الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ» . قَالَ: أأَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْهُ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: نَعَمْ، كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: سَمِعَتْهُ أُذُنَاىَ وَوَعَاهُ قَلْبِى. فَقَالَ (1) الرَّجُلُ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ. [م 634، ن 471، ق 1/ 466، حب 1740]
(10) بَابٌ: إِذَا أَخَّرَ الإِمَامُ الصَّلَاةَ عَنِ الْوَقْتِ
===
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يلج النار) أي لا يدخلها أصلًا للتعذيب، أو على وجه التأبيد (رجل صلَّى قبل طلوع الشمس) أي صلاة الفجر (وقبل أن تغرب) أي صلاة العصر، أي: حافظ (2) عليهما، وخصهما، لأن وقت العصر وقت الاشتغال، ووقت الفجر وقت النوم، فمن حافظ عليهما كان لغيرهما من الصلوات أحفظ.
(قال) الرجل البصري: (أأنت (3) سمعته منه؟ ثلاث مرات) متعلق بقال (قال) عمارة: (نعم) أي سمعته منه، (كل (4) ذلك يقول: سمعته أذناي ووعاه) أي حفظه (قلبي، فقال الرجل) البصري: (وأنا سمعته) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول ذلك) أي الحديث الذي رواه عمارة.
(10)
(بَابٌ: إِذَا أَخَّرَ الإمَامُ الصَّلاةَ عَنِ الوَقْتِ)
أي: فماذا يفعل الناس، هل ينتظرون صلاة الإِمام ويؤخرونها كما يؤخر الإِمام، أو يتركون الجماعة ويؤدونها في أول وقتها؟
(1) وفي نسخة: "قال".
(2)
وفي "العرف الشذي"(ص 205): أن وجوب البردين قبل الخمسة، والوتر، قلت: لكن هذا التوجيه لا يتمشى ههنا للرواية السابقة. (ش).
(3)
بهمزتين خفيفتين، ويجوز تسهيل الثانية وإبدالها ألفًا. "ابن رسلان". (ش).
(4)
أي في كل مرة يقول: سمعته
…
إلخ، شرحه ابن رسلان: يعني كل الحديث سمعته، والأول أوجه. (ش).
(1)
.
429 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عن أَبِي عِمْرَانَ- يَعْنِي الْجَوْنِيَّ -،
===
429 -
(حدثنا مسدد) بن مسرهد، (نا حماد بن زيد، عن أبي عمران - يعني الجوني (2) -) عبد الملك بن حبيب الأزدي البصري، أحد العلماء، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن سعد: كان ثقة، وله أحاديث، وفي "الطبراني" بإسناد صحيح: عن أبي عمران الجوني قال: بايعت ابن الزبير على أن أقاتل أهل الشام فاستفتيت جندبًا، مات سنة 128 هـ، وقيل غيرها.
(1) ههنا روايتان في نسخة ابن الأعرابي، ذكرتا في النسخ القديمة:
* حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْعَنْبَرِيُّ، حَدّثَنَا أبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ، حَدَّثنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، حَدَّثنَا قَتَادَةُ وَأَبَانُ كِلَاهُمَا عن خُلَيْدٍ الْعَصْرِيِّ، عن أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عن أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيْمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبيلاً، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، وَأدَّى الأَمَانَةَ". قالُوا: يَا أبَا الدَّرْدَاءِ، وَمَا أَدَاءُ الَأمَانَةِ؟ قَالَ: الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ. [رواه الطبراني في "الكبير"، انظر: "مجمع الزوائد" رقم 139].
* حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْح المِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عن ضُبَارَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سُلَيْكَ الأَلْهَانِي قَالَ: أخْبَرَنِي اَبْنُ نَافِع، عن ابْنِ شِهَاب الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ أخْبَرَهُ قَالً: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ الله عز وجل: إِني فَرَضْتُ عَلَى أُمَّتِكَ خَمْسَ صَلَوَات، وَعَهِدْتُ عِنْدِي عَهْدًا: أَنَّهُ مَنْ جَاءَ يُحَافِظُ عَلَيْهِنَّ لِوَقْتِهِنَّ أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ فَلَا عَهْدَ لَهُ عِنْدِي"]. [جه 1403].
[قلت: هذان الحديثان في نسخة، وقد ذكرهما المزي في "الأطراف"(7/ 439) رقم (10930)، (8/ 526) رقم (12082)، وقال بعد إيراد الأول: هذا الحديث في رواية أبي سعيد ابن الأعرابي، عن أبي أسامة محمد بن عبد الملك بن يزيد الرّوَّاس، عن أبي داود، ولم يذكره أبو القاسم.
وقال بعد إيراد الثاني: حديث أبى داود في رواية أبي سعيد ابن الأعرابى، عن محمد بن عبد الملك الرَّوَّاس، عن أبي داود، ولم يذكره أبو القاسم].
(2)
بفتح الجيم. "ابن رسلان". (ش).
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عن أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَا ذَرٍّ، كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُمِيْتُونَ الصَّلَاةَ؟ " أَوْ قَالَ: "يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: "صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّهِ، فَإِنَّهَا
===
(عن عبد الله بن الصامت) الغفاري البصري، ابن أخي أبي ذر، قال النسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن سعد: يكنى أبا النضر، وكان ثقة، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال الذهبي في "الميزان": قال بعضهم: ليس بحجة، قلت: قد احتج به مسلم دون البخاري، انتهى، مات بعد سنة 70 هـ.
(عن أبي ذر) الغفاري هو جندب (قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر، كيف أنت) أي: ماذا يكون حالك، وماذا تفعل أنت (إذا كانت) استولت وتسلطت (عليك أمراء يميتون الصلاة؟ ) أي يؤخرونها (1) عن وقتها المختار (أو قال: يؤخرون الصلاة؟ ) شك من الراوي بأنه قال هذا اللفظ أو ذاك (قلت: يا رسول الله فما تأمرني؟ ) ما استفهامية مبتدأ، وتأمرني خبره، والعائد مقدر وهو لفظ "به"، أي فأي شيء تأمرني به، أو لفظة ما موصولة، وتأمرني صلته، وخبره مقدر، ومعناه: فالذي تأمرني به أفعل.
(قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلِّ الصلاة لوقتها) أي إذا أخر الإِمام الصلاة وأماتها فصلِّ الصلاة أنت لوقتها أي منفردًا (فإن أدركتها معهم) بأن حضرت الجماعة (فصله) بتذكير الضمير بتأويل الفرض، وقيل: هاء ساكنة للسكت، وفي بعض النسخ:"فصلها" بتأنيث الضمير، فالضمير للصلاة (فإنها)
(1) هذا هو مختار النووي، وكذا ابن رسلان في "شرحه" حيث قال: ولم يؤخرها أحد منهم عن جميع وقتها
…
إلخ، والحافظان ابن حجر والعيني حملا الإِماتة على الخروج عن جميع الوقت، وقد وجد ذلك عن الحجاج وأميره الوليد بن عبد الملك، جاءت الآثار بذلك في "مصنف عبد الرزاق"(2/ 379). (ش).
لَكَ نَافِلَةٌ". [م 648، ت 176، ن 778، جه 1256، دي 1228، عب 3780، ش 2/ 381، حم 5/ 147، خزيمة 1637، حب 1718، طب 1633، ق 2/ 299]
430 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ،
===
أي الصلاة التي صليت مع الجماعة (لك نافلة) أي زائدة على الفرض، لأن الفرض هو الذي صليته منفردًا، أو فإنها لك زيادة خير.
قال القاري (1): وهو محمول على الظهر والعشاء عندنا وعند بعض الشافعية، لأن الصبح والعصر لا نفل بعدهما، والمغرب لا تعاد عندنا، لأن النفل لا يكون ثلاثيًا، وإن ضم إليها ركعة ففيه مخالفة الإِمام، وعند الشافعية، لأنها تصير شفعًا، فإن أعادها يكره، وظاهر الحديث الإطلاق، فترفع الكراهة للضرورة، إذ الضرورات تبيح المحظورات، والمعنى: فصَلِّها معهم، وهو يحتمل أن ينوي الإعادة أو النافلة، فقول ابن حجر: وفيه أن إعادة الصلاة مع الجماعة سنَّة، ومن منعها محجوج بهذا، غير صحيح، بل يدل على أنه ينوي النافلة لا القضاء ولا الإعادة (2)، انتهى.
430 -
(حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم) بن عمرو بن ميمون القرشي الأموي، مولى آل عثمان، أبو سعيد (الدمشقي) القاضي المعروف بدحيم بدال وحاء مهملتين مصغرًا، الحافظ ابن اليتيم، وثَّقه ابن يونس، وأثنى عليه أحمد، وقال العجلي وأبو حاتم والنسائي والدارقطني: ثقة، وقال أبو داود: حجة لم يكن بدمشق في زمنه مثله، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان يكره أن يقال له: دحيم، وقال في موضع آخر: دحيم تصغير دحمان، ودحمان بلغتهم خبيث، وقال الخليلي في "الإرشاد": كان أحد حفاظ الأئمة، متفق عليه، ويعتمد عليه في تعديل شيوخ الشام وجرحهم، مات سنة 245 هـ.
(1)"مرقاة المفاتيح"(2/ 134).
(2)
يعني الجمع أولى، ولو أراد الاقتصار على أحدهما فهل الصلاة أول الوقت أفضل أو الانتظار؟ الاختلاف فيه مشهور عند الشافعية، ورجح النووي الثاني إن لم يفحش التأخير، كذا قال ابن رسلان. (ش).
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنِى حَسَّانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِىِّ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ الْيَمَنَ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْنَا، قَالَ: فَسَمِعْتُ تَكْبِيرَهُ مَعَ الْفَجْرِ: رَجُلٌ أَجَشُّ الصَّوْتِ
===
(نا الوليد) بن مسلم، (نا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو، (حدثني حسان) بن عطية، (عن عبد الرحمن بن سابط) ويقال: عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط، ويقال: عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سابط بن أبي حميضة الجمحي المكي، تابعي، أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وثَّقه ابن سعد، وكذا ذكره البخاري وأبو حاتم وابن حبان في "الثقات" وغير واحد كلهم في عبد الرحمن بن عبد الله، وقال: تابعي ثقة، مات سنة 118 هـ.
(عن عمرو بن ميمون الأودي) أبو عبد الله، ويقال: أبو يحيى الكوفي، أدرك الجاهلية ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، قال العجلي: كوفي تابعي ثقة، حج ستين ما بين حجة وعمرة، وقال ابن معين والنسائي: ثقة، وذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب"، فقال: أدرك النبي - صلي الله عليه وسلم - وصدق إليه وكان مسلمًا في حياته، وذكره ابن حبان في "ثقات التابعين"، مات سنة 74 هـ.
(قال: قدم علينا) أي على أهل اليمن (معاذ بن جبل اليمن) سنة عشر (رسول (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم) حال من معاذ (إلينا) متعلق برسول، (قال: فسمعت تكبيره مع الفجر) أي قدم علينا وقت السحر على القرب من الفجر رافعًا صوته بالتكبير، كما يدل عليه حديث ذكره الحافظ في "تهذيب التهذيب" في ترجمة عمرو بن ميمون.
(رجل أجش الصوت) بفتح الهمزة والجيم والشين المعجمة المشددة حال، قال الخطابي (2): هو الذي في صوته جُشَّةٌ، وهي شدة الصوت وفيها غنة.
(1) منصوب على الحال، أي: قدِم رسولًا. "ابن رسلان". (ش).
(2)
"معالم السنن"(1/ 185).
قَالَ: فَأُلْقِيَتْ مَحَبَّتِى (1) عَلَيْهِ، فَمَا فَارَقْتُهُ حَتَّى دَفَنْتُهُ بِالشَّامِ مَيْتًا، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى أَفْقَهِ النَّاسِ بَعْدَهُ، فَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَلَزِمْتُهُ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «كَيْفَ بِكُمْ إِذَا أَتَتْ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا؟ » ، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِى إِنْ أَدْرَكَنِى ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «صَلِّ الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا، وَاجْعَلْ صَلَاتَكَ مَعَهُمْ
===
(قال: فألقيت (2) محبتي عليه، فما فارقته) أي فلزمته (حتى دفنته بالشام ميتًا) أي مات بالشام (3) فدفنته (ثم نظرت إلى أفقه الناس) أي الصحابة (بعده) أي بعد معاذ (فأتيت ابن مسعود فلزمته حتى مات، فقال) أي ابن مسعود: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بكم) أي ماذا يكون حالكم، وماذا تفعلون (إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها؟ ) أي المختار، لا لغير ميقاتها الحقيقي، فإن المنقول عن الأمراء المتقدمين والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار، ولم يؤخرها أحد منهم عن جميع وقتها، فوجب حمل هذه الأخبار على ما هو الواقع، وهذا من المعجزات، فإنه قد وقع كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(قلت: فما تأمرني إذا أدركني ذلك) أي الوقت (يا رسول الله؟ قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلِّ الصلاة (4) لميقاتها) المختار، (واجعل صلاتك معهم
(1) وفي نسخة: "عليه محتبي".
(2)
ضبطه ابن رسلان ببناء المجهول، قال ابن رسلان: هو من القلب، أي ألقيت محبته علي، كما في قوله تعالى:{إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} الآية [القصص: 76]، {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} [يونس: 107] أي يريد الخير بك وغير ذلك، قلت: أليس أن يقال: هو مثل قوله تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه: 39] على إحدى التفسيرين، فإنهم قالوا: إن لفظ "مني" متعلق بأحببت، أي إني أحببتك، والثاني: أنه متعلق بمحذوف أي محبة كائنة مني. (ش).
(3)
وقد استعمله عمر عليها بعد أبي عبيدة بن الجراح، فتوفي في عامه ذلك في طاعون عمواس، "ابن رسلان". (ش).
(4)
وزاد في "مسلم": "ثم اذهب لحاجتك وإن أقيمت الصلاة وأنت في المسجد"، الحديث (648). "ابن رسلان". (ش).
سُبْحَةً". [جه 1255، حم 5/ 231، ق 3/ 124، حب 1479، ن 778]
===
سُبحة) بضم المهملة وسكون الموحدة وحاء مهملة، أي نافلة، وإنما خصَّت النافلة بالسبحة وإن شاركتها الفريضة في التسبيح إذ تسبيحات الفرائض نفل، فسميت الصلاة النافلة سبحة، لأنها نافلة كالتسبيحات.
قال الشوكاني (1) ما حاصله (2): وقد اختلف في الصلاة التي تصلَّى مرتين، هل الفريضة الأولى أو الثانية؟ فذهب الأوزاعي وبعض أصحاب الشافعي إلى أن الفريضة الثانية، وذهب أبو حنيفة وأصحابه والشافعي إلى أن الفريضة الأولى (3)، وعن بعض أصحاب الشافعي أن الفرض أكملهما، وعن بعض أصحاب الشافعي أيضًا أن الفرض أحدهما على الإبهام (4)، فيحتسب الله تعالى بأيتهما شاء، وعن الشعبي وبعض أصحاب الشافعي أيضًا: كلتاهما فريضة.
احتج الأولون بحديث يزيد بن عامر عند أبي داود (5) مرفوعًا وفيه: "فإذا جئت الصلاة فوجدت الناس يصلون فصل معهم، وإن كنت صليت ولتكن لك نافلة وهذه مكتوبة"، ورواه الدارقطني (6) بلفظ: "وليجعل التي صلى في بيته
(1)"نيل الأوطار"(2/ 29).
(2)
ههنا ثلاث مسائل: الأولى: في صورة الإِعادة أي الصلاتين منهما فريضة وأيهما نافلة وهي التي ذكرها الشيخ في "البذل"، والثانية: هل الإِعادة تكون لجميع الصلوات أو لبعضها، والثالثة: حكم الإِعادة خاص لمن صلَّى قبله منفردًا أو عام، أشار إليها ابن رسلان حيث قال: إنه يعيد عند الشافعي مطلقًا، فهي من النوافل التي هي ذوات السبب، وعند مالك يعيد غير المغرب، وعند الحنفية الإِعادة للظهر والعشاء فقط، وقال أيضًا: ثم اختلفوا في أن من صلَّى جماعة، ثم أدرك جماعة أخرى هل يعيد؟ قال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يعيد، وقال أحمد وإسحاق: يعيد إن شاء
…
إلخ، وسيأتي "باب إذا صلَّى في جماعة ثم أدرك جماعة". (ش).
(3)
وبه قالت الحنابلة، كما في "الشرح الكبير" و"المغني"(2/ 522)، وقال: يعيد كلها ويشفع المغرب، والإِعادة مستحب وليس بواجب. (ش).
(4)
به جزم الدردير (1/ 321)، كما سيأتي. (ش).
(5)
"سنن أبي داود" ح (577).
(6)
"سنن الدارقطني"(1/ 414).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
نافلة"، وأجيب بأنها رواية شاذة مخالفة لرواية الحفاظ والثقات، كما قال البيهقي، وقد ضعفها النووي، وقال الدارقطني: هي رواية ضعيفة شاذة.
واستدل القائلون بأن الفريضة هي الأولى بحديث يزيد بن الأسود عند أحمد وأبي داود والترمذي وغيرهم (1)، وصححه ابن السكن بلفظ:"إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة"، قال الشافعي في القديم: إسناده مجهول، لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه، ولا لابنه جابر راو غير يعلى، قال الحافظ: يعلى من رجال مسلم، وجابر وثَّقه النسائي وغيره، وقال: قد وجدنا لجابر راويًا غير يعلى، أخرجه ابن منده في "المعرفة".
