الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومعنى سمع الله لمن حمده» أى أجاب، يعنى: أن من حمد الله تعالى متعرضا لثوابه استجاب الله له، فأعطاه ما تعرض له، فأنا أقول ربنا لك الحمد ليحصل ذلك.
وقوله «أهل» : منصوب على النداء.
وقوله: «وكلنا لك عبد» بالواو، يعنى: أحق قول العبد: لا مانع لما أعطيت إلخ. واعترض بينهما قوله: «وكلنا لك عبد» ، ومثل هذا الاعتراض قوله تعالى: قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى «1» على قراءة من قرأ «وضعت» بفتح العين وإسكان التاء.
و «الجد» بفتح الجيم، الغنى أى: لا ينفع ذا الغنى منك غناه، وإنما ينفعه الإيمان والطاعة، وقيل غير ذلك والله أعلم.
وفى رواية ابن أبى أوفى- عند مسلم-: كان- صلى الله عليه وسلم يقول بعد قوله «من شئ» : «اللهم طهرنى بالثلج والبرد والماء البارد» «2» .
الفرع الحادى عشر: فى ذكر صفة سجوده ص وما يقول فيه
كان- صلى الله عليه وسلم إذا انتهى من ذكر قيامه عن الركوع يكبر، ويخرّ ساجدا، ولا يرفع يديه. وقد روى أنه- صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه أيضا، وصححه بعض الحفاظ كابن حزم، والذى غره أن الراوى غلط من قوله:«كان يكبر فى كل خفض ورفع» إلى قوله: «كان يرفع يديه فى كل خفض ورفع» وهو ثقة، ولم يفطن لسبب غلطه، ووهم فصححه. نبه عليه فى زاد المعاد.
وكان- صلى الله عليه وسلم يضع يديه قبل ركبتيه «3» . رواه أبو داود، ثم جبهته
(1) سورة آل عمران: 36.
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (476) فى الصلاة، باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع.
(3)
صحيح: أخرجه أبو داود (840) فى الصلاة، باب: كيف يضع ركبتيه قبل يديه، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «الإرواء» (2/ 78) .
وأنفه. وقال: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين» «1» . رواه البخارى ومسلم من حديث ابن عباس.
قال النووى: فينبغى للساجد أن يسجد على هذه الأعضاء كلها، وأن يسجد على الجبهة والأنف جميعا، فأما الجبهة فيجب وضعها مكشوفة على الأرض، ويكفى بعضها، والأنف مستحب، فلو تركه جاز، ولو اقتصر عليه وترك الجبهة لم يجز، هذا مذهب الشافعى ومالك والأكثرين، وقال أبو حنيفة عليهما معا لظاهر الحديث، وقال الأكثرون: بل ظاهر الحديث أنهما فى حكم عضو واحد، لأنه قال فيه «سبعة» فلو جعلا عضوين لصارت ثمانية.
وكان- صلى الله عليه وسلم إذا سجد فرج بين يديه، حتى يبدو بياض إبطيه «2» . رواه الشيخان. وقالت ميمونة: جافى بين يديه، حتى لو شاءت بهيمة أن تمر بين يديه لمرت «3» . رواه مسلم. ولم يذكر عنه- صلى الله عليه وسلم أنه سجد على كور عمامته، ولم يثبت عنه ذلك فى حديث صحيح ولا حسن، ولكن روى عبد الرزاق فى المصنف عن أبى هريرة: كان- صلى الله عليه وسلم يسجد على كور عمامته «4» ، وهو من رواية عبد الله بن محرز، وهو متروك. وذكر أبو داود فى المراسيل أنه- صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى فسجد بجبينه وقد اعتم فحسر- صلى الله عليه وسلم عن جبهته «5» .
وكان- صلى الله عليه وسلم يقول فى سجوده: «اللهم اغفر لى ذنبى كله، دقه وجله، أوله وآخره، علانيته وسره» «6» رواه مسلم من حديث أبى هريرة.
(1) صحيح: أخرجه البخارى (809 و 810) فى الأذان، باب: السجود على سبعة أعظم، ومسلم (490) فى الصلاة، باب: أعضاء السجود، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-.
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (390) فى الصلاة، باب: يبدى ضبعيه ويجافى فى السجود، ومسلم (495) فى الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة، من حديث عبد الله بن بحينة- رضى الله عنه-.
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (496) في الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة.
(4)
ضعيف: أخرجه عبد الرزاق فى «مصنفه» (1564) بسند فيه متروك كما قال المصنف.
(5)
ضعيف: أخرجه أبو داود فى «المراسيل» (83) عن صالح بن حيوان السبانى مرسلا.
(6)
صحيح: أخرجه مسلم (483) فى الصلاة، باب: ما يقال فى الركوع والسجود، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.
وقوله: «دقه وجله» بكسر أولهما، أى قليله وكثيره.
وعن عائشة قالت: فقدت رسول الله- صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش، فالتمسته فوقعت يدى على بطن قدميه وهو فى السجود، وهما منصوبتان، وهو يقول:«اللهم إنى أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» «1» رواه مسلم.
قال الخطابى: فى هذا الحديث معنى لطيف، وذلك أنه- صلى الله عليه وسلم استعاذ بالله وسأله أن يجيره برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، والرضا والسخط ضدان متقابلان، وكذلك المعافاة والمعاقبة، فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له وهو الله تعالى استعاذ به منه، ومعناه: الاستغفار من التقصير فى بلوغ الواجب من حق عبادته والثناء عليه.
وقوله: «لا أحصى ثناء عليك» أى لا أطيقه ولا آتى عليه، وقيل: لا أحيط به، وقال مالك: لا أحصى نعمتك وإحساناتك والثناء بهما عليك وإن اجتهدت فى الثناء عليك.
وقوله: «أنت كما أثنيت على نفسك» اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء، فإنه لا يقدر على بلوغ حقيقته، ورد الثناء إلى الجملة دون التفصيل والإحصاء والتعيين، فوكل ذلك كله لله تعالى المحيط بكل شئ جملة وتفصيلا، وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه، لأن الثناء تابع للمثنى عليه، فكل شئ أثنى به عليه- وإن كثر وطال وبولغ فيه- فقدر الله أعظم وسلطانه أعز، وصفاته أكثر وأكبر، وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ.
انتهى.
وهاهنا فائدة لطيفة ذكرها بعض المحققين، فى نهيه- صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن فى الركوع والسجود «2» ، وهى أن القرآن أشرف الكلام، وحالتا الركوع
(1) صحيح: أخرجه مسلم (486) فى الصلاة، باب: ما يقال فى الركوع والسجود.
(2)
صحيح: والحديث الدال على ذلك أخرجه مسلم (479) فى الصلاة، باب: النهى عن قراءة القرآن فى الركوع والسجود، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-.