الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولولا ضعف الضعيف، وسقم السقيم لآخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل» «1» . وفى حديث أبى هريرة:«لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه» «2» ، صححه الترمذى.
فعلى هذا: من وجد به قوة على تأخيرها ولم يغلبه النوم، ولم يشق على أحد من المأمورين فالتأخير فى حقه أفضل. وقد قرر النووى ذلك فى شرح مسلم، وهو اختيار كثير من أهل الحديث من الشافعية وغيرهم. وقال الطحاوى: يستحب إلى الثلث، وبه قال مالك وأحمد وأكثر الصحابة والتابعين، وهو قول الشافعى فى الجديد.
وقال فى القديم: التعجيل أفضل. وكذا قال فى «الإملاء» وصححه النووى فى جماعة، وقالوا: إنه مما يفتى به على القديم. وتعقب: بأنه ذكره فى «الإملاء» وهو من كتبه الجديدة. والمختار من حيث الدليل أفضلية التأخير، قاله فى فتح البارى.
الفصل الثالث فى ذكر كيفية صلاته ص وفيه فروع:
الفروع الأول: فى صفة افتتاحه صلى الله عليه وسلم
روى أبو داود أنه- عليه الصلاة والسلام سمع بلالا يقيم الصلاة، فلما قال: قد قامت الصلاة، قال:«أقامها الله وأدامها» «3» . وكان- صلى الله عليه وسلم
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (422) في الصلاة، باب: فى وقت العشاء الآخرة، والحديث صححه الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
(2)
صحيح: أخرجه الترمذى (167) فى الصلاة، باب: ما جاء فى تأخير صلاة العشاء الآخرة، وقال الترمذى: حديث حسن صحيح، وهو كما قال.
(3)
ضعيف: أخرجه أبو داود (528) فى الصلاة، باب: ما يقول إذا سمع الإقامة، والبيهقى فى «الكبرى» (1/ 411) من حديث أبى أمامة أو بعض أصحاب النبى- صلى الله عليه وسلم، بسند فيه محمد بن ثابت العبدى، ضعيف الحديث، وشهر بن حوشب وقد تكلم فيه غير واحد، وكذا الرجل الذى بينهما مجهول، وانظر «الإرواء» (241) .
يفتتح الصلاة بالتكبير. رواه عبد الرزاق من حديث عائشة. وروى البخارى عن ابن عمر قال: رأيت النبى- صلى الله عليه وسلم افتتح التكبير فى الصلاة «1» .
واستدل بهما على تعيين لفظ «التكبير» دون غيره من ألفاظ التعظيم، وهو قول الجمهور، ووافقهم أبو يوسف. وعن الحنفية: تنعقد بكل لفظ يقصد به التعظيم. وقد روى البزار بإسناد صحيح، على شرط مسلم، عن على أن النبى- صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال:«الله أكبر» .
ولأحمد والنسائى من طريق واسع بن حبان أنه سأل ابن عمر عن صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم فقال: الله أكبر كلما وضع ورفع «2» . وليعلم أن تكبيرة الإحرام ركن عند الجمهور، وقيل شرط، وهو مذهب الحنفية، ووجه عند الشافعية، وقيل سنة، قال ابن المنذر: ولم يقل به أحد غير الزهرى.
ولم يختلف أحد فى إيجاب النية فى الصلاة. قال البخارى- فى أواخر الإيمان-: باب ما جاء فى قوله- صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنية، فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة «3» .
وقال ابن القيم فى الهدى النبوى: كان- صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال:
الله أكبر، ولم يقل شيئا قبلها، ولا تلفظ بالنية، ولا قال: أصلى صلاة كذا مستقبل القبلة أربع ركعات إماما أو مأموما، ولا أداء ولا قضاء، ولا فرض الوقت. قال: وهذه عشر بدع لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولا مرسل لفظة واحدة البتة، بل ولا عن أحد من الصحابة، ولا استحبه أحد من التابعين، ولا الأئمة الأربعة. وقال الشافعى:
«إنها ليست كالصيام فلا يدخل أحد فيها إلا بذكر» أى تكبيرة الإحرام ليس إلا، وكيف يستحب الشافعى أمرا لم يفعله- صلى الله عليه وسلم فى صلاة واحدة، ولا أحد من أصحابه. انتهى.
(1) صحيح: أخرجه البخارى (739) فى الأذان، باب: رفع اليدين إذا قام من الركعتين.