ومن حجج أهل القول الثاني حديث الباب فإنه صريح في المطلوب، ولأن تأدية الثانية بنية الفريضة يستلزم أن يصلي في يوم مرتين، وقد ورد النهي عنه من حديث ابن عمر مرفوعًا:"لا تصلوا صلاة في يوم مرتين" عند أبي داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان (2).
واحتج من قال: بأنهما فريضة بعدم المخصص بالاعتداد بإحداهما، وردّ بحديث:"لا ظهران في يوم"(3)، وحديث:"لا تصلى صلاة مكتوبة في يوم مرتين"(4).
(1)"مسند أحمد"(4/ 160)، "سنن أبي داود" ح (575 - 576)، "سنن الترمذي" ح (219)، "سنن النسائي" ح (858)، "سنن الدارقطني"(1/ 413)، "صحيح ابن حبان"(4/ 57)، "المستدرك"(1/ 244).
(2)
"سنن أبي داود" ح (579)، "سنن النسائي" ح (860)، "صحيح ابن خزيمة" ح (1641)، "صحيح ابن حبان" ح (2396)، وانظر:"مسند أحمد"(2/ 19)، و"السنن الكبرى"(2/ 303). و"نصب الراية"(2/ 55)، و"سنن الدارقطني"(1/ 415).
(3)
قال الحافظ في "التلخيص": لم أره بهذا اللفظ، وقال ابن الملقن في "خلاصة البدر المنير" (1/ 71): حديث: "لا ظهران في يوم" غريب.
(4)
أخرجه الدارقطني في "سننه"(1/ 416).
431 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ أَعْيَنَ، نَا جَرِيرٌ، عن مَنْصُورٍ، عن هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عن أَبِي الْمُثَنَّى،
===
قلت: ويدل عليه ما يأتي من حديث عبادة بن الصامت عند المصنف، ورجال إسناده ثقات، وقد أخرجه ابن ماجه أيضًا، وسكت أبو داود والمنذري عن الكلام عليه، ففيه دليل على أن الصلاة المعادة نافلة، فإن قوله في الحديث:"إن شئت" دليل على عدم الوجوب، وكذلك في لفظ:"واجعلوا صلاتكم معهم سبحة" الذي أخرجه ابن ماجه في "سننه" في "باب ما جاء فيما إذا أخروا الصلاة عن وقتها" من طريق سفيان بن عيينة بهذا السند.
431 -
(حدثنا محمد بن قدامة بن أعين) بن مسور القرشي، مولى بني هاشم، أبو عبد الله المصيصي، قال النسائي: لا بأس به، وقال مرة: صالح، وقال الدارقطني: ثقة، وقال مسلمة بن قاسم: ثقة صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات قريبًا من سنة 250 هـ.
(نا جرير) بن عبد الحميد، (عن منصور) بن المعتمر، (عن هلال بن يساف (1)، عن أبي المثنى) الحمصي، هو ضمضم أبو المثنى الأملوكي (2)، بضم الألف وسكون الميم وضم اللام وفي آخرها كاف، نسبة إلى أملوك، وهو بطن من رومان، ورومان بطن من رعين، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن القطان: أبو المثنى مجهول، قال: وأما قول ابن عبد البر: أبو المثنى ثقة فلا يقبل منه، وتعقبه ابن المواق بأنه لا فرق بين أن يوثقه الدارقطني أو ابن عبد البر، وقال أبو عمرو الصدفي في "تاريخه": حدثني أبو مسلم قال: أملى عليَّ أبي، وقال: أبو المثنى (3) الوصابي شامي تابعي ثقة.
(1) لا ينصرف. (ش).
(2)
وقال فيه ابن المبارك: المليكي، وهو وهم. (ش).
(3)
قال ابن رسلان: وفي بعض النسخ ابن المثنى، وهو وهم. (ش).
عَنِ ابْنِ أُخْتِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. (ح): وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِىُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، الْمَعْنَى، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ، عَنْ أَبِى الْمُثَنَّى الْحِمْصِىِّ، عَنْ أَبِى أُبَىٍّ ابْنِ امْرَأَةِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ (1) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ بَعْدِى أُمَرَاءُ تَشْغَلُهُمْ أَشْيَاءُ
===
(عن ابن أخت (2) عبادة بن الصامت) (3) هو أبو أُبي الأنصاري، ابن امرأة عبادة بن الصامت، وهي أم حرام بنت ملحان، وقيل: إنه ابن أخت عبادة، وقيل: ابن أخيه، والأول أصح، هو عبد الله بن عمرو بن قيس بن زيد الأنصاري، وقيل: عبد الله بن أُبي، وقيل: ابن كعب، وذكر ابن حبان أن اسمه شمعون، وخطَّأ ابن عبد البر قول من قال: إنه عبد الله بن أُبي، وكان خيِّرًا فاضلًا، قال يحيى بن منده: هو آخر من مات من الصحابة بفلسطين.
(عن عبادة بن الصامت) الأنصاري، (ح: وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري، نا وكيع) بن الجراح، (عن سفيان) الثوري قاله الشيخ ولي الدين، وسياق رواية ابن ماجه يقتضي أنه ابن عيينة، ويمكن أن يكون رواية المصنف من طريق الثوري، ورواية ابن ماجه من طريق ابن عيينة (المعنى) أي معنى رواية سفيان، ورواية جرير عن منصور واحد.
(عن منصور) بن المعتمر، (عن هلال بن يساف، عن أبي المثنى الحمصي) ضمضم، (عن أبي أُبيِّ ابن امرأة عبادة بن الصامت) الأنصاري، (عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها) ضمير للقصة (ستكون عليكم بعدي أمراء (4) تشغلهم) أي تمنعهم (أشياء)(5) أي مشاغل
(1) زاد في نسخة: "لي".
(2)
قال ابن رسلان: صوابه: ابن امرأة عبادة. (ش).
(3)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(4/ 367) رقم (5668).
(4)
لا ينصرف للألف الممدودة "ابن رسلان". (ش).
(5)
قال ابن رسلان: لم ينصرف، واختلفوا في علته كثيرًا، قيل: أصله كحمراء واستثقلوا وجود همزتين فقلبوا
…
إلخ. (ش).
عَنِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا، حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا، فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا» ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُصَلِّى مَعَهُمْ؟ قَالَ:«نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ» ، وَقَالَ (1) سُفْيَانُ: إِنْ أَدْرَكْتُهَا مَعَهُمْ أُصَلِّى مَعَهُمْ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ» . [جه 1257، حم 5/ 315]
432 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ - يَعْنِى الزَّعْفَرَانِىَّ-،
===
(عن الصلاة) أي عن أداء الصلاة (لوقتها)(2) أي المختار، فلا يؤدونها (حتى يذهب وقتها) أي المختار، وإذا كان كذلك (فصلوا) أنتم (الصلاة) منفردين (لوقتها) أي المختار (فقال رجل: يا رسول الله، أصلي معهم؟ ) أي مع الإِمام والجماعة (قال: نعم، إن شئت) (3)، أي: إن شئت أن تصلي معهم فصل.
(وقال سفيان: إن أدركتها معهم) أي الصلاة (أصلي معهم؟ ) بتقدير حرف الاستفهام (قال: نعم، إن شئت) غرض المصنف بهذا الكلام بيان الاختلاف الواقع بين لفظ جرير عن منصور، وبين لفظ سفيان عن منصور، فإن جريرًا قال: يا رسول الله أصلي معهم؟ قال: نعم إن شئت، ولفظ سفيان: يا رسول الله إن أدركتها معهم أصلي معهم؟ قال: نعم إن شئت.
432 -
(حدثنا أبو الوليد الطيالسي) هشام، (نا أبو هاشم- يعني الزعفراني-) انتسب إلى بيع الزعفران، وليس منسوبًا إلى القرية الزعفرانية، وهي قرية من قرى بغداد تحت كلواذا، هو عمار بن عمارة البصري، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح، ما أرى به بأسًا، وذكره ابن حبان في "الثقات"،
(1) زاد في نسخة: "وفي حديث".
(2)
ولفظ ابن ماجه "عن وقتها". (ش).
(3)
فيه دليل على أن الأوامر السابقة ليست للوجوب، أو يقال: إن هذا محمول على ما إذا صلى أولًا جماعة، فالجمهور إذ ذاك على عدم الإِعادة خلافًا لأحمد وإسحاق. (ش).
حَدَّثَنِى صَالِحُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَكُونُ (1) عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ مِنْ بَعْدِى يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ، فَهِىَ لَكُمْ وَهِىَ عَلَيْهِمْ، فَصَلُّوا مَعَهُمْ مَا صَلَّوُا الْقِبْلَةَ» . [طب 697]
===
وقال البخاري: فيه نظر، وقال أبو الوليد الطيالسي: كان ثقة، وذكره العقيلي في "الضعفاء".
(حدثني صالح بن عبيد)(2) ذكره ابن حبان في "الثقات"، ويقال: إنه الذي روى عنه عمرو بن الحارث المصري، وقد فرق (3) بينهما البخاري في "تاريخه"، وأبو بكر البزار في "السنن"، وقال ابن السواق: سواء كان صالح هذا هو صاحب قبيصة أو صاحب نابل فهما مجهولان، وقال ابن القطان: صالح بن عبيد لا نعرف حاله أصلًا، وقال الحافظ في "التقريب": قيل: هو مقبول، وقال في "الخلاصة": صالح بن عبيد عن قبيصة بن وقاص، وعنه أبو هاشم الزعفراني وعمرو بن الحارث موثق.
(عن قبيصة بن وقاص)(4) السلمي، ويقال: الليثي، وهو أصح، قال البخاري: له صحبة، يعد في البصريين، قال الأزدي: تفرد بالرواية عنه صالح بن عبيد، وقال الذهبي: لا يعرف إلَّا بهذا الحديث.
(قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة) أي عن وقتها المستحب، (فهي) أي الصلاة المؤخرة (لكم) أي نافعة لكم، لأنكم ما أخرتم باختياركم، فلأجل هذا لا يعود ضرره عليكم (وهي) أي الصلاة المؤخرة (عليهم) أي عائدة بالضرر على الأمراء، فإنهم يؤخرونها ويضيعونها، (فصلوا) بصيغة الأمر (معهم) أي الأمراء (ما صلوا القبلة) أي ما داموا يصلون
(1) وفي نسخة: "تكون".
(2)
قال ابن رسلان: أخرج له أبو داود هذا الحديث الواحد. (ش).
(3)
وذكره ابن رسلان أيضًا مع البسط. (ش).
(4)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(3/ 472) رقم (4267).
(11)
بَابٌ (1): فِيمَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا
433 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ (2) ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، فَسَارَ لَيْلَةً (3) حَتَّى
===
متوجهين إلى القبلة، والمراد به أنهم ما داموا مسلمين صلوا معهم الصلاة وإن أخروا.
(11)
(بَابٌ: فِيمَنْ نَامَ عَن صَلاةٍ (4) أَوْ نَسِيَهَا)
فمتى يصلي؟
433 -
(حدثنا أحمد بن صالح، نا ابن وهب) عبد الله، (أخبرني يونس) ابن يزيد، (عن ابن شهاب، عن ابن المسيب) سعيد، (عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل) أي رجع إلى المدينة (من غزوة خيبر)(5) غزاها سنة سبع، وهي على ثمانية برد من المدينة، خرج إليها في آخر محرم (فسار ليلة حتى
(1) وفي نسخة: "باب ما جاء
…
إلخ".
(2)
قلت: زاد المزي في "تحفة الأشراف"(9/ 409) رقم (13326): "أبو داود، عن أحمد بن صالح، عن عنبسة بن خالد، عن يونس، به. وأبو داود قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن الزهري، به".
ثم قال: "حديث أحمد بن صالح، عن عنبسة بن خالد وما بعده في رواية أبي الطيب الأشناني وأبي عمرو البصري، عن أبي داود، ولم يذكره أبو القاسم".
(3)
وفي نسخة: "ليله".
(4)
ذكره ابن العربي (1/ 290) باسطًا عليه، وأثبت أن النوم وقع ثلاث مرات، وكذا قال ابن الحصار كما سيأتي. (ش).
(5)
كذا في "مسلم" وغيره، قال الباجي وابن عبد البر وغيرهما: هو الصواب. وقال الأصيلي: هو غلط، والصواب حُنين، ولم يقع ذلك إلَّا مرة حين رجع من حُنين إلى مكة، وفي رواية لمسلم عن ابن مسعود: من الحديبية، وللطبراني وغيره: بطريق تبوك، والمحققون على التعدد، والبسط في "الأوجز"(1/ 315). (ش).
إِذَا أَدْرَكَنَا الْكَرَى عَرَّسَ وَقَالَ لِبِلَالٍ: «اكْلأْ لَنَا اللَّيْلَ» . قَالَ: فَغَلَبَتْ بِلَالاً عَيْنَاهُ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا بِلَالٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظًا، فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
===
إذا أدركنا) أي أخذنا (الكبرى) بفتح الكاف، وهي النعاس، وقيل: النوم (عرس) نزل للنوم والاستراحة، والتعريس: نزول المسافر آخر الليلة (1) نزلة للاستراحة والنوم من غير إقامة (وقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (لبلال: اكلأ) أي احفظ واحرس (لنا الليل) معناه: لا تنم ولا تزل مستيقظًا إلى آخر الليل حتى لا تفوتنا صلاة الصبح.
(قال) أي أبو هريرة: (فغلبت بلالًا عيناه)، وهذه عبارة عن النوم، وحاصله أنه نام من غير اختيار (وهو مستند إلى راحلته) جملة حالية، أي صلى بلال ما قدر له، فلما تقارب الفجر استند إلى راحلته، فغلبته عيناه وهو مستند إلى راحلته (فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه، حتى إذا ضربتهم الشمس) أي أصابهم حرها، (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم (2) استيقاظًا، ففزع (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قال الخطابي (4): معناه انتبه من نومه، يقال: أفزعت الرجل من نومه
(1) هكذا قال خليل وغيره، وقال أبو زيد: التعريس: النزول للاستراحة أيَّ وقت كان. "ابن رسلان". (ش).
(2)
وفي "عمدة القاري"(3/ 217) ح (344): يخالفه حديث البخاري: كان عمر الرابع استيقاظًا، فكبر فاستيقظ عليه الصلاة والسلام
…
إلخ، وقال ابن رسلان: وقع في رواية: أول من استيقظ عمر، وفي أخرى: أولهم ذو مخبر، ولعل القصة متعددة. (ش).
(3)
واختلفوا في معنى هذا الفزع وسببه على أقوال، قال الأصيلي: فزع لأجل العدو أن يجدهم على غرة، وقال غيره: الفزع لأجل الصلاة، ويؤيده قولهم:"ما كفارة تفريطنا" وقيل: فزع أي أسرع إلى الصلاة. "ابن رسلان". (ش).
(4)
"معالم السنن"(1/ 186).
فَقَالَ (1): «يَا بِلَالُ! » فَقَالَ: أَخَذَ بِنَفْسِى الَّذِى أَخَذَ بِنَفْسِكَ يا رسول الله، بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى. فَاقْتَادُوا رَوَاحِلَهُمْ (2) شَيْئًا
===
ففزع، أي أنبهته فانتبه، وقال الطيبي: فزع، أي هبَّ وانتبه، كأنه من الفزع والخوف؛ لأن من ينتبه لا يخلو عن فزع ما.
(فقال: يا بلال) والعتاب محذوف ومقدر، أي لم نِمْتَ ولم خالفت حتى فاتتنا الصلاة (فقال) أي بلال معتذرًا:(أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك يا رسول الله).
قال القاري (3) نقلًا: أي كما توفاك في النوم توفاني، إشارة إلى قوله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} (4)، وقال ميرك: وفيه نظر، والظاهر أن يقال: معناه غلب على نفسي ما غلب على نفسك من النوم، أي كان نومي بطريق الاضطرار دون الاختيار ليصح الاعتذار.
(بأبي أنت وأمي) أي مُفَدّى بأبي أنت وأمي، (فاقتادوا) أي جروا بأخذ زمامها (رواحلهم شيئًا)، وفي رواية "مسلم" قال:"اقتادوا فاقتادوا رواحلهم"، قال الخطابي (5): قد اختلف الناس في معنى ذلك وتأويله، فقال بعضهم: إنما فعل ذلك لترتفع الشمس، فلا تكون صلاتهم في الوقت المنهي عن الصلاة فيه، وذلك أول ما تبزغ الشمس. قالوا: والفوائت لا تقضى في الأوقات المنهي عن الصلاة [فيها]، وهذا على مذهب أصحاب الرأي (6).
وقال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق: تقضى الفوائت في
(1) وفي نسخة: "قال".
(2)
وصرح الشافعية بكراهة الصلاة في ذلك الوادي دون غيره، وقال في "تحفة المحتاج" (1/ 465): لنصه صلى الله عليه وسلم أن هناك شيطانًا. (ش).
(3)
"مرقاة المفاتيح"(2/ 177).
(4)
سورة الزمر: الآية 42.
(5)
"معالم السنن"(1/ 186).
(6)
ما حكاه الخطابي عنهم ردّه العيني. (ش).
ثُمَّ تَوَضَّأ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِلَالاً فَأَقَامَ لَهُمْ الصَّلَاةَ وَصَلَّى لَهُمْ الصُّبْحَ.
