه:

- ‌ذكر طبه ص للمفؤود:

- ‌ذكر طبه ص لذات الجنب:

- ‌ذكر طبه ص لداء الاستسقاء:

- ‌ذكر طبه ص من داء عرق النسا:

- ‌ذكر طبه ص من الأورام والخراجات:

- ‌ذكر طبه ص بقطع العروق والكى:

- ‌ذكر طبه ص من الطاعون:

- ‌ذكر طبه ص من السلعة

- ‌ذكر طبه ص من الحمى:

- ‌ذكر طبه ص من حكة الجسد وما يولد القمل:

- ‌ذكر طبه صلى الله عليه وسلم من السم الذى أصابه بخيبر:

- ‌النوع الثالث فى طبه ص بالأدوية المركبة من الإلهية والطبيعية

- ‌ذكر طبه ص من القرحة والجرح وكل شكوى:

- ‌ذكر طبه- ص من لدغة العقرب:

- ‌ذكر الطب من النملة:

- ‌ذكر طبه ص من البثرة:

- ‌ذكر طبه ص من حرق النار:

- ‌ذكر طبه ص بالحمية:

- ‌ذكر حمية المريض من الماء:

- ‌ذكر أمره ص بالحمية من الماء المشمس خوف البرص:

- ‌ذكر الحمية من طعام البخلاء:

- ‌ذكر الحمية من داء الكسل:

- ‌ذكر الحمية من داء البواسير:

- ‌ذكر حماية الشراب من سم أحد جناحى الذباب بانغماس الثانى:

- ‌ذكره أمره ص بالحمية من الوباء النازل فى الإناء بالليل بتغطيته:

- ‌ذكر حمية الوليد من إرضاع الحمقى:

- ‌الفصل الثانى فى تعبيره ص الرؤيا

- ‌الرؤيا الصالحة جزء من النبوة:

- ‌الفصل الثالث فى إنبائه ص بالأنباء المغيبات

- ‌المقصد التاسع فى لطيفة من عباداته

- ‌النوع الأول فى الطهارة وفيه فصول:

- ‌الفصل الأول: فى ذكر وضوئه ص وسواكه ومقدار ما كان يتوضأ به

- ‌الفصل الثانى فى وضوئه ص مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا

- ‌الفصل الثالث فى صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الرابع فى مسحه ص على الخفين

- ‌الفصل الخامس فى تيممه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل السادس فى غسله صلى الله عليه وسلم

- ‌النوع الثانى فى ذكر صلاته ص

- ‌[القسم الأول] فى الفرائض وما يتعلق بها وفيه أبواب

- ‌الباب الأول فى الصلوات الخمس وفيه فصول:

- ‌الفصل الأول فى فرضها

- ‌الفصل الثانى فى ذكر تعيين الأوقات التى صلى فيها- صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس

- ‌الفصل الثالث فى ذكر كيفية صلاته ص وفيه فروع:

- ‌الفروع الأول: فى صفة افتتاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفرع الثانى: فى ذكر قراءته ص البسملة فى أول الفاتحة

- ‌الفرع الثالث: فى ذكر قراءته ص الفاتحة وقوله آمين بعدها

- ‌الفرع الرابع: فى ذكر قراءته ص بعد الفاتحة فى صلاة الغداة

- ‌الفرع الخامس: فى ذكر قراءته- صلى الله عليه وسلم فى صلاتى الظهر والعصر

- ‌الفرع السادس: فى ذكر قراءته ص فى صلاة المغرب

- ‌الفرع السابع: فى ذكر ما كان ص يقرأ فى صلاة العشاء

- ‌الفرع الثامن: فى ذكر صفة ركوعه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفرع التاسع: فى مقدار ركوعه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفرع العاشر: فى ذكر ما كان ص يقوله فى الركوع والرفع منه

- ‌الفرع الحادى عشر: فى ذكر صفة سجوده ص وما يقول فيه

- ‌الفرع الثانى عشر: فى ذكر جلوسه ص للتشهد

- ‌الفرع الثالث عشر: فى ذكر تشهده صلى الله عليه وسلم

- ‌الفرع الرابع عشر: فى ذكر تسليمه ص من الصلاة

- ‌الفرع الخامس عشر: فى ذكر قنوته صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الرابع فى سجوده ص للسهو فى الصلاة

