الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عروق عينيه، ويصرح بالتكبير كأنه يكبر على العدو ومنهم من يغسل عضوه غسلا يشاهده ويبصره، ويكبر ويقرأ بلسانه، ويسمع بأذنه، ويعلمه بقلبه، ومع ذلك يصدق الشيطان فى إنكاره يقين نفسه وجحده لما رآه ببصره، وسمعه بأذنه.
وقد سأل رجل أبا الوفاء بن عقيل فقال: إنى أكبر وأقول ما كبرت، وأغسل العضو فى الوضوء وأقول ما غسلته، فقال ابن عقيل: دع الصلاة فإنها لا تجب عليك، فقال له: كيف ذلك؟ فقال لأن النبى- صلى الله عليه وسلم قال:
«رفع القلم عن المجنون حتى يفيق» «1» ، ومن يكبر ثم يقول ما كبرت فليس بعاقل، والمجنون لا تجب عليه الصلاة.
فمن أراد التخلص من هذه البلية فليتبع سنة نبيه- صلى الله عليه وسلم السنية، ويقتدى بملته الحنيفية، فإن غلبه الأمر وضاقت عليه المسالك فليتضرع إلى الله ويبتهل إليه فى كشف ذلك.
الفرع الخامس عشر: فى ذكر قنوته صلى الله عليه وسلم
ليعلم أن القنوت يطلق على القيام، والسكوت، ودوام العبادة، والدعاء والتسبيح، والخضوع. كما قال تعالى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ «2» وقال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً «3» الآية.
وقال تعالى: وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ «4» . والمراد به هنا: الدعاء فى محل مخصوص من القيام.
(1) صحيح: وهو جزء من حديث أخرجه أبو داود (4399) فى الحدود، باب: فى المجنون يسرق أو يسب أحدا من حديث على بن أبى طالب- رضى الله عنه- والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
(2)
سورة الروم: 26.
(3)
سورة الزمر: 9.
(4)
سورة التحريم: 12.
وعن أنس قال: بعث النبى- صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا يقال لهم القراء، فعرض لهم حيان من سليم، رعل وذكوان، عند بئر يقال لها بئر معونة فقتلوهم، فدعا عليهم النبى- صلى الله عليه وسلم شهرا فى صلاة الغداة، وذلك بدء القنوت، وما كنا نقنت، قال عبد العزيز بن صهيب: فسأل رجل أنسا عن القنوت أبعد الركوع أو عند فراغ القراءة؟ قال: بل عند فراغ القراءة «1» .
وفى أخرى: قنت شهرا بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب «2» وفيأخرى قنت شهرا بعد الركوع في الصلاة الصبح يدعو على رعل وذكوان، ويقول:«عصية عصت الله ورسوله» «3» .
وفى أخرى: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم سرية يقال لهم: «القراء» فأصيبوا، فما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم وجد على شئ ما وجد عليهم.
فقنت شهرا فى صلاة الفجر «4» . هذه روايات البخارى ومسلم.
وللبخارى: كان القنوت فى المغرب والفجر «5» . وفى رواية أبى داود والنسائى: قنت فى صلاة الصبح بعد الركوع «6» ، وفى أخرى: قنت شهرا ثم تركه «7» . وفى أخرى للنسائى: قنت شهرا يلعن رعلا وذكوان ولحيان «8» .
(1) صحيح: أخرجه البخارى (4088) فى المغازى، باب: غزوة الرجيع، من حديث أنس- رضى الله عنه-.
(2)
صحيح: أخرجه أحمد (3/ 184) والنسائى (2/ 203) فى التطبيق باب: اللعن فى القنوت من حديث أنس- رضى الله عنه- والحديث صححه الألبانى فى «صحيح النسائى» .
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (677) فى المساجد، باب: استحباب القنوت فى جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة، والنسائى (2/ 200) فى التطبيق، باب: القنوت بعد الركوع.
(4)
صحيح: أخرجه البخارى (6394) فى الدعوات، باب: الدعاء على المشركين، وانظر ما قبله.
