المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(28) باب: كيف الأذان - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٣

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(2) كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌(1) أَوَّلُ كِتَابِ الصَّلَاةِ

- ‌(2) (بَابٌ: في الْمَوَاقِيتِ)

- ‌(3) بَابٌ: في وَقْتِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَيْفَ كَانَ يُصلِّيهَا

- ‌(4) (بَابٌ: في وَقْتِ صَلاةِ الظُّهْرِ)

- ‌(5) (بَابٌ: في وَقْتِ صَلاةِ الْعَصْرِ)

- ‌(6) بَابٌ: في وَقْتِ الْمَغْرِبِ

- ‌(7) بَابٌ: في وَقْتِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ

- ‌(8) (بَابٌ: في وَقْتِ الصُّبْحِ)

- ‌(9) بَابٌ: في الْمُحافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ

- ‌(10) بَابٌ: إِذَا أَخَّرَ الإِمَامُ الصَّلَاةَ عَنِ الْوَقْتِ

- ‌(13) بَابُ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ في الدُّورِ

- ‌(14) بَابٌ: في السُّرُجِ في الْمَسَاجِدِ

- ‌(15) بَابٌ: في حَصَى الْمَسْجِدِ

- ‌(16) بَابٌ: في كَنْسِ الْمَسْجِدِ

- ‌(17) (بَابٌ: في اعْتِزَالِ النِّسَاءِ في المَسَاجِدِ عَنِ الرِّجَالِ)

- ‌(19) بَابُ مَا جَاءَ في الصَّلَاةِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ

- ‌(20) بَابٌ: في فَضْلِ الْقُعُودِ في الْمَسْجِدِ

- ‌(21) بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ إِنْشَادِ الضَّالَّةِ في الْمَسْجِدِ

- ‌(22) بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ البُزَاقِ في الْمَسْجِدِ

- ‌(23) بَابُ مَا جَاءَ في الْمُشْرِكِ يدخلُ الْمَسْجِدَ

- ‌(24) بَابٌ: في الْمَواضِعِ الَّتي لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ

- ‌(25) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ في مَبَارِكِ الإِبْلِ

- ‌(26) بَابٌ: مَتَى يُؤْمَرُ الْغُلامُ بِالصَّلَاةِ

- ‌(27) (بَابُ بَدْءِ الأذَانِ)

- ‌(28) بَابٌ: كَيْفَ الأَذَانُ

- ‌(29) (بَابٌ: في الإقَامَةِ)

- ‌(30) بَابُ الرَّجُلِ يُؤَذِّنُ وُيُقِيمُ آخَرُ

- ‌(31) بَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالأَذَانِ

- ‌(32) بَابُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤَذِّنِ منْ تَعَاهُدِ الْوَقْتِ

- ‌(33) بَابُ الأَذَانِ فَوْقَ الْمَنَارَةِ

- ‌(34) بَابٌ: في الْمُؤذِّنِ يَسْتَدِيرُ في أَذَانِهِ

- ‌(35) بَابُ مَا جَاءَ في الدُّعَاءِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ

- ‌(36) (بَابُ مَا يَقُولُ إِذا سَمِعَ المُؤَذِّنُ)

- ‌(37) بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الإِقَامَةَ

- ‌(38) بَابُ مَا جَاءَ في الدُّعَاءِ عِنْدَ الأَذَانِ

- ‌(39) بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ

- ‌(40) بَابُ أَخْذِ الأَجْرِ عَلَى التَّأْذِينِ

- ‌(41) بَابٌ: في الأَذَانِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ

- ‌(42) بَابُ الأَذَانِ لِلْأَعْمَى

- ‌(43) بَابُ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجدِ بَعْدَ الأَذَانِ

- ‌(44) بَابٌ: في الْمُؤَذِّنِ يَنْتَظِرُ الإِمَامَ

- ‌(45) بَابٌ: في التَّثويبِ

- ‌(46) بَابٌ: في الصَّلَاةِ تُقَامُ وَلَمْ يَأتِ الإِمَامُ، يَنْتَظِرُونَهَ قُعُودًا

- ‌(47) بَابٌ: في التَّشْدِيدِ في تَرْكِ الْجَمَاعَةِ

- ‌(48) (بَابٌ: في فَضْلِ صَلاةِ الجَمَاعَة)

- ‌(49) بَابُ مَا جَاءَ في فَضْلِ الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاةِ

- ‌(50) بَابُ مَا جَاءَ في الْمَشْيِ إِلَى الصَّلَاةِ في الظُّلَمِ

- ‌(51) بَابُ مَا جَاءَ في الْهَدْيِ فِي الْمَشْىِ إِلَى الصَّلاةِ

- ‌(52) بَابٌ: فِيمَنْ خَرَجَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَسُبِقَ بِهَا

- ‌(53) بَابُ مَا جَاءَ في خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسْجِدِ

- ‌(54) بَابُ التَّشْدِيدِ في ذَلِكَ

- ‌(55) بَابُ السَّعْيِ إِلَى الصَّلَاةِ

- ‌(58) بَابٌ: إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً، يُعِيدُ

- ‌(59) (بَابٌ: في جُمّاعِ الإمَامَةِ وَفَضْلِهَا)

- ‌(60) (بَابٌ: في كَرَاهِيَّةِ التَّدَافُعِ عَنِ الإمَامَةِ)

- ‌(61) بَابٌ: مَنْ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ

- ‌(62) بَابُ إِمَامَةِ النِّسَاءِ

- ‌(63) بَابُ الرَّجُلِ يَؤُمُّ الْقَوْمَ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ

- ‌(64) بَابُ إِمَامَةِ البَرّ وَالْفَاجِرِ

- ‌(65) باب إِمَامَةِ الأَعْمَى

- ‌(66) بابُ إِمَامَةِ الزَّائِرِ

- ‌(67) (بَابُ الإِمام يقُومُ مَكَانًا أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِ الْقَوْمِ)

- ‌(68) بَابُ إِمَامَةِ مَنْ صَلَّى بِقَوْمٍ وَقَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ

- ‌(69) بابُ الإِمَامِ يُصَلِّى مِنْ قُعُودٍ

- ‌(71) بَابٌ: إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً كَيْفَ يَقُومُون

- ‌(72) بَابُ الإِمَامِ يَنْحَرِفُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ

- ‌(73) بابُ الإِمَامِ يَتَطَوَّعُ فِى مَكَانِهِ

- ‌(74) بَابُ الإِمَامِ يُحْدِثُ بَعْدَمَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ

- ‌(75) (بابٌ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُها التَّسْلِيمُ)

- ‌(76) بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْمَأْمُومُ مِنَ اتِّبَاعِ الإِمَامِ

- ‌(77) بَابُ مَا جَاءَ في التَّشْدِيدِ فِيمَنْ يَرْفَعُ قَبْلَ الإِمَامِ أَوْ يَضَعُ قَبْلَهُ

- ‌(78) بَابٌ: فِيمَنْ يَنْصَرِفُ قَبْلَ الإِمَامِ

- ‌(81) باب الرَّجُلِ يُصَلِّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ بَعْضُهُ عَلَى غَيْرِهِ

- ‌(82) بَابٌ: في الرَّجُلِ يُصَلِّي في قَمِيصٍ وَاحِدٍ

- ‌(83) بَابٌ: إِذَا كَانَ ثَوْبًا ضَيِّقًا

- ‌(84) بَابُ الإسْبَالِ في الصَّلَاةِ

- ‌(85) باب مَنْ قَالَ: يَتَّزِرُ بِهِ إِذَا كَانَ ضَيِّقًا

- ‌(86) بَابٌ: في كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ

- ‌(87) باب الْمَرْأَةِ تُصَلِّى بِغَيْرِ خِمَارٍ

- ‌(88) بَابُ مَا جَاءَ في السَّدْلِ في الصَّلَاةِ

- ‌(89) باب الصَّلَاةِ فِى شُعُرِ النِّسَاءِ

- ‌(90) باب الرَّجُلِ يُصَلِّى عَاقِصًا شَعْرَهُ

- ‌(91) بَابُ الصَّلَاةِ في النَّعْلِ

- ‌(92) باب الْمُصَلِّى إِذَا خَلَعَ نَعْلَيْهِ، أَيْنَ يَضَعُهُمَا

- ‌(93) بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ

- ‌(94) بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ

- ‌(95) بَابُ الرَّجُلِ يَسْجُدُ عَلَى ثَوْبِهِ

- ‌(96) بَابُ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ

- ‌(97) بَابُ الصُّفُوفِ بَيْنَ السَّوَارِي

- ‌(98) باب مَنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَلِىَ الإِمَامَ فِى الصَّفِّ وَكَرَاهِيَةِ التَّأَخُّرِ

- ‌(99) بَابُ مَقَامِ الصِّبْيَانِ مِنَ الصَّفِّ

- ‌(100) باب صَفِّ النِّسَاءِ وَكَرَاهِيَةِ التَّأَخُّرِ عَنِ الصَّفِّ الأَوَّلِ

- ‌(101) بَابُ مَقَامِ الإِمَامِ مِنَ الصَّفِّ

- ‌(102) بَابُ الرَّجُلِ يُصَلِّيَ وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ

- ‌(103) باب الرَّجُلِ يَرْكَعُ دُونَ الصَّفِّ

- ‌(104) بَابُ مَا يَسْتُرُ الْمُصَلِّي

- ‌(105) بابُ الْخَطِّ إِذَا لَمْ يَجِدْ عَصًا

- ‌(106) بَابُ الصَّلَاةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ

- ‌(107) (بَابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى سَارِيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، ) (أَيْنَ يَجْعَلُها مِنْهُ

- ‌(109) باب الدُّنُوِّ مِنَ السُّتْرَةِ

- ‌(112) بَاب مَا يَقْطَعُ الصَّلَاة

- ‌(114) بَابُ مَنْ قَالَ: الْمَرْأَةُ لَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ

- ‌(115) بَابُ مَنْ قَالَ: الْحِمَارُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ

- ‌(116) (بَابُ مَنْ قَالَ: الْكَلْبُ لَا يَقْطَعُ الصَّلاةَ)

- ‌(117) (بَابُ مَنْ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَئ

الفصل: ‌(28) باب: كيف الأذان

(28) بَابٌ: كَيْفَ الأَذَانُ

؟

497 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِىُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِىُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، حَدَّثَنِى أَبِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ

===

(28)

(بَابٌ: كَيْفَ الأذَانُ؟ )(1)

أي: باب في كيفية مشروعية الأذان

497 -

(حدثنا محمد بن منصور الطوسي) هو محمد بن منصور بن داود بن إبراهيم الطوسي، أبو جعفر العابد، نزيل بغداد، قال أحمد: لا أعلم إلَّا خيرًا، وقال النسائي: ثقة، وقال في موضع آخر: لا بأس به، وقال مسلمة: ثقة، ذكره ابن حبان في "الثقات"، مات سنة 254 هـ.

