الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا ريب أن طب النبى- صلى الله عليه وسلم متيقن البرء، لصدوره عن الوحى ومشكاة النبوة، وطب غيره أكثره حدس وتجربة، وقد يتخلف الشفاء عن بعض من يستعمل طب النبوة، وذلك لمانع قام بالمستعمل، من ضعف اعتقاد الشفاء به وتلقيه بالقبول. وأظهر الأمثلة فى ذلك القرآن، الذى هو شفاء لما فى الصدور، ومع ذلك فقد لا يحصل لبعض الناس شفاء صدره به لقصوره فى الاعتقاد والتلقى بالقبول، بل لا يزيد المنافق إلا رجسا إلى رجسه، ومرضا إلى مرضه، فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطيبة، والقلوب الحية.
فإعراض الناس عن طب النبوة لإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الكريم الذى هو الشفاء النافع. وكان علاجه- صلى الله عليه وسلم للمريض على ثلاثة أنواع:
أحدها: بالأدوية الإلهية الروحانية. والثانى: بالأدوية الطبيعية.
والثالث: بالمركب من الأمرين.
النوع الأول فى طبه ص بالأدوية الإلهية
اعلم أن الله تعالى لم ينزل من السماء شفاء قط أعم- ولا أنفع ولا أعظم ولا أنجع فى إزالة الداء- من القرآن، فهو للداء شفاء، ولصدأ القلوب جلاء، كما قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ «1» .
ولفظه «من» - كما قال الإمام فخر الدين «2» - ليست للتبعيض بل للجنس، والمعنى: وننزل من هذا الجنس الذى هو القرآن شفاء من الأمراض الروحانية وشفاء أيضا من الأمراض الجسمانية. أما كونه شفاء من الأمراض الروحانية فظاهر، وذلك لأن المرض الروحانى نوعان:
(1) سورة الإسراء: 82.
(2)
هو: الإمام العلامة، فخر الدين، محمد بن عمر بن الحسين القرشى البكرى الطبرستانى الأصولى المفسر كبير الأذكياء والحكماء المصنفين، إلا أنه بدت له فى تواليفه بلايا وعظائم وسحر وانحرافات عن السنة، والله يعفو عنه، فإنه توفى على طريقة حميدة، له التفسير الكبير، وغير ذلك، مات بهراة سنة 606 هـ، وله بضع وستون سنة.
الاعتقادات الباطلة: وأشدها فسادا الاعتقادات الفاسدة فى الإلهية والنبوات والمعاد والقضاء والقدر، والقرآن مشتمل على دلائل المذهب الحق فى هذه المطالب، وإبطال المذاهب الباطلة. ولما كان أقوى الأمراض الروحانية هو الخطأ فى هذه المطالب، والقرآن مشتمل على الدلائل الكاشفة فى هذه المذاهب الباطلة من العيوب لا جرم كان القرآن شفاء من هذا النوع من المرض الروحانى.
وأما الأخلاق المذمومة فالقرآن مشتمل على تفصيلها وتعريفها وما فيها من المفاسد، والإرشاد إلى الأخلاق الفاضلة والأعمال المحمودة، فكان القرآن شفاء من هذا النوع من المرض. فثبت أن القرآن شفاء من جميع الأمراض الروحانية.
وأما كونه شفاء من الأمراض الجسمانية، فلأن التبرك بقراءته ينفع كثيرا من الأمراض. وإذا اعتبر الجمهور من الفلاسفة وأصحاب الطلسمات بأن لقراءة الرقى المجهولة والعزائم التى لا يفهم منها شئ آثارا عظيمة فى تحصيل المنافع ودفع المفاسد، أفلا تكون قراءة القرآن العظيم المشتمل على ذكر جلال الله تعالى وكبريائه، وتعظيم الملائكة المقربين، وتحقير المردة والشياطين سببا لحصول النفع فى الدين والدنيا.
ويتأيد ما ذكرناه بما روى أن النبى- صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله» «1» ونقل عن الشيخ أبى القاسم القشيرى- رحمه الله أن ولده مرض مرضا شديدا حتى أشرف على الموت، فاشتد عليه الأمر، قال: فرأيت النبى- صلى الله عليه وسلم فى المنام فشكوت إليه ما بولدى فقال: أين أنت من آيات الشفاء؟ فانتبهت فأفكرت فيها فإذا هى فى ستة مواضع من كتاب الله، وهى قوله تعالى:
وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ «2» .
(1) ضعيف: أخرجه الدار قطنى فى «الأفراد» عن أبى هريرة، كما فى «كنز العمال» (28106) .
(2)
سورة التوبة: 14.
وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ «1» .
يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ «2» .
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ «3» .
وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ» .
قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ «5» .
قال: فكتبتها ثم حللتها بالماء وسقيته إياها فكأنما نشط من عقال، أو كما قال: وانظر رقية اللديغ ب «الفاتحة» وما فيها من السر البديع والبرهان الرفيع. وتأمل قوله- صلى الله عليه وسلم فى بعض أدعيته: «وأن تجعل القرآن ربيع قلبى وجلاء حزنى، وشفاء صدرى» «6» فيكون له بمنزلة الدواء الذى يستأصل الداء، ويعيد البدن إلى صحته واعتداله. وفى حديث عند ابن ماجه مرفوعا:
«خير الدواء القرآن» «7» .
وها هنا أمر ينبغى أن يتفطن له، نبه عليه ابن القيم: وهو أن الآيات والأذكار والأدعية التى يستشفى بها، ويرقى بها، هى فى نفسها نافعة شافية، ولكن تستدعى قبول المحل، وقوة همة الفاعل وتأثيره، فمتى تخلف الشفاء
(1) سورة يونس: 57.
(2)
سورة النحل: 69.
(3)
سورة الإسراء: 82.
(4)
سورة الشعراء: 80.
(5)
سورة فصلت: 44.
(6)
صحيح: أخرجه أحمد فى «المسند» (1/ 391 و 452) ، وابن حبان فى «صحيحه» (972) ، والحاكم فى «المستدرك» (1/ 690) ، من حديث عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه-، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، فإنه مختلف فى سماعه عن أبيه. ا. هـ. وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(7)
ضعيف: أخرجه ابن ماجه (3501 و 3533) فى الطب، باب: الاستشفاء بالقرآن، من حديث على- رضى الله عنه-، وقال البوصيرى فى «الزوائد» : فى إسناده الحارث الأعور، وهو ضعيف، وكذا ضعفه الألبانى فى «ضعيف الجامع» (2885) .
كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول المحل المنفعل، أو لمانع قوى فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء كما يكون ذلك فى الأدوية والأدواء الحسية، فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء، وقد يكون المانع قوى يمنع من اقتضائه أثره، فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء بقبول تام كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول، وكذلك القلب إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام، وكان الدواء فى نفس فعالة، وهمة مؤثرة أثر فى إزالة الداء.
وكذلك الدعاء، فإنه من أقوى الأسباب فى رفع المكروه، وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف أثره عنه، إما لضعفه فى نفسه بأن يكون دعاء لا يجيبه الله لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، وإما لحصول المانع من الإجابة: من أكل الحرام والظلم، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغافلة والسهو واللهو، وقد روى الحاكم حديث:«واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه» «1» .
ومن أنفع الأدوية الدعاء، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن، وإذا جمع من الدعاء حضور القلب، والجمعية بالكلية على المطلوب، وصادف وقتا من أوقات الإجابة كثلث الليل الأخير، مع الخضوع والانكسار، والذل والتضرع، واستقبال القبلة، والطهارة ورفع اليدين، والبداءة بالحمد والثناء على الله تعالى، والصلاة والتسليم على سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم بعد التوبة والاستغفار والصدقة، واللح فى المسألة، وأكثر التملق والدعاء، والتوسل إليه بأسمائه وصفاته، والتوجه إليه بنبيه- صلى الله عليه وسلم فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا، لا سيما إن دعاه بالأدعية التى أخبر- صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم. ولا خلاف فى مشروعية الفزع إلى الله تعالى، والالتجاء إليه فى كل ما ينوب الإنسان.
(1) حسن: أخرجه الترمذى (3479) فى الدعوات، باب: فى جامع الدعوات عن النبى- صلى الله عليه وسلم، والحاكم فى «المستدرك» (1/ 670) ، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-، والحديث حسنه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .
وأما الرقى «1» ، فاعلم أن الرقى بالمعوذات من أسماء الله تعالى، هو الطب الروحانى، وإذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى، لكن لما عزّ هذا النوع، فزع الناس إلى الطب الجسمانى. وفى البخارى، من حديث عائشة، (أنه- صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه فى المرض الذى مات فيه بالمعوذات وهى الفلق والناس والإخلاص)«2» فيكون من باب التغليب، أو المراد الفلق والناس. وكذلك كل ما ورد فى التعويذ فى القرآن، كقوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ «3» .
وأما ما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى من حديث ابن مسعود: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم كان يكره عشر خصال، فذكر منها الرقى إلا بالمعوذات «4» ، ففى سنده عبد الرحمن بن حرملة، قال البخارى: لا يصح حديثه. وعلى تقدير صحته فهو منسوخ بالإذن فى الرقية بالفاتحة.