===
كل وقت نهي عن الصلاة فيه أو لم ينه عنها، وإنما نهي عن الصلاة في تلك الأوقات إذا كانت تطوعًا وابتداء من قِبل الاختيار دون الواجبات، فإنها تقضى الفوائت فيها إذا ذُكرت أيَّ وقت كان، وروي معنى ذلك عن علي بن أبي طالب، وابن عباس -رضي الله تعالى عنهما - وهو قول النخعي والشعبي وحماد.
ومنهم من تأول القصة في قود الرواحل، وتأخير الصلاة عن المكان الذي كانوا به على أنه أراد أن يتحول عن المكان الذي أصابتهم الغفلة فيه والنسيان، وقد روي هذا المعنى في هذا الحديث من طريق أبان العطار، انتهى.
قال النووي (1): فإن قيل: كيف نام النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس مع قوله صلى الله عليه وسلم: "إن عيني تنامان ولا ينام قلبي"؟ فجوابه من وجهين:
أصحهما وأشهرهما: أنه لا منافاة بينهما، لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما، ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين، وإنما يدرك ذلك بالعين، والعين نائمة وإن كان القلب يقظان.
والثاني: أنه كان له حالان أحدهما ينام فيه القلب وصادف هذا الموضع، والثاني لا ينام، وهذا هو الغالب من أحواله، وهذا التأويل ضعيف.
(ثم توضأ (2) النبي صلى الله عليه وسلم وأمر) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بلالًا فأقام) أي بلال (لهم الصلاة وصلَّى) أي رسول الله (لهم) أي بهم (الصبح)(3)، قال القاري (4): قال ابن الملك: وإنما لم يؤذن لأن القوم حضور، قلت: هذا خلاف المذهب، فالأولى أن يحمل على بيان الجواز، مع أنه لا دلالة فيه
(1)"شرح صحيح مسلم"(3/ 204).
(2)
زاد أبو نعيم في "المستخرج": "وتوضأ الناس". (ش).
(3)
فيه الجماعة للفائتة، لكن لا يتأكد مثل تأكدها للمقيم، قاله ابن رسلان. (ش).
(4)
"مرقاة المفاتيح"(2/ 354).
فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: "مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا (1)،
===
على نفي الأذان، بل في الحديث الآتي أنه جمع بينهما، فالمعنى أقام الصلاة بعد الأذان، انتهى (2).
(فلما قضى الصلاة) أي أنهما (قال: من نسي صلاة) والمراد غفل عنها، سواء كان بنوم أو نسيان، فاكتفى بالنسيان عن النوم، لأنه مثله في الغفلة وعدم التقصير (فليصلِّها إذا ذكرها).
قال النووي (3): شذَّ بعض أهل الظاهر (4) فقال: لا يجب قضاء الفائتة بغير عذر، وزعم أنها أعظم من أن يخرج من وبال معصية هذا القضاء، وهذا خطأ من قائله وجهالة (5).
وقال الشوكاني في "النيل"(6): ذهب داود وابن حزم إلى أن العامد لا يقضي الصلاة لهذا الحديث، لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، فيلزم
(1) واستدل به الشافعية على عدم الترتيب في الفوائت، وتقدم على هامش "باب في وقت صلاة العصر". (ش).
(2)
مختصرًا من القاري (2/ 178) قال: وقال ابن حجر: ظاهره أن الفائتة لا يؤذَّن لها، وهو مذهب الشافعي في الجديد، لكن المعتمد عند أصحابه قوله القديم: إنه يؤذن لها
…
إلخ.
(3)
"شرح صحيح مسلم"(3/ 203).
(4)
وقال ابن رسلان: شذ بعضهم فقال: لا يجب القضاء لأكثر من خمس صلوات. واستدلوا بهذا الحديث يعني المأمور هو الصلاة إذا نسي، وانتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، فيلزم منه أن من لم ينس ولم ينم لا يصلي، وأجاب من قال بالإِيجاب بأنه من قبيل {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]، واستدل عليه بعضهم بقوله:"نسي" فإنه أعم، قال الله:{نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ} [الحشر: 19] ويؤيده قوله عليه السلام: "لا كفارة لها إلَّا ذاك"، والكفارة تكون للذنب، ولا ذنب في السهو. (ش).
(5)
يشكل عليه ما عده العيني من أجلة الصحابة القائلين به. (ش). [انظر: "عمدة القاري" (4/ 131)].
(6)
"نيل الأوطار"(2/ 31).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
منه أن من لم ينس لا يصلي، ثم نقل عن ابن تيمية أنه اختار ما ذكره داود ومن معه.
وقال ابن تيمية: والمنازعون لهم ليس لهم حجة قط يرد إليها عند التنازع، ثم قال بعد نقل كلامه: والأمر كما ذكره، فإني لم أقف مع البحث الشديد للموجبين للقضاء على العامد على دليل ينفق في سوق المناظرة، ويصلح للتعويل عليه، إلَّا حديث:"فَدَيْنُ الله أحق أن يقضى"(1)، باعتبار ما يقتضيه اسم الجنس المضاف من العموم، ولكنهم لم يرفعوا إليه رأسًا، وأنهض ما جاؤوا به في هذا المقام قولهم: إن الأحاديث الواردة بوجوب القضاء على الناسي يستفاد من مفهوم خطابها وجوب القضاء على العامد، لأنها من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، فتدل بفحوى الخطاب وقياس الأولى على المطلوب، وهذا مردود، لأن القائل بأن العامد لا يقضي لم يرد أنه أخف حالًا من الناسي، بل صرح بأن المانع من وجوب القضاء على العامد أنه لا يسقط الإثم عنه، فلا فائدة فيه، فيكون إثباته مع عدم النص عبثًا بخلاف الناسي والنائم، فقد أمرهما الشارع بذلك وصرح بأن القضاء كفارة لهما، ولا كفارة لهما سواه.
قلت: استدل الموجبون للقضاء على العامد بدلالة هذا النص، كما يستدل على حرمة ضرب الأبوين بحرمة التأفيف المنصوص في قوله تعالى:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} (2) فقول ابن تيمية: والمنازعون لهم ليس لهم حجة قط، وكذلك قول الشوكاني: فإني لم أقف مع البحث الشديد للموجبين للقضاء على العامد على دليل ينفق في سوق المناظرة، ويصلح للتعويل عليه، ناشٍ عن الغفلة، فإن الاستدلال بدلالة النص عند الموجبين كالاستدلال بعبارة النص، وإن كان عند المانعين داخلًا في القياس، ولكنه قياس جلي، والصحيح أن الدلالة غير داخلة
(1) أخرجه البخاري (1953) ومسلم (1148).
(2)
سورة الإِسراء: الآية 23.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
في القياس، لأن القياس يختص بالمجتهد، لأنه موقوف على النظر، والدلالة يعرفها كل من كان من أهل اللسان من غير احتياج إلى ترتيب المقدمات والنظر، ولأن الدلالة مشروعة قبل شرع القياس، فإن كل واحد من أهل اللسان يفهم بمجرد سماع قوله تعالى:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} ، لا تضربهما، ولا تشتمهما.
على أنّ هاهنا أمرين:
أحدهما: ثبوت الإثم على ترك الصلاة عامدًا، فترك الصلاة عامدًا معصية، والمعصية صغيرة كانت أو كبيرة ترتفع بالتوبة.
والثاني: شغل الذمة بوجوب الفعل، فإن الفعل إذا وجب على العبد لا يسقط عنه إلَّا بالأداء أو القضاء، ولا يفرغ ذمته إلَّا بأحدهما، فعند المحققين من عامة الحنفية وغيرهم يجب القضاء بالسبب الذي يجب به الأداء، وهو النص الموجب للأداء، فحينئذ لا يحتاجون إلى دليل مستقل على وجوب القضاء.
وأما ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلِّها إذا ذكرها"، وقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1)، إنما ورد للتنبيه على أن الأداء باقٍ في ذمتكم بالنصين الموجبين للأداء ولم يسقط بالفوات، فإن الأداء صار مستحقًا عليه، وفراغ من عليه الحق عن الحق إما بالأداء ولم يوجد، وإما بالعجز ولم يوجد، فإنه قادر على أصل العبادة وإن عجز عن إدراك فضيلة الوقت، وإما بإسقاط صاحب الحق وهو لم يوجد، لا صراحة - كما هو الظاهر- ولا دلالة، فإنه لم يحدث إلَّا خروج الوقت، وهو لا يصلح مسقطًا، بل يقرر ما على ذي الحق من العهدة.
ولما لم يوجد فراغ الذمة كان الواجب مطلوبًا من الشارع، فيجب الإتيان به لأجل براءة الذمة من الواجب، فلو لم يصح إتيان القضاء من العامد لكان طلب الشارع طلبًا للمحال، فقول المانعين: إنه لا يسقط الإثم عنه فلا فائدة في
(1) سورة البقرة: الآية 184.
فَإِنَّ الله قَالَ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (1) ". [م 680، جه 697، ن 620، ق 2/ 217، ت 3163]
===
إتيان القضاء فيكون عبثًا، خلط بين الأمرين وغلط منهم، فإنا نسلم أيضًا أن إتيان القضاء لا يسقط عنه الإثم، ولكن نقول: إن سقوط الإثم عنه منوط بالتوبة، وسقوط الواجب عن الذمة منوط بإتيان القضاء، فلا يكون إتيان القضاء عبثًا.
وقد رجع إليه الشيخ الشوكاني (2) وقال في آخر كلامه: وقد أنصف ابن دقيق العيد فرد جميع ما تشبثوا به، والمحتاج إلى إمعان النظر ما ذكرنا لك سابقًا من عموم حديث:"فَدَيْنُ الله أحق أن يقضى"، لا سيما على قول من قال: إن وجوب القضاء بدليل هو الخطاب الأول الدال على وجوب الأداء، فليس عنده على وجوب القضاء على العامد فيما نحن بصدده تردد، لأنه يقول: المتعمد للترك قد خوطب بالصلاة، ووجب عليه تأديتها، فصارت دينًا عليه، والدين لا يسقط إلَّا بأدائه أو قضائه.
قلت: وفيه أن صحة وجوب القضاء ثبت بالخطاب الأول الدال على وجوب الأداء، وأما حديث:"فدين الله أحق أن يقضى" لا مدخل له في كونه دليلًا، بل يكون من باب التنبيه على عدم السقوط، فمن قال بوجوب القضاء بدليل الخطاب الأول لا يحتاج إلى هذا الحديث في الاستدلال، نعم من قال: إن وجوب القضاء بسبب جديد يحتاج إلى هذا الحديث وأمثاله، والله تعالى أعلم.
(فإن الله) تعالى (3)(قال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}) هكذا في بعض النسخ
(1) وفي نسخة: "لذكرى". [سورة طه: الآية 14].
(2)
"نيل الأوطار"(2/ 31).
(3)
اختلف في أنه من مقولة قتادة كما في رواية لمسلم: قال قتادة: قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} ، أو مقولة النبي صلى الله عليه وسلم كما في أخرى له: قال قتادة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: قال تعالى
…
إلخ"، "ابن رسلان". (ش).
قَالَ يُونُسُ: وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ عَنْبَسَةُ - يَعْنِي عَنْ يُونُسَ - في هَذَا الْحَدِيثِ: لِلْذِّكْرَى
===
من المكتوبة (1) والمطبوعة المصرية وهو الأقرب، وفي بعضها من المطبوعة الهندية "لذكري" بالإضافة إلى ياء المتكلم.
(قال يونس) صاحب ابن شهاب: (وكان ابن شهاب يقرؤها) أي هذه الآية (كذلك) أي يقرؤها في رواية هذا الحديث معرفًا باللام من غير إضافة إلى ياء المتكلم، وليس المراد أنه يقرؤها في القرآن.
قال الحافظ (2): واختلف (3) في المراد بقوله: لذكري، فقيل: المعنى لتذكرني فيها، وقيل: لأذكرك بالمدح، فقيل: إذا ذَكّرتها أي لتذكيري لك إياها، وهذا يعضد قراءة من قرأ للذكرى، وقال النخعي: اللام للظرف، أي إذا ذكرتني، أي إذا ذكرت أمري بعد ما نسيت، وقيل: لا تذكر فيها غيري، وقيل: شكرًا لذكري، وقيل: المراد بقوله: "لذكري" ذكر أمري، وقيل: المعنى إذا ذكرت الصلاة فقد ذكرتني، فإن الصلاة عبادة لله، فمتى ذكرها ذكر المعبود، فكأنه أراد بذكر الصلاة، انتهى.
(قال أحمد) أي ابن صالح شيخ المصنف: (قال عنبسة) بن خالد بن يزيد الأيلي (يعني عن يونس في هذا الحديث: للذكرى)، الظاهر أن هذا كلام أحمد شيخ المصنف، حاصله: أن ما قال عنبسة في هذا الحديث لفظ "للذكرى" معرَّفًا باللام مع الألف المقصورة، وإن لم يصرح بأنه عن يونس، ولكنه يريد أن هذا اللفظ يروى عن يونس هكذا، أي يقرأ شيخي ابن شهاب، في هذا الحديث "للذكرى" معرفًا باللام، وهذه تقوية لرواية ابن وهب عن يونس
(1) وهكذا في ابن رسلان، قال: بلام مكررة وتشدد الذال. (ش).
(2)
"فتح الباري"(2/ 72).
(3)
وقال ابن رسلان: للمفسرين في تفسيره أقوال كثيرة؛ أقواها ما يرشد إليه كلام الإِمام الشافعي: أي أقم الصلاة حيث تذكرها "ابن رسلان". (ش).
قَالَ أَحْمَدُ: الْكَرَى: النُّعَاسُ.
434 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ فِى هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمُ الَّذِى أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ» . قَالَ: فَأَمَرَ بِلَالاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى. [انظر تخريج الحديث السابق]
===
عن ابن شهاب، فإن عنبسة يروي هذا اللفظ عن يونس عن ابن شهاب كرواية ابن وهب.
(قال أحمد: الكبرى) بفتحتين والألف المقصورة (النعاس)(1)، وهذا تفسير لشيخ المصنف، فسر لفظ الكرى الواقع في الحديث.
434 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا أبان) بن يزيد العطار، (نا معمر) ابن راشد، (عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة في هذا الخبر) المتقدم متعلق بقوله: حدثنا، أي حدثنا معمر في هذا الخبر عن ابن شهاب زائدًا على حديث يونس المتقدم عن ابن شهاب (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأصحابه:(تحولوا) أي انتقلوا (عن مكانكم (2) الذي أصابتكم فيه الغفلة، قال) أي أبو هريرة:(فأمر) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بلالًا فأذن وأقام وصلَّى) فزاد معمر في حديثه الأذان.
وقد أخرج البيهقي في "سننه"(3) في "باب الأذان والإقامة للفائتة" هذا الحديث، حديث أبان العطار عن معمر موصولًا مفصلًا، ثم قال في آخره:
(1) وقيل: النوم "ابن رسلان". (ش).
(2)
قال القرطبي: اختلفوا في أنه يختص بذلك الوادي، أو عام لكل واد، أو مكان أصاب فيه الغفلة لأحد، واختلفوا أيضًا في أنه يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو يعم لكل من غفل أو سها أو نام، وكره الغزالي الصلاة في بطن الوادي مطلقًا، قال السبكي: وأنكروه عليه، "ابن رسلان" وبسط الكلام عليه فأرجع إليه. (ش).
(3)
"السنن الكبرى"(1/ 403).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وروى مالك في "الموطأ" عن الزهري عن ابن المسيب مرسلًا، وذكر فيه الأذان، والأذان في هذه القصة صحيح ثابت قد رواه غير أبي هريرة، ثم ساق حديث أبي قتادة، وفيه:"ثم قال: يا بلال قم فأذِّن الناس بالصلاة فتوضأ، فلمَّا ارتفعت الشمس وابيضَّت قام فصلَّى"، رواه البخاري في "الصحيح".
ثم أخرج حديثًا آخر عن أبي قتادة مختصرًا، وقال: وفيه: "ثم نادى بلال بالصلاة فصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال: رواه مسلم في "الصحيح".
ثم أخرج من طريق أبي رجاء العطاردي عن عمران بن حصين، ومن طريق الحسن عن عمران بن حصين فلفظ الأول:"فدعا بوضوء ونادى بالصلاة"، وقال: رواه مسلم، ولفظ الثاني:"فأمر بلالًا فأذن وصلَّى ركعتين، ثم انتظر حتى استعلت الشمس، ثم أمره فأقام فصلَّى بهم".
ثم أخرج عن أبي مسعود وفيه: "فأمر بلالًا فأذن ثم أقام".
ثم أخرج حديث عمرو بن أمية الضمري وفيه: "ثم أمر بلالًا فأذن".
ثم قال البيهقي بعد ما أخرج هذه الأحاديث: وروينا في ذلك عن ابن عباس وذي مخبر الحبشي وعبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وقول البيهقي في حديث مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب: وذكر فيه الأذان، مخالف لقول المصنف: إنه لم يذكر الأذان، والصواب ما قال المصنف، فإنه ليس في حديث مالك هذا ذكر الأذان، بل نقل الزرقاني في "شرحه" (1) على "الموطأ": قال عياض: أكثر رواة "الموطأ" على "فأقام"، وبعضهم قال:"فأذن أو أقام" بالشك،
(1)(1/ 34).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَالأَوْزَاعِىُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ: لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمُ الأَذَانَ فِى حَدِيثِ الزُّهْرِىِّ هَذَا، وَلَمْ يُسْنِدْهُ مِنْهُمُ أحدٌ إلَّا الأَوْزَاعِىُّ وَأَبَانُ الْعَطَّارُ عَنْ مَعْمَرٍ.
