الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهَالَاتُ وَمَا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ ذَلِكَ مِنَ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ فَقَال: وَرَدَتِ الأَْحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي نَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ بَيْعِ الْمَجْهُول، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَمِنْهُمْ مَنْ عَمَّمَهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ - وَهُوَ الشَّافِعِيُّ - فَمَنَعَ مِنَ الْجَهَالَةِ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالإِْبْرَاءِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَل - وَهُوَ مَالِكٌ - بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهُوَ بَابُ الْمُمَاكَسَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِتَنْمِيَةِ الأَْمْوَال مَا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُهَا، وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَهُوَ مَا لَا يُقْصَدُ لِذَلِكَ، وَانْقَسَمَتِ التَّصَرُّفَاتُ عِنْدَهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ، فَالطَّرَفَانِ أَحَدُهُمَا: مُعَاوَضَةٌ صِرْفَةٌ فَيُجْتَنَبُ فِيهَا ذَلِكَ إِلَاّ مَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ. . . وَثَانِيهِمَا: مَا هُوَ إِحْسَانٌ صِرْفٌ لَا يُقْصَدُ بِهِ تَنْمِيَةُ الْمَال كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالإِْبْرَاءِ.
فَفِي الْقِسْمِ الأَْوَّل: إِذَا فَاتَ بِالْغَرَرِ وَالْجَهَالَاتِ ضَاعَ الْمَال الْمَبْذُول فِي مُقَابَلَتِهِ فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ مَنْعَ الْجَهَالَةِ فِيهِ، أَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي - أَيِ: الإِْحْسَانُ الصِّرْفُ - فَلَا ضَرَرَ فِيهِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ وَحَثُّهُ عَلَى الإِْحْسَانِ التَّوْسِعَةَ فِيهِ بِكُل طَرِيقٍ، بِالْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُول فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ قَطْعًا، وَفِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى تَقْلِيلِهِ فَإِذَا وَهَبَ
لَهُ عَبْدَهُ الآْبِقَ جَازَ أَنْ يَجِدَهُ فَيَحْصُل لَهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَبْذُل شَيْئًا، وَهَذَا فِقْهٌ جَمِيلٌ (1) .
ثُمَّ قَال: وَأَمَّا الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ النِّكَاحُ، فَهُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَال فِيهِ لَيْسَ مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا مَقْصِدُهُ الْمَوَدَّةُ وَالأُْلْفَةُ وَالسُّكُونُ، يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ مُطْلَقًا، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ اشْتَرَطَ فِيهِ الْمَال بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} (2) ، يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ فِيهِ، فَلِوُجُودِ الشَّبَهَيْنِ تَوَسَّطَ مَالِكٌ فَجَوَّزَ فِيهِ الْغَرَرَ الْقَلِيل دُونَ الْكَثِيرِ، نَحْوَ عَبْدٍ مِنْ غَيْرِ تَعَيُّنٍ، وَشُورَةِ (أَثَاثِ) بَيْتٍ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْعَبْدِ الآْبِقِ، وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ (3)
د -
الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ
.
42 -
يُشْتَرَطُ فِي مَحَل الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، وَهَذَا الشَّرْطُ مَحَل اتِّفَاقٍ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْجُمْلَةِ، فَالْحَيَوَانُ الضَّال الشَّارِدُ وَنَحْوُهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِعَقْدِ الْبَيْعِ أَوِ الإِْجَارَةِ أَوِ الصُّلْحِ أَوْ نَحْوِهَا، وَكَذَلِكَ الدَّارُ الْمَغْصُوبَةُ مِنْ غَيْرِ غَاصِبِهَا، أَوِ الأَْرْضُ أَوْ أَيْ شَيْءٍ آخَرُ تَحْتَ يَدِ الْعَدُوِّ.
(1) الفروق 1 / 150، 151 مع تصرف يسير.
(2)
سورة النساء / 24.
(3)
الفروق 1 / 150 - 151.