(2)
صحيح: أخرجه النسائى (3/ 62) فى السهو، باب: كيف السلام على اليمين، وأحمد فى «المسند» (2/ 71 و 152) ، والحديث صححه الألبانى فى «صحيح سنن النسائى» .
(3)
انظر الباب رقم (39) ، من كتاب الإيمان.
وعبارة الشافعى فى كتاب المناسك: «ولو نوى الإحرام بقلبه، ولم يلب أجزأة، وليس كالصلاة، لأن فى أولها نطقا واجبا» ، هذا نصه. وقد قال الشيخ أبو على السنجى فى شرح التلخيص، وابن الرفعة فى المطلب، والزركشى فى الديباج وغيرهم: إنما أراد الشافعى بذلك تكبيرة الإحرام فقط، انتهى.
وبالجملة: فلم ينقل أحد أنه- صلى الله عليه وسلم تلفظ بالنية، ولا علّم أحدا من أصحابه التلفظ بها، ولا أقره على ذلك. بل المنقول عنه فى السنن أنه قال:
«مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» «1» . وفى الصحيحين أنه- صلى الله عليه وسلم لما علم المسئ صلاته قال له: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن» »
فلم يأمره بالتلفظ بشئ قبل التكبير. نعم اختلف العلماء فى التلفظ بها:
فقال قائلون: هو بدعة لأنه لم ينقل فعله.
وقال آخرون: هو مستحب، لأنه عون على استحضار النية القلبية، وعبادة للسان، كما أنه عبودية للقلب، والأفعال المعنوية عبودية الجوارح.
وبنحو ذلك أجاب الشيخ تقى الدين السبكى والحافظ عماد الدين بن كثير.
وأطنب ابن القيم- فى غير الهدى- فى رد الاستحباب، وأكثر فى الاستدلال بما فى ذكره طول يخرجنا عن المقصود، لا سيما والذى استقر عليه أصحابنا استحباب النطق بها.
وقاسه بعضهم على ما فى الصحيحين، من حديث أنس: أنه سمع
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (61) فى الطهارة، باب: فرض الوضوء، والترمذى (3) فى الطهارة، باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور، وابن ماجه (275) فى الطهارة، باب: مفتاح الصلاة الطهور، وأحمد فى «المسند» (3/ 203) من حديث على- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «الإرواء» (301) .
(2)
صحيح: وحديث المسئ صلاته عند البخارى (757) فى الأذان، باب: وجوب القراءة للإمام المأموم، وأطرافه (793 و 6251 و 6667) ، ومسلم (397) فى الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة فى كل ركعة، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.
النبى- صلى الله عليه وسلم يلبى بالحج والعمرة جميعا، يقول:«لبيك عمرة وحجّا» «1» وفى البخارى من حديث عمر: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم يقول- وهو بوادى العقيق-: «أتانى الليلة آت من ربى فقال: صل فى هذا الوادى المبارك وقل:
عمرة فى حجة» «2» . وهذا تصريح باللفظ، والحكم كما يثبت بالنص يثبت بالقياس.
ولكن تعقب هذا بأنه- صلى الله عليه وسلم قال ذلك فى ابتداء إحرامه تعليما للصحابة ما يهلون به ويقصدونه من النسك، وامتثالا للأمر الذى جاءه من ربه تعالى فى ذلك الوادى، ولقد صلى- صلى الله عليه وسلم أكثر من ثلاثين ألف صلاة فلم ينقل عنه أنه قال: نويت أصلى صلاة كذا وكذا، وتركه سنة، كما أن فعله سنة، فليس لنا أن نسوى بين ما فعله وتركه، فنأتى من القول فى الموضع الذى تركه بنظير ما أتى به فى الموضع الذى فعله، والفرق بين الحج والصلاة أظهر من أن يقاس أحدهما على الآخر. انتهى ما قاله هذا المتعقب فليتأمل.
وكان- صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، ثم يكبر، فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك، فإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك.
وفى رواية: وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضا، وقال:
«سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد» . وفى أخرى: نحوه وقال: ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع من السجود «3» . رواه البخارى ومسلم.
(1) صحيح: أخرجه البخارى (1551) فى الحج، باب: التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإحلال، ومسلم (1251) فى الحج، باب: إحلال النبى- صلى الله عليه وسلم وهديه، واللفظ له.
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (1534) فى الحج، باب: قول النبى- صلى الله عليه وسلم: «العقيق واد مبارك» .