- ‌الفصل الخامس فيما كان ص يقوله بعد انصرافه من الصلاة وجلوسه بعدها وسرعة انفتاله بعدها

- ‌الباب الثانى فى ذكر صلاته ص الجمعة

- ‌الباب الثالث فى ذكر تهجده صلوات الله وسلامه عليه

- ‌ذكر سياق صلاته ص بالليل

- ‌الباب الرابع فى صلاته ص الوتر

- ‌الباب الخامس فى ذكر صلاته ص الضحى

- ‌القسم الثانى فى صلاته ص النوافل وأحكامها وفيه بابان:

- ‌الباب الأول فى النوافل المقرونة بالأوقات وفيه فصلان:

- ‌الفصل الأول فى رواتب الصلوات الخمس والجمعة

- ‌الفرع الأول: فى أحاديث جامعة لرواتب مشتركة

- ‌الفرع الثانى: فى ركعتى الفجر

- ‌الفرع الثالث: فى راتبة الظهر

- ‌الفرع الرابع فى سنة العصر

- ‌الفرع الخامس فى راتبة المغرب

- ‌الفرع السادس فى راتبة العشاء

- ‌الفرع السابع فى راتبة الجمعة

- ‌الفصل الثانى فى صلاته ص العيدين

- ‌الفرع الأول فى عدد الركعات

- ‌الفرع الثانى فى عدد التكبير

- ‌الفرع الثالث فى الوقت والمكان

- ‌الفرع الرابع فى الأذان والإقامة

- ‌الفرع الخامس فى قراءته ص فى صلاة العيدين

- ‌الفرع السادس فى خطبته ص وتقديمه صلاة العيدين عليها

- ‌الفرع السابع فى أكله ص يوم الفطر قبل خروجه إلى الصلاة

- ‌الباب الثانى فى النوافل المقرونة بالأسباب

- ‌الفصل الأول فى صلاته ص الكسوف

- ‌الفصل الثانى فى صلاته ص صلاة الاستسقاء

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌القسم الثالث فى ذكر صلاته ص فى السفر

- ‌الفصل الأول فى قصره ص الصلاة فيه وأحكامه

- ‌الفرع الأول فى كم كان ص يقصر الصلاة

- ‌الفرع الثانى فى القصر مع الإقامة

- ‌الفصل الثانى فى الجمع

- ‌الفرع الأول فى جمعه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثالث فى ذكر صلاته ص النوافل فى السفر

- ‌الفصل الرابع فى صلاته ص التطوع فى السفر على الدابة

- ‌القسم الرابع فى ذكر صلاته ص صلاة الخوف

- ‌القسم الخامس فى ذكر صلاته ص على الجنازة

- ‌الفرع الأول فى عدد التكبيرات

- ‌الفرع الثانى فى القراءة والدعاء

- ‌الفرع الثالث فى صلاته ص على القبر

- ‌الفرع الرابع فى صلاته ص على الغائب

- ‌النوع الثالث فى ذكر سيرته ص فى الزكاة

- ‌النوع الرابع فى ذكر صيامه صلى الله عليه وسلم

- ‌القسم الأول فى صيامه ص شهر رمضان

- ‌الفصل الأول فيما كان يخص به رمضان من العبادات وتضاعف جوده ص فيه

- ‌الفصل الثانى فى صيامه ص برؤية الهلال

- ‌الفصل الثالث فى صومه ص بشهادة العدل الواحد

- ‌الفصل الرابع فيما كان يفعله ص وهو صائم

- ‌الفصل الخامس فى وقت إفطاره ص

- ‌الفصل السادس فيما كان ص يفطر عليه

- ‌الفصل السابع فيما كان يقوله ص عند الإفطار

- ‌الفصل الثامن فى وصاله صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل التاسع فى سحوره صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل العاشر فى إفطاره ص فى رمضان فى السفر وصومه

