الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومسح- صلى الله عليه وسلم وجه أبيض بن حمال وكان به القوباء فلم يمس من ذلك اليوم ومنها أثر «1» ، رواه البيهقى وغيره.
ذكر طبه ص من الحمى:
روى البخارى من حديث ابن عمر عن النبى- صلى الله عليه وسلم قال: «الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء البارد» «2» واختلف فى نسبتها إلى جهنم. فقيل:
حقيقة، واللهب الحاصل فى جسم المحموم قطعة من جهنم، وقدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها ليعتبر العباد بذلك، كما أن أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنة، أظهرها فى هذه الدار عبرة ودلالة.
وقيل: الخبر ورد مورد التشبيه، والمعنى: أن حر الحمى شبيه بحر جهنم، تنبيها للنفوس على شدة حر النار، وأن هذه الحرارة الشديدة شبيهة بفيحها، وهو ما يصيب من قرب منها من حرها. قوله «فأطفئوها» بهمزة قطع، أمر من: أطفأ. وروى الطبرانى «الحمى حظ المؤمن من النار» »
. وفى رواية نافع عن ابن عمر، عند الشيخين: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «إن الحمى أو شدة الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء» بهمزة وصل والراء مضمومة على المشهور وحكى كسر الراء. وفى رواية ابن ماجه «بالماء البارد» «4» . وفى رواية أبى جمرة- بالجيم- عند البخارى، قال: كنت أجالس ابن عباس بمكة، فأخذتنى الحمى، فاحتبست أياما، فقال: ما حبسك؟ فقلت: الحمى، قال:
أبردها بماء زمزم، فإن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال:«الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء، أو بماء زمزم» «5» شك.
(1) أخرجه البيهقى فى «دلائل النبوة» (6/ 176- 177) .
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (3264) فى بدء الخلق، باب: صفة النار، ومسلم (2209) فى السلام، باب: لكل داء دواء واستحباب التداوى.
(3)
أخرجه الطبرانى فى «الصغير» (314) ، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(4)
هى عند ابن ماجه (3472) فى الطب، باب: الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء.
(5)
هى عند البخارى (3261) فى بدء الخلق، باب: صفة النار، وأحمد فى «المسند» (1/ 291) .
قال ابن القيم: قوله «بالماء» فيه قولان: أحدهما: أنه كل ماء، وهو الصحيح، والثانى: أنه ماء زمزم. ثم قال بعد أن روى حديث أبى جمرة هذا، وراوى هذا قد شك فيه، ولو جزم به لكان أمرا لأهل مكة بماء زمزم، إذ هو متيسر عندهم، وأخبرهم بما عندهم من الماء، انتهى. وتعقب: بأنه وقع فى رواية أحمد عن عفان بن همام: «فأبردوها بماء زمزم» ولم يشك، وكذا أخرجه النسائى، وابن حبان والحاكم.
وقال ابن القيم: واختلف من قال إنه على عمومه هل المراد به الصدقة بالماء أو استعماله على قولين، والصحيح أنه استعماله، وأظن أن الذى حمل من قال إن المراد به الصدقة به أنه أشكل عليه استعمال الماء البارد فى الحمى ولم يفهم وجهه. مع أن لقوله وجها حسنا وهو أن الجزاء من جنس العمل، فكما أخمد لهيب العطش عن الظمان بالماء البارد أخمد الله لهيب الحمى عنه جزاء وفاقا، انتهى.
وقال الخطابى وغيره: اعترض بعض سخفاء الأطباء على هذا الحديث، بأن اغتسال المحموم بالماء خطر يقربه من الهلاك، لأنه يجمع المسام، ويحقن البخار ويعكس الحرارة إلى داخل الجسم، فيكون ذلك سببا للتلف. وقد غلط بعض من ينسب إلى العلم «1» ، فانغمس فى الماء لما أصابته الحمى، فاحتنقت الحرارة فى باطن بدنه، فأصابته علة صعبة كادت تهلكه، فلما خرج من علته قال قولا سيئا لا يحسن ذكره، وإنما أوقعه فى ذلك جهله بمعنى الحديث.
والجواب: أن هذا الإشكال صدر عن صدر مرتاب فى صدق الخبر، فيقال له أولا، من أين حملت الأمر على الاغتسال، وليس فى الحديث الصحيح بيان الكيفية فضلا عن اختصاصها بالغسل، وإنما فى الحديث الإرشاد إلى تبريد الحمى بالماء، فإن أظهر الوجود أو اقتضت صناعة الطب أن انغماس كل محموم فى الماء أو صبه إياه على جميع بدنه يضره فليس هو المراد، وإنما قصده- صلى الله عليه وسلم استعمال الماء على وجه ينفع فليبحث عن ذلك الوجه ليحصل
(1) فى الأصل (العمل) ، والصواب ما أثبتناه، وكذا فى «فتح البارى» (10/ 186) .
الانتفاع به، وهذا كما وقع فى أمره العائن بالاغتسال وأطلق، وقد ظهر من الحديث الآخر أنه لم يرد مطلق الاغتسال، وإنما أراد الاغتسال على كيفية مخصوصة، وأولى ما يحمل عليه كيفية تبريد الحمى بالماء ما صنعته أسماء بنت أبى بكر الصديق- رضى الله عنهما-: فإنها كانت ترش على بدن المحموم شيئا من الماء بين يديه وثوبه، فيكون ذلك من باب النشرة المأذون فيها، والصحابى ولا سيما مثل أسماء بنت أبى بكر التى هى كانت تلازم بيت النبى- صلى الله عليه وسلم أعلم بالمراد من غيرها.
وقد ذكر أبو نعيم وغيره، من حديث أنس يرفعه:«إذا حم أحدكم فليرش عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر» «1» . وقال المازرى: لا شك أن علم الطب من أكثر العلوم احتياجا إلى التفصيل حتى إن المريض يكون الشئ دواءه فى ساعة فيكون داءه فى الساعة التى تليها لعارض يعرض له من غضب يحمى مزاجه مثلا فيتغير علاجه، ومثل ذلك كثير. فإذا فرض وجود الشفاء لشخص لشئ فى حالة ما لم يلزم منه وجود الشفاء به له أو لغيره فى سائر الأحوال. والأطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والزمان والعادة والغذاء المتقدم والتأثير المألوف، وقوة الطباع. ويحتمل أن يكون هذا فى وقت مخصوص فيكون من الخواص التى اطلع عليها النبى- صلى الله عليه وسلم بالوحى، ويضمحل عند ذلك جميع كلام أهل الطب.
وجعل ابن القيم خطابه- صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث خاصّا لأهل الحجاز وما والاهم، إذ كان أكثر الحميات التى تعرض لهم من نوع الحمى اليومية العرضية، الحادثة من شدة حرارة الشمس. قال: هذه ينفعها الماء البارد شربا واغتسالا، لأن الحمى حرارة غريبة تشتعل فى القلب، وتنشر منه بتوسط الروح والدم فى العروق إلى جميع البدن وهى قسمان: عرضية وهى الحادثة عن ورم أو حركة أو إصابة حرارة الشمس، أو القيظ الشديد ونحو ذلك،
(1) صحيح: أخرجه الحاكم فى «المستدرك» (4/ 223 و 447)، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وهو كما قال.
ومرضية وهى ثلاثة أنواع، وتكون عن مادة، ثم منها ما يسخن جميع البدن، فإن كان مبدأ تعلقها بالروح فهى حمى يوم، لا تقلع غالبا فى يوم ونهايتها إلى ثلاث، وإن كان تعلقها بالأعضاء الأصلية فهى حمى دق، وهى أخطرها، وإن كان تعلقها بالأخلاط سميت عفينية، وهى بعدد الأخلاط الأربعة: أعنى صفراوية، سوداوية، بلغمية، دموية، وتحت هذا الأنواع المذكورة أصناف كثيرة بسبب الأفراد والتركيب. انتهى.
وإذا تقرر هذا فيجوز أن يكون المراد النوع الأول. فإنها تسكن بالانغماس فى الماء البارد، وشرب الماء المبرد بالثلج وبغيره، ولا يحتاج إلى علاج آخر. وقد قال جالينوس: لو أن شابّا خشن اللحم خصب البدن ليس فى أحشائه ورم استحم بماء بارد وسبح فيه فى وقت القيظ عند منتهى الحمى لانتفع بذلك.
وقد تكرر فى الحديث استعماله- صلى الله عليه وسلم الماء البارد فى علته، كما فى الحديث:«صبوا على من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن» «1» . وفى المسند وغيره من حديث الحسن عن سمرة يرفعه «الحمى قطعة من النار فأبردوها عنكم بالماء البارد» وكان- صلى الله عليه وسلم إذا حم دعا بقربة من ماء فأفرغها على رأسه فاغتسل «2» وصححه الحاكم، ولكن قال فى إسناده راو ضعيف. وعن أنس رفعه:«إذا حم أحدكم فليشن عليه من الماء البارد من السحر ثلاث ليال» «3» أخرجه الطحاوى وأبو نعيم فى الطب. وأخرج الطبرانى من حديث عبد الرحمن بن المرقع، رفعه: «الحمى رائد الموت، وهى سجن الله فى
(1) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (198) فى الوضوء، باب: الغسل والوضوء فى المخضب والقدح، وأحمد فى «المسند» (6/ 151) من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(2)
أخرجه الحاكم فى «المستدرك» (4/ 447)، هكذا وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه الزيادة، وطرفه الأول عند أحمد فى «المسند» (5/ 281) ، من حديث ثوبان- رضى الله عنه-، ولم أقف عليه فيه من حديث سمرة.
(3)
صحيح: وقد تقدم قبل حديثين.