(3)
صحيح: أخرجه البخارى (735) فى الأذان، باب: رفع اليدين فى التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء، وأطرافه (736 و 738 و 739) ، ومسلم (390) فى الصلاة، باب: استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع، من حديث ابن عمر- رضى الله عنهما-.
وعند أبى داود من حديث علقمة: كان- صلى الله عليه وسلم إذا قام من سجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذى بهما منكبيه، كما صنع حين افتتح «1» . وهو قطعة من حديث رواه أيضا الترمذى. وكان يكبر فى كل خفض ورفع. رواه مالك.
وقال النووى: أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، واختلفوا فيما سواها: فقال الشافعى وأحمد وجمهور العلماء من الصحابة: يستحب أيضا رفعهما عند الركوع، وعند الرفع منه. وهو رواية عن مالك. وللشافعى قول: أنه يستحب رفعهما فى موضع رابع وهو: إذا قام من التشهد الأول. وهذا القول هو الصواب، فقد صح فيه حديث ابن عمر عنه- صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله «2» . رواه البخارى.
وكان- صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى «3» ، رواه أبو داود.
ومذهب الشافعى والأكثرين: أن المصلى إذا وضع يديه حطهما تحت صدره فوق سرته. وقال أبو حنيفة وبعض الشافعية: تحت سرته.
وكان- صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبير والقراءة إسكاتة، فقال له أبو هريرة:
يا رسول الله، بأبى أنت وأمى، إسكاتتك بين التكبير وبين القراءة ما تقول؟
قال: «أقول اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقنى من خطاياى كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياى بالماء والثلج والبرد» «4» . رواه البخارى ومسلم.
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (730) فى الصلاة، باب: افتتاح الصلاة، والترمذى (304) فى الصلاة، باب: منه، من حديث أبى حميد الساعدى- رضى الله عنه-، ولم أقف على حديث علقمة، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
(2)
صحيح: وقد تقدم حديث ابن عمر قبل حديث.
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (401) فى الصلاة، باب: وضع اليد اليمنى على اليسرى، وأبو داود (723) فى الصلاة، باب: رفع اليدين فى الصلاة، وأطرافه (726 و 727 و 957) من حديث وائل بن حجر- رضى الله عنه-
(4)
صحيح: أخرجه البخارى (744) فى الأذان، باب: ما يقول بعد التكبير، ومسلم (598) فى المساجد، باب: ما يقال بعد تكبيرة الإحرام.
وعن على: كان- صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة- وفى رواية: إذا افتتح الصلاة- كبر، ثم قال:«وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربى وأنا عبدك، ظلمت نفسى، واعترفت بذنبى فاغفر لى ذنوبى جميعا، لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدنى لأحسن الأخلاق، لا يهدى لأحسنها إلا أنت، واصرف عنى سيئها، لا يصرف عنى سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله فى يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك» «1» ، الحديث رواه مسلم.
وعن عائشة: كان- صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك» «2» . رواه الترمذى وأبو داود.
وعن جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم يصلى صلاة قال: «الله أكبر كبيرا ثلاث مرات «3» ، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا،
(1) صحيح: أخرجه مسلم (771) فى صلاة المسافرين، باب: الدعاء فى صلاة الليل وقيامه.
(2)
أخرجه أبو داود (776) فى الصلاة، باب: من رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك، والترمذى (243) فى الصلاة، باب: ما يقول عند افتتاح الصلاة، وابن ماجه (806) فى إقامة الصلاة، باب: افتتاح الصلاة، بسند رجاله ثقات إلا أنه منقطع حيث إن الراوى عن عائشة أبو الجوزاء، لم يسمع منها شيئا على الراجح، وهو عند مسلم (399) فى الصلاة، باب: حجة من قال لا يجهر بالبسملة، عن عمر موقوفا عليه، إلا أن الراوى عنه عبدة بن أبى لبابة، لا يعرف له سماع عنه أيضا، وإنما سمع من ابنه عبد الله بن عمر، ويقال رأى عمر رؤية، ولذلك قال الشوكانى فى «النيل» (2/ 280) : ولا يخفى أن ما صح عن النبى- صلى الله عليه وسلم أولى بالإيثار والاختيار. وأصح ما روى فى الاستفتاح حديث أبى هريرة المتقدم ثم حديث على، وأما حديث عائشة فقد عرفت ما فيه من المقال. ا. هـ.
(3)
زيادة من مصدر التخريج.