الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالضَّرُورَةِ أَنْ يَحْصُل الْقَبُول فَوْرَ صُدُورِ الإِْيجَابِ، فَالْجُمْهُورُ مِنَ الْفُقَهَاءِ لَا يَشْتَرِطُونَ الْفَوْرِيَّةَ فِي الْقَبُول، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَتَفْصِيلُهُ فِيمَا يَلِي:
أ -
رُجُوعُ الْمُوجِبِ عَنِ الإِْيجَابِ
.
19 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ الإِْيجَابَ غَيْرُ مُلْزِمٍ، وَلِلْمُوجِبِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ إِيجَابِهِ قَبْل قَبُول الطَّرَفِ الآْخَرِ، سَوَاءٌ ذَلِكَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا، أَمْ فِي عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ، كَالْهِبَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَمِثْلِهِمَا، قَال فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَلِلْمُوجِبِ أَيًّا كَانَ أَنْ يَرْجِعَ قَبْل قَبُول الآْخَرِ (1)، وَفِي الْبَدَائِعِ: لَوْ خَاطَبَ ثُمَّ رَجَعَ قَبْل قَبُول الآْخَرِ صَحَّ رُجُوعُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَتَبَ شَطْرَ الْعَقْدِ ثُمَّ رَجَعَ (2) ، وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى صِحَّةِ الرُّجُوعِ بِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الَّذِي أَثْبَتَ لِلْمُخَاطَبِ وِلَايَةَ الْقَبُول، فَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا كَعَزْل الْوَكِيل؛ وَلأَِنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزِ الرُّجُوعُ لَزِمَ تَعْطِيل حَقِّ الْمِلْكِ بِحَقِّ التَّمَلُّكِ، فَالْبَائِعُ مَثَلاً مَالِكٌ لِلسِّلْعَةِ، وَالْمُشْتَرِي يَتَمَلَّكُهَا بِالْعَقْدِ، وَلَا يُعَارِضُ حَقُّ التَّمَلُّكِ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ (3) .
(1) الفتاوى الهندية 3 / 8.
(2)
بدائع الصنائع للكاساني 5 / 138.
(3)
فتح القدير 5 / 78.
وَعَلَى ذَلِكَ إِذَا رَجَعَ الْمُوجِبُ قَبْل الْقَبُول ثُمَّ قَبِل الْمُخَاطَبُ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ؛ لِبُطْلَانِ الإِْيجَابِ بِالرُّجُوعِ وَعَدَمِ اتِّصَال الْقَبُول بِالإِْيجَابِ.
قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ فِي شُرُوطِ الاِنْعِقَادِ: وَأَنْ يُصِرَّ الْبَادِي عَلَى مَا أَتَى بِهِ مِنَ الإِْيجَابِ إِلَى الْقَبُول (1) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ نَقَل الْحَطَّابُ عَنِ ابْنِ رُشْدٍ الْجَدِّ: أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَمَّا أَوْجَبَهُ لِصَاحِبِهِ قَبْل أَنْ يُجِيبَهُ الآْخَرُ لَمْ يُفِدْهُ رُجُوعُهُ إِذَا أَجَابَهُ صَاحِبُهُ بَعْدُ بِالْقَبُول (2) ، وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّ رُجُوعَ الْمُوجِبِ عَنِ الإِْيجَابِ لَا يُبْطِل الإِْيجَابَ، بَل يَبْقَى إِلَى أَنْ يَقْبَلَهُ الطَّرَفُ الآْخَرُ فَيَتَّصِل بِهِ الْقَبُول، وَيَنْعَقِدُ الْعَقْدُ، أَوْ يَرُدُّهُ فَلَا يَنْعَقِدُ، وَيَرَى الدُّسُوقِيُّ أَنَّ قَوْل ابْنِ رُشْدٍ هَذَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَا تَكُونُ فِيهِ الصِّيغَةُ مُلْزِمَةً كَصِيغَةِ الْمَاضِي (3) .
وَهَل لِلْقَابِل أَنْ يَرْجِعَ عَنْ قَبُولِهِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ؟ فِيهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يَأْتِي بَيَانُهُ
ب -
صُدُورُ مَا يَدُل عَلَى الإِْعْرَاضِ مِنْ قِبَل الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا
.
20 -
يُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الاِتِّصَال بَيْنَ الإِْيجَابِ
(1) مغني المحتاج 2 / 6، والوجيز للغزالي 1 / 139، والشرح الكبير مع المغني 4 / 4.
(2)
مواهب الجليل 4 / 240، 241.
(3)
حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 3 / 4.