الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عِصْمَة
التَّعْرِيفُ:
1 -
الْعِصْمَةُ فِي اللُّغَةِ: مُطْلَقُ الْمَنْعِ وَالْحِفْظِ، وَعِصْمَةُ اللَّهِ عَبْدَهُ: أَنْ يَمْنَعَهُ وَيَحْفَظَهُ مِمَّا يُوبِقُهُ (1) .
وَتُطْلَقُ الْعِصْمَةُ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ، قَال تَعَالَى:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} (2) أَيْ: بِعَقْدِ نِكَاحِهِنَّ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ: عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعِصْمَةِ:
2 -
تَخْتَلِفُ الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعِصْمَةِ بِاخْتِلَافِ إِطْلَاقِهَا:
أ - الْعِصْمَةُ: بِمَعْنَى حِفْظِ اللَّهِ لِلْمُكَلَّفِ مِنَ الذُّنُوبِ مَعَ اسْتِحَالَةِ وُقُوعِهَا مِنْهُ.
ب - الْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ وَهِيَ: الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا لِلإِْنْسَانِ وَمَالِهِ قِيمَةٌ، بِحَيْثُ يَجِبُ
(1) لسان العرب، فتح الباري جـ 1 / في شرح حديث:" عصموا دماءرهم ".
(2)
سورة الممتحنة / 10.
الْقِصَاصُ، أَوِ الدِّيَةُ، أَوِ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ هَتَكَهَا.
ج - وَالْعِصْمَةُ الْمُؤَثِّمَةِ: وَهِيَ: الَّتِي يَأْثَمُ هَاتِكُهَا (1) .
3 -
فَالْعِصْمَةُ بِالْمَعْنَى الأَْوَّل لَا تَثْبُتُ إِلَاّ لِلأَْنْبِيَاءِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَهِيَ: مَلَكَةٌ يُودِعُهَا اللَّهُ فِيهِمْ تَعْصِمُهُمْ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَخِلَافِ الأَْوْلَى، قَال تَعَالَى فِي حَقِّ الْمَلَائِكَةِ:{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} . (2)
وَالأَْنْبِيَاءُ مَحْفُوظُونَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ مِنَ الذُّنُوبِ الظَّاهِرَةِ كَالْكَذِبِ وَنَحْوِهِ، وَالذُّنُوبِ الْبَاطِنَةِ، كَالْحَسَدِ وَالْكِبْرِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الرَّسُول هُوَ الْمَثَل الأَْعْلَى الَّذِي يَجِبُ الاِقْتِدَاءُ بِهِ فِي اعْتِقَادَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَخْلَاقِهِ، إِذْ هُوَ الأُْسْوَةُ الْحَسَنَةُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ لَهُ، إِلَاّ مَا كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ بِالنَّصِّ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ كُل اعْتِقَادَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَخْلَاقِهِ الاِخْتِيَارِيَّةِ بَعْدَ الرِّسَالَةِ مُوَافِقَةً لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَوَجَبَ أَنْ لَا يَدْخُل فِي شَيْءٍ مِنَ اعْتِقَادَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَخْلَاقِهِ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لأَِنَّ اللَّهَ جَل شَأْنُهُ: أَمَرَ الأُْمَمَ بِالاِقْتِدَاءِ بِرُسُلِهِمْ فَقَال تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ
(1) التعريفات للجرجاني.
(2)
سورة التحريم / 6.
لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآْخِرَ} (1) وَقَال فِي حَقِّ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُول اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآْخِرَ} (2) فَإِذَا جَازَ أَنْ يَفْعَل الرُّسُل بَعْدَ الرِّسَالَةِ وَالأَْمْرِ بِالاِقْتِدَاءِ بِهِمُ الْمُحَرَّمَاتِ أَوِ الْمَكْرُوهَاتِ أَوْ خِلَافَ الأَْوْلَى: لَكُنَّا مَأْمُورِينَ بِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَأْمُرُ بِمُحَرَّمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وَلَا خِلَافِ الأَْوْلَى (3)، قَال تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} (4)، وَبِذَلِكَ يَثْبُتُ أَنَّ الرُّسُل عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ نُبُوَّتِهِمْ وَبَعْدَ الأَْمْرِ بِالاِقْتِدَاءِ بِهِمْ مَعْصُومُونَ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْمَعَاصِي وَهَذَا مَا يُسَمَّى:" عِصْمَةُ الرُّسُل (5) ".
