الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلإِْحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوِ الْحَرَمِ.
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الإِْحْرَامَ مِنَ التَّنْعِيمِ أَفْضَل؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُعْمِرَ عَائِشَةَ مِنَ التَّنْعِيمِ (1) فَهُوَ أَفْضَل تَقْدِيمًا لِدَلَالَةِ الْقَوْل عَلَى دَلَالَةِ الْفِعْل.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ يَلِي الإِْحْرَامَ مِنَ التَّنْعِيمِ فِي الأَْفْضَلِيَّةِ الإِْحْرَامُ مِنَ الْجِعْرَانَةِ ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ: الإِْحْرَامُ مِنَ الْجِعْرَانَةِ أَفْضَل، ثُمَّ مِنَ التَّنْعِيمِ ثُمَّ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ (2) وَأَمَرَ عَائِشَةَ بِالاِعْتِمَارِ مِنَ التَّنْعِيمِ وَبَعْدَ إِحْرَامِهِ بِهَا بِذِي الْحُلَيْفَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ هَمَّ بِالدُّخُول إِلَيْهَا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْهَا، فَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ مَا فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ مَا أَمَرَ بِهِ ثُمَّ مَا هَمَّ بِهِ.
وَقَال أَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ: التَّنْعِيمُ وَالْجِعْرَانَةُ مُتَسَاوِيَانِ، لَا أَفْضَلِيَّةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الآْخَرِ، وَتَوْجِيهُهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ وُرُودُ الأَْثَرِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (3) .
(1) تقدم تخريجه ف18.
(2)
حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من الجعرانة ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 600) ومسلم (2 / 916) من حديث أنس.
(3)
المسلك المتقسط ص308، وحاشية الدسوقي 2 / 22، والمنهاج للنووي وشروحه 2 / 95، والمغني 3 / 259. وكشاف القناع 2 / 516، والإنصاف 4 / 54، والفروع 3 / 379.
الإِْكْثَارُ مِنَ الْعُمْرَةِ:
31 -
يُسْتَحَبُّ الإِْكْثَارُ مِنَ الْعُمْرَةِ، وَلَا يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ) وَهُوَ قَوْل عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ رحمهم الله (1) ، وَتَدُل لَهُمُ الأَْحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي فَضْل الْعُمْرَةِ، وَالْحَثِّ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا مُطْلَقَةٌ تَتَنَاوَل تَكْرَارَ الْعُمْرَةِ تَحُثُّ عَلَيْهِ.
وَفَصَّل ابْنُ قُدَامَةَ مَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ الإِْكْثَارُ فَقَال: قَال عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي كُل شَهْرٍ مَرَّةً، وَكَانَ أَنَسٌ إِذَا حَمَّمَ رَأْسَهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ، وَقَال عِكْرِمَةُ: يَعْتَمِرُ إِذَا أَمْكَنَ الْمُوسَى مِنْ شَعْرِهِ، وَقَال عَطَاءٌ: إِنْ شَاءَ اعْتَمَرَ فِي كُل شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ، وَقَال أَحْمَدُ: إِذَا اعْتَمَرَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَفِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ يُمْكِنُ حَلْقُ الرَّأْسِ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيُّ: إِنْ قَدَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَحْبَبْتُ لَهُ ذَلِكَ (3) .
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يُكْرَهُ تَكْرَارُ الْعُمْرَةِ
(1) المسلك المتقسط ص308، وشرح الرسالة 1 / 428 والإيضاح ص421، والمغني 3 / 226.
(2)
المغني 3 / 226.
(3)
حاشية الهيثمي على الإيضاح ص421، والمجموع 7 / 136.
فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، وَتُنْدَبُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَرَّةِ لَكِنْ فِي عَامٍ آخَرَ.
وَالْمُرَادُ بِالتَّكْرَارِ فِي الْعَامِ السَّنَةُ الْهِجْرِيَّةُ، فَلَوِ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ثُمَّ فِي الْمُحَرَّمِ لَا يُكْرَهُ؛ لأَِنَّهُ اعْتَمَرَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ.
وَمَحَل كَرَاهَةِ التَّكْرَارِ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ دُخُول مَكَّةَ مِنْ مَوْضِعٍ عَلَيْهِ فِيهِ إِحْرَامٌ، كَمَا لَوْ خَرَجَ مَعَ الْحَجِيجِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ قَبْل أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ؛ لأَِنَّ الإِْحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْل أَشْهُرِهِ مَكْرُوهٌ.
وَقَدِ اسْتَدَل الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُكَرِّرْهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ.
وَمُقَابِل الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْل مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ جَوَازِ التَّكْرَارِ، بَل قَال ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِهَا فِي كُل شَهْرٍ مَرَّةً.
وَعَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ لَوْ أَحْرَمَ بِثَانِيَةٍ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ إِجْمَاعًا، قَالَهُ سَنَدٌ وَغَيْرُهُ (1) .
وَيَشْمَل اسْتِحْبَابُ الْعُمْرَةِ وَاسْتِحْبَابُ تَكْرَارِهَا أَشْهُرَ الْحَجِّ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ فِيهَا، وَفِي ذَلِكَ إِبْطَالٌ لِزَعْمِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ، بَل
(1) شرح الرسالة وحاشية العدوي 1 / 428.
إِنَّ عُمُرَاتِهِ صلى الله عليه وسلم هِيَ أَرْبَعٌ - كَانَتْ كُلُّهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا ثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَاّ الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِل فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنْ جِعْرَانَةَ حَيْثُ قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ (1) .
وَدَرْءًا لِمَا قَدْ يُفْهَمُ مِنْ تَعَارُضٍ بَيْنَ هَذَا وَمَا سَبَقَ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: إِنَّ رَمَضَانَ أَفْضَل بِتَنْصِيصِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ، وَتَرْكُهُ لِذَلِكَ لاِقْتِرَانِهِ بِأَمْرٍ يَخُصُّهُ كَاشْتِغَالِهِ بِعِبَادَاتٍ أُخْرَى فِي رَمَضَانَ تَبَتُّلاً، وَأَنْ لَا يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ، فَإِنَّهُ لَوِ اعْتَمَرَ فِيهِ لَخَرَجُوا مَعَهُ، وَلَقَدْ كَانَ بِهِمْ رَحِيمًا، وَقَدْ أَخْبَرَ فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ أَنَّ تَرْكَهُ لَهَا؛ لِئَلَاّ يَشُقَّ عَلَيْهِمْ مَعَ مَحَبَّتِهِ لَهَا كَالْقِيَامِ بِهِمْ فِي رَمَضَانَ، وَمَحَبَّتِهِ لأََنْ يَسْقِيَ بِنَفْسِهِ مَعَ سُقَاةِ زَمْزَمَ ثُمَّ تَرَكَهُ كَيْ لَا يَغْلِبَهُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِهِمْ، وَلَمْ يَعْتَمِرْ عليه الصلاة والسلام فِي السَّنَةِ إِلَاّ مَرَّةً.
وَمَا قَالَهُ الْكَمَال يَتَّفِقُ وَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ، مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ الْقَوْل مُقَدَّمَةٌ عَلَى
(1) حديث أنس: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 600) ومسلم (2 / 916) واللفظ لمسلم.