وأما حديث أبى سعيد عند النسائى: كان- صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فأخذ بهما وترك ما سواهما «5» ، وحسنه
(1) الرقى: جمع رقية، وهى العوذة، أى الاعتياذ من جنون أو مرض، وأصل العوذ: اللجوء والاعتصام ولا يكون ذلك إلا بالله عز وجل، ولا يكون ذلك إلا بكلمات نافعة وردت فى كتابه أو على لسان رسوله- صلى الله عليه وسلم.
(2)
صحيح: والحديث الدال على ذلك أخرجه البخارى (5735) فى الطب، باب: الرقى والقرآن والمعوذات، ومسلم (2192) فى السلام، باب: رقية المريض بالمعوذات والنفث، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(3)
سورة المؤمنون: 97.
(4)
ضعيف: أخرجه أبو داود (4222) فى الخاتم، باب: ما جاء فى خاتم الذهب، والنسائى (8/ 141) فى الزينة، باب: الخضاب بالصفرة، وأحمد فى «المسند» (1/ 380)، والحاكم فى «المستدرك» (4/ 216) قلت: ولم يرو هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود إلا عبد الرحمن بن حرملة، ولم يرو عبد الرحمن بن حرملة إلا عن ابن أخيه القاسم بن حسان، وكلاهما جهلهما الحافظ ابن حجر فى «التقريب» ، حيث قال عند كل واحد منها: مقبول، وهى تعنى عنده الجهالة.
(5)
صحيح: أخرجه الترمذى (2058) فى الطب، باب: ما جاء فى الرقية بالمعوذتين، والنسائى (8/ 271) فى الاستعاذة، باب: الاستعاذة من عين الجان، وابن ماجه (3511) فى الطب، باب: من استرقى من العين، والحديث صححه الشيخ الألبانى كما فى «صحيح الجامع» (4902) .
الترمذى، فلا يدل على المنع من التعوذ بغير هاتين السورتين، بل على الأولوية، ولا سيما مع ثبوت التعوذ بغيرهما. وإنما اجتزأ بهما لما اشتملتا عليه من جوامع الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا. وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط:
- أن تكون بكلام الله تعالى، أو بأسمائه وصفاته.
- وباللسان العربى، أو بما يعرف معناه من غيره.
- وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير الله تعالى.
واختلفوا فى كونها شرطا، والراجح أنه لا بد من اعتبارها. وفى صحيح مسلم من حديث عوف بن مالك: كنا نرقى فى الجاهلية، فقلنا يا رسول الله، كيف ترى فى ذلك؟ فقال:«اعرضوا على رقاكم، لا بأس بالرقى إذا لم يكن فيه شرك» «1» .
وله من حديث جابر: (نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم عن الرقى، فجاء آل عمرو بن حزم، فقالوا: يا رسول الله، إنها كانت عندنا رقية نرقى بها من العقرب، قال:«فاعرضوها على» ، قال: فعرضوا عليه، قال:«ما أرى بأسا، من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه» «2» وقد تمسك قوم بهذا العموم، فأجازوا كل رقية جربت منفعتها، ولو لم يعقل معناها، لكن دل حديث عوف أنه مهما كان من الرقى يؤدى إلى الشرك فإنه يمتنع، وما لا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدى إلى الشرك فيمنع احتياطا. والشرط الأخير لا بد منه.
وقال قوم: لا تجوز الرقية إلا من العين واللدغة، لحديث عمران بن حصين:(لا رقية إلا من عين أو حمة)«3» . وأجيب: بأن معنى الحصر فيه
(1) صحيح: أخرجه مسلم (2200) فى السلام، باب: لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، وأبو داود (3886) فى الطب، باب: ما جاء فى الرقى.
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (2199) فى السلام، باب: استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة، وابن ماجه (3515) فى الطب، باب: ما رخص فيه من الرقى.
(3)
صحيح: أخرجه البخارى (5705) فى الطب، باب: من اكتوى أو كوى غيره، وهو عند مسلم (220) فى الإيمان، باب: الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب من حديث بريدة- رضى الله عنه-.
أنهما أصل كل ما يحتاج إلى الرقية، فيلحق بالعين جواز رقية من به خبل أو مسّ ونحو ذلك، لا شتراكهما فى كونهما ينشان عن أحوال شيطانية من إنس أو جن، ويلحق بالسم كل ما عرض للبدن من قرح ونحوه من المواد السمية.