- ‌القسم الثانى فى صومه ص غير شهر رمضان وفيه فصول

- ‌الفصل الأول فى سرده ص صوم أيام من الشهر وفطره أياما

- ‌الفصل الثانى فى صومه ص عاشوراء

- ‌الفصل الثالث فى صيامه ص شعبان

- ‌الفصل الرابع فى صومه ص عشر ذى الحجة

- ‌الفصل الخامس فى صومه ص أيام الأسبوع

- ‌الفصل السادس فى صومه ص الأيام البيض

- ‌النوع الخامس فى ذكر اعتكافه ص واجتهاده في العشر الأخير من رمضان وتحريه ليلة القدر

- ‌النوع السادس فى ذكر حجه وعمره صلى الله عليه وسلم

- ‌النوع السابع من عبادته ص فى ذكر نبذة من أدعيته وأذكاره وقراءته

- ‌المقصد العاشر

- ‌الفصل الأول فى إتمامه تعالى نعمته عليه بوفاته ونقلته إلى حظيرة قدسه لديه ص

- ‌الفصل الثانى فى زيارة قبره الشريف ومسجده المنيف

- ‌الفصل الثالث

- ‌خاتمة

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌ذكر طبه ص من داء الهم والكرب بدواء التوجه إلى الرب:

من أبلغ علاج المصاب وأنفعه له فى عاجلته وآجلته، فإنها تتضمن أصلين عظيمين، إذا تحقق العبد بمعرفتهما تسلى عن المصيبة:

أحدهما: أن العبد وأهله وماله ملك لله عز وجل حقيقة، وقد جعله الله عند العبد عارية، فإذا أخذه منه فهو كالمعير يأخذ متاعه من المستعير.

الثانى: أن مصير العبد ومرجعه إلى الله [مولاه الحق] ، ولا بد أن يخلف الدنيا وراء ظهره، ويجئ ربه فردا كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا مال ولا عشيرة، ولكن بالحسنات والسيئات، فإذا كانت هذه بداية العبد ونهايته فكيف يفرح بموجود، أو يأسى على مفقود، ففكره فى مبدئه ومعاده من أعظم علاج هذا الداء.

قال: ومن علاجه أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسى بأهل المصائب، وأنه لو فتش العالم لم ير فيه إلا مبتلى إما بفوات محبوب أو حصول مكروه، وإن سرور «1» الدنيا أحلام نوم، أو ظل زائل، إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا، وإن سرت يوما أساءت دهرا، وإن متعت قليلا منعت طويلا، وما ملأت دارا حبرة «2» إلا ملأتها عبرة، ولا سرته بيوم سرور، إلا خبأت له يوم شرور.

قال ابن مسعود: لكل فرحة ترحة، وما ملئ بيت فرحا إلا ملئ ترحا.

‌ذكر طبه ص من داء الهم والكرب بدواء التوجه إلى الرب:

عن ابن عباس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب العرش الكريم» «3» . وقوله «عند الكرب» أى عند حلول الكرب. وعند مسلم: كان يدعو بهن ويقولهن عند الكرب. وعنده أيضا:

(1) فى مطبوع «زاد المعاد» (4/ 190)(شرور) وهى هنا أصوب.

(2)

فى مطبوع «زاد المعاد» (4/ 190)(خيرة) وهى هنا أصوب.

(3)

صحيح: أخرجه البخارى (6345 و 6346) فى الدعوات، باب: الدعاء عند الكرب، ومسلم (2730) فى الذكر والدعاء، باب: دعاء الكرب.

ص: 34

(كان إذا حزبه أمر) - وهى بفتح المهملة والزاى وبالموحدة- أى هجم عليه أو غلبه.