(ثنا يعقوب) بن إبراهيم، (ثنا أبي) هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، (عن محمد بن إسحاق) صاحب المغازي، (حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه) الأنصاري الخزرجي المدني، قال العجلي: مدني تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن منده: ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

(حدثني أبي) بالإضافة إلى ياء المتكلم (عبد الله بن زيد) بدل من أبي (قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس

(1) فيه خلافيتان مشهورتان: إحداهما: أن التكبير في أول الأذان مرتان عند مالك، وأربع عند الثلاثة، والثانية: قال مالك والشافعي بالترجيع، ولم نقل نحن وأحمد به، وحكى في"البدائع" (1/ 365) اختلافًا ثالثًا: أن الختم عند مالك بالتكبير ولم أجده، والرابع في أذان الصبح وسيأتي، وذكر ابن العربي عدة حكم للأذان، راجع إلى "عارضة الأحوذي"(1/ 307). (ش).

ص: 243

لِجَمْعِ الصَّلَاةِ، طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا في يَدِهِ،

===

لجمع الصلاة)، فإن قلت: كيف يصح أن يقال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل؟ وقد ثبت أنه كرهه، وقال:"هو من أمر النصارى".

قلت: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شَبُّور اليهود وناقوس النصارى فكرههما من أجلهما، ثم بعد ذلك لما كان النصارى أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود باعتبار المودة والطواعية لعله اختار (1) أمرهم وأمر بالناقوس أن يعمل، أو يؤول بالإرادة، ولكن يشكل تقدير الإرادة أيضًا فإنه لا يصح أن يريد فعلًا يكرهه لأجل التشبه بالكفار، وهذا على أن يثبت الرواية بصيغة المعلوم.

ويمكن (2) أن يقال: إن هاهنا لفظة "أمر" بصيغة المجهول، أي لما أشير رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي أشار له بعض الصحابة بالناقوس ليعمل، وهذا ظاهر على سياق أبي داود، وأما على سياق الدارمي في "سننه" فالظاهر فيه أن لفظ "أمر" بلفظ المعلوم ولفظه:"فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل بوقًا كبوق اليهود الذين يدعون بهم لصلاتهم ثم كرهه، ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين إلى الصلاة"، وكذلك سياق حديث ابن ماجه ولفظه:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد همَّ بالبوق وأمر بالناقوس"، فهذان السياقان بظاهرهما يدلان على أن لفظ "أمر" بصيغة المعلوم فيهما.

(طاف بي وأنا نائم) جملة حالية، أي في حالة النوم (رجل) فاعل لطاف والمراد بالرجل طيفه وهو الخيال الذي يلم المائم (يحمل ناقوسًا في يده)

(1) قال ابن رسلان: يحتمل أنه أمر به أولًا، ثم كرهه لمشابهة النصارى. (ش).

(2)

ولفظ ابن ماجه: "هَمَّ بالبوق وأمر بالناقوس فنحت" يؤيد الأول، لكن قال القاري (2/ 156): لعل معناه أراد أن يأمر به، ولفظ ما في "نيل الأطار" (2/ 451):"لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس وهو له كاره"، وسيأتي حتى نقسوا أو كادوا أن ينقسوا. (ش).

ص: 244

فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ فقَالَ (1): وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى، قَالَ: فَقَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ،

===

صفة لرجل، (فقلت) أي لذلك الرجل الذي طاف بي في منامي:(يا عبد الله (2)، أتبيع الناقوس؟ فقال) ذاك الرجل:(وما تصنع به؟ ) أي ما تريد (3) أن تصنع بالناقوس، ولأيِّ غرض تشتريه؟ (فقلت: ندعو به) أي بضربه وصوته المسلمين (إلى الصلاة) ليجتمعوا ويصلوا.

(قال: أفلا أدلك على ما) أي الذي (هو خير من ذلك؟ ) أي من الناقوس وضربه، (فقلت له: بلى) دُلّني على ذلك، (قال) أي عبد الله:(فقال) الرجل الطائف: (تقول (4)؟ الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر) أي (5) أكبر من أن يعرف عنه كبريائه وعظمته، أو من أن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله، أو من كل شيء سواه، وقيل: معناه الله كبير، وقال بعض المحققين: إن أفعل قد يقطع عن متعلقه قصدًا إلى نفس الزيادة وإفادة المبالغة، ونظيره فلان يعطي ويمنع، وعلى هذا يحمل كل ما جاء من أوصاف الباري جَلَّ وعلا نحو أعلم، ولعل وجه تكريره أربعًا إشارة إلى أن

(1) وفي نسخة: "قال".

(2)

فيه نداء من لا يعرف اسمه بـ "يا عبد الله" ونحوه، "ابن رسلان". (ش).

(3)

قالوا: وفي الحديث أدبان: الأول: أن من ينظر إلى ما يباع مما يحتاج إليه شيخه أو أستاذه يشتريه من عند نفسه، والثاني: أن البائع إذا يرى للمشتري شيئًا أنفع من سلعته يرشده إليه ولا يكتمه ترويجًا لسلعته، "ابن رسلان". (ش).

(4)

أي أربع مرات، فقوله: أمر بلالًا أن يشفع الأذان أي باعتبار المعظم، قاله ابن رسلان. (ش).

(5)

وينبغي الاحتراز من اللحن فيه، فإن بعض المؤذنين يمدون الباء من أكبر، فيقولون:"أكبار" فينقلب المعنى، فإن أكبار يصير بمعنى الطبل جمع كَبَر، كسبب وأسباب، "ابن رسلان". (ش).