===
فثبت بهذا أنه ليس فيه ذكر الأذان، إلَّا عند بعض الرواة بالشك، والشك لا يثبت به شيء.
(قال أبو داود: رواه مالك) الإمام (وسفيان بن عيينة والأوزاعي وعبد الرزاق عن معمر، وابن إسحاق) أي محمد: (لم يذكر أحد منهم الأذان في حديث الزهري هذا).
ظاهر هذه العبارة يوهم أن يكون رواية مالك، وسفيان بن عيينة، والأوزاعي، وعبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب، وليس كذلك، فإن مالكًا، وسفيان بن عيينة، والأوزاعي، كلهم أصحاب الزهري بلا واسطة معمر، نعم عبد الرزاق يروي عن معمر عن ابن شهاب، فمعنى هذه العبارة أن المصنف أبا داود يقول: روى هذا الحديث مالك وسفيان بن عيينة والأوزاعي عن ابن شهاب، وعبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب، وابن إسحاق أي عن ابن شهاب، فحينئذ يكون قوله: وابن إسحاق معطوفًا على مالك، وحاصله أن مالكًا وغيره من أصحاب الزهري خالفوا معمرًا في ذكره الأذان في حديث الزهري، وكذلك خالف عبد الرزاق أبان العطار عن معمر في ذكره الأذان.
(ولم يسنده منهم أحد إلَّا الأوزاعي) أي عن ابن شهاب (وأبان العطار عن معمر) عن ابن شهاب، وقد أخرج هذا الحديث مالك في "موطئه"(1) عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب مرسلًا، قال الزرقاني (2): وهذا مرسل
(1) برقم (25).
(2)
"شرح الزرقاني"(1/ 32).
435 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ (1)، عن ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عن عَبْدِ اللَّه بْنِ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيّ،
===
عند جميع رواة "الموطأ"، وقد تبيَّن وصله فأخرجه مسلم، وأبو داود، وابن ماجه من طريق ابن وهب عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، ورواية الإرسال لا تضر في رواية من وصله، لأن يونس من ثقات الحفاظ، احتج به الأئمة الستة، وتابعه الأوزاعي وابن إسحاق في رواية ابن عبد البر، وتابع مالكًا على إرساله معمر في رواية عبد الرزاق عنه وسفيان بن عيينة، ووصله في رواية أبان العطار عن معمر، لكن عبد الرزاق أثبت في معمر من أبان، ومحمد بن إسحاق في "السيرة"، عن ابن شهاب عن سعيد مرسلًا، فيحمل على أن الزهري حدث به على الوجهين مرسلًا وموقوفًا.
435 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد) بن زيد، كما صرح به النسائي والترمذي في روايتهما عن قتيبة عن حماد بن زيد، وابن ماجه برواية أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد، أو حماد بن سلمة، كما صرح به الدارقطني في رواية من طريق يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة، وأما حماد بن واقد الذي يروي عنه زياد بن يحيى الحساني فضعيف، وليس من رواة أبي داود، أخرج روايته أيضًا الدارقطني.
(عن ثابت) بن أسلم (البناني، عن عبد الله بن رباح الأنصاري) أبو خالد المدني، سكن البصرة، قال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقهّ، وقال ابن خراش: هو من أهل المدينة، قدم البصرة، لا أعلم مدنيًا حدث عنه، وهو رجل جليل، وكذا قال ابن المديني، وقال النسائي: ثقة، وقال خالد بن سمير: كانت الأنصار تفقهه، قتله الأزارقة، وفي "تهذيب التهذيب": قرأت بخط الذهبي: أنه توفي في حدود سنة 90 هـ، فهذا أشبه، انتهى.
(1) زاد في نسخة: "بن زيد".
حَدَّثَنَا أَبُو قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِى سَفَرٍ لَهُ، فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (1) وَمِلْتُ مَعَهُ، فَقَالَ:«انْظُرْ» . فَقُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ، هَذَانِ (2) رَاكِبَانِ، هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ، حَتَّى صِرْنَا سَبْعَةً، فَقَالَ:«احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا» يَعْنِى صَلَاةَ الْفَجْرِ-، فَضُرِبَ عَلَى آذَانِهِمْ، فَمَا أَيْقَظَهُمْ إلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَقَامُوا فَسَارُوا هُنَيَّةً،
===
(نا أبو قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر له، فمال النبي صلى الله عليه وسلم) عن الطريق (3) كما في رواية مسلم (وملت معه) أي عدلت معه عن الطريق (فقال: انظر)، وفي رواية مسلم:"ثم قال: هل ترى من أحد"(فقلت: هذا راكب، هذان راكبان، هؤلاء ثلاثة، حتى صرنا سبعة)، وفي رواية مسلم:"قلت: هذا راكب، ثم قلت: هذا راكب آخر، حتى اجتمعنا فكنا سبعة ركب".
(فقال: "احفظوا (4) علينا صلاتنا" -يعني صلاة الفجر-)، هذا تفسير من عبد الله بن رباح أو من بعض رواته (فضُرب على آذانهم) تلميح إلى قوله تعالى:{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} قال الخطابي (5): كلمة فصيحة من كلام العرب، معناه: أنه حجب الصوت والحس [عن] أن يلج آذانهم فينتبهوا، ومن هذا قوله سبحانه:{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} (6).
(فما أيقظهم إلَّا حر الشمس، فقاموا فساروا هنية) أي شيئًا يسيرًا، قال في "القاموس": وفي الحديث "هُنَيَّة" مصغرة هَنَةٍ أصلُها هَنْوَةٌ، أي شيء يسير،
(1) وفي نسخة: "رسول الله".
(2)
وفي نسخة: "هذا".
(3)
يخالفه شرح ابن رسلان إذ قال: مال عن راحلته وملت معه، وصرت له كالدعامة تحته، زاد مسلم: حتى كاد أي قارب أن يقع، انتهى. (ش).
(4)
قال ابن رسلان: الظاهر أنها غير قصة أبي هريرة إذا كلأ فيها بلال، وههنا سبعة، وروى الطبراني أن ذي مخبر كلأ لهم. (ش).
(5)
"معالم السنن"(1/ 187).
(6)
سورة الكهف: الآية 11.
ثُمَّ نَزَلُوا فَتَوَضَّئُوا، وَأَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّوْا رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّوُا الْفَجْرَ وَرَكِبُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَدْ فَرَّطْنَا فِى صَلَاتِنَا، فَقَالَ النَّبِىُّ (1) صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَا تَفْرِيطَ فِى النَّوْمِ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِى الْيَقَظَةِ، فَإِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ عَنْ صَلَاةٍ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَذْكُرُهَا،
===
ويروى "هُنَيْهَةً" بإبدال الياء هاءً، انتهى، والمراد به الزمان أو المسافة.
(ثم نزلوا فتوضووا، وأذَّن بلال) أي وأقام (فصلوا ركعتي الفجر) أي ركعتي السنَّة (2)(ثم صلوا الفجر) أي الفرض (وركبوا، فقال بعضهم لبعض: قد فرطنا) أي قصرنا (في صلاتنا) أي بتفويتنا.
(فقال النبي -صلي الله عليه وسلم-: إنه) الضمير للشأن (لا تفريط في النوم) أي لا تقصير (3) من العبد في تفويته في حالة النوم (وإنما التفريط في اليقظة) بأن يكون مستيقظًا ولا يصلي حتى يخرج وقتها، فهذا تقصير من العبد، ويؤاخذ به (فإذا سها أحدكم عن صلاة فليصلها حين يذكرها)، وفي رواية مسلم:"إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها".
قال الشوكاني في "النيل"(4): واعلم أن الصلاة المتروكة في وقتها لعذر النوم والنسيان لا يكون فعلها بعد خروج وقتها المقدر لها لهذا العذر قضاء،
(1) وفي نسخة: "رسول الله".
(2)
فيه دليل على قضاء راتبة الفجر في السفر "ابن رسلان". (ش).
(3)
قال ابن رسلان: فيه دليل لما أجمع عليه العلماء من أن النائم ليس بمكلف، وإنما يجب عليه القضاء بأمر جديد، وهذا هو المذهب الصحيح المختار عند أصحاب الفقه والأصول، ومنهم من قال: يجب القضاء بالخطاب الأول، وهذا يوافق أن النائم مكلف، فإذا أتلف النائم برجله شيئًا في حال نومه يجب الضمان، كما يجب الضمان على الصبي والمجنون إذا أتلفا شيئًا، وغرامة المتلفات لا يشترط لها التكليف بالإِجماع. (ش).
(4)
"نيل الأوطار"(2/ 33).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وإن لزم ذلك باصطلاح الأصول، لكن الظاهر من الأدلة أنها أداء لا قضاء، فالواجب الوقوف عند مقتضى الأدلة حتى ينتهض دليل يدل على القضاء.
قلت: والدليل الذي يدل على القضاء هو أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بعمرة الحديبية، فأحصر فحل منها، ورجع من غير أن يؤديها، ثم أحرم لها من قابلٍ وأداها، فسمى عمرة القضاء وعمرة القصاص، فهذا يدل على أن المؤدى بعد الفوت في الوقت قضاء لا أداء.
ثم قال الشوكاني: وفي الحديث أن الفوائت يجب قضاؤها على الفور، وهو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف والمزني والكرخي، وقال القاسم ومالك والشافعي: إنه على التراخي، وأستدلوا في قضاء الصلاة أنه صلى الله عليه وسلم لمَّا استيقظ بعد فوات الصلاة بالنوم أخَّر قضاءها، واقتادوا رواحلهم حتى خرجوا من الوادي، ورُدَّ بان التأخير لمانع آخر، وهو ما دل عليه الحديث بأن ذلك الوادي كان به شيطان، وقال: وإنها تقضى في أوقات النهي وغيرها.
قلت: وعندنا الحنفية لا تقضى في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لم يصلها حين انتبه من النوم، بل أخَّرها حتى إذا ارتفعت الشمس نزل ثم صلَّى، وفي رواية مسلم (1):"حتى إذا استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت، قال: ارتحلوا فسار بنا حتى إذا ابيضّت الشمس نزل فصلَّى بنا الغداة"، وقد تقدم ما رواه البيهقي ونسب روايتها إلى البخاري في "الصحيح" عن عمران بن ميسرة عن محمد بن فضيل.
فهذه الروايات كلها تدل على أنه صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة ليخرج وقت الكراهة، فلو جازت الصلاة في الوقت المنهي عنه لما أخّرها إلى أن ابيضّت الشمس وارتفعت.
وقال: وإن من مات وعليه صلاة فإنها لا تقضى عنه ولا يطعم عنه لها، لقوله:"لا كفارة لها إلَّا ذلك".
(1)"صحيح مسلم"(682).
وَمِنَ الْغَدِ لِلْوَقْتِ". [م 681 مطوَّلاً، ت 177، ن 618، جه 698، حم 5/ 298 طرفاً منه]
===
قلت: لا دليل في هذا الحديث على أن من مات وعليه صلاة نسيها أو نام عنها أو تركها متعمدًا أنه لا يطعم عنه لها، لأن قوله:"لا كفارة لها إلَّا ذلك" وارد في حق من نام أو نسي وهو حي، ففي الحالة الموجودة كفارتها وبدلها أن يؤديها لا غير، وأما إذا لم يؤد في زمان حياته ثم مات فلا يتعلق هذا القول به.
ثم قال الشوكاني (1): وظاهر الحديث أنه لا تفريط في النوم سواء كان قبل دخول وقت الصلاة أو بعده قبل تضيقه، وقيل: إنه إذا تعمد النوم قبل تضيق الوقت، واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلَّا وقد خرج الوقت كان آثمًا، والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم، لأنه فعله في وقت يباح فعله فيه فيشمله الحديث، وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك، ولا شك في إثم من نام بعد تضيق الوقت لتعليق الخطاب به، والنوم مانع من الامتثال، والواجب إزالة المانع، انتهى.
(ومن الغد للوقت)(2)، قال الخطابي (3): قوله: "ومن الغد للوقت"، فلا أعلم أحدًا من الفقهاء قال به وجوبًا، ويشبه أن يكون الأمر به استحبابًا، ليحرز فضيلة الوقت في القضاء عند مصادفة الوقت.
قلت: وهذا إذا كان معنى هذه الجملة أنه إذا سها أحدكم عن صلاة فليصل هذه الصلاة مرة حين يذكرها، ومرة أخرى من الغد للوقت، ولا دليل عليه، بل يمكن أن يكون معنى هذا الكلام: إذا سها أحدكم عن صلاة مثلًا صلاة الصبح فليصل تلك الصلاة حين يذكرها مرة واحدة، ويصلي صلاة الصبح
(1)"نيل الأوطار"(2/ 34).
(2)
قال ابن رسلان: اضطربت أقوال العلماء فيه، واختار المحققون أن يصلي صلاة الغد في وقتها لا يحولها عن وقتها. (ش).
(3)
"معالم السنن"(1/ 187).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
من الغد للوقت أي لوقتها المقدر لها، ولا يؤخرها عن وقتها بظن أنه حول وقتها (1) كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:"فإن ذلك وقتها".
ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "لا كفارة لها إلَّا ذلك"، لأنه استفيد من هذا الحصر أن لا يجب غير إعادتها، وقد عقد البخاري في "صحيحه" في هذا "باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكر ولا يعيد إلَّا تلك الصلاة"، قال الحافظ في "الفتح" (2): قال علي بن المنير: صرح البخاري بإثبات هذا الحكم مع كونه مما اختلف فيه لقوة دليله، ولكونه على وفق القياس، إذ الواجب خمس صلوات لا أكثر، قال: ويحتمل أن يكون البخاري أشار بقوله: "ولا يعيد إلَّا تلك الصلاة" إلى تضعيف ما وقع في بعض طرق حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة النوم عن الصلاة حيث قال: "فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها"، فإن بعضهم زعم أن ظاهره إعادة القضية مرتين عند ذكرها وعند حضور مثلها من الوقت الآتي، ولكن اللفظ المذكور ليس نصًا في ذلك، لأنه يحتمل أن يريد بقوله:"فليصلها" عند وقتها، أي الصلاة التي تحضر، لا أنه يريد أن يعيد التي صلاها بعد خروج وقتها ، لكن في رواية أبي داود من حديث عمران بن حصين في هذه القصة:"من أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحًا فليقض معها مثلها".
قلت: هذا سهو لأن هذا السياق في أبي داود من حديث أبي قتادة برواية خالد بن سمير عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة، لا من حديث عمران بن حصين.
قال الخطابي (3): لا أعلم أحدًا قال بظاهره وجوبًا، قال: ويشبه أن يكون
(1) قال النووي (3/ 205): معناه لا يتحول وقتها في المستقبل ولا يتغير، بل يبقى كما كان، فإذا كان في الغد يصلي في وقتها المعتاد "ابن رسلان". (ش).
(2)
"فتح الباري"(2/ 71).
(3)
"معالم السنن"(1/ 187).
436 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، نَا خَالِدُ بْنُ سُمَيْر
===
الأمر فيه للاستحباب ليحرز فضيلة الوقت في القضاء، انتهى (1).
ولم يقل أحد من السلف باستحباب ذلك أيضًا، بل عدوا الحديث غلطًا من الراوي، وحكى ذلك الترمذي وغيره عن البخاري، ويؤيد ذلك ما رواه النسائي من حديث عمران بن حصين أيضًا "أنهم قالوا: يا رسول الله ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ ، فقال صلى الله عليه وسلم: لا، ينهاكم الله عن الربا ويأخذ منكم".
436 -
(حدثنا علي بن نصر) بن علي بن نصر بن علي بن صهبان الجهضمي، أبو الحسن البصري الصغير الحافظ، وثَّقه أبو حاتم، وأطنب في ذكره والثناء عليه، وقال صالح بن محمد: ثقة صدوق، وقال الترمذي: كان حافظًا صاحب حديث، وقال النسائي: نصر بن علي الجهضمي وابنه علي ثقتان، وذكرهما ابن حبان في "الثقات"، مات سنة 205 هـ.
(نا وهب بن جرير، نا الأسود بن شيبان) السدوسي البصري، أبو شيبان، قال ابن معين والعجلي وأحمد: ثقة، وكذا قال النسائي، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال محمد بن عوف: كان من عباد الله الصالحين، كان يحج على ناقة له ولا يتزود شيئًا، يشرب من لبنها حتى يرجع، ويرسلها ترعى.
(نا خالد بن سمير) هكذا في جميع النسخ الموجودة بالسين المهملة مصغرًا، وفي "الخلاصة" (2): خالد بن شمير بمعجمة مصغرًا، السدوسي البصري، قال النسائي: ثقة، وقال العجلي: بصري ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وذكر له ابن جرير الطبري وابن عبد البر والبيهقي حديثًا أخطأ في
(1) أي كلام الخطابي، والكلام الآتي من بقية كلام الحافظ. (ش).
(2)
(ص 101).
قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الأَنْصَارِىُّ مِنَ الْمَدِينَةِ - وَكَانَتِ الأَنْصَارُ تُفَقِّهُهُ - فَحَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِىُّ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَيْشَ الأُمَرَاءِ،
===
لفظة منه، وهي قوله في الحديث: كنا في جيش الأمراء يعني مؤتة، والشعبي صلى الله عليه وسلم لم يحضرها.