قال الطبرى: معنى قول ابن عباس «يدعو» ، وإنما هو تهليل وتعظم، يحتمل أمرين: أحدهما، أن المراد تقديم ذلك قبل الدعاء، كما عند عبد بن حميد «كان إذا حزبه أمر قال

» فذكر الذكر المأثور، وزاد: ثم دعا. قال الطبرى: ويؤيد هذا ما روى الأعمش عن إبراهيم قال: كان يقال إذا بدأ الرجل بالثناء قبل الدعاء استجيب له، وإذا بدأ بالدعاء قبل الثناء كان على الرجاء. ثانيهما: ما أجاب به ابن عيينة وقد سئل عن الحديث الذى فيه «أكثر ما كان يدعو به النبى- صلى الله عليه وسلم بعرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له» «1» الحديث. فقال سفيان: هو ذكر وليس فيه دعاء، ولكن قال النبى- صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: من شغله ذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين «2» . وقال أمية ابن أبى الصلت فى مدح عبد الله بن جدعان:

أأذكر حاجتى أم قد كفانى

حياؤك إن شبمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوما

كفاه من تعرضك الثناء

فهذا مخلوق حين نسبه إلى الكرم اكتفى بالثناء عن السؤال، فكيف بالخالق.

ثم إن حديث ابن عباس هذا- كما قاله ابن القيم- قد اشتمل على توحيد الإلهية والربوبية ووصف الرب سبحانه بالعظمة والحلم، وهاتان الصفتان مستلزمتان لكمال القدرة والرحمة والإحسان والتجاوز، ووصفه

(1) ضعيف: وقد ورد ذلك فى حديث ضعيف أخرجه أحمد فى «المسند» (2/ 210) من حديث عبد الله بن عمرو- رضى الله عنهما-، وقال الألبانى فى «ضعيف الجامع» (4464) : ضعيف.

(2)

ضعيف: أخرجه الترمذى (2926) فى فضائل القرآن، باب: رقم (24) ، والدارمى فى «سننه» (3356) ، من حديث أبى سعيد الخدرى- رضى الله عنه-، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن الترمذى» .

ص: 35

بكمال ربوبيته الشاملة للعالم العلوى والسفلى والعرش الذى هو سقف المخلوقات وأعظمها، والربوبية التامة تستلزم توحيده، وأنه الذى لا تنبغى العبادة والحب والخوف والرجاء والإجلال والطاعة إلا له، وعظمته المطلقة تستلزم إثبات كل كمال له، وسلب كل نقص وتمثيل عنه، وحلمه يستلزم كمال رحمته وإحسانه إلى خلقه. فعلم القلب ومعرفته بذلك توجب محبته وإجلاله وتوحيده، فيحصل له من الابتهاج واللذة والسرور ما يدفع عنه ألم الكرب والهم والغم، وأنت تجد المريض إذا ورد عليه ما يسره ويفرحه ويقوى نفسه، كيف تقوى الطبيعة على دفع المرض الحسى، فحصول هذا الشفاء للقلب أولى وأحرى. ثم إذا قابلت بين ضيق الكرب وسعة هذه الأوصاف التى تضمنها هذا الحديث وجدته فى غاية المناسبة لتفريج هذا الضيق، وخرج القلب منه إلى سعة البهجة والسرور. وإنما يصدق هذه الأمور من أشرقت فيه أنوارها وباشر قلبه حقائقها.

قال ابن بطال حدثنى أبو بكر الرازى قال: كنت بأصبهان عند أبى نعيم فقال له شيخ: إن أبا بكر بن على قد سعى به إلى السلطان فسجن، فرأيت النبى- صلى الله عليه وسلم فى المنام وجبريل عن يمينه يحرك شفتيه بالتسبيح لا يفتر، فقال لى النبى- صلى الله عليه وسلم قل لأبى بكر بن على يدعو بدعاء الكرب الذى فى صحيح البخارى «1» حتى يفرج الله عنه، قال: فأصبحت فأخبرته فدعا به، فلم يمكث إلا قليلا حتى أخرج.

وفى حديث على عند النسائى وصححه الحاكم: لقننى رسول الله- صلى الله عليه وسلم هذه الكلمات وأمرنى إن نزل بى كرب أو شدة أن أقولها: «لا إله إلا الله الكريم العظيم، سبحان الله تبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين» وفى لفظ: «الحليم الكريم» فى الأولى، وفى لفظ لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليم العلى العظيم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له

(1) هو حديث ابن عباس المتقدم قبل قليل.