ص: 245

أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَىَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَىَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَىَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَىَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّى غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ قَالَ: ثم (1) تَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَىَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَىَّ عَلَى الْفَلَاحِ،

===

هذا الحكم جار في الجهات الأربع، وسار في تطهير شهوات النفس الناشئة عن طبائعها الأربع، كذا قال القاري (2).

(أشهد أن لا إله) أي لا معبود بحق في الوجود (إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حَيَّ) اسم فعل بمعنى الأمر، وفتحت ياؤه لسكون ما قبلها، أي هلموا إليها وأقبلوا إليها (على الصلاة، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الفلاح، حَيَّ على الفلاح) أي (3) أسرعوا إلى ما هو سبب الخلاص من العذاب، والظفر بالثواب، والبقاء في دار المآب، وهو الصلاة (الله أكبر الله أكبر، لا إله إلَّا الله) ختم به ليتوافق النهاية والبداية إيماءً إلى أنه الأول والآخر.

(قال) أي عبد الله بن زيد: (ثم استأخر) أي تأخر (عني غير بعيد، ثم قال) ذاك الرجل الطائف: (ثم تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر) مرتين (أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الفلاح،

(1) وفي نسخة: "و".

(2)

"مرقاة المفاتيح"(2/ 150).

(3)

والأوجه عندي أنه أطلق على الصلاة الفلاح، وهو الفوز في الدنيا والآخرة لما ورد في عدة روايات أن الصلاة سبب لسعة الرزق أيضًا، كما أخرجه صاحب "الدر المنثور" (5/ 538) في تفسير قوله تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} الآية [طه: 132] وفيها: {نَحْنُ نَرْزُقُكَ} . (ش).

ص: 246

قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.

فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ:«إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالي، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ» ، فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ

===

قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلَّا الله).

(فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت) أي من الرؤيا (فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها) أي رؤياك (لرؤيا حق) أي صادقة مطابقة للوحي، أو موافقة للاجتهاد (إن شاء الله تعالى) للتبرك أو للتعليق، (فقم (1) مع بلال فألق (2) بفتح الهمزة وكسر القاف من الإلقاء (عليه) أي على بلال (ما رأيت) أي من الأذان (فليؤذن) أي بلال (به) أي بأذانك الذي تلقي إليه (فإنه) أي بلالًا، هذا علة للعدول عن ابن زيد في الأذان (3) وأمره بلالًا بالأذان (أندى) أي أرفع (صوتًا منك) قال النووي (4): يؤخذ من هذا الحديث استحباب كون المؤذن رفيع الصوت وحسنه.

(فقمت (5) مع بلال، فجعلت ألقيه) أي ألقي الأذان (عليه) أي على بلال

(1) أشكل عليه بوجهين: الأول: أن ظاهره شرعية الأذان برؤية عبد الله بن زيد، ووقع في "الصحيحين" من قول عمر: أو لا تبعثون رجلًا ينادي بالصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم:"قم يا بلال فناد بالصلاة"، والثاني: بناء الحكم الشرعي على الرؤيا، وجوابهما في "الأوجز"(2/ 9)، وأغرب ابن العربي (1/ 307) حيث قال: حديث عبد الله بن زيد أصح من حديث ابن عمر مع أن حديث ابن عمر متفق عليه، وحديث ابن زيد من روايات السنن. (ش).

(2)

استدل به الشيخ ولي الله الدهلوي في "تراجم البخاري" جواز أذان الجوق إذا أذنا معًا. (ش).

(3)

وأيضًا فيه تسلية له حيث كان يجب أن يؤذن بنفسه، كما سيأتي في "باب الرجل يؤذن ويقيم آخر". (ش).

(4)

"شرح صحيح مسلم"(2/ 313).

(5)

والقيام للأذان سنَّة، نقل ابن المنذر عليه الإجماع، وذكر المذاهب الرزقاني (1/ 153). (ش).

ص: 247

وَيُؤَذِّنُ بِهِ. قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَهُوَ فِى بَيْتِهِ، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ (1): وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى (2)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» . [ت 189، جه 706، حم 4/ 42، دي 1187، خزيمة 363، حب 1679، قط 1/ 241، ق 1/ 390]

===

(ويؤذن به، قال) عبد الله بن زيد: (فسمع ذلك) أي صوت الأذان (عمر بن الخطاب (3) رضي الله عنه -وهو في بيته) جملة حالية (فخرج) أي مسرعًا (يجر رداءه وبقول: والذي) الواو للقسم (بعثك بالحق يا رسول الله، لقد رأيت مثل ما أري) أي عبد الله بن زيد، ولعل هذا القول صدر عنه بعد ما حكى له بالرؤيا السابقة، أو كان مكاشفة له رضي الله عنه وهذا ظاهر العبارة.

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلله الحمد) حيث أظهر الحق ظهورًا، قلت: وهذا الحديث الذي أخرجه أبو داود من طريق إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق فيه ذكر الأذان مثنى مثنى، والإقامة مرة مرة.

ويؤيده ما قال الترمذي بعد ما أخرج هذا الحديث من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن محمد بن إسحاق: وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق أتم من هذا الحديث وأطول، وذكر فيه قصة الأذان مثنى مثنى، والإقامة مرة مرة.

وكذلك أخرج الدارمي في "سننه" هذا الحديث من طريق مسلمة، عن محمد بن إسحاق وفيه: "ثم استأخر غير كثير، ثم قال مثل ما قال، وجعلها

(1) وفي نسخة: "يقول: يا رسول الله والذي بعثك بالحق".