(5)
صحيح: أخرجه البخارى (798) فى الأذان، باب: فضل اللهم ربنا لك الحمد، وانظر ما قبله.
(6)
تقدم.
(7)
صحيح: أخرجه أبو داود (1445) فى الصلاة، باب: القنوت فى الصلاة من حديث أنس وقد تقدم. والحديث صححه الألبانى فى «صحيح: سنن أبى داود» .
(8)
تقدم.
وعن ابن عباس: قنت- صلى الله عليه وسلم شهرا متتابعا، فى الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح، فى دبر كل صلاة، إذا قال «سمع الله لمن حمده» من الركعة الأخيرة، يدعو على أحياء من سليم، على رعل وذكوان وعصية، ويؤمن من خلفه «1» . رواه أبو داود.
وعن ابن عمر: أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع فى الركعة الأخيرة من الفجر يقول: «اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا» ، بعد ما يقول:«سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد» فأنزل الله عليه لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، إلى قوله: فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ «2» «3» رواه البخارى.
وعن أبى هريرة: لما رفع- صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة الثانية، قال:«اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبى ربيعة والمستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف» «4» . وفى رواية: فى صلاة الفجر «5» . وفى رواية: ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل الله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ «6» «7» رواه البخارى ومسلم.
وعن البراء: كان- صلى الله عليه وسلم يقنت فى الصبح والمغرب «8» . رواه مسلم
(1) ضعيف منكر: أخرجه أبو داود (1231) فى الصلاة، باب القنوت فى الصلوات، وقال الألبانى: ضعيف منكر.
(2)
سورة آل عمران: 128.
(3)
صحيح: أخرجه البخارى (3762) فى المغازى، باب: ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم، من حديث ابن عمر- رضى الله عنهما-.
(4)
صحيح: أخرجه البخارى (4194) فى التفسير، باب: ليس لك من الأمر شئ من حديث أبى هريرة.
(5)
تقدم قبله.
(6)
سورة آل عمران: 128.
(7)
تقدم.
(8)
تقدم فى الذى قبله.
والترمذى. ولأبى داود: فى صلاة الصبح ولم يذكر المغرب «1» . وعن أبى مالك الأشجعى قال: قلت لأبى: يا أبت، قد صليت خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وعلى بن أبى طالب- هاهنا بالكوفة خمس سنين- أكانوا يقنتون؟ قال: أى بنى، محدث «2» . رواه الترمذى. وعن سعيد ابن جبير قال: أشهد أنى سمعت ابن عباس يقول: إن القنوت فى صلاة الفجر بدعة. رواه الدار قطنى «3» .
قال بعض العلماء «4» : والصواب أنه- صلى الله عليه وسلم قنت وترك، وكان تركه للقنوت أكثر من فعله، فإنه إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم، والدعاء على آخرين، ثم تركه لما قدم من دعا لهم وخلصوا من الأسر وأسلم من دعا عليهم فجاؤا تائبين، وكان قنوته لعارض. فلما زال العارض ترك القنوت.
ولم يكن مختصّا بالفجر، بل كان يقنت فى صلاة الفجر والمغرب، ذكره البخارى فى صحيحه عن أنس، وذكره مسلم عن البراء، وصح عن أبى هريرة أنه قال: والله لأنا أقربكم صلاة من صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم إنه كان يقنت فى الركعة الأخيرة من الصبح بعد ما يقول: «سمع الله لمن حمده» «5» ،
(1) ضعيف: قال أبو داود (1229) فى الصلاة، باب: القنوت فى الصلوات، حدثنا أبو الوليد ومسلم بن إبراهيم وحفص بن عمر، وحدثنا ابن معاذ حدثنى أبى قالوا كلهم حدثنا شعبة عن عمرو بن مرّة عن ابن أبى ليلى عن البراء أن النبى- صلى الله عليه وسلم كان يقنت فى صلاة الصبح زاد ابن معاذ وصلاة المغرب. والحديث ضعفه الألبانى فى «ضعيف سنن أبى داود» .