ص: 36

الحليم الكريم، وفى لفظ لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحانه، تبارك وتعالى رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين «1» . أخرجها كلها النسائى.

وروى الترمذى عن أبى هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه أمر رفع طرفه إلى السماء فقال: «سبحان الله العظيم» وإذا اجتهد فى الدعاء قال:

«يا حى يا قيوم» «2» وعنده أيضا من حديث أنس: أنه- صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر قال: «يا حى يا قيوم، بك أستغيث» «3» .

قال العلامة ابن القيم: وفى تأثير قوله: «يا حى يا قيوم برحمتك أستغيث» فى دفع هذا الداء مناسبة بديعة، فإن صفة «الحياة» متضمنة لجميع صفات الكمال مستلزمة لها، وصفة «القيومية» متضمنة لجميع صفات الأفعال. ولهذا كان اسم الله الأعظم الذى إذا دعى به أجاب، وإذا سئل به أعطى هو اسم الحى القيوم، والحياة التامة تضاد جميع الآلام والأسقام، ولهذا لما كملت حياة أهل الجنة لم يلحقها هم ولا غم ولا حزن ولا شئ من الآفات. فالتوسل بصفة «الحياة والقيومية» له تأثير فى إزالة ما يضاد الحياة ويضر بالأفعال. فلهذا الاسم «الحى القيوم» تأثير عظيم خاص فى إجابة الدعوات وكشف الكربات. ولهذا كان- صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد فى الدعاء قال: يا حى يا قيوم.

وروى أبو داود عن أبى بكر الصديق- رضى الله عنه-، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: «دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلنى إلى نفسى طرفة

(1) صحيح: أخرجه النسائى فى «الكبرى» (7673 و 7677 و 7678 و 8410- 8415 و 10463- 10482)، والحاكم فى «المستدرك» (1/ 688 و 689) و (3/ 149) وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين. اهـ. قلت: وهو فى الصحيحين بنحوه، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-.

(2)

ضعيف جدّا: أخرجه الترمذى (3436) فى الدعوات، باب: ما جاء ما يقول عند الكرب، وقال الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن الترمذى» : ضعيف جدّا.

(3)

ضعيف: أخرجه الترمذى (3524) فى الدعوات، والنسائى فى «الكبرى» (7682 و 7683 و 10448) ، وأبو يعلى فى «مسنده» (6545) بسند ضعيف.

ص: 37

عين، وأصلح لى شأنى كله، لا إله إلا أنت» «1» . وفى هذا الدعاء- كما قاله فى زاد المعاد- من تحقيق الرجاء لمن الخير كله بيده، والاعتماد عليه وحده، وتفويض الأمر إليه والتضرع إليه أن يتولى إصلاح شأنه ولا يكله إلى نفسه، والتوسل إليه بتوحيده، مما له تأثير فى دفع هذا الداء. وكذا قوله فى حديث أسماء بنت عميس عند أبى داود أيضا مرفوعا:«كلمات الكرب: الله ربى لا أشرك به شيئا» «2» .

وفى مسند الإمام أحمد من حديث ابن مسعود عن النبى- صلى الله عليه وسلم قال:

ما أصاب عبدا همّ ولا حزن فقال: «اللهم إنى عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتى بيدك، ماض فىّ حكمك عدل فىّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته فى كتابك أو أعلمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به فى علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبى، ونور صدرى، وجلاء حزنى، وذهاب همى، إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرحا» «3» .