(قال) أي خالد بن سمير: (قدم علينا) أي في البصرة (عبد الله بن رباح الأنصاري من المدينة- وكانت الأنصار تفقهه-) أي تنسب (1) عبد الله بن رباح إلى الفقه، ويقولون له: إنه فقيه، (فحدثنا قال) أي عبد الله بن رباح:(حدثني أبو قتادة الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكان يقال له (2): فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه وقع في "صحيح مسلم"(3) في حديث سلمة بن الأكوع الطويل في قصة ذي قرد أنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير فرساننا أبو قتادة".
(قال) أي أبو قتادة: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء)(4)، قال في "درجات مرقاة الصعود": هو جيش غزوة مؤتة، قال في "القاموس": مؤتة بالضم موضع بمشارق الشام، قتل فيه جعفر بن أبي طالب، وهي بأدنى البلقاء، والبلقاء دون دمشق، وسمي بهذا الاسم، لأنه صلى الله عليه وسلم لمَّا وجههم إليها أمَّر عليهم زيد بن حارثة، وقال: إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس، فإن قُتل فليرتض المسلمون بينهم
(1) وقال ابن رسلان: وكان الأنصار تعلمه الفقه في الدين وقواعد الشرع. (ش).
(2)
ويلقب به لشجاعته "بن رسلان". (ش).
(3)
رقم الحديث (1807).
(4)
قال ابن رسلان: لعله سمي به لما فيه من كثرة الأمراء والأكابر، قال العيني (3/ 219): هذا وهم من خالد عند الجميع، فإن جيش الأمراء هو غزوة مؤتة، ولم يكن عليه الصلاة والسلام بنفسه الشريفة فيها
…
إلخ، وفي "المنهل" (4/ 35): وهم خالد بن سمير في هذا الحديث في ثلاثة مواضع، الأول في قوله: جيش الأمراء، الثاني في قوله: من كان منكم يركع، الثالث في قوله: ليقض معها مثلها. (ش).
بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ: فَلَمْ تُوْقِظْنَا إِلَّا الشَمْسُ طَالِعَةً، فَقُمْنَا وَهِلِينَ لِصَلَاتِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"رُوَيْدًا رُوَيدًا"،
===
رجلًا، فلأجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّر فيها أمراء، أميرًا بعد أمير، سمِّي جيش الأمراء، وكانت هذه السرية سنة ثمان من الهجرة، والله أعلم.
ثم اعلم أن الذي فسر الشارح جيش الأمراء بغزوة مؤتة غير صحيح، فإن سياق الحديث صريح في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بنفسه الشريفة في هذه الغزوة موجودًا، وسرية مؤتة متفق عليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فيها، فلا يمكن أن تكون هذه القصة في سرية مؤتة، بل الصحيح أن هذه القصة وقعت في الرجوع من خيبر، والمراد بجيش الأمراء غزوة خيبر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا نزل خيبر أخذته الشقيقة فلم يخرج للقتال، وإن أبا بكر أخذ راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهض فقاتل قتالًا شديدًا، ثم رجع فأخذها عمر فقاتل قتالاً شديدًا هو أشد من القتال الأول، ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"أما والله لأعطينها غدًا رجلًا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يأخذها عنوة"، وليس ثمة علي، فتطاولت لها قريش، ورجا كل واحد منهم أن يكون صاحب ذلك، فجاء علي على بعير له حتى أناخ قريبًا من خباء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أرمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما لك؟ " قال: رمدت بعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ادنُ مني"، فدنا منه، فتفل في عينيه، فما وجعها قط، ثم أعطاه الراية، فنهض بها معه إلى آخر القصة، فهذه الغزوة أيضًا تستحق أن تسمى بجيش الأمراء، لأنها تأمَّر فيها أميرًا بعد أمير، وهذا هو الموافق لسياق الحديث، والله أعلم.
(بهذه القصة) أي حدث خالد بن سمير عن عبد الله بن رباح بهذه القصة المذكورة في الحديث المتقدم عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح.
(قال) أي أبو قتادة: (فلم توقظنا إلَّا الشمس طالعة) بالنصب على الحال (فقمنا وهلين) أي فزعين (لصلاتنا) أي لأجل فوات صلاتنا.
(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رويدًا رويدًا) أي ارفقوا رفقًا، وهو مصغر رود من أرود
حَتَّى إِذَا تَعَالَتِ الشَّمْسُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَرْكَعُ رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ فَلْيَرْكَعْهُمَا"، فَقَامَ مَنْ كَانَ يَرْكَعُهُمَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَرْكَعُهُمَا فَرَكَعَهُمَا،
===
به إروادًا أي رفق (حتى إذا تعالت (1) الشمس) أصله تعالوت وزنه تفاعلت من العلو فسقط اللام، هكذا في سائر الروايات، وفي نسخة:"تقالت" بالقاف وتشديد اللام، يريد استقلالها في السماء وارتفاعها إن كانت الرواية هكذا، قاله الخطابي (2).
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان (3) منكم يركع) أي يصلي، يريد يعتاد (4)(ركعتي الفجر) أي سنته ("فليركعهما" فقام من كان يركعهما)، أي يعتاد أداءهما في السفر (ومن لم يكن يركعهما) أي لم يكن يعتاد أداءهما في السفر، لأنهم فهموا من قوله صلى الله عليه وسلم أنه ندب إليهما (فركعهما) أي ركع كل واحد من الفريقين اللذين كانا يركعهما ومن لم يكن يركعهما.
قال الخطابي (5): وفي أمره صلى الله عليه وسلم إياهم بركعتي الفجر قبل الفريضة دليل على أن قوله: "فليصلها إذا ذكرها" ليس على معنى تضييق الوقت فيه وحصره بزمان الذكر، حتى لا يعدوه بعينه، ولكنه على أن يأتي بها على حسب الإمكان بشرط أن لا يغفلها ولا يتشاغل عنها بغيرها.
(1) بتخفيف اللام، وفيه حجة لما قاله الحنفية من أنها ينتظر خروج الوقت المكروه، وأجاب عنه الشافعية بما قاله ابن رسلان بأن التأخير لعله لانتظار الوحي، وقال القاضي عياض: إنه منسوخ بقوله عليه الصلاة والسلام: "فليصلها إذا ذكرها". (ش).
(2)
"معالم السنن"(1/ 188).
(3)
في السفر. (ش).
(4)
وشرحه في "التقرير" بأحسن توجيه، وحاصله: من يريد أن يركع ركعتي الفجر فليركعهما، فقام من كان ركعهما قبل ذلك لإِقامة الصفوف، ومن لم يركعهما بعدُ ركعهما. (ش).
(5)
"معالم السنن"(1/ 188).
ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُنَادَى بِالصَّلَاةِ، فَنُودِىَ بِهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِنَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ فقَالَ (1):«أَلَا إِنَّا نَحْمَدُ اللَّهَ أَنَّا لَمْ نَكُنْ فِى شَىْءٍ مِنْ أُمُورِ (2) الدُّنْيَا يَشْغَلُنَا عَنْ صَلَاتِنَا، وَلَكِنَّ أَرْوَاحَنَا كَانَتْ بِيَدِ اللَّهِ عز وجل، فَأَرْسَلَهَا أَنَّى شَاءَ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ صَلَاةَ الْغَدَاةِ مِنْ غَدهِ صَالِحًا فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلَهَا» . [انظر تخريج الحديث السابق]
===
(ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادى) أي يؤذن (3)(بالصلاة، فنودي بها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى بنا) أي صلاة الفجر الفائتة، (فلما انصرف) أي من الصلاة، وتوجه إلينا (فقال: ألا) حرف تنبيه (إنا نحمد الله) عز وجل (أنا لم نكن في شيء من أمور الدنيا يشغلنا) أي يلهينا (عن صلاتنا، ولكن أرواحنا كانت بيد الله) تعالى، أي كنا نائمين (فأرسلها) أي أرسل الله تعالى الأرواح (أنى شاء) أي متى شاء، (فمن أدرك منكم صلاة الغداة) أي الفجر (من غده صالحًا) أي في وقتها (فليقض) أي فليصل (معها) أي مع صلاة الفجر في الغد (مثلها)، والمراد بها الصلاة الفائتة، أي يصلي الفائتة مع الوقتية مرة ثانية.
وقد تقدم عن الخطابي (4) أنه قال: لا أعلم أحدًا (5) من الفقهاء قال بها وجوبًا، ويشبه أن يكون الأمر به استحبابًا ليحرز فضيلة الوقت في القضاء عند مصادفة الوقت.
قلت: وقد تقدم أيضًا أن الحافظ تعقبه في "الفتح"(6)، وقال: لم يقل أحد من السلف باستحباب ذلك أيضًا، بل عدوا الحديث غلطًا من راويه، وحكى ذلك الترمذي وغيره عن البخاري، ويؤيد ذلك ما رواه النسائي من
(1) وفي نسخة: "قال".
(2)
وفي نسخة: "أمر الدنيا".
(3)
وقيل: يقيم. "ابن رسلان". (ش).
(4)
"معالم السنن"(1/ 187).
(5)
وقال ابن رسلان: قال به طائفة. (ش).
(6)
(2/ 71).
437 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ فِى هَذَا الْخَبَرِ. قَالَ: فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حَيْثُ شَاءَ، وَرَدَّهَا حَيْثُ شَاءَ، قُمْ فَأَذِّنْ بِالصَّلَاةِ» ، فَقَامُوا فَتَطَهَّرُوا، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِالنَّاسِ. [خ 595، م 681، ن 846، حم 5/ 307، خزيمة 409]
===
حديث عمران بن حصين أيضًا: أنهم قالوا: يا رسول الله ألا نقضيها لوقتها من الغد، فقال صلى الله عليه وسلم:"لا، ينهاكم الله عن الربا ويأخذه منكم"، انتهى.
437 -
(حدثنا عمرو بن عون، أنا خالد) بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان الواسطي، (عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي، (عن) عبد الله (بن أبي قتادة، عن أبي قتادة في هذا الخبر) أي حدثنا عمرو بن عون بسنده عن أبي قتادة في هذا الخبر (قال) أبو قتادة: (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قبض أرواحكم (1) حيث شاء) أي متى شاء (وردها) عليكم (حيث شاء، قم فأذِّن (2) بالصلاة، فقاموا) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه (فتطهَّروا) أي توضؤوا (حتى إذا ارتفعت الشمس)، وخرج وقت الكراهة (قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلَّى بالناس).
ولعل غرض المصنف بإعادة هذا الحديث بيان أن فيه الأمر بالأذان بالصلاة الذي ليس في الحديث المتقدم (3)، وذكر قيام الصحابة للتطهر وتَطهُّرَهم.
(1) ولا يلزم منه الموت، فإنه انقطاع تعلق الروح بالبدن، هذا انقطاع ظاهره فقط "ابن رسلان". (ش).
(2)
بتشديد الذال، وفي رواية البخاري بالمد وتخفيف الذال. (ش).
(3)
وأورد عليه الشيخ محمد أسعد الله - رحمه الله تعالى- بأن الأمر بالأذان موجود في الحديث المتقدم كما ترى، اللهم إلَّا أن يقال: المراد بالنداء في الحديث المتقدم الإِقامة وهو الأظهر. (ش).
438 -
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَاهُ قَالَ: "فَتَوَضَّأَ حِينَ ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى بِهِمْ. [انظر رقم 437]
439 -
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ - وَهُوَ الطَّيَالِسِىُّ -، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ الْمُغِيرَةِ -،
===
438 -
(حدثنا هناد) بن السري، (نا عبثر) بفتح أوله وسكون الموحدة وفتح المثلثة آخره راء، ابن القاسم الزبيدي بضم الزاي، أبو زبيد الكوفي، قال صالح بن أحمد عن أبيه: صدوق ثقة، وقال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال أبو داود: ثقة ثقة، وقال يعقوب بن سفيان: كوفي ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات سنة 178 هـ.
(عن حصين، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه) أبي قتادة، (عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه) أي حدثنا هناد قال: حدثنا عبثر عن حصين بمعنى حديث خالد عن حصين (قال: فتوضأ) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي نسخة:"فتوضؤوا"، أي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه (حين ارتفعت الشمس فصلَّى بهم).
والغرض من إعادة هذا الحديث الإشارة إلى الاختلاف الواقع فيه، فإن في الحديث المتقدم ذكر الوضوء كان قبل ارتفاع الشمس، وفي هذا الحديث بعده.
439 -
(حدثنا العباس) بن عبد العظيم (العنبري، نا سليمان بن داود- وهو الطيالسي-، نا سليمان -يعني ابن المغيرة-) القيسي مولاهم، أبو سعيد البصري، قال قراد أبو نوح: سمعت شعبة يقول: سليمان بن المغيرة سيد أهل البصرة، وقال أبو داود الطيالسي: كان من خيار الرجال، وقال عبد الله بن داود الخريبي: ما رأيت بالبصرة أفضل من سليمان بن المغيرة ومرحوم بن عبد العزيز، وعن أحمد: ثبت ثبت، وعن يحيى بن معين: ثقة ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة ثبتًا، وقال النسائي: ثقة، وقال سليمان بن حرب: ثقة مأمون، وقال عثمان بن
عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ فِى النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِى الْيَقَظَةِ أَنْ تُؤَخَّرَ صَلَاة (1) حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى» . [م 681، ت 177، ن 615، جه 698، حم 5/ 300]
440 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَا هَمَّامٌ،
===
أبي شيبة: هو ثقة، ونقل ابن خلفون عن ابن نمير والعجلي وغيرهما توثيقه، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو مسعود الدمشقي في "الأطراف" في مسند أنس: ليس لسليمان بن المغيرة عند البخاري غير هذا الحديث الواحد وقرنه بغيره، وقال البزار: كان من ثقات أهل البصرة.
(عن ثابت) البناني، (عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس في النوم تفريط) أي تقصير (إنما التفريط في اليقظة أن تؤخر) بصيغة الخطاب المعلوم، ويحتمل أن يكون بالغيبة مجهولًا (صلاة) بالنصب على المفعولية، أو بالرفع على الفاعلية (حتى يدخل وقت (2) أخرى) أي وقت صلاة أخرى. وهذا كناية عن خروج وقت الصلاة، لأن الغالب في أوقات الصلوات إذا خرج وقت صلاة دخل وقت صلاة أخرى.
والغرض من ذكر حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت بيان الزيادة فيه، بأن فيه أن التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى، ولم يكن هذا في حديث حماد ولا في حديث خالد بن سمير، وكان المناسب للمصنف أن يخرج هذه الرواية عقب رواية حماد عن ثابت، لأن الغرض أن ابن المغيرة عن ثابت زاد على رواية حماد عن ثابت في حديث أبي قتادة زيادة ليست فيها.
440 -
(حدثنا محمد بن كثير، أنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي
(1) وفي نسخة: "الصلاة".
(2)
قلت: فيه دليل لمن أنكر الجمع في وقت واحد. (ش).
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ نَسِىَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ» . [خ 597، م 684، ت 178، ن 613، جه 696]
441 -
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ يُونُسَ (1) ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
===
(عن قتادة) بن دعامة، (عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نسي صلاة فليصلِّها (2) إذا كرها، لا كفارة لها إلَّا ذلك) قال الخطابي (3): يريد أنه لا يلزمه في تركها غرم أو كفارة من صدقة أو نحوها، كما يلزمه في ترك الصوم في رمضان من غير عذر الكفارة، وكما يلزم المحرم إذا ترك شيئًا من نسكه كفارة وجبران من دم وإطعام ونحوه، وفيه دليل على أن أحدًا لا يصلي عن أحد، كما يحج عنه، وكما يؤدي عنه الديون ونحوها، وفيه دليل على أن الصلاة لا تجبر بالمال، كما يجبر الصوم وغيره.
441 -
(حدثنا وهب بن بقية، عن خالد) بن عبد الله الواسطي، (عن يونس) بن عبيد بن دينار، (عن الحسن) البصري، (عن عمران بن حصين (4)) مصغرًا، ابن عبيد بن خلف الخزاعي، أبو نجيد مصغرًا، صحابي مشهور، أسلم هو وأبو هريرة عام خيبر، وكان فاضلًا، استقضاه عبد الله بن عامر على البصرة ثم استعفاه، ومات بها سنة 52 هـ، وقال ابن سعد: استقضاه زياد ثم استعفاه، وكانت الملائكة تصافحه قبل أن يكتوي.
(1) زاد في نسخة: "بن عبيد".
(2)
جعل عياض تأخير الصلاة في الوادي منسوخًا بهذا القول "ابن رسلان". (ش).
(3)
"معالم السنن"(1/ 188).
(4)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(3/ 408) رقم (4048).
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (1) صلى الله عليه وسلم كَانَ فِى مَسِيرٍ لَهُ، فَنَامُوا عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَاسْتَيْقَظُوا بِحَرِّ الشَّمْسِ، فَارْتَفَعُوا قَلِيلاً حَتَّى اسْتَقَلَّتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَ مُؤَذِّنًا فَأَذَّنَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ". [خ 344، م 682 مطوَّلاً، ق 4/ 401، قط 1/ 383، ك 1016]
===
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له) قال الحافظ (2): اختلف (3) في تعيين هذا السفر، ففي مسلم من حديث أبي هريرة أنه وقع عند رجوعهم من خيبر قريب من هذه القصة، وفي أبي داود من حديث ابن مسعود:"أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ليلًا"، وفي "الموطأ" عن زيد بن أسلم مرسلًا:"عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلًا بطريق مكة"، وفي "مصنف عبد الرزاق" عن عطاء بن يسار مرسلًا أن ذلك كان بطريق تبوك، ووقع في رواية لأبي داود أن ذلك كان في غزوة جيش الأمراء، وتعقبه ابن عبد البر بأن غزوة جيش الأمراء هي غزوة مؤتة ولم يشهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو كما قال، لكن يحتمل أن يكون المراد بغزوة جيش الأمراء غزوة أخرى غير غزوة مؤتة، وهي غزوة خيبر، كما تقدَّم.