(2)
ضعيف: أخرجه الترمذى (244) فى الصلاة، باب: ما جاء فى ترك القنوت من حديث أبى مالك الأشجعى عن أبيه- رضى الله عنه-. والحديث ضعفه الألبانى فى «ضعيف سنن أبى داود» .
(2)
ضعيف أخرجه الترمذى (244) فى الصلاة، باب: ما جاء فى ترك القنوت من حديث أبى مالك الأشجعى عن أبيه- رضى الله عنه-. والحديث ضعفه الألبانى فى «ضعيف سنن أبى داود» .
(3)
أخرجه البيهقى فى «الكبرى» (2/ 213) وقال: إنه لا يصح وأبو ليلى الكوفى متروك وقد روينا عن ابن عباس أنه قنت فى صلاة الصبح.
(4)
هو ابن القيم- رحمه الله تعالى- ذكر ذلك فى «زاد المعاد» (1/ 272) تحت فصل ذكر فيه هديه- صلى الله عليه وسلم فى الصلاة.
(5)
صحيح: أخرجه البخارى (689) فى الأذان، باب: اللهم ربنا لك الحمد، ومسلم (392) فى الصلاة، باب: إتيان التكبير فى كل خفض ورفع فى الصلاة إلا رفعه من الركوع فيقول سمع الله لمن حمده.
وقال ابن أبى فديك: ولا ريب أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ثم تركه.
فهذا رد على القائل بكراهة القنوت فى الفجر مطلقا عند النوازل وغيرها ويقولون هو منسوخ وفعله بدعة.
وأهل الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه، ويقولون فعله سنة، وتركه سنة، ولا ينكرون على من داوم عليه، ولا يكرهون فعله، ولا يرونه بدعة، ولا فاعله مخالفا للسنة، من قنت فقد أحسن ومن ترك فقد أحسن. انتهى. ومذهب الشافعى- رحمه الله تعالى- أن القنوت مشروع فى صلاة الصبح دائما، فى الاعتدال من ثانية صلاة الصبح، لما رواه أنس: ما زال رسول الله- صلى الله عليه وسلم يقنت فى الفجر حتى فارق الدنيا «1» . رواه أحمد وغيره.
قال ابن الصلاح: قد حكم بصحته غير واحد من الحفاظ، منهم الحاكم والبيهقى وأبو عبد الله محمد بن على البلخى، وفى البيهقى العمل بمقتضاه عن الخلفاء الأربعة.
وقال بعضهم: أجمعوا على أنه- صلى الله عليه وسلم قنت فى الصبح، ثم اختلفوا:
هل تركه؟ فيتمسك بما أجمعوا عليه حتى يثبت ما اختلفوا فيه. انتهى.
وأما حديث ابن أبى فديك عن عبد الله بن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبيه عن أبى هريرة قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع فى الركعة الثانية من صلاة الصبح يرفع يديه ويدعو بهذا الدعاء: «اللهم اهدنى فيمن هديت» إلخ
…
فقال ابن القيم- فى زاد المعاد- ما أبين الاحتجاج به لو كان صحيحا أو حسنا، ولكن لا يحتج بعبد الله هذا، وإن كان الحاكم صحح حديثه فى القنوت، انتهى. وهذا الحديث رواه الحاكم وصححه، وردّ عليه، كما قاله ابن القيم، وقد اتفقوا على ضعف عبد الله بن سعيد.
(1) أخرجه أحمد (3/ 162) ، والدار قطنى (1/ 171) من حديث أنس- رضى الله عنه-.
وعن ابن عباس: كان- صلى الله عليه وسلم يقنت فى صلاة الصبح وفى وتر الليل بهؤلاء الكلمات: «اللهم اهدنى فيمن هديت» ، أخرجه محمد بن نصر فى كتاب قيام الليل. والصحيح: أنه لا يتعين فيه دعاء مخصوص، بل يحصل بكل دعاء.
