الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنَّ حَدِيثَ: لَا عَدْوَى الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَزْعُمُهُ وَتَعْتَقِدُهُ أَنَّ الْمَرَضَ وَالْعَاهَةَ تَعْدِي بِطَبْعِهَا لَا بِفِعْل اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا حَدِيثُ: لَا يُورَدُ مُمَرَّضٌ عَلَى مُصِحٍّ فَأَرْشَدَ فِيهِ إِلَى مُجَانَبَةِ مَا يَحْصُل الضَّرَرُ عِنْدَهُ فِي الْعَادَةِ بِفِعْل اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ، فَنَفَى فِي الْحَدِيثِ الأَْوَّل الْعَدْوَى بِطَبْعِهَا، وَلَمْ يَنْفِ حُصُول الضَّرَرِ عِنْدَ ذَلِكَ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِعْلِهِ، وَأَرْشَدَ فِي الثَّانِي إِلَى الاِحْتِرَازِ مِمَّا يَحْصُل عِنْدَهُ الضَّرَرُ بِفِعْل اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ وَقَدَرِهِ (1) .
4 -
ثَانِيًا: ذَهَبَ عُمَرُ رضي الله عنه وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ، وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى الْقَوْل بِنَفْيِ الْعَدْوَى لِحَدِيثِ: لَا عَدْوَى، وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا عَنْ حَدِيثِ: وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَْسَدِ. فَقَالَتْ: مَا قَال ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ قَال: لَا عَدْوَى وَقَال: فَمَنْ أَعْدَى الأَْوَّل؟ "
وَاسْتُدِل لِهَذَا الْمَذْهَبِ كَذَلِكَ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ إِيرَادِ الْمُمَرَّضِ عَلَى الْمُصِحِّ لَيْسَ لِلْعَدْوَى بَل لِلتَّأَذِّي (2) .
(1) صحيح مسلم بشرح النووي (14 / 13، 14) .
(2)
فتح الباري (10 / 158، 159) ، وصحيح مسلم بشرح النووي (14 / 214) .
5 -
ثَالِثًا ذَهَبَ فَرِيقٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى الْقَوْل بِإِثْبَاتِ الْعَدْوَى، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَال: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَل إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ (1) وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَْسَدِ. (2)
الْخَوْفُ مِنَ الْعَدْوَى:
6 -
الْخَوْفُ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَكُونُ حَرَامًا: إِنْ كَانَ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ فِعْل وَاجِبٍ أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ وَكَانَ مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْخَوْفِ كَالْخَوْفِ مِنَ الأُْسُودِ وَالْحَيَّاتِ، وَالْعَقَارِبِ وَالظُّلْمَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْخَوْفُ مِنْ أَرْضِ الْوَبَاءِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ فِي الأَْرْضِ فَلَا تَدْخُلُوهَا. (3)
قَال الْمُنَاوِيُّ: أَيْ: يَحْرُمُ عَلَيْكُمْ ذَلِكَ، وَمِنْ ذَلِكَ الْخَوْفُ مِنَ الْمَجْذُومِ عَلَى أَجْسَامِنَا مِنَ الأَْمْرَاضِ وَالأَْسْقَامِ وَفِي الْحَدِيثِ: فِرَّ مِنَ
(1) حديث: " كان في وفد ثقيف رجل مجذوم. . . ". أخرجه مسلم (4 / 1752) .
(2)
حديث: " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر. . . ". سبق تخريجه، والفروق 4 / 240، والآداب الشرعية 3 / 381.
(3)
حديث: " إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 179) ، ومسلم (4 / 1738) واللفظ للبخاري.