الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب -
الْعَفْوُ:
3 -
الْعَفْوُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ مَحْوُ الذُّنُوبِ، وَهُوَ - أَيْضًا -: التَّجَاوُزُ عَنِ الذَّنْبِ، وَتَرْكُ الْعِقَابِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَيْضًا قَبُول الدِّيَةِ فِي الْعَمْدِ (1) . وَفِي الاِصْطِلَاحِ: هُوَ الصَّفْحُ وَإِسْقَاطُ اللَّوْمِ وَالذَّنْبِ، وَفِي الْجِنَايَاتِ هُوَ: إِسْقَاطُ وَلِيِّ الْمَقْتُول الْقَوَدَ عَنِ الْقَاتِل (2) .
أَقْسَامُ الْعُذْرِ:
4 -
يَنْقَسِمُ الْعُذْرُ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ إِلَى قِسْمَيْنِ: عُذْرٍ خَاصٍّ، وَعُذْرٍ عَامٍّ
الْقِسْمُ الأَْوَّل:
أَوَّلاً: الْعُذْرُ الْخَاصُّ بِأَحْكَامِ الْعِبَادَاتِ:
وَيَكُونُ عَلَى نَوْعَيْنِ:
5 -
النَّوْعُ الأَْوَّل: الْعُذْرُ الْمُلَازِمُ غَالِبًا لِفَرْدٍ مُعَيَّنٍ:
وَمِنْهُ: الاِسْتِحَاضَةُ (3) وَسَلَسُ الْبَوْل (4) وَانْفِلَاتُ الرِّيحِ، وَانْطِلَاقُ الْبَطْنِ،
(1) لسان العرب.
(2)
أحكام القرآن للجصاص 1 / 175 وما بعدها، والقواعد للبركتي.
(3)
هي الدم الخارج من الفرج، لا من الرحم، لمرض وغيره.
(4)
وهو ما خرج بنفسه من غير اختيار من الأحداث، كالبول والمذي والمني والغائط يسيل من المخرج بنفسه، فيعفى عنه ولا يجل غسله للضرورة إذا لازم كل يوم ولو مرة (الشرح الصغير على أقرب المسالك 1 / 72) .
وَالْجُرْحُ الَّذِي لَا يُرْقَأُ (1) وَالرُّعَافُ الدَّائِمُ (2) فَكُل مُسْلِمٍ مُصَابٌ بِعُذْرٍ مِنْ هَذِهِ الأَْعْذَارِ يَكُونُ مَعْذُورًا، وَالْمَعْذُورُ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ: هُوَ الَّذِي لَا يَمْضِي عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ إِلَاّ وَالْحَدَثُ الَّذِي ابْتُلِيَ بِهِ مَوْجُودٌ.
أَثَرُ هَذِهِ الأَْعْذَارِ فِي الْعِبَادَاتِ:
أ -
فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْل وَالتَّيَمُّمِ:
6 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا انْتَهَتِ الأَْيَّامُ الْمُعْتَبَرَةُ حَيْضًا وَجَبَ عَلَيْهَا الاِغْتِسَال مِنَ الْحَيْضِ، ثُمَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْل بَعْدَ ذَلِكَ فِي كُل يَوْمٍ، أَوْ لِكُل صَلَاةٍ بِسَبَبِ خُرُوجِ دَمِ الاِسْتِحَاضَةِ إِلَاّ إِذَا عَرَضَ لَهَا مَا يُوجِبُ الْغُسْل غَيْرُ الاِسْتِحَاضَةِ
7 -
وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ وُضُوئِهَا، وَوُضُوءِ مَنْ فِي حُكْمِهَا مِنْ أَصْحَابِ الأَْعْذَارِ، كَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْل، وَانْفِلَاتُ الرِّيحِ، وَانْطِلَاقُ الْبَطْنِ، وَالْجُرْحُ الَّذِي لَا يُرْقَأُ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ يَتَوَضَّئُونَ لِوَقْتِ كُل صَلَاةٍ، وَيُصَلُّونَ مَا شَاءُوا مِنَ الْفَرَائِضِ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً، وَالْوَاجِبَاتُ كَالْوِتْرِ، وَكَذَا النَّوَافِل (3) حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، مَا لَمْ
(1) أي لا يسكن ولا يهدأ.