وإنما كان هذا الدعاء بهذه المنزلة لاشتماله على الاعتراف بعبودية الداعى وعبودية آبائه وأمهاته، وأن ناصيته بيده، يصرفها كيف يشاء، وإثبات القدر، وأن أحكام الرب نافذة فى عبده، ماضية فيه، لا انفكاك له عنها، ولا حيلة له فى دفعها، وأنه سبحانه وتعالى عدل فى هذه الأحكام غير ظالم لعبده، ثم

(1) حسن: أخرجه أبو داود (5090) فى الأدب، باب: ما يقول إذا أصبح، وأحمد فى «مسنده» (5/ 42) ، والبخارى فى «الأدب المفرد» (701) بسند حسنه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» والحديث من طريق عبد الرحمن بن أبى بكرة عن أبى فلعل بكرة تصحفت عنده لبكر ثم أضاف من أضاف من عنده الصديق باعتباره أبى بكر الصديق، ولعل ذلك نتيجة نقله من الإمام ابن القيم فى «زاد المعاد» حيث وقع فى نفس الوهم- رحمهما الله-.

(2)

صحيح: أخرجه أبو داود (1525) فى الصلاة، باب: فى الاستغفار، والنسائى فى «الكبرى» (10484) ، وابن ماجه (2882) فى الدعاء، باب: الدعاء عند الكرب، بسند صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .

(3)

صحيح: وقد تقدم.

ص: 38

توسله بأسماء الرب تعالى التى سمى بها نفسه، ما علم العباد منها، وما لم يعلموا، ومنها ما استأثر به فى علم الغيب عنده، فلم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيّا مرسلا، وهذه الوسيلة أعظم الوسائل وأحبها إلى الله، وأقربها تحصيلا للمطلوب، ثم سؤاله أن يجعل القرآن لقلبه ربيعا، أى كالربيع الذى يرتع فيه الحيوان، وأن يجعله لصدره كالنور الذى هو مادة الحياة، وبه يتم معاش العباد وأن يجعله شفاء همه وغمه فيكون بمنزلة الدواء الذى يستأصل الداء، ويعيد البدن إلى صحته واعتداله، وأن يجعله لحزنه كالجلاء الذى يجلو الطبوع «1» والأصدية، فإذا صدق العليل فى استعما لهذا الدواء أعقبه شفاء تامّا.

وفى سنن أبى داود، عن أبى سعيد الخدرى قال: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال:«يا أبا أمامة ما لى أراك فى المسجد فى غير وقت الصلاة» فقال: هموم لزمتنى وديون يا رسول الله، فقال:«ألا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك، وقضى دينك» قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال:«قل إذا أصبحت وإذا أمسيت، اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال» قال: ففعلت ذلك فأذهب الله همى، وقضى دينى «2» .

وقد تضمن هذا الحديث الاستعاذة من ثمانية أشياء، كل اثنين منها قرينان مزدوجان: فالهم والحزن أخوان، والجبن والبخل أخوان، والعجز والكسل أخوان وضلع الدين وغلبة الرجال أخوان، فحصلت الاستعاذة من كل شر.

(1) الطبوع: جمع طبع، وهى السجية التى جبل عليها الإنسان، كما تأتى بمعنى الدنس والصدأ، ولعلها المقصودة هنا.

(2)

ضعيف: أخرجه أبو داود (1555) فى الصلاة، باب: فى الاستعاذة وفى إسناده غسان بن عوف، هو البصرى، قال عنه الحافظ فى «التقريب» : لين الحديث، ولذا ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن أبى داود» .

ص: 39

وفى سنن أبى داود- أيضا- عن ابن عباس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب» «1» . وإنما كان الاستغفار له تأثيرا فى دفع الهم والضيق لأنه قد اتفق أهل الملل وعقلاء كل ملة على أن المعاصى والفساد يوجبان الهم والغم والحزن وضيق الصدر وأمراض القلب، وإذا كان هذا تأثير الذنوب والآثام فى القلوب فلا دواء لها إلا التوبة والاستغفار.

وعن ابن عباس عن النبى- صلى الله عليه وسلم: «من كثرت همومه فليكثر من قول:

لا حول ولا قوة إلا بالله» . وثبت فى الصحيحين أنها كنز من كنوز الجنة «2» ، وفى الترمذى: أنها باب من أبواب الجنة «3» ، وفى بعض الآثار: أنه ما ينزل ملك من السماء ولا يصعد إلا بلا حول ولا قوة إلا بالله.