وقد وقع عند أبى داود من حديث أنس مثل حديث عمران وزاد: (أو دم)«1» وفى مسلم من حديث أنس أيضا (رخص رسول الله- صلى الله عليه وسلم فى الرقى من العين والحمة والنملة)«2» وفى حديث آخر (والأذن)«3» ، ولأبى داود من حديث الشفاء بنت عبد الله أن النبى- صلى الله عليه وسلم قال:«ألا تعلمين هذه- يعنى حفصة- رقية النملة؟» «4» . والنملة: قروح تخرج فى الجنب وغيره من الجسد. وقيل: المراد بالحصر يعنى الأفضل، أى لا رقية أنفع، كما قيل: لا سيف إلا ذو الفقار، وقال قوم: المنهى عنه من الرقى ما يكون قبل وقوع البلاء، والمأذون فيه ما كان بعد وقوعه، ذكر ابن عبد البر والبيهقى وغيرهما.
وروى أبو داود وابن ماجه، وصححه الحاكم عن ابن مسعود، رفعه «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» «5» . والتمائم: جمع تميمة وهى خرزة أو قلادة تعلق فى الرأس، كانوا فى الجاهلية يعتقدون أن ذلك يدفع الآفات. والتولة:
بكسر المثناة وفتح الواو واللام مخففا- شئ كانت المرأة تستجلب به محبة زوجها، وهو ضرب من السحر وإنما كان ذلك من الشرك لأنهم أرادوا دفع
(1) ضعيف: أخرجه أبو داود (3889) فى الطب، باب: ما جاء فى الرقى، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن أبى داود» .
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (2196) فى السلام، باب: استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة.
(3)
لم أقف على زيادة (والأذن) .
(4)
صحيح: والحديث أخرجه أبو داود (3887) فى الطب، باب: ما جاء فى الرقى، وأحمد فى «المسند» (6/ 372) ، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
(5)
صحيح: أخرجه أبو داود (3883) فى الطب، باب: ما جاء فى الرقى، وابن ماجه (3530) فى الطب، باب: تعليق التمائم، وأحمد فى «المسند» (1/ 381) ، والحاكم فى «المستدرك» (4/ 463)، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وهو كما قال.
المضار وجلب المنافع من عند غير الله، ولا يدخل فى ذلك ما كان بأسماء الله وكلامه. فقد ثبت فى الأحاديث استعمال ذلك قبل وقوعه، كما سيأتى- إن شاء الله تعالى-. ولا خلاف فى مشروعية الفزع إلى الله سبحانه وتعالى، والالتجاء إليه سبحانه فى كل ما يقع وكل ما يتوقع.
وقال بعضهم: المنهى عنه من الرقى هو الذى يستعمله المعزم وغيره ممن يدعى تسخير الجن له، فيأتى بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل، يجمع إلى ذكر الله تعالى وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بهم، والتعوذ من مردتهم، ويقال إن الحية لعداوتها للإنسان بالطبع تصادق الشياطين لكونهم أعداء بنى آدم، فإذا عزم على الحية بأسماء الشياطين أجابت وخرجت من مكانها، وكذلك اللديغ إذا رقى بتلك الأسماء سالت سمومها من بدن الإنسان، فلذلك كره من الرقى ما لم يكن بذكر الله وأسمائه خاصة، وباللسان العربى الذى يعرف معناه ليكون بريئا من الشرك. وعلى كراهة الرقى بغير كتاب الله علماء الأمة. وقال القرطبى: الرقى ثلاثة أقسام:
أحدها: ما كان يرقى به فى الجاهلية، مما لا يعقل معناه، فيجب اجتنابه لئلا يكون فيه شرك أو يؤدى إلى الشرك.
الثانى: ما كان بكلام الله أو بأسمائه فيجوز، فإن كان مأثورا فيستحب.
الثالث: ما كان بأسماء غير الله من ملك أو صالح أو معظم من المخلوقات كالعرش قال: فهذا ليس من الواجب اجتنابه، ولا من المشروع الذى يتضمن الالتجاء إلى الله تعالى به والتبرك بأسمائه، فيكون تركه أولى، إلا أن يتضمن تعظيم المرقى به فينبغى أن يجتنب كالحلف بغير الله تعالى.
وقال الربيع «1» : سألت الشافعى عن الرقية فقال: لا بأس أن يرقى بكتاب الله تعالى، وبما يعرف من ذكر الله تعالى. فقلت: أيرقى أهل الكتاب المسلمين؟ قال: نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله وبذكر الله. انتهى.
(1) هو: الربيع بن سليمان، أبو محمد المرادى، مولاهم المصرى، صاحب الإمام الشافعى، وناقل علمه، أفنى عمره فى العلم ونشره، مات فى شوال سنة 270 هـ.