وفيه وجه أنه لا يحصل إلا بالدعاء المشهور وهو: «اللهم اهدنى فيمن هديت وعافنى فيمن عافيت، وتولنى فيمن توليت، وبارك لى فيما أعطيت، وقنى شر ما قضيت، فإنك تقضى ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تبارك ربنا وتعاليت» رواه أبو داود والترمذى والنسائى من حديث الحسن بن على قال: علمنى رسول الله- صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن فى الوتر فذكره «1» . وإسنادهم صحيح، قال البيهقى: قد صح أن تعليم هذا الدعاء وقع لقنوت صلاة الصبح وقنوت الوتر، انتهى.
وقوله: «فإنك تقضى» بالفاء. وبالواو فى قوله: «وإنه لا يذل» «وربنا» قبل و «تعاليت» إلا أن الفاء لم تقع فى رواية أبى داود. وزاد البيهقى بعد قوله: «إنه لا يذل من واليت» : ولا يعز من عاديت. وزاد ابن أبى عاصم فى كتاب التوبة: نستغفرك اللهم ونتوب إليك.
وتسن الصلاة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم فى آخره، لأن النسائى قد رواه من حديث الحسن بسند صحيح أو حسن، كما قاله فى شرح «المهذب» ولفظه- أى النسائى- وصلى الله على النبى.
وجزم فى «الأذكار» باستحباب الصلاة على الآل والسلام. وخالفه صاحب «الإقليد» فقال: أما ما وقع فى كتب أصحابنا من زيادة «وسلم» وما يعتاده الأئمة الآن من ذكر الآل والأزواج والأصحاب فكل ذلك لا أصل له.
قلت: وعبارة النووى فى «الأذكار» : يستحب أن يقول عقب هذا
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (1425) فى الصلاة، باب: القنوت فى الوتر، والترمذى (464) فى الصلاة، باب: ما جاء فى القنوت فى الوتر، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
الدعاء: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم. فقد جاء فى حديث النسائى بإسناد حسن، وصلى الله على النبى. انتهى.
وتعقب: بأن لفظ الدعوى خلاف الدليل، ويزيد عليه ذكر الآل والتسليم. نعم وقعت الزيادة عند «الرافعى» و «الرويانى» معزوة لحديث الحسن ابن على، عند النسائى لكنها ليست عنده فى رواية أحد من الرواة عنه، على أن لفظ «وصلى الله على النبى» زائد على رواية الترمذى، وهى زيادة غريبة غير ثابتة لأجل عبد الله بن على، أحد رواته، لأنه غير معروف، وعلى تقدير أن يكون هو عبد الله بن على بن الحسن بن على، فهو منقطع، لأنه لم يسمع من جده الحسن بن على، فقد تبين أنه ليس من شرط «الحسن» لانقطاعه أو لجهالة راويه، ولم تجبر الزيادة بمجيئها من وجه آخر، وحينئذ فقد تبين شذوذها على ما لا يخفى. نعم: أصل الحديث إلى آخر «وتعاليت» حسن لاعتضاده برواية الترمذى وغيره، بخلاف الزيادة، إذ لم تجئ فى غيره، وحيث سننا الصلاة على الآل على ما جزم به النووى فينبغى عدها فى القنوت بعضا.
قال فى «المجموع» عن البغوى: ويكره إطالة القنوت كالتشهد الأول، وهو ظاهر على ما صححه فيه، وفى تحقيقه فى باب «سجود السهو» من أن الاعتدال ركن طويل، أما على ما صححه فيهما فى «صلاة الجماعة» من أنه قصير، وهو ما فى «المنهاج» و «الروضة» فقد يقال القياس البطلان، لأن تطويل الركن القصير عمدا مبطل.
ويجاب: يحمل ذلك على غير محل القنوت، إذ البغوى نفسه القائل بكراهة الإطالة قائل بأن تطويل الركن القصير مبطل عمده.
ويسن للمنفرد والإمام برضى المحصورين، الجمع فى قنوت الوتر بين القنوت السابق وبين قنوت عمر، وهو:«اللهم إنا نستعينك» «1» إلخ، والأولى تأخيره عن القنوت السابق. ويسن رفع يديه، رواه البيهقى بإسناد جيد.
(1) أخرجه اليبهقى (2/ 210) فى الكبرى عن عمر بن الخطاب- رضى الله عنه-.