وروى الطبرانى من حديث أبى هريرة: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: «ما كربنى أمر إلا تمثل لى جبريل فقال لى: يا محمد قل توكلت على الحى الذى لا يموت، والحمد لله الذى لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك فى الملك، ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيرا» . وفى كتاب ابن السنى من حديث أبى قتادة عن النبى- صلى الله عليه وسلم: «من قرأ آية الكرسى وخواتيم سورة البقرة عند

(1) ضعيف: أخرجه أبو داود (1518) فى الصلاة، باب: فى الاستغفار، وابن ماجه (3819) في الأدب، باب: الاستغفار وأحمد فى «المسند» (1/ 248) ، والحاكم فى «المستدرك» (4/ 291) ، بسند فيه الحكم بن مصعب، قال عنه الحافظ ابن حجر فى «التقريب» مجهول، وهو كما قال، وليس له إلا حديثين أحدهما ليس له أصل، والثانى مثله بهذا اللفظ، والراوى عنه الوليد بن مسلم، وهو ما فيه.

(2)

صحيح: والحديث أخرجه البخارى (6384) فى الدعوات، باب: الدعاء إذا علا عقبة، ومسلم (2704) فى الذكر والدعاء، باب: استحباب خفض الصوت بالذكر، من حديث أبى موسى الأشعرى- رضى الله عنه-.

(3)

صحيح: أخرجه الترمذى (3581) فى الدعوات، باب: فى فضل لا حول ولا قوة إلا بالله، وأحمد فى «المسند» (3/ 422) ، والحاكم فى «المستدرك» (4/ 323) من حديث سعد بن عباد، - رضى الله عنه-، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. اهـ. وكذا صححه الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .

ص: 40

الكرب أغاثه الله عز وجل» . وعنده- أيضا- من حديث سعد بن أبى وقاص، قال: قال- صلى الله عليه وسلم: «إنى لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه، كلمة أخى يونس: فنادى فى الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين» «1» . وعند الترمذى: «لم يدع بها رجل مسلم فى شئ قط إلا استجيب له» «2» .

وروى الديلمى فى مسند الفردوس، عن جعفر بن محمد- يعنى الصادق- قال: حدثنى أبى عن جدى أنه- صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر دعا بهذا الدعاء: «اللهم احرسنى بعينك التى لا تنام، واكنفنى بكنفك الذى لا يرام، وارحمنى بقدرتك على فلا أهلك وأنت رجائى، فكم من نعمة أنعمت بها على قلّ لك بها شكرى، وكم من بلية ابتليتنى بها قلّ لك بها صبرى، فينا من قلّ عند نعمته شكرى فلم يحرمنى، ويا من قلّ عند بليته صبرى فلم يخذلنى، ويا من رآنى على الخطايا فلم يفضحنى، يا ذا المعروف الذى لا ينقضى أبدا، ويا ذا النعمة التى لا تحصى عددا، أسألك أن تصلى على محمد وعلى آل محمد وبك أدرأ فى نحور الأعداء والجبارين، اللهم أعنى على دينى بالدنيا، وعلى آخرتى بالتقوى واحفظنى فيما غبت عنه، ولا تكلنى إلى نفسى فيما حظرته على، يا من لا تضره الذنوب، ولا ينقصه العفو، هب لى ما لا ينقصك، واغفر لى ما لا يضرك، إنك أنت الوهاب، أسألك فرجا قريبا وصبرا جميلا، ورزقا واسعا، والعافية من البلايا، وشكر العافية- وفى رواية: وأسألك الشكر على العافية- وأسألك الغنى عن الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

(1) رجاله ثقات: ذكره الهيثمى فى «المجمع» (7/ 68) وقال: رواه أحمد ورجال رجال الصحيح غير إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبى وقاص وهو ثقة.

(2)

صحيح: أخرجه الترمذى (3505) فى الدعوات، باب: رقم (85) ، والحاكم فى «المستدرك» (1/ 684 و 685) و (2/ 637 و 639) والحديث صححه الألبانى فى «صحيح الجامع» (3383) .

ص: 41