(2)
هو دم الأنف الذي لا يسكن ولا ينقطع.
(3)
البناية في شرح الهداية للعيني 1 / 672.
يَعْرِضْ نَاقِضٌ مِنَ النَّوَاقِضِ الاِعْتِيَادِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُل صَلَاةٍ (1) .
وَقَال عليه الصلاة والسلام لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ رضي الله عنها حِينَ قَالَتْ لَهُ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ، فَلَا أَطْهُرُ، تَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُل صَلَاةٍ (2) وَعَلَيْهِ يُحْمَل قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُل صَلَاةٍ (3) ؛ لأَِنَّهُ يُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْوَقْتُ، قَال عليه الصلاة والسلام: أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ (4) وَيُقَال: آتِيكَ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ أَيْ: لِوَقْتِهَا (5) فَالْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ فِي حُكْمِهَا تَكُونُ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ فِي حُكْمِ الطَّاهِرَاتِ مَا لَمْ يَطْرَأْ نَاقِضٌ آخَرُ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَكْرَارَ الْوُضُوءِ
(1) حديث " المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة "، قال الزيلعي في نصب الراية 1 / 204: غريب جدًا، ورواه البخاري (فتح الباري 1 / 332)" ثم توضئي لكل صلاة ".
(2)
حديث فاطمة بنت أبي حبيش " توضئي لوقت كل صلاة " ذكره العيني في البناية (1 / 677) .
(3)
حديث " المستحاضة تتوضأ لكل صلاة " ورد بلفظ ثم توضئ لكل صلاة ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 332) .
(4)
حديث: " أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت ". أخرجه أحمد (2 / 222) من حديث عبد الله بن عمرو، وأصله في البخاري (فتح الباري 1 / 437) ومسلم (1 / 370 - 371) من حديث جابر.
(5)
الاختيار لتعليل المختار 1 / 29.
بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ فِي حُكْمِهَا مِنْ أَصْحَابِ الأَْعْذَارِ لَا يَجِبُ لِوَقْتِ كُل صَلَاةٍ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، إِلَاّ إِذَا كَانَ انْقِطَاعُ الدَّمِ أَكْثَرَ مِنْ إِتْيَانِهِ فَيَجِبُ؛ لأَِنَّ هَذَا مِنَ الْحَدَثِ الْمُبْتَلَى بِهِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي (1) وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالْوُضُوءِ؛ وَلأَِنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْهُ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ؛ لأَِنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُعْتَادٍ (2)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ وَمَنْ فِي حُكْمِهَا مِنْ أَصْحَابِ الأَْعْذَارِ يَجِبُ أَنْ يَتَوَضَّئُوا لِكُل فَرْضٍ بَعْدَ دُخُول وَقْتِهِ، وَيُصَلُّوا مَعَ هَذَا الْفَرْضِ مَا يَشَاءُونَ مِنَ النَّوَافِل، مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: تَوَضَّئِي لِكُل صَلَاةٍ (3) مَا لَمْ يَعْرِضْ لَهَا نَاقِضٌ اعْتِيَادِيٌّ (4) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ وَمَنْ فِي حُكْمِهَا عَلَيْهِمِ الْوُضُوءُ لِكُل صَلَاةٍ، وَبَعْدَ غَسْل مَحَل الْحَدَثِ وَشَدِّهِ وَالتَّحَرُّزِ مِنْ خُرُوجِ
(1) حديث: فاطمة بنت أبي حبيش " فاغتسلي وصلّى ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 425) ، ومسلم (1 / 263) واللفظ لمسلم.
(2)
شرح الدردير مع حاشية الدسوقي 1 / 115 وما بعدها.
(3)
حديث: " فاطمة بنت أبي حبيش " توضئي لكل صلاة ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 332) .
(4)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 1 / 318.