أَمَّا عِصْمَتُهُمْ قَبْل النُّبُوَّةِ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا، فَمَنَعَهَا قَوْمٌ، وَجَوَّزَهَا آخَرُونَ، وَالصَّحِيحُ تَنْزِيهُهُمْ مِنْ كُل عَيْبٍ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ قَبْل اصْطِفَائِهِ بِالنُّبُوَّةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
فَهُوَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يُكَلَّفْ بَعْدُ مُطْلَقًا بِشَرْعٍ مَا، فَالْعِصْمَةُ فِي حَقِّهِ غَيْرُ وَارِدَةٍ؛ لأَِنَّ الْمَعَاصِيَ وَالْمُخَالَفَاتِ إِنَّمَا تُتَصَوَّرُ بَعْدَ وُرُودِ
(1) سورة الممتحنة / 6.
(2)
سورة الأحزاب / 21.
(3)
شرح جوهرة التوحيد للبيجوري ص120 - 132، التعريفات للجرجاني، الشفاء للقاضي عياض 2 / 746 وما قبله وما بعده.
(4)
سورة الأعراف / 28.
(5)
المصادر السابقة.
الشَّرْعِ وَالتَّكْلِيفِ بِهِ، وَالْمَفْرُوضُ أَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ، فَلَا مَجَال لِبَحْثِ الْمَعْصِيَةِ أَوْ عَدَمِهَا؛ لأَِنَّ الذِّمَّةَ خَالِيَةٌ مِنَ التَّكْلِيفِ، لَكِنَّ عُلُوَّ فِطْرَةِ الرَّسُول وَصَفَاءَ نَفْسِهِ وَسُمُوَّ رُوحِهِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ أُنْمُوذَجًا رَفِيعًا بَيْنَ قَوْمِهِ، فِي أَخْلَاقِهِ وَمُعَامَلَاتِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَفِي بُعْدِهِ عَنِ ارْتِكَابِ الْقَبَائِحِ الَّتِي تَنْفِرُ عَنْهَا الْعُقُول السَّلِيمَةُ، وَالطَّبَائِعُ الْمُسْتَقِيمَةُ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْل اصْطِفَائِهِ قَدْ كُلِّفَ بِشَرْعِ رَسُولٍ سَابِقٍ، كَلُوطٍ عليه السلام حَيْثُ كَانَ تَابِعًا قَبْل نُبُوَّتِهِ لإِِبْرَاهِيمَ عليه السلام، وَكَأَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ بَعْدِ مُوسَى قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيْهِمْ بِالنُّبُوَّةِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَثْبُتْ فِي عِصْمَتِهِمْ فِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ، وَلَكِنَّ سِيرَةَ الأَْنْبِيَاءِ الَّتِي أُثِرَتْ عَنْهُمْ قَبْل نُبُوَّتِهِمْ تَشْهَدُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْمَعَاصِي: كَبَائِرِهَا وَصَغَائِرِهَا (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (نَبِيّ) .
4 -
وَالْعِصْمَةُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي: وَهِيَ الَّتِي يَثْبُتُ لِلإِْنْسَانِ وَمَالِهِ بِهَا قِيمَةٌ، بِحَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ عَلَى مَنْ هَتَكَهَا، فَهَذِهِ تَثْبُتُ لِلإِْنْسَانِ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَمَنْ نَطَقَ بِهِمَا عُصِمَ دَمُهُ وَمَالُهُ (2) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: فَإِذَا قَالُوا
(1) شرح جوهرة التوحيد للبيجوري، والشفاء للقاضي عياض 2 / 793 وما بعدها.
(2)
ابن عابدين 3 / 233، والقليوبي 4 / 220 - 221.