(2)

وفي نسخة: "ما رأى".

(3)

وفي "قوت المغتذي" عن "مراسيل أبي داود"(ص 81) رقم (20): لما رأى عمر الأذان أتى النبي - صلي الله عليه وسلم - ليخبره، وقد جاء الوحي بذلك، فما رأى ثَمَّ إلَّا بلالًا يؤذن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبقك بذلك الوحي

إلخ". (ش).

ص: 248

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وترًا إلَّا أنه قال: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة"، فهذه الأحاديث تدل على أن الإقامة مرة مرة إلَّا قوله: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة.

وكذلك يؤيده ما روي عن ابن عمر أنه قال: كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى، والإقامة مرة مرة، غير أنه كان إذا قال: قد قامت الصلاة قالها مرتين، وعن أنس: قال: أمر بلالًا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلَّا الإقامة.

قال الشوكاني (1): وقد اختلف الناس في ذلك، فذهب الشافعي وأحمد وجمهور العلماء إلى أن ألفاظ الإقامة إحدى عشرة كلمة كلها مفردة إلَّا التكبير في أولها وآخرها، ولفظ "قد قامت الصلاة" فإنها مثنى مثنى.

قال الخطابي: مذهب جمهور العلماء والذي جرى به العمل في الحرمين والحجاز والشام واليمن ومصر والمغرب إلى أقصى بلاد الإِسلام أن الإقامة فرادى، وقال أيضًا: مذهب كافة العلماء أنه يكرر قوله: "قد قامت الصلاة" إلَّا مالكًا فإن المشهور عنه أنه لا يكررها، وذهب الشافعي في قديم قوليه إلى ذلك.

وذهبت الحنفية والثوري وابن المبارك وأهل الكوفة إلى أن ألفاظ الإقامة مثل الأذان عندهم مع زيادة "قد قامت الصلاة" مرتين، واستدلوا بما في رواية من حديث عبد الله بن زيد عند الترمذي وأبي داود بلفظ:"كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعًا شفعًا في الأذان والإقامة".

وأجيب عن ذلك بأنه منقطع كما قال الترمذي، وقال الحاكم والبيهقي: الروايات عن عبد الله بن زيد في هذا الباب كلها منقطعة، وقد تقدم ما في سماع ابن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد.

ويجاب عن هذا الانقطاع أن الترمذي قال بعد إخراج هذا الحديث:

(1)"نيل الأوطار"(2/ 49).

ص: 249

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن زيد ما لفظه: وقال شعبة عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام، قال الترمذي: وهذا أصح، انتهى.

وقد روى ابن أبي ليلى عن جماعة من الصحابة منهم عمر وعلي وعثمان وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب والمقداد وبلال وكعب بن عجرة وزيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان وصهيب وخلق يطول ذكرهم، وقال: أدركت مأة وعشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم من الأنصار فلا علة للحديث، لأنه على الرواية عن عبد الله بدون توسيط الصحابة مرسل عن الصحابة، وهو في حكم المسند، وعلى روايته عن الصحابة عنه مسند، ومحمد بن عبد الرحمن وإن كان بعض أهل الحديث يضعفه فمتابعة الأعمش إياه عن عمرو بن مرة، ومتابعة شعبة كما ذكر ذلك الترمذي مما يصحح خبره وإن خالفاه في الإسناد وأرسلا، فهي مخالفة غير قادحة.

واستدلوا أيضًا بما رواه الحاكم والبيهقي في "الخلافيات" والطحاوي من رواية سويد بن غفلة أن بلالاً كان يثني الأذان والإقامة، وادعى الحاكم فيه الانقطاع، قال الحافظ (1): ولكن في رواية الطحاوي: "سمعت بلالاً"، ويؤيد ذلك ما رواه ابن أبي شيبة، عن جبر بن علي، عن شيخ - يقال له: حفص- عن أبيه عن جده -وهو سعد القرظ- قال: أذن بلال حياةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أذن لأبي بكر في حياته، ولم يؤذن في زمان عمر، وسويد بن غفلة هاجر في زمن أبي بكر.

وأما ما رواه أبو داود من أن بلالًا ذهب إلى الشام في حياة أبى بكر فكان بها حتى مات فهو مرسل، وفي إسناده عطاء الخراساني وهو مدلس.

وروى الطبراني في "مسند الشاميين"(2) من طريق جنادة بن أبي أمية

(1)"التلخيص الحبير"(1/ 327).

(2)

(2/ 227).

ص: 250

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

عن بلال أنه كان يجعل الأذان والإقامة مثنى مثنى، وفي إسناده ضعف، قال الحافظ: وحديث أبي محذورة في تثنية الإقامة مشهور عند النسائي (1) وغيره، وحديث أبي محذورة حديث صحيح ساقه الحازمي في "الناسخ والمنسوخ"، وذكر فيه الإقامة مرتين مرتين، وقال: هذا حديث حسن على شرط أبي داود والترمذي والنسائي، وسيأتي ما أخرجه عنه الخمسة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة، وهو حديث صححه الترمذي وغيره، وهو متأخر عن حديث بلال الذي فيه الأمر بإيتار الإقامة، لأنه بعد فتح مكة، لأن أبا محذورة من مسلمة الفتح، وبلالًا أُمِرَ بإفراد الإقامة أول ما شرع الأذان، فيكون ناسخًا.

وقد روى أبو الشيخ أن بلالًا أذّن بمنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثَمَّ مرتين مرتين، وأقام مثل ذلك.