(فناموا) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه (عن صلاة الفجر، فاستيقظوا بحر الشمس، فارتفعوا قليلًا) أي راحوا وساروا زمانًا قليلًا (حتى استقلت) أي ارتفعت (الشمس، ثم أمر مؤذناً فأذن، فصلَّى) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ركعتين) أي سنَّة الفجر (قبل) فرض (الفجر، ثم أقام) أي المؤذن (ثم صلَّى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الفجر) أي فرض الفجر بالجماعة.
(1) وفي نسخة: "النبي".
(2)
"فتح الباري"(1/ 448).
(3)
ولذا اختلفوا في أن قصة التعريس وقع مرة أو أكثر منها، كما بسطناه في "الأوجز"(1/ 315)، وفي "التلخيص الحبير" (1/ 321): قال ابن الحصار: هي ثلاث نوازل، تقدم مثله عن ابن العربي (1/ 290) على هامش "باب في من نام عن صلاة أو نسيها"، وذكره في "تاريخ الخميس"(2/ 59) في وقائع السنَّة السابعة من الهجرة. (ش).
442 -
حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِىُّ. (ح): وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ - وَهَذَا لَفْظُ عَبَّاسٍ -، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ حَدَّثَهُمْ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ - يَعْنِى الْقِتْبَانِىَّ -، أَنَّ كُلَيْبَ بْنَ صُبْحٍ حَدَّثَهُمْ (1) ، أَنَّ الزِّبْرِقَانَ حَدَّثَهُ، عَنْ عَمِّهِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِىِّ
===
442 -
(حدثنا عباس العنبري، ح: وحدثنا أحمد بن صالح- وهذا) أي الذي أوردناه (لفظ عباس- أن عبد الله بن يزيد) أبو عبد الرحمن المقرئ المكي القصير (حدثهم عن حيوة بن شريح، عن عياش بن عباس- يعني القتباني- أن كليب بن صبح) الأصبحي المصري، قال عثمان الدارمي عن ابن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، (حدثهم أن الزبرقان) بن عبد الله الضمري، روى عن عم أبيه عمرو بن أمية الضمري، وعن عمه جعفر بن عمرو بن أمية، وعنه كليب بن صبح، روى له أبو داود حديثًا واحدًا في الصلاة، وقال أحمد بن صالح: الصواب فيه الزبرقان بن عبد الله بن عمرو بن أمية عن عمه جعفر بن عمرو عن عمرو بن أمية، ثم ذكر الحافظ بعد هذا في ترجمة مستقلة الزبرقان بن عمرو بن أمية الضمري، وقال: لم يفرق البخاري فمن بعده بينهما إلَّا ابن حبان ذكر هذا في ترجمة مفردة عن الذي يروي عنه كليب بن صبح. قال في "التقريب": ثقة.
(حدثه عن عمه عمرو بن أمية) بن خويلد بن عبد الله (الضمري)(2) أبو أمية، صحابي مشهور، أسلم حين انصرف المشركون من أحد، وكان شجاعًا له إقدام، وكان أول مشاهده بئر معونة، فأسرته بنو عامر يومئذ، فجزَّ عامر بن طفيل ناصيته وأطلقه، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي في زواج أم حبيبة، وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عينًا وحده إلى مكة، فحمل خبيبًا من خشبته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه في أمور، مات بالمدينة في خلافة معاوية.
(1) وفي نسخة: "حدثه".
(2)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(3/ 351) رقم (3862).
قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَنَامَ عَنِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«تَنَحُّوا (1) عَنْ هَذَا الْمَكَانِ» . قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِلَالاً فَأَذَّنَ، ثُمَّ تَوَضَّئُوا وَصَلَّوْا رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالاً فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ.
443 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ، نَا حَجَّاجٌ - يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ -، ثنَا حَرِيزٌ (2)، (ح): وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ،
===
(قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره) جمع سفر، وقد قدمنا عن الحافظ أنه قال: اختلف في تعيين هذا السفر (فنام عن الصبح) أي عن صلاته (حتى طلعت الشمس، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: تنحوا) أي تحولوا (عن هذا المكان) إما لأنه حضر بذلك الوادي شيطان (3)، أو ليخرج وقت الكراهة (قال: ثم أمر بلالًا فأذن، ثم توضؤوا وصلوا ركعتي الفجر) أي سنته، (ثم أمر بلالًا فأقام الصلاة فصلَّى) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بهم) أي بأصحابه (صلاة الصبح) أي ركعتي الفرض.
443 -
(حدثنا إبراهيم بن الحسن) بن الهيثم الخثعمي، أبو إسحاق المصيصي المقسمي، كتب عنه أبو حاتم، وقال: صدوق، وقال النسائي: ثقة، وفي موضع آخر: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، (نا حجاج -يعني ابن محمد-) المصيصي، (ثنا حريز) بن عثمان.
(ح: وحدثنا عبيد بن أبي الوزير) هو عبيد الله بن أبي الوزير، ويقال: أبو الوزير بفتح الزاي مصغرًا بعدها تحتانية، الحلبي، من شيوخ أبي داود،
(1) وفي نسخة: "نتحول".
(2)
زاد في نسخة: "بن عثمان".
(3)
كما ورد في عدة روايات، لكن يشكل عليه أن الشيطان لا يسلط عليه صلَّى الله تعالى عليه وآله وسلَّم، كما ورد في عدة روايات، وأجاب عنه القاضي في "الشفاء"(4/ 129) أنه ليس فيه ذكر تسلطه عليه عليه الصلاة والسلام. (ش).
حَدَّثَنَا مُبَشِّرٌ - يَعْنِى الْحَلَبِىَّ -، حَدَّثَنَا حَرِيزٌ - يَعْنِى ابْنَ عُثْمَانَ -، حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ صَالِحٍ (1) ، عَنْ ذِى مِخْبَرٍ الْحَبَشِىِّ، وَكَانَ يَخْدُمُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فِى هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ - يَعْنِى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم
===
لم يعرف بشيء من حاله، قال الذهبي في "الميزان": عبيد بن أبي الوزير الحلبي، ما عرفت أحدًا روى عنه سوى أبي داود، لا بأس به، وقد يقال: عبيد الله بن أبي الوزير، انتهى.
(ثنا مبشر - يعني الحلبي-، حدثنا حريز - يعني ابن عثمان-، حدثني يزيد بن صالح) وقيل: ابن صليح، كما في نسخة بالتصغير، ويقال: ابن صبح، الرحبي الحمصي، روى عن ذي مخبر، وعنه حريز بن عثمان، قال أبو داود: شيوخ حريز كلهم ثقات، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الدارقطني: لا يعتبر به، وصحح المزي في "الأطراف" أن اسم أبيه صليح، وبه جزم البخاري وابن أبي خيثمة ويعقوب بن سفيان وغير واحد، وقال في "الميزان": يزيد بن صالح أو يزيد بن صليح تابعي حمصي، لا يكاد يعرف.
(عن ذي مخبر)(2) بكسر أوله وسكون المعجمة وفتح الموحدة وقيل بدلها ميم (الحبشي) ابن أخي النجاشي، صحابي، كان يخدمه صلى الله عليه وسلم، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نزل الشام، وكان الأوزاعي لا يقوله إلَّا بالميم، وصححه كذلك ابن سعد، وأما الترمذي فصححه بالباء.
(وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، في هذا الخبر) أي حدث في هذه القصة المتقدمة من نومه عن الصبح (قال) أي ذو مخبر: (فتوضأ -يعني النبي صلى الله عليه وسلم) ضمير الفاعل في يعني يعود إلى ذي مخبر، حاصله: أن يزيد بن صليح يقول: قال ذو مخبر: فتوضأ، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يريد أن مرجع ضميره النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) وفي نسخة: "صليح".
(2)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(2/ 153) رقم (1555).
وُضُوءًا لَمْ يَلْثَ مِنْهُ (1) التُّرَابُ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالاً فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَامَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ غَيْرَ عَجِلٍ، ثُمَّ قَالَ لِبِلَالٍ:«أَقِمِ الصَّلَاةَ» ، ثُمَّ صَلَّى الْفَرْضَ وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ.
قَالَ: عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ صُلَيْحٍ قال: حَدَّثَنِى ذُو مِخْبَرٍ - رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ -. وَقَالَ عُبَيْدٌ: يَزِيدُ بْنُ صَالِحٍ.
===
(وضوءًا لم يلث منه التراب) على وزن لم يخش، نقل في الحاشية عن "فتح الودود": لم يلث هو بالمثلثة من لثي بالكسر إذا ابتل، وهو كناية عن تخفيف وضوئه، وقيل بضم اللام وتشديد المثناة من فوق، من لث السويق إذا خلطه بشيء، أي لم يخلط التراب بالماء من ذلك الوضوء، والمراد واحد.
(ثم أمر بلالًا فأذن، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فركع ركعتين) أي سنتي الفجر (غير عجل) أي لم يستعجل فيهما، بل أداهما بالتأني والطمأنينة، (ثم قال لبلال: أقم الصلاة، ثم صلَّى الفرض وهو غير عجل) أخرج هذه الرواية ، لأن فيها شيئًا من الزيادة على الرواية المتقدمة.
(قال: عن حجاج) وفي نسخة: "قال حجاج"، فعلى الأولى ضمير "قال" يعود إلى إبراهيم، وعلى الثاني فاعل "قال" حجاج، وفي نسخة:"قال غير حجاج"، (عن يزيد بن صليح قال: حدثني ذو مخبر- رجل من الحبشة-، وقال عبيد: يزيد بن صلح) وفي نسخة: يزيد بن صالح، وفي المكتوبة:"صبح"، فاختلفت النسخ في هذا اللفظ اختلافًا كثيرًا.
وحاصل هذا الكلام أن المصنف يقول: إن شيخي إبراهيم بن الحسن قال: عن شيخه حجاج، عن حريز قال: يزيد بن صليح. وقال ابن أبي الوزير بسنده عن حريز قال: ابن صالح أو ابن صلح أو ابن صبح، فعلى هذا تختلف
(1) وفي نسخة: "لم يلث" فقط.
444 -
حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنْ حَرِيزٍ - يَعْنِى ابْنَ عُثْمَانَ -، عَنْ يَزِيدَ بْنِ صَلِيحٍ (1)، عَنْ ذِى مِخْبَرٍ بْنِ أَخِى النَّجَاشِىِّ فِى هَذَا الْخَبَرِ قَالَ:"فَأَذَّنَ وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ".
445 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى عَلْقَمَةَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ،
===
روايتاهما في هذا اللفظ، وأما النسخة التي فيها: قال غير حجاج، فليس له وجه وجيه، إلَّا أن يراد بغير الحجاج وليد بن مسلم، كما يأتي في الحديث الذي بعد هذا.
444 -
(حدثنا مؤمل بن الفضل) الجزري، (ثنا الوليد) بن مسلم، (عن حريز - يعني ابن عثمان -، عن يزيد بن صليح، عن ذي مخبر ابن أخي النجاشي في هذا الخبر) أي حدث في هذا الخبر المتقدم، وزاد فيه (قال) أي ذو مخبر:(فأذن) أي مؤذن (وهو غير عجل)، فزاد في الأذان لفظ "وهو غير عجل".
445 -
(حدثنا محمد بن المثنى، ثنا محمد بن جعفر) غندر، (ثنا شعبة) بن الحجاج، (عن جامع بن شداد، سمعت عبد الرحمن بن أبي علقمة) هو عبد الرحمن بن علقمة، ويقال: ابن أبي علقمة، مختلف في صحبته، قال ابن أبي حاتم عن أبيه: ليست له صحبة، وقال ابن حبان: ويقال: له صحبة، وقال الدارقطني: لا تصح له صحبة ولا نعرفه، وذكره في الصحابة جماعة ممن ألف فيهم، منهم خليفة ويعقوب بن سفيان وابن منده.
(سمعت عبد الله بن مسعود قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية) أي في زمان غزوها.
(1) وفي نسخة: "صالح".
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَكْلَؤُنَا؟ » . فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا. فَنَامُوا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ» . قَالَ فَفَعَلْنَا. قَالَ: «فَكَذَلِكَ (1) فَافْعَلُوا، لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِىَ» . [ن 624، حم 5/ 267]
===
والحديبية قرية قريبة من مكة في طريق جدة، والآن يقال لها: شميسية سميت ببئر هناك، وهي مخففة، وكثير منها يشددونها. خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم للعمرة في ذي القعدة سنة ست من مهاجره، وخرج معه من المسلمين ألف وست مأة وخمسة وعشرون رجلًا، فصلَّى الظهر بذي الحليفة، وساق بدنًا فجللها وأشعرها وقلدها، وفيها جمل أبي جهل الذي غنمه يوم بدر، وأحرم ولبى، فسار حتى دنا من الحديبية، وهي طرف الحرم على تسعة أميال من مكة.
نقل في الحاشية عن "فتح الودود": هذا يخالف ما تقدم أن هذه القصة كانت في رجوعه من خيبر، وجاء في الطبراني أنها كانت في غزوة تبوك، وجمع بتعدد القصة.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يكلؤنا؟ ) أي من يحفظنا حتى لا تفوتنا الصلاة (فقال بلال: أنا) أي أنا أكلؤكم. (فناموا حتى طلعت الشمس، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم) أي ثم استيقظ أصحابه (فقال: افعلوا) بالصلاة كما كنتم تفعلون) أي بها قبل طلوع الشمس، أي أدوها قضاء كما كنتم تؤدونها أداء (قال: ففعلنا) أي فصلينا، كما كنا نصلي في الوقت بأن توضأنا وأذنا وأقمنا وصلينا سنَّة الفجر ثم صلينا الفرض. (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فكذلك فافعلوا، لمن نام أو نسي) اللام متعلق بقال، أي قال في حق من نام أو نسي بعد ذلك من الأمة بأنه يفعل مثل الذي فعلنا.
(1) وفي نسخة: "وكذلك".
(12)
(1) بَابٌ: في بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ
446 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُفْيَانَ - يعني الثَّوْرِىِّ -، عَنْ أَبِى فَزَارَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ» . [عب 5127، حب 1615]
===
تَفْرِيعُ أَبْوَابِ (2) الْمَساجِدِ
(12)
(بَابٌ: في بِنَاء (3) الْمَسَاجِدِ)
446 -
(حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان، أنا سفيان بن عيينة، عن سفيان -يعني الثوري-، عن أبي فزارة) راشد بن كيسان، (عن يزيد بن الأصم) واسمه عمرو بن عبيد بن معاوية، أبو عوف البكائي بفتح الموحدة وتشديد الكاف، كوفي، نزل الرقة، وهو ابن أخت ميمونة أم المؤمنين، أمه برزة بنت الحارث أخت ميمونة أم المؤمنين، يقال: له رؤية، ولا يثبت، قال العجلي وأبو زرعة والنسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، قال ابن عمار: ربته ميمونة بنت الحارث، مات سنة 103 هـ.
(عن) عبد الله (4)(بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أمرت) ما نافية (بتشييد المساجد) أي برفعها وإعلاء بنائها، ومنه قوله تعالى:{فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} (5)، وهي التي طول بناؤها أو تجصيصها، يقال: شدت الشيء أشيده
(1) زاد في نسخة: "تفريع أبواب المساجد".
(2)
لم يذكر المصنف فيه النوم في المسجد، وبوب له غيره من أصحاب الصحاح، وتقدم عند المصنف في حديث ابن عمر النوم فيه في "باب في طهور الأرض إذا يبست". (ش).
(3)
كان بدؤه في السنة الأولى. "تلقيح فهوم أهل الأثر"(ص 39). (ش).
(4)
لم يذكر البخاري المرفوع للاختلاف على يزيد. "ابن رسلان"، نعم ذكر أثر ابن عباس تعليقًا. (ش).
(5)
سورة النساء: الآية 78.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى". [خت- باب بنيان الْمسجد-].
===
إذا بنيته بالشيد وهو الجص (1).
(قال ابن عباس) وهو موقوف (2) لكنه في حكم المرفوع، لأنه من إخبار ما يأتي، وهو لا يكون إلَّا عن النبي صلى الله عليه وسلم:(لَتُزَخْرِفُنَّهَا)(3) بفتح اللام (4)، وهي لام القسم، وبضم المثناة وفتح الزاي وسكون الخاء المعجمة وضم الفاء وتشديد النون، وهي نون التأكيد، والزخرفة الزينة، وأصله الذهب، ثم استعمل في كل ما يتزين به (كما زخرفت اليهود والنصارى) أي بيعهم وكنائسهم، وهذا بدعة لأنه لم يفعله عليه السلام، وفيه موافقة أهل الكتاب.
قال الشوكاني (5): وهذا الحديث فيه معجزة ظاهرة لإخباره صلى الله عليه وسلم عما سيقع بعده، فإن تزويق المساجد والمباهات بزخرفتها كثر من الملوك والأمراء في هذا الزمان في القاهرة والشام وبيت المقدس بأخذ أموال الناس ظلمًا وعمارتهم إياها على شكل بديع، انتهى.
والحديث يدل على أن تشييد المساجد بدعة، وقد روي عن أبي حنيفة الترخيص في ذلك، وقال البدر بن المنير: لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها
(1) قال ابن رسلان: وهذان قولان في قوله تعالى: {وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج: 45]، أي طويل عال، وقيل: مجصص، والمشهور في الحديث أن المراد هاهنا رفعه وتطويله، كما قاله البغوي وغيره، وفيه رد على من حمل قوله تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36]، على رفع البناء للحقيقة، بل المراد أن تعظم. (ش).
(2)
وزعم الطيبي أنه مرفوع، بسطه ابن رسلان والحافظ (1/ 540)، وتعقبه العيني (3/ 471). (ش).
(3)
وأول من زخرف المساجد وليد بن عبد الملك بن مروان. "ابن رسلان". (ش).
(4)
وقيل: بالكسر تعليل لما سبق، قال ابن حجر: الرواية بالقتح لا غير "ابن رسلان". (ش).
(5)
"نيل الأوطار"(2/ 175).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ناسب أن يصنع ذلك بالمساجد صونًا لها عن الاستهانة، وتعقب بأن المنع إن كان للحث على اتباع السلف في ترك الرفاهية فهو كما قال، وإن كان لخشية شغل بال المصلي بالزخرفة فلا، ومن جملة ما عوّل عليه المجوّزون للتزيين بأن السلف لم يحصل منهم الإنكار على من فعل ذلك، وبأنه بدعة مستحسنة وبأنه مرغب إلى المسجد، وهذه حجج لا يُعَوِّلُ عليها من له حظ من التوفيق لا سيما مع مقابلتها للأحاديث الدالة على أن التزيين ليس من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه نوع من المباهاة المحرمة، وأنه من علامات الساعة، وأنه من صنع اليهود والنصارى.
ودعوى ترك إنكار السلف ممنوعة، لأن التزيين بدعة أحدثها أهل الدول الجائرة، وسكت العلماء عنهم تقية لا رضي، بل قام في وجه باطلهم جماعة من علماء الآخرة، ودعوى أنه بدعة مستحسنة باطلة، ودعوى أنه مرغب إلى المسجد فاسدة، انتهى ملخصًا.
قلت: قال في "الدر المختار: ولا بأس بنقشه خلا محرابه فإنه يكره، لأنه يلهي المصلي، ويكره التكلف بدقائق النقوش ونحوها خصوصًا في جدار القبلة، قاله الحلبي، وفي حظر "المجتبى": وقيل: يكره في المحراب دون السقف والمؤخر، انتهى، وظاهره أن المراد بالمحراب جدار القبلة، فليحفظ بجص وماء ذهب لو بماله الحلال، لا من مال الوقف فإنه حرام، وضمن متوليه لو فعل النقش أو البياض، إلَّا إذا خيف طمع الظلمة فلا بأس به "كافي"، وإلَّا إذا كان لإحكام البناء، أو الواقف فعل مثله لقولهم: "إنه يعمر الوقف كما كان" وتمامه في "البحر".
وقال في حاشيته "رد المحتار"(1): قوله: ولا بأس، في هذا التعبير كما قال شمس الأئمة: إشارة إلى أنه لا يؤجر، ويكفيه أن ينجو رأسًا برأس،
(1)(2/ 520).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
انتهى، قال في "النهاية": لأن لفظ لا بأس دليل على أن المستحب غيره، لأن البأس الشدة، انتهى، ولهذا قال في حظر "الهندية" عن "المضمرات": والصرف إلى الفقراء أفضل، وعليه الفتوى، انتهى.
قال الحافظ في "الفتح"(1): ورخص في ذلك بعضهم، وهو قول أبي حنيفة، إذا وقع ذلك على سبيل التعظيم للمساجد ولم يقع الصرف على ذلك من بيت المال.
فهاهنا أمور: أولها: أن تزويق المساجد وتحسينها إذا كان يلهي المصلين ويشغل قلوبهم فهو مجمع على كراهته.
والأمر الثاني: إذا كان هذا مباهاة ورياءً وسمعة فهو أيضًا مكروه، بل بناء المساجد بهذه النية الفاسدة يكون مكروهًا أيضًا فضلًا عن التزيين والتحسين.
والأمر الثالث: أن يحكم بناؤها ويبنى بالجص وغيرها مما يستحكم به الصنعة، فهذا غير مكروه عندنا، والدليل عليه ما أخرجه الشيخان عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من بني لله مسجدًا بني الله له مثله في الجنة".
وأيضًا يؤيده ما فعل عثمان في خلافته كما في الحديث الذي بعد هذا، فإنه فعل ما فعل مستدلًا بهذا الحديث، وكل ما فعل كان من باب الأحكام لا من باب التزيين المحض، وأما الحجارة المنقوشة فلم ينقشها ولم يأمر بنقشها، بل حصل له كذلك منقوشة من بعض ولاياته، فركبها في المسجد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"عليكم بسنتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديين".
(1)"فتح الباري"(1/ 541).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والذين أنكروا عليه من الصحابة لم يكن عندهم دليل يوجب المنع إلَّا الحث على اتباع السلف في ترك الرفاهية، وهذا كما ترى لا يقتضي التحريم ولا الكراهية.
وأما حديث أبي داود هذا فهو أيضًا لا يدل على المنع، ودلالته على المنع ممنوعة، فإن فيه "ما أمرت بتشييد المساجد" فنفي كون التشييد مأمورًا به لا يقتضي الكراهة، فإن نفي الوجوب يصدق بجواز الفعل أيضًا فلا يستوجب الكراهة، وأما قول ابن عباس:"لتزخرفنها" فلا دليل فيه أيضًا، لأنه موقوف على ابن عباس، ولو سلم رفعها حكمًا فهو محمول على التزيين، والزخرفة التي تلهي بال المصلي، أو تكون مباهاة ورياءً وسمعةً كما تفعله اليهود والنصارى.
والأمر الرابع: أن يبنى المسجد بالغصب بأخذ أموال الناس ظلمًا.
والخامس: بأنه يبنيه الواقف بمال الوقف فهذا أيضًا حرام لم يرخص فيه أحد من العلماء.
ثم اعلم أنه قد ثبت أن عبد الله بن الزبير -رضي الله تعالى عنه - قد بني الكعبة ورفع بناءها على ما كان قبل ذلك من البناء، وشَيَّدها.
واللذين خالفوه ما كان عندهم حجة إلَّا أنهم يقولون: لا ينبغي أن يغير عما كانت عليه، كما أشار ابن عباس على ابن الزبير لما أراد أن يهدم الكعبة ويجدد بناءها بأن يرِمَّ ما وهي منها، ولا يتعرض لها بزيادة ونقصان، وقال له: لا آمن أن يجيء من بعدك أمير فيغير الذي صنعت، وقد حكي عن الرشيد أو المهدي أو المنصور أنه أراد أن يعيد الكعبة على ما فعله ابن الزبير، فناشده مالك في ذلك، وقال: أخشى أن يصير ملعبة للملوك فتركه، فإنكار الشوكاني وغيره على تشييد المساجد مطلقًا من غير تفصيل ليس في محله.
447 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَقَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِى الْمَسَاجِدِ» . [ن 689، جه 739، حم 3/ 134، دي 1408]
448 -
حَدَّثَنَا رَجَاءُ بْنُ الْمُرَجَّى، ثَنَا أَبُو هَمَّامٍ الدَّلَاّلُ،
===
447 -
(حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي، ثنا حماد بن سلمة عن أيوب) السختياني، (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد، (عن أنس) بن مالك، (وقتادة (1)، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد) أي يتفاخرون في بناء المساجد (2)، يعني يتفاخر كل واحد بمسجده يقول: مسجده أرفع أو أزين أو أوسع أو أحسن رياءً وسمعة واجتلابًا للمدحة، ويؤيده ما نقله الحافظ (3) من "مسند أبي يعلى" و"صحيح ابن خزيمة" من طريق أبي قلابة أن أنسًا قال: سمعته يقول: "يأتي على أمتي زمان يتباهون بالمساجد ثم لا يعمرونها إلَّا قليلًا"(4)، وعند أبي نعيم في "كتاب المساجد":"يتباهون بكثرة المساجد".
448 -
(حدثنا رجاء بن المُرَجَّى) بمضمومة وفتح راء وشدة جيم مفتوحة وقصر، ابن رافع الغفاري، أبو محمد، ويقال: أبو أحمد بن أبي رجاء المروزي، ويقال: السمرقندي، الحافظ، سكن بغداد، قال أبو حاتم: صدوق، وقال الدارقطني: حافظ ثقة، وقال ابن حبان: كان متيقظًا ممن جمع وصنف، وقال الخطيب: كان ثقة ثبتًا إمامًا في علم الحديث وحفظه والمعرفة به، مات سنة 249 هـ.
(ثنا أبو همام الدلال) محمد بن محبب - بموحدتين على وزن محمد -
(1) أي وأيوب عن قتادة "ابن رسلان". (ش).
(2)
قلت: ويحتمل أن يكون المعنى: يتفاخرون فيما بينهم جالسين في المسجد. (ش).
(3)
"فتح الباري"(1/ 539).
(4)
أخرجه أبو يعلى في "مسنده" برقم (2817)، وابن خزيمة في "صحيحه" برقم (1321).
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِى الْعَاصِ (1):"أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَسْجِدَ الطَّائِفِ حَيْثُ كَانَ طَوَاغِيتُهُمْ". [جه 743، ك 3/ 618]
===
ابن إسحاق القرشي البصري، صاحب الدقيق، قال أبو حاتم: صالح الحديث، صدوق، ثقة في الحديث، وقال الآجري عن أبي داود: ثقة، قال: سمعت أبا داود يثني عليه، وقال مسلمة بن قاسم: ثقة معروف، وقال الحاكم: روى عنه البخاري في "الصحيح" محتجًا به، فوهم الحاكم في ذلك، مات سنة 221 هـ.
(ثنا سعيد بن السائب) بت يسار الثقفي الطائفي، قال ابن معين والدارقطني: ثقة، وقال أبو داود والنسائي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال سفيان: لا تكاد تجف له دمعة، وقال شعيب بن حرب: ثقة، كنا نعده من الأبدال، مات سنة 171 هـ.
(عن محمد بن عبد الله بن عياض) الطائفي، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": مقبول، (عن عثمان بن أبي العاص)(2) الثقفي الطائفي، أبو عبد الله، صحابي شهير، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الطائف، وهو الذي أمسك ثقيفًا عن الردة، قال لهم: يا معشر ثقيف كنتم آخر الناس إسلامًا، فلا تكونوا أولهم ارتدادًا، مات في خلافة معاوية بالبصرة.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره) حين استعمله على الطائف (أن يجعل مسجد الطائف) أي يبنيه (حيث كان طواغيتهم)(3) جمع طاغوت، وهو الشيطان، أو ما يزين لهم أن يعبدوه من الأصنام، ويقال للصنم: طاغوت "نهاية"(4)، ولفظ ابن ماجه من
(1) وفي نسخة: "العاصي".
(2)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(3/ 212) رقم (3581).
(3)
وهكذا كان كثير من الصحابة حيث فتحوا البلاد جعلوا معابدهم مساجد "ابن رسلان". (ش).
(4)
(ص 564).
449 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ وَمُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى - وَهُوَ أَتَمُّ - قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ قال: حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ: "أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ (1)، وعَمَدُهُ - قَالَ مُجَاهِدٌ: وَعَمَدُهُ - مِنْ خَشَبِ النَّخْلِ (2) ،
===
طريق محمد بن يحيى بهذا السند: "حيث كان طاغيتهم"، وهي ما كانوا يعبدونه من الأصنام وغيرها، والغرض منه انتهاك الكفر، ودفع أثره، وإيذاء الكفار وتنديمهم حيث عبدوا غير الله هاهنا.
449 -
(حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ومجاهد بن موسى - وهو أتم - قالا: ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي) هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، (عن صالح) بن كيسان (قال: نا نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله بن عمر أخبره أن المسجد) النبوي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيًا باللبن) (3) وهو المضروب من الطين مربعًا للبناء غير مطبوخ (والجريد) قال في "النهاية": الجريدة: السعفة، وجمعها جريد، وقال في "القاموس": والجريدة: سعفة طويلة رطبة أو يابسة أو التي تقشمر من خوصها، أي وسقفه الجريد كما في رواية "البخاري".
(وعَمَدُهُ- قال مجاهد: وعُمُدُه (4) - من خشب النخل) غرضه بيان الاختلاف بين لفظي شيخيه محمد ومجاهد، فإنه قال أحدهما بفتح العين والميم، والثاني بضمهما (5)، والإعرابان جائزان، قال الحافظ: بفتح أوله وثانيه ويجوز ضمهما،
(1) وفي نسخة: "وسقفه بالجريد".
(2)
وفي نسخة: "عمده خشب النخل".
(3)
بفتح اللام وكسر الباء "ابن رسلان". (ش).
(4)
ويظهر من كلام ابن رسلان أن لفظ العمد ليس في رواية محمد، بل هو مخصوص برواية مجاهد. (ش).
(5)
قال ابن رسلان: يجوز فيه الوجهان: فتحهما وضمهما جمعًا وإفرادًا. (ش).
فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ (1): وَبَنَاهُ عَلَى بِنَائِهِ (2) فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عَمَدَهُ - وقَالَ مُجَاهِدٌ: عُمُدَهُ خَشَبًا، وَغَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً
===
وفي "المجمع"(3): وحديث "وعمده خشب" بضم عين وميم وبفتحهما، هكذا قال بعض الشراح، ويمكن أن يقال: إن محمد بن يحيى قال: وعمده بالجر معطوفًا على اللبن من غير زيادة قوله: "من خشب النخل"، وأما مجاهد فقال: وعمده بالضم على الابتداء وزيادة قوله: "من خشب النخل" وهو خبره.
(فلم يزد فيه أبو بكر شيئًا (4)، وزاد فيه عمر: وبناه على بنائه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد) أي كما كان بناؤه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد، كذلك فعل عمر في بنائه، وزاد فيه من جانب القبلة من الأرض شيئًا ووسع المسجد، ولما كان فيه مَظِنَّةُ إشكال بأن عمر - رضي الله تعالى عنه - لمَّا بني المسجد على بناء رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يصح أن يقال: إنه زاد فيه، لأن بناءه على بنائه والزيادة فيه متنافيان، فلهذا قال الحافظ في "شرحه" أي بجنس الآلات المذكورة، ولم يغير شيئًا من هيئته إلَّا توسيعه، انتهى.
(وأعاد عَمَدَه) وهذا لفظ محمد بن يحيى (وقال مجاهد: عُمُدَه خشبًا) وفي هذه العبارة الاحتمالان المتقدمان الذان قالهما بعض الشراح، وما قلته جاريان أيضًا، أولهما: الاختلاف في حركة لفظ عمد فقط، والثاني: زيادة لفظ خشب وعدمها.
(وغَيَّره عثمان) أي من الوجهين التوسيع وتغيير الآلات (فزاد (5) فيه زيادة
(1) في نسخة: "عمر بن الخطاب".
(2)
وفي نسخة: "بنيانه".
(3)
"مجمع بحار الأنوار"(3/ 673).
(4)
حين جدده، وإنما احتاج إلى تجديده لأنه نخر في زمانه "ابن رسلان". (ش).
(5)
قال ابن رسلان: أنكر بعض الصحابة على عثمان، وسكت كثير من أهل العلم لخوف الفتنة. (ش).
كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عَمَدَهُ (1) مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقَّفَهُ بِالسَّاجِ". [خ 446، حم 2/ 130، خزيمة 1324]
===
كثيرة) أي وسعه توسيعًا كثيرًا بأن زاد فيه من الأرض لتوسيع المسجد الشريف.
(وبنى جداره بالحجارة المنقوشة) بدل اللبن (والقصة) أي بدل الطين في سافات البناء، قال في "القاموس": القصة الجصة، وفي "المجمع" (2): عن الكرماني: ومنه "بالحجارة المنقوشة والقصة" أي الجص، وكذلك في "النهاية".
وقال الخطابي (3): والقصة شيء يشبه الجص، وليس به، وقال في "لسان العرب" في جصص: وليس الجص بعربي، وهو من كلام العجم، ولغة أهل الحجاز في الجص القص، وفي "القاموس": الجص ويكسر، معروف، معرب كج، فما قاله الخطابي: إن القصة شيء يشبه الجص وليس به، لا يثبت في اللغة.
(وجعل عمده) أي سواريه (من حجارة منقوشة) بدل خشب النخل (وسقفه)(4) أي سقف المسجد (بالساج) أي بدل الجريد أي بخشب الساج، قال في "لسان العرب": والساج خشب يجلب من الهند، واحدته ساجة، والساج شجر يعظم جدًا، ويذهب طولًا وعرضًا، وله ورق أمثال التراس الديلمية، يتغطى الرجل بورقة منه، تكنّه من المطر، انتهى. يقال له في الهندية: ساكَون، بكاف عجمية مفتوحة.
(1) زاد في نسخة: "قال مجاهد: وعُمُده" بضمهما.
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(4/ 283).
(3)
"معالم السنن"(1/ 190).
(4)
بلفظ الماضي عطفًا على جعل، وبإسكان القاف عطفًا على عمده، "ابن رسلان"، وفي "المنهل" (4/ 50): رواية محمد جملة فعلية معطوفة على جعل، ورواية مجاهد جملة اسمية، انتهى. وفي بين سطور أبي داود: وضبط رواية مجاهد بالتفعيل. (ش).
قَالَ مُجَاهِدٌ: وَسَقْفُهُ السَّاجُ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْقَصَّةُ: الْجِصُّ.
