الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَاتِل، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ سَقَطَ عَنِ الْقَاتِل مَعَ عَاقِلَتِهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، إِلَاّ أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ الزَّائِدَ كَسَائِرِ الْوَصَايَا بِالْمَال (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا جَرَحَ حُرٌّ رَجُلاً خَطَأً فَعَفَا عَنْهُ ثُمَّ سَرَتِ الْجِنَايَةُ إِلَى النَّفْسِ، بُنِيَ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ فِي قَتْل الْخَطَأِ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ابْتِدَاءً أَمْ عَلَى الْقَاتِل ثُمَّ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ؟ وَفِيهِ خِلَافٌ، فَإِنْ قَال: عَفَوْتُ عَنِ الْعَاقِلَةِ، أَوْ: أَسْقَطْتُ الدِّيَةَ عَنْهُمْ، أَوْ قَال: عَفَوْتُ عَنِ الدِّيَةِ، فَهَذَا تَبَرُّعٌ عَلَى غَيْرِ الْقَاتِل فَيَنْفُذُ إِذَا وَفَّى الثُّلُثُ بِهِ، وَيُبَرَّءُونَ سَوَاءٌ جَعَلْنَاهُمْ مُتَأَصِّلِينَ أَمْ مُتَحَمِّلِينَ، وَإِنْ قَال لِلْجَانِي: عَفَوْتُ عَنْكَ، لَمْ يَصِحَّ. وَقِيل: إِنْ قُلْنَا: يُلَاقِيهِ الْوُجُوبُ ثُمَّ يُحْمَل عَنْهُ، صَحَّ، وَالْمَذْهَبُ الأَْوَّل؛ لأَِنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْوُجُوبِ يَنْتَقِل عَنْهُ فَيُصَادِفُهُ الْعَفْوُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، هَذَا إِذَا ثَبَتَتِ الْجِنَايَةُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِاعْتِرَافِ الْعَاقِلَةِ، فَأَمَّا إِذَا أَقَرَّ الْقَاتِل وَأَنْكَرَتِ الْعَاقِلَةُ فَالدِّيَةُ عَلَى الْقَاتِل، وَيَكُونُ الْعَفْوُ تَبَرُّعًا عَلَى الْقَاتِل فَفِيهِ الْخِلَافُ. وَلَوْ عَفَا الْوَارِثُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَنِ الْعَاقِلَةِ أَوْ مُطْلَقًا صَحَّ، وَلَوْ عَفَا عَنِ الْجَانِي لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ صَحَّ (2) .
(1) الفواكه الدواني 2 / 255، 256.
(2)
روضة الطالبين 9 / 245.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا عَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَنِ الْجَرْحِ الْخَطَأِ اعْتُبِرَ خُرُوجُ الْجِنَايَةِ وَسِرَايَتُهَا مِنَ الثُّلُثِ كَالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ سَقَطَ عَنِ الْجَانِي مِنْ دِيَةِ السِّرَايَةِ مَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ أَبْرَأَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْجَانِيَ مِنَ الدِّيَةِ أَوْ وَصَّى لَهُ بِهَا فَهُوَ وَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ، وَتَصِحُّ لِتَأَخُّرِهَا عَنِ الْجِنَايَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَّى لَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ.
وَتُعْتَبَرُ الْبَرَاءَةُ مِنَ الدِّيَةِ أَوِ الْوَصِيَّةُ بِهَا لِلْقَاتِل مِنَ الثُّلُثِ كَسَائِرِ الْعَطَايَا فِي الْمَرَضِ وَالْوَصَايَا.
وَإِنْ أَبْرَأَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ وَارِثُهُ الْقَاتِل مِنَ الدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لَمْ يَصِحَّ الإِْبْرَاءُ؛ لأَِنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ؛ لأَِنَّ الدِّيَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الْقَاتِل، وَإِنْ أَبْرَأَ الْعَاقِلَةَ صَحَّ؛ لأَِنَّهُ أَبْرَأَهَا مِنْ حَقٍّ عَلَيْهَا كَالدَّيْنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا.
وَمَنْ صَحَّ عَفْوُهُ مَجَّانًا فَإِنْ أَوْجَبَ الْجُرْحُ مَالاً عَيْنِيًّا كَالْجَائِفَةِ وَجِنَايَةِ الْخَطَأِ فَكَوَصِيَّةٍ، يُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ؛ لأَِنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالٍ (1)
عَفْوُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ:
27 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعَافِي أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً بَالِغًا، فَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ مِنَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ ثَابِتًا لَهُمَا؛ لأَِنَّهُ
(1) كشاف القناع 5 / 546.
مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْمُضِرَّةِ فَلَا يَمْلِكَانِهِ (1) ، وَيَنْظُرُ لِلصِّغَارِ وَلِيُّهُمْ فِي الْقَوَدِ وَالْعَفْوِ عَلَى مَالٍ (2) .
وَلأَِبِي الْمَعْتُوهِ أَنْ يُقِيدَ مِنْ جَانِيهِ؛ لأَِنَّ لأَِبِيهِ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ فَيَلِيهِمَا كَالإِْنْكَاحِ، وَيُصَالِحُ لأَِنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمَعْتُوهِ مِنَ الاِسْتِيفَاءِ، فَلَمَّا مَلَكَ الاِسْتِيفَاءَ فَلأََنْ يَمْلِكَ الصُّلْحَ أَوْلَى، هَذَا إِذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِلَاّ لَا يَصِحُّ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَلَا يَعْفُو؛ لأَِنَّهُ إِبْطَالٌ لِحَقِّهِ، وَلِلْوَصِيِّ الصُّلْحُ فَقَطْ؛ لأَِنَّ وِلَايَةَ الْقِصَاصِ تَابِعَةٌ لِوِلَايَةِ النَّفْسِ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالأَْبِ، وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ وَالْقَاضِي كَالأَْبِ فِي الأَْحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ (3) .
وَأَمَّا الْحَجْرُ لِلْفَلَسِ: فَلَوْ عَفَا الْمُفْلِسُ عَنِ الْقِصَاصِ سَقَطَ، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَإِنْ قِيل: مُوجِبُ الْقَتْل أَحَدُ الأَْمْرَيْنِ، فَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ عَنِ الْمَال، وَإِذَا تَعَيَّنَ الْمَال بِالْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ دُفِعَ إِلَى غُرَمَائِهِ (4) .
وَعَفْوُ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَعَفْوُ الْوَرَثَةِ عَنِ الْقِصَاصِ مَعَ نَفْيِ الْمَال إِذَا كَانَ عَلَى
(1) درر الحكام لمنلا خسرو 2 / 94، البدائع 10 / 4646، ومواهب الجليل للحطاب 6 / 252، وروضة الطالبين 9 / 242، والمغني 8 / 346.
(2)
مواهب الجليل 6 / 252.
(3)
درر الحكام 2 / 94، والهداية مع نتائج الأفكار 8 / 262، 263.
(4)
روضة الطالبين 9 / 241.
التَّرِكَةِ دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ كَعَفْوِ الْمُفْلِسِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ يَصِحُّ مِنْهُ إِسْقَاطُ الْقِصَاصِ وَاسْتِيفَاؤُهُ، وَفِيمَا يَرْجِعُ إِلَى الدِّيَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُفْلِسِ عَلَى الأَْصَحِّ (1) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - كَمَا قَال الْبُهُوتِيُّ - إِنْ كَانَ مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَجُزْ لآِخَرَ اسْتِيفَاؤُهُ، وَلَيْسَ لأَِبِيهِمَا اسْتِيفَاؤُهُ كَوَصِيٍّ وَحَاكِمٍ، فَإِنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إِلَى نَفَقَةٍ فَلِوَلِيِّ الْمَجْنُونِ الْعَفْوُ إِلَى الدِّيَةِ دُونَ وَلِيِّ الصَّغِيرِ نَصًّا؛ لأَِنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ فِي حَالَةٍ مُعْتَادَةٍ يُنْتَظَرُ فِيهَا إِفَاقَتُهُ وَرُجُوعُ عَقْلِهِ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ (2) .
أَمَّا الْمُفْلِسُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ فَيَصِحُّ عَفْوُهُمَا عَنِ الْقِصَاصِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُفْلِسُ الْقِصَاصَ لَمْ يَكُنْ لِغُرَمَائِهِ إِجْبَارُهُ عَلَى تَرْكِهِ، وَإِنْ أَحَبَّ الْمُفْلِسُ الْعَفْوَ عَنْهُ إِلَى مَالٍ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لأَِنَّ فِيهِ حَظًّا لِلْغُرَمَاءِ، وَلَا يَعْفُو مَجَّانًا؛ لأَِنَّ الْمَال وَاجِبٌ وَلَيْسَ لَهُ إِسْقَاطُهُ إِذَا قُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا، صَحَّ عَفْوُهُ عَنْهُ مَجَّانًا.
أَمَّا السَّفِيهُ وَوَارِثُ الْمُفْلِسِ وَالْمَرِيضُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْعَفْوِ مِنْ هَؤُلَاءِ
(1) روضة الطالبين 9 / 242.
(2)
كشاف القناع 5 / 533.