إذا عرفت هذا تبين لك أن أحاديث تثنية الإقامة صالحة للاحتجاج بها لما أسلفناه، وأحاديث إفراد الإقامة وإن كانت أصح منها لكثرة طرقها وكونها في "الصحيحين" لكن أحاديث التثنية مشتملة على الزيادة، فالمصير إليها لازم لا سيما مع تأخر تاريخ بعضها كما عرفناك.

وقد أجاب القائلون بإفراد الإقامة عن حديث أبي محذورة بأجوبة: منها: أن من شرط الناسخ أن يكون أصح سندًا وأقوم قاعدة، وهذا ممنوع، فإن المعتبر في الناسخ مجرد الصحة لا الأصحية.

ومنها: أن جماعة من الأئمة ذهبوا إلى أن هذه اللفظة في تثنية الإقامة غير محفوظة، وهذا الوجه غير نافع، لأن القائلين بأنها غير محفوظة غاية ما اعتذروا به عدم الحفظ وقد حفظ غيرهم من الأئمة كما تقدم، ومن علم حجة على من لا يعلم.

(1) برقم (631 - 632).

ص: 251

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وهَكَذَا رِوَايَةُ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَالَ فِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ:«اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ» . وَقَالَ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ فِيهِ:«اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ» ، لَمْ يُثَنِّيَا (1).

===

وأما رواية إيتار الإقامة عن أبي محذورة فليست كروايته التشفيع على أن الاعتماد على الرواية المشتملة على الزيادة.

ومنها: أن تثنية الإقامة لو فرض أنها محفوظة وأن الحديث بها ثابت لكانت منسوخة، فإن أذان بلال هو آخر الأمرين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا عاد من حنين إلى المدينة أقر بلالًا على أذانه وإقامته، قالوا: وقد قيل لأحمد بن حنبل: أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد، لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة؟ قال: أليس قد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة؟ فأقر بلالًا على أذان عبد الله بن زيد، وهذا أنهض ما أجابوا به، لكنه متوقف على نقل صحيح أن بلالًا أذن بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وأفرد الإقامة، ومجرد قول أحمد بن حنبل لا يكفي، انتهى ملخصًا.

(قال أبو داود: وهكذا) أي مثل رواية محمد بن إبراهيم، عن محمد بن عبد الله بن زيد، عن أبيه (رواية الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن زيد)، ولكن اختلف أصحاب الزهري في حديثه (وقال فيه) أي في حديث الزهري (ابن إسحاق) (2) أي محمد بن إسحاق (عن الزهري: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر) أربع مرات (وقال معمر (3) ويونس (4) عن الزهري فيه) أي في حديثه:(الله أكبر الله أكبر) مرتين (لم يثنيا) أي لم يكررا ولم يقولا أربع مرات.

(1) وفي نسخة: "يثن".

(2)

رواية ابن إسحاق عن الزهري أخرجها أحمد (4/ 43) ومن طريقه البيهقي (1/ 415)، وابن خزيمة (1/ 193) رقم (373).

(3)

ورواية معمر عن الزهري أخرجها عبد الرزاق (1/ 455) رقم (1774).

(4)

ورواية يونس عن الزهري أخرجها البيهقي (1/ 414).

ص: 252

498 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِى مَحْذُورَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ

===

498 -

(حدثنا مسدد) بن مسرهد، (ثنا الحارث بن عبيد) أبو قدامة الإيادي، بكسر الهمزة بعدها تحتانية، نسبة إلى إياد بن نزار البصري المؤذن، قال أحمد: مضطرب الحديث، وقال ابن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال النسائي: ليس بذاك القوي، واستشهد به البخاري متابعة في موضعين، وقال ابن حبان: كان ممن كثر وهمه حتى خرج عن جملة من يحتج بهم إذا انفردوا، قال الساجي: صدوق عنده مناكير، وقال النسائي في "الجرح والتعديل": صالح، وقال ابن مهدي: كان من شيوخنا وما رأيت إلَّا جيدًا.

(عن محمد (1) بن عبد الملك بن أبي محذورة) الجمحي المكي المؤذن، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال عبد الحق: لا يحتج بهذا الإسناد، وقال ابن القطان: مجهول الحال، لا نعلم روى عنه أحد إلَّا الحارث، وقال الذهبي في "الميزان" (2): محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة، [عن أبيه] في الأذان، ليس بحجة، يكتب حديثه اعتبارًا.

(عن أبيه) هو عبد الملك بن أبي محذورة الجمحي، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": مقبول، (عن جده) أبي محذورة القرشي الجمحي المكي المؤذن، له صحبة، كان أحسن الناس أذانًا وأنداهم صوتًا، توفي بمكة سنة 59 هـ وقيل سنة 79 هـ، ولاه النبي- صلى الله عليه وسلم الأذان بمكة يوم الفتح، اختلف في اسمه واسم أبيه على أقوال، قيل: اسمه أوس، وقيل: سمرة، وقيل: سلمة، وقيل: سلمان، وقال الترمذي في "جامعه": وأبو محذورة اسمه سمرة بن مِعْيَر، انتهى، ومعير بكسر الميم وسكون المهملة وفتح التحتانية

(1) قال ابن رسلان: ليس في طريق عبد الله بن زيد أصح من هذا، لأن محمدًا سمع من أبيه، وعبد الرحمن لم يسمع من عبد الله بن زيد، فتأمل. (ش).

(2)

"ميزان الاعتدال"(3/ 631).