450 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ (1) ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ،
===
(قال مجاهد: وسقفه الساج) يعني اختلف لفظ محمد بن يحيى ومجاهد بن موسى، فقال محمد: بالساج بزيادة الباء، وقال مجاهد: الساج ولم يزد حرف الباء (قال أبو داود: القصة الجص).
450 -
(حدثنا محمد بن حاتم) بن بزيع، (ثنا عبيد الله بن موسى، عن شيبان) هكذا في جميع النسخ الموجودة عندنا إلَّا على حاشية النسخة المجتبائية ففيه: سفيان، وهو بفتح الشين المعجمة، ابن عبد الرحمن التميمي مولاهم، النحوي، نسبة إلى بطن من الأزد، قال في "الأنساب": شيبان بن عبد الرحمن النحوي لم يكن نحويًا، إنما هو من نحو بن شمس، أبو معاوية البصري المؤدب، سكن الكوفة، ثم انتقل إلى بغداد، قال أحمد: هشام حافظ، وشيبان صاحب كتاب، وقال أيضًا: ما أقرب حديثه، وقال صالح بن أحمد عن أبيه: شيبان ثبت في كل المشايخ، وعن ابن معين: وشيبان أحب إليّ من معمر في قتادة، وعن يحيى: شيبان ثقة، وهو صاحب كتاب، وقال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: فشيبان ما حاله في الأعمش؟ قال: ثقة في كل شيء، ووثَّقه العجلي والنسائي وابن سعد والترمذي وأبو بكر البزار، مات سنة 164 هـ.
(عن فراس) بن يحيى، (عن عطية) بن سعد بن جنادة بضم الجيم، العوفي بفتح المهملة وسكون الواو بعدها فاء، الجدلي بجيم ودال مهملة مفتوحتين، القيسي الكوفي، أبو الحسن، قال أحمد: هو ضعيف الحديث، وقال البخاري عن يحيى: كان هشيم يتكلم فيه، وعن ابن معين: صالح، وقال أبو زرعة: لين،
(1) وفي نسخة: "سفيان".
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قال: "إنَّ مَسْجِدَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ سَوَارِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جُذُوعِ النَّخْلِ، أَعْلَاهُ مُظَلَّلٌ بِجَرِيدِ النَّخْلِ، ثُمَّ إِنَّهَا نُخِرَتْ فِى خِلَافَةِ أَبِى بَكْرٍ، فَبَنَاهَا بِجُذُوعِ النَّخْلِ وَبِجَرِيدِ النَّخْلِ، ثُمَّ إِنَّهَا نُخِرَتْ فِى خِلَافَةِ عُثْمَانَ، فَبَنَاهَا بِالآجُرِّ، فَلَمْ تَزَلْ ثَابِتَةً حَتَّى الآنَ".
===
وقال أبو حاتم: ضعيف يكتب حديثه، وقال الجوزجاني: مائل، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن علي: هو مع ضعفه يكتب حديثه، وكان يعد مع شيعة أهل الكوفة، وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتج به، وقال أبو داود: وليس بالذي يعتمد عليه، وقال الساجي: ليس بحجة، وكان يقدم عليًا على الكل، مات سنة 111 هـ.
(عن ابن عمر قال) أي عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: (إن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كانت سواريه) أي أساطينه (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من جذوع النخل) قال في "المجمع": كان فيه جذع، بكسر جيم وسكون معجمة، واحد جذوع النخل، قال في "القاموس": الجذع بالكسر: ساق النخلة (أعلاه) أي أعلى المسجد (مظلل) أي مسقف كالظلة (بجريد النخل) أي بسعفه. (ثم إنها) أي السواري (نخرت) أي بليت (في خلافة أبي بكر فبناها) أي أبو بكر (بجذوع النخل وبجريد النخل) أي بدل جذوعها البالية والجريد البالية بجذوع أخرى وجريد أخرى.
(ثم إنها) أي الجذوع (نخرت في خلافة عثمان، فبناها) أي عثمان جدران المسجد وسواريه (بالأجر) أي اللبن المطبوخة الموقدة عليها النار (فلم تزل) أي بناء المسجد الذي بناها عثمان (ثابتة حتى الآن)(1) أي وقت رواية الحديث، ولم يذكر ابن عمر بناء عمر -رضي الله تعالى عنه -، لأن بناء عمر كانت كبناء أبي بكر رضي الله عنه فكان فعله كفعله، فلذا ذكره مرة حيث أراد ذكر
(1) أي إلى زمان ابن عمر الراوي، "ابن رسلان". (ش).
451 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ فِى عُلْوِ الْمَدِينَةِ فِى حَىٍّ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشَرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِى النَّجَّارِ، فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِينَ سُيُوفَهُمْ،
===
الزيادة، وتركه مرة حيث لم يرد ذكرها، وأما بناء عثمان فكانت مغايرة لبنائهم باعتبار تغيير الآلات والزيادة فاحتاج إلى ذكره.
451 -
(حدثنا مسدد، ثنا عبد الوارث، عن أبي التياح، عن أنس بن مالك) -رضي الله تعالى عنه - (قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) أي مهاجرًا من مكة (فنزل في علو (1) المدينة) كل ما في جهة نجد يسمى عالية، وما في جهة تهامة يسمى سافلة، والمراد من علو المدينة قباء، وهي قرية من عوالي المدينة، وأخذ من نزوله في العلو التفاؤل له ولدينه صلى الله عليه وسلم بالعلو (في حي) أي قبيلة (يقال لهم: بنو عمرو بن عوف) أي ابن مالك بن أوس بن حارثة.
(فأقام فيهم أربع عشرة (2) ليلة، ثم أرسل إلى بني النجار) وهم أخوال عبد المطلب، لأن أمه سلمى منهم، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم النزول عندهم لما تحول من قباء، وبنو النجار بطن من الخزرج (فجاؤوا متقلدين (3) سيوفهم) أي في أعناقهم، منصوب على الحال.
(1) بضم العين وكسرها لغتان مشهورتان، "ابن رسلان". (ش).
(2)
وفي رواية الحموي والمستملي: أربع وعشرون، والصواب الأولى، كما ذكره المصنف ومسلم، "ابن رسلان". وهو الأنسب لأنه عليه الصلاة والسلام بَدَرٌ وكمالُه في أربعة عشر. "ابن رسلان". قلت: وأيًّا ما كان ففيه إشكال قويٌ من أنه عليه الصلاة والسلام وصلها يوم الاثنين كما في الروايات قاطبة، وخرج منها يوم الجمعة وجمع في بني سالم، وهذا لا يوافق بحال رواية أربعة عشر يومًا بخلاف رواية أربع وعشرين بإخراج يومي الدخول والخروج فدخل يوم الاثنين، ثم أقام أربعة وعشرين يومًا، ثم خرج ليلة الجمعة. (ش).
(3)
ليروا اليهود ما أعدوا لنصرته صلى الله عليه وسلم."ابن رسلان". (ش).
فَقَالَ (1) أَنَسٌ: فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفَهُ، وَمَلأُ بَنِى النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِى أَيُّوبَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، وَيُصَلِّى فِى مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَإِنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى بَنِى النَّجَّارِ (2)،
===
(قال أنس: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه (3) أي خلفه صلى الله عليه وسلم راكبًا على راحلته صلى الله عليه وسلم، كأنه صلى الله عليه وسلم أردفه تشريفًا له وتنويهًا بقدره، وإلَّا فقد كان لأبي بكر ناقة أخرى هاجر عليها.
(وملأ بني النجار حوله) قال في "المجمع"(4): الملأ أشراف الناس ورؤساؤهم ومقدموهم الذين يرجع إلى قولهم، وجمعه أملاء، لأنهم ملء بالرأي والغناء، والمراد جماعتهم، وكأنهم مشوا معه متقلدين سيوفهم أدبًا وتكريمًا.
(حتى ألقى) أي رحله، أي نزل (بفناء) والفناء بكسر الفاء وبالمد: ما امتد من الناحية المتسعة أمام الدار (أبي أيوب)(5) هو خالد بن زيد بن كليب الأنصاري من بني مالك بن النجار (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) قبل بناء المسجد (حيث أدركته الصلاة) أي وقت الصلاة (ويصلي في مرابض الغنم)(6) جمع مربض بفتح الميم وكسر الباء، موضع ربوض الغنم ومأواها.
(وإنه) أي صلى الله عليه وسلم (أمر) بصيغة المعلوم، أي الناس، أو بصيغة المجهول، أي من ربه (ببناء المسجد، فأرسل) أي رسولًا (إلى بني النجار) يدعوهم،
(1) وفي نسخة: "قال".
(2)
زاد في نسخة: "فجاؤوا".
(3)
بكسر فسكون، وفي "النسائي":"رديفه"، وهما لغتان. "ابن رسلان". (ش).
(4)
"مجمع بحار الأنوار"(4/ 604).
(5)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(4/ 381) رقم (5715).
(6)
أي يحب أن يصلي فيها، ويحتمل أن يكون المعنى يصلي حيث أدركته الصلاة ولو في مرابض الغنم أو غيرها، وكلاهما مستنبط من الروايات، وسيأتي في "باب النهي عن الصلاة في مبارك الإِبل". (ش).
قَالَ: "يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا"، فَقَالُوا: واللَّهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّه عز وجل.
قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ: كَانَتْ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكينَ،
===
(قال: يا بني النجار ثامنوني) أي ساوموني (1) بالثمن، أو أعطوني بالثمن (بحائطكم هذا) أي بستانكم.
وفي رواية: إنه كان مربدًا، فلعله كان أولًا حائطًا، ثم خرب فصار مربدًا، وقيل: كان بعضه بستانًا وبعضه مربدًا.
وفي البخاري: إن هذا المكان كان لسهيل وسهل (2)، غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة، قال الحافظ: وذكر ابن سعد بسنده عن الزهري، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يعطيهما ثمنه، وفي رواية (3): فأعطاهما أبو بكر عشرة دنانير.
(فقالوا: والله لا نطلب ثمنه إلَّا إلى الله عز وجل تقديره: لا نطلب الثمن لكن الأمر فيه إلى الله، أو "إلى" بمعنى من، أو يقال: لا نطلب أجر ثمنه إلَّا عند ذهابنا إلى الله، أي في الآخرة.
فظاهر الحديث (4) أنهم لم يأخذوا منه ثمنًا، ولكن وقع في البخاري: فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما، ولا منافاة بينهما؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لمَّا لم يقبل منهما هبة، باعاه منه صلى الله عليه وسلم.
(قال أنس: وكان فيه) أي في الحائط الذي بني مكانه المسجد (ما أقول لكم) أي أُبيِّن لكم: (كانت فيه) أي في بعض جوانبه (قبور المشركين،
(1) وبوب عليه البخاري "صاحب السلعة أحق بالثمن". "ابن رسلان". (ش).
(2)
واختلف أهل الرجال في تعيينهما جدًا، كما حكى ابن الأثير الاختلاف في ابني بيضاء وابني رافع وابني عمرو وغيرهم فتأمل. (ش).
(3)
عند ابن سعد في "الطبقات"(1/ 138) عن الواقدي. "ابن رسلان". (ش).
(4)
بسطه صاحب "المنهل"(4/ 56) وأورد الروايات المختلفة. (ش).
وَكَانَتْ فِيهِ خَرِبٌ، وَكَانَتْ فِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، وَبِالْخَرِب فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصُفِّفَ (1) النَّخْلُ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ،
===
وكانت فيه) أي في بعضه (خرب) المعروف فيه فتح الخاء المعجمة وكسر الراء بعدها موحدة جمع خربة ككلم وكلمة، وحكى الخطابي كسر أوله وفتح ثانيه جمع خربة، كعنب وعنبة، وهي الخروق المستديرة في الأرض، وفي رواية للبخاري (2):"حرث" بفتح المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة.
(وكانت فيه) أي في بعضه (نخل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت) أي أخرجت منها ما كان فيها من عظامهم، لأن المشرك (3) لا حرمة له (وبالخرب) أي الخروق والحدوب من الأرض (فسويت، وبالنخل فقطع، فصفف النخل) أي جذوعه (قبلة (4) المسجد، وجعلوا عضادتيه حجارة) والعضادة هي الخشبة التي على كتف الباب، وأعضاد كل شيء ما يَشُدُّ جوانبه، أي جعلوا في جوانبي (5) جذوع النخل حجارة للإحكام.
(وجعلوا) أي الصحابة (ينقلون الصخرة) أي يجيؤون بها ليجعلوها عضادتي جذوع النخل (وهم يرتجزون) أي يقولون رجزًا، وهو ضرب من الشعر (6) على الصحيح، وقيل: ضرب من الكلام الموزون (والنبي صلى الله عليه وسلم معهم)
(1) وفي نسخة: "فصفوا".
(2)
وللمصنف فيما سيأتي. (ش).
(3)
أي الحربي، كما سيأتي في "باب نبش القبور العادية". (ش).
(4)
ولا يذهب عليك حقيقة القبلة، وسيأتي شيء من الكلام عليه في "باب كيف كان الأذان؟ ". (ش).
(5)
كذا في الأصل، والصواب: جانبي.
(6)
اختلفوا في أن الرجز شعر أم لا، واتفقوا على أن الشعر لا يكون شعرًا إلَّا بالقصد، كذا قال ابن رسلان. وبسطه العيني (3/ 434). (ش).
وَهُوَ يَقُولُ: "اللهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ (1)، فَانْصُرِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ". [خ 428، م 524، ن 702]
452 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عن أَبِي التَّيَّاحِ، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ مَوْضِعُ الْمَسْجِدِ حَائِطًا لِبَنِي النَّجَّارِ فِيهِ حَرْثٌ وَنَخْلٌ وَقُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"ثَامِنُونِي بِهِ"(2)، فَقَالُوا: لَا نَبْغِي (3)، فَقَطَعَ النَخْلَ،
===
أي مع الصحابة يفعل ما يفعلون في تعمير المسجد من نقل الحجارة وغيرها (وهو يقول) وفي رواية للبخاري: "يقولون"، ولا منافاة فيه، فإنه صلى الله عليه وسلم يقوله مرة والصحابة يقولون مرة:(اللهم لا خير إلَّا خير الأخرهْ فانصر) وفي رواية للبخاري (4): "فاغفر" لـ (الأنصار والمهاجرهْ).
452 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد بن سلمة، عن أبي التياح، عن أنس بن مالك قال: كان موضع المسجد حائطًا) أي بستانًا (لبني النجار فيه حرث)(5) أي زرع، وهذا اللفظ بدل ما كان في رواية عبد الوارث عن أبي التياح المتقدمة من قوله: فيه خرب (ونخل وقبور المشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثامنوني به، فقالوا) أي بنو النجار: (لا نبغي) أي لا نطلب منك ثمنه، بل نعطيكه احتسابًا من غير ثمن.
ولما كان هذا الحائط ليتيمين من بني النجار لم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله مجانًا؛ لأن مال اليتيم لا يجوز التبرع فيه لا من الأيتام ولا من أوليائهم، فأخذه بالثمن، كما تقدم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخل (فقطع النخل) أي من
(1) وفي نسخة: "اللَّهُم إن الخير خير الآخرة".
(2)
زاد في نسخة: "أتخذ مسجدًا".
(3)
زاد في نسخة: "به ثمنًا".
(4)
وللمصنف أيضًا فيما سيأتي.
(5)
قالوا: هذا وهم من حماد "ابن رسلان". (ش).
وَسَوَّى الْحَرْثَ، وَنَبَشَ قُبُورَ الْمُشْرِكِينَ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ:"فَاغْفِرْ"، مَكَانَ:"فَانْصُرْ".
قَالَ مُوسَى، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بِنَحْوِهِ، وَكَانَ عَبْدُ الْوَارِثِ يَقُولُ: خَرِبٌ، وَزَعَمَ عَبْدُ الْوَارِثِ أَنَّهُ أَفَادَ حَمَّادًا هَذَا الْحَدِيثَ.
===
ذلك الحائط، وقلع أصولها (وسوى الحرث) أي سوى محل الحرث، والمناسب للتسوية لفظ الخرب (1)؛ فإن الحرث لا يكون إلَّا في محل مستو (ونبش قبور المشركين، وساق) أي حماد بن سلمة (الحديث) بعد هذا كما ساق عبد الوارث.
(وقال) أي حماد بن سلمة: (فاغفر مكان فانصر) أي قال عبد الوارث: "فانصر"، وقال حماد مكانه:"فاغفر"، ولكن في رواية البخاري من طريق عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس فيه:"فاغفر".
(قال موسى) بن إسماعيل شيخ أبي داود: (وحدثنا عبد الوارث بنحوه) أي بنحو ما حدثناه حماد بن سلمة (وكان عبد الوارث يقول: خرب) أي يقول موسى: إن شيخي حماد بن سلمة يقول: "حرث"، بالحاء المهملة في آخره مثلثة، وأما عبد الوارث فكان يقول:"خرب"، بالخاء المعجمة آخره موحدة.
(وزعم) أي قال (عبد الوارث أنه) أي عبد الوارث (أفاد حمادًا) أي بلغه (هذا الحديث) عن أبي التياح، ثم بعد ما استفاد حماد بن سلمة هذا الحديث من عبد الوارث رحل إلى أبي التياح فسمع منه.
(1) ولذا قال الخطابي: لعل الصواب: "خرب" بالخاء المعجمة، وقال القاضي: لا حاجة إلى هذا التكلف، لأن ما ورد في الرواية صحيح المعنى، "ابن رسلان". (ش).