الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل العاشر فى إفطاره ص فى رمضان فى السفر وصومه
عن جابر أن رسول الله خرج عام الفتح إلى مكة فى رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، وصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال:«أولئك العصاة، أولئك العصاة» . زاد فى رواية: فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينتظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر. رواه مسلم. وعن ابن عباس قال: سافر رسول الله- صلى الله عليه وسلم فى رمضان، فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بإناء من ماء فشرب نهارا ليراه الناس، وأفطر حتى قدم مكة. وكان ابن عباس يقول صام رسول الله- صلى الله عليه وسلم فى السفر وأفطر، فمن شاء صام ومن شاء أفطر «1» ، رواه البخارى ومسلم.
ولمسلم: أن ابن عباس كان لا يعيب على من صام ولا على من أفطر، قد صام رسول الله- صلى الله عليه وسلم فى السفر وأفطر. قال النووى- رحمه الله:
اختلف العلماء فى صوم رمضان فى السفر.
فقال بعض أهل الظاهر: لا يصح صوم رمضان فى السفر، فإن صامه لم ينعقد، ويجب قضاؤه، لظاهر الآية «2» ولحديث «ليس من البر الصيام فى السفر» «3» . وفى الحديث الآخر «أولئك العصاة» «4» .
(1) صحيح: أخرجه البخارى (4279) فى المغازى، باب: غزوة الفتح فى رمضان، ومسلم (1113) فى الصيام، باب: جواز الصوم والفطر فى شهر رمضان للمسافر. من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-.
(2)
سورة البقرة: 184.
(3)
صحيح: أخرجه أبو داود (2407) فى الصوم، باب: اختيار الفطر. من حديث جابر بن عبد الله- رضى الله عنهما-، والحديث الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
(4)
تقدم.
وقال جماهير العلماء وجميع أهل الفتوى: يجوز صومه فى السفر، وينعقد ويجزيه، واختلفوا فى أن الصوم أفضل أم الفطر أم هما سواء؟ فقال مالك وأبو حنيفة والشافعى والأكثرون: الصوم أفضل لمن أطاقه بلا مشقة ظاهرة ولا ضرر، فإن تضرر به فالفطر أفضل، واحتجوا بصومه- صلى الله عليه وسلم، ولأنه يحصل به براءة الذمة فى الحال.
وقال سعيد بن المسيب والأوزاعى وأحمد وإسحاق وغيرهم: الفطر أفضل مطلقا، وحكاه بعض أصحابنا قولا للشافعى، وهو غريب، واحتجوا بما سبق لأهل الظاهر، وبقوله- صلى الله عليه وسلم:«هى رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» «1» وظاهره ترجيح الفطر.
وأجاب الأكثرون: بأن هذا كله فيمن يخاف ضررا، أو يجد مشقة، كما هو صريح فى الأحاديث، واعتمدوا حديث أبى سعيد الخدرى قال:«كنا نغزوا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم فى رمضان، فمنا الصائم ومنا المفطر، ولا يجد الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفا فأفطر فإن ذلك حسن» ، وهذا صريح فى ترجيح مذهب الأكثرين، وهو تفضيل الصوم لمن أطاقه بلا ضرر ولا مشقة ظاهرة. وقال بعض العلماء: الفطر والصوم سواء لتعادل الأحاديث.
والصحيح: قول الأكثرين، والله أعلم.
(1) صحيح: أخرجه مسلم (1121) فى الصيام، باب: التخيير فى الصوم والفطر فى السفر. من حديث حمزة بن عمرو الأسلمى- رضى الله عنه-.