ص: 253

قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِى سُنَّةَ الأَذَانِ. قَالَ: فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِى

===

كمنبر، وقال الزبير بن بكار: أبو محذورة اسمه أوس بن معير بن لوذان بن سعد بن جُمَح، من قال غير هذا فقط أخطأ.

(قال) أي أبو محذورة: (قلت: يا رسول الله، علمني سنَّة الأذان، قال: فمسح مقدم رأسي).

وتفصيل القصة فيما أخرجه الدارقطني في "سننه"(1): قال: خرجت في نفر، وفي رواية: لمَّا خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين خرجت عاشر عشرة من أهل مكة أطلبهم، فكنا في بعض طريق حنين، فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق، فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة، قال: فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون، فصرخنا نحكيه ونستهزئ به، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم الصوت فأرسل إلينا- وفي رواية: قال صلى الله عليه وسلم: ائتوني بهؤلاء الفتيان، فقال: أذِّنوا- إلى أن وقفنا بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟ " فأشار القوم كلهم إليّ وصدقوا، فأرسل كلهم وحبسني، فقال:"قم فأذن بالصلاة" فقمت ولا شيء أكره إليَّ من النبي صلى الله عليه وسلم وما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألقى عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه، فقال:"قل: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر" حتى ختم الأذان، وفي آخره: ثم دعاني حين قضيت التأذين، فأعطاني صُرّةً فيها شيء من فضة، ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة، ثم أَمرَّها على وجهه، ثُمَّ أَمَرَّ بين ثدييه، ثم على كبده، ثم حتى بلغت يده سُرَّة أبي محذورة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بارك الله فيك، وبارك الله عليك"، فقلت: يا رسول الله مرني بالتأذين بمكة، فقال:"قد أمرتك [به] "، وذهب كل شيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهيته، وعاد ذلك كله محبة للنبي صلى الله عليه وسلم، الحديث.

(1)"سنن الدارقطني"(1/ 233).

ص: 254

قَالَ: «تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، تَرْفَعُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَكَ بِالشَّهَادَةِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَىَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَىَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَىَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَىَّ عَلَى الْفَلَاحِ. فَإِنْ كَانَ صَلَاةَ الصُّبْحِ قُلْتَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ» .

[حم 3/ 408، ن 631، م 379، ت 191، دي 1196، جه 709]

===

(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تقول) خبر بمعنى الأمر أي قل (الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، ترفع بها صوتك، ثم تقول: أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، تخفض بها صوتك، ثم ترفع صوتك بالشهادة، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الفلاح، حَيَّ على الفلاح، فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم (1)، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلَّا الله).

وهذا الحديث يحتج به على سُنِّيَّة الترجيح في الأذان، وهو أن يرجِّع ويرفع صوته بالشهادتين بعد ما خفض بهما، وبه قال الشافعي ومالك لأنه ثابت في حديث أبي محذورة، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم مشتمل على زيادة غير منافية فيجب قبولها، وهو أيضًا متأخر عن حديث عبد الله بن زيد، لأن

(1) فيه أن التثويب في صلاة الصبح وحدها لما روى الترمذي (198) وابن ماجه (715) من حديث بلال مرفوعًا: "لا تثوبن في شيء من الصلاة إلَّا في صلاة الفجر"، "ابن رسلان". (ش).

ص: 255

499 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُثْمَانُ بْنُ

===

حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين، وحديث عبد الله بن زيد في أول الأمر، ويرجحه أيضًا عمل أهل مكة والمدينة به.

وذهب أبو حنيفة رحمه الله والكوفيون إلى عدم استحباب الترجيح، وحجتهم حديث عبد الله بن زيد من غير ترجيع فيه، وأذان الملك النازل من السماء لم يكن فيه ترجيع أيضًا.

والجواب عن حديث أبي محذورة أن الترجيح في أذانه لم يكن لأجل الأذان بل كان لأجل التعليم، فإنه كان كافرًا، فكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهادتين برفع الصوت لترسخا في قلبه، كما تدل عليه قصته المفصلة، فظن أبو محذورة أنه ترجيع وأنه في أصل الأذان.

وقد روى الطبراني في "معجمه الأوسط"(1) عن أبي محذورة أنه قال: ألقى عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان حرفًا حرفًا، الله أكبر الله أكبر إلى آخره لم يذكر فيه ترجيعًا، وأذان بلال بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرًا وحضرًا قبل حنين وبعده، وهو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطباق أهل الإِسلام إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومؤذن أبي بكر الصديق إلى أن توفي من غير ترجيع.

وأيضًا يدل على عدم الترجيح ما رواه أبو داود والنسائي عن ابن عمر قال: إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين، والإقامة مرة مرة غير أنه يقول: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، وفي رواية بلفظ: مثنى مثنى والإقامة فرادى، وفي هذا دليل على أنه لم يكن فيه ترجيع.

499 -

(حدثنا الحسن بن علي، ثنا أبو عاصم) ضحاك بن مخلد (وعبد الرزاق) بن همام، (عن ابن جريج) عبد الملك، (قال: أخبرني عثمان بن

(1)"المعجم الأوسط" رقم الحديث (1110).

ص: 256

السَّائِبِ، أَخْبَرَنِى أَبِى وَأُمُّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِى مَحْذُورَةَ، عَنْ أَبِى مَحْذُورَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَ هَذَا الْخَبَرِ، وَفِيهِ:«الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، فِى الأُولَى (1) مِنَ الصُّبْحِ» .

[خزيمة 385، قط 1/ 235، ق 1/ 416، وانظر تخريج الحديث السابق]

===

السائب) الجمحي المكي، مولى أبي محذورة، روى له أبو داود والنسائي حديثًا واحدًا، قال ابن القطان: غير معروف، وقال في "التقريب": مقبول.

(أخبرني أبي) وهو السائب والد عثمان الجمحي المكي، مولى أبي محذورة، ذكره ابن حبان في "الثقات"، له في أبي داود والنسائي حديث واحد في الأذان، قال الذهبي في "الميزان" (2): السائب عن مولاه أبي محذورة في الأذان لا يعرف، فإن كان والد عطاء فهو ثقة.

(وأم عبد الملك بن أبي محذورة) عن أبي محذورة، وعنهما عثمان بن السائب، وقال في "التقريب": زوج أبي محذورة مقبولة، (عن أبي محذورة) الجمحي، (عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا الخبر) أي مثل الخبر المتقدم عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده.

(وفيه) أي في هذا الخبر: (الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم في الأولى)(3) أي في الأذان الأول، وبهذ احتراز عن الإقامة (4)(من الصبح) أي يستحب أن يُدْخِلَ في أذان الصبح بعد حَىَّ على الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين.

(1) وفي نسخة: "الأول".

(2)

(4/ 114).

(3)

ولعل التأنيث باعتبار الدعوة، فإنه صلى الله عليه وسلم سماه بها كما ورد:"اللَّهُم رب هذه الدعوة التامة" الحديث. (ش).

(4)

عند الجمهور، وقال الشافعي في الجديد: احتراز عن الأذان الذي بعد الفجر، فإنه يسن عنده في الأذان قبل الفجر، لكن القديم منه المفتى به عند أهله أنه يُثَوِّبُ في الأذان بعد الفجر أيضًا، قاله ابن رسلان، وبسط اختلاف الأقوال في مذهبه. (ش).

ص: 257

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

والغرض منه بيان الاختلاف في هذا الحديث والحديث المتقدم، فإن قوله:"الصلاة خير من النوم" ذكر في الحديثين جميعًا، وقوله:"في الأولى من الصبح" لم يذكر إلَّا في الثاني.

وهذا التثويب (1) ذهب إلى مشروعيته عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصري وابن سيرين والزهري ومالك والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأصحاب الشافعي، وهو رأي الشافعي في القديم، ومكروه عنده في الجديد، وأبو حنيفة، واستدل على ثبوته بهذين الحديثين، والحديث الأول منهما وإن كان في إسناده محمد بن عبد الملك وهو غير معروف الحال، ولكن الثاني منهما صححه ابن خزيمة من طريق ابن جريج، ورواه النسائي من وجه آخر، وصححه أيضًا ابن خزيمة.

وروى التثويب أيضًا الطبراني والبيهقي بإسناد حسن عن ابن عمر بلفظ: كان الأذان بعد حَيَّ على الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين، قال اليعمري: وهذا إسناد صحيح، وروى ابن خزيمة والدارقطني عن أنس أنه قال: من السنَّة إذا قال المؤذن في الفجر: حَيَّ على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم، قال ابن سيد الناس اليعمري: وهو إسناد صحيح، قاله الشوكاني (2).

وقال القاري (3): وأما قول ابن حجر: وفي هذا تصريح بندب ما ذكر في الصبح، وهو مذهبنا كأكثر العلماء خلافًا لأبي حنيفة، فغير صحيح نشأ عن قلة اطلاع على مذهبه.

وملخص الاختلاف أن الشافعي رحمه الله أخذ بأذان أبى محذورة وإقامة بلال، وأبو حنيفة رحمه الله أخذ بأذان بلال وإقامة أبي محذورة،

(1) والظاهر شرعيته مرفوعًا، ورواية "الموطأ" تخالفه، والبسط في "الأوجز"(2/ 40). (ش).

(2)

"نيل الأوطار"(2/ 46).

(3)

"مرقاة المفاتيح"(2/ 153).

ص: 258

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدِيثُ مُسَدَّدٍ أَبْيَنُ، قَالَ فِيهِ: وقَالَ: "وَعَلَّمَنِى الإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَىَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَىَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَىَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَىَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ".

===

ومالك رحمه الله أخذ بما رأى عليه أهل المدينة من الاقتصار على التكبير مرتين، وعلى كلمة الإقامة مرة واحدة رضي الله عنهم كلهم-، فإنهم اجتهدوا في متابعة السنَّة، قاله ابن القيم في "زاد المعاد"(1).

(قال أبو داود: وحديث مسدد) أي حديث مسدد الذي أخرجه قبل هذا الحديث (أبين) أي أصرح، وأكمل في الأذان من هذا الحديث حديث الحسن بن علي، (قال) أي الحسن بن علي (فيه) أي في حديثه:(وقال) أي أبو محذورة: (وعلمني الإقامة مرتين، الله أكبر الله أكبر) أي مرتين (أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الفلاح، حَيَّ على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلَّا الله) أي قال الحسن بن علي عن أبي عاصم عن ابن جريج: علمني ألفاظ الإقامة مرتين، ولم يذكر فيه قد قامت الصلاة.

وغرض المصنف بهذا الكلام بيان الاختلاف بين لفظ أبي عاصم عن ابن جريج، وبين لفظ عبد الرزاق عن ابن جريج، بأن الحسن بن علي عن أبي عاصم زاد ذكر الإقامة على حديث مسدد، وذكر كلماتها مفصلة، وذكر أنها مرتين إلَّا لفظ قد قامت الصلاة، فإنه لم يذكره، وأن الحسن بن علي عن عبد الرزاق زاد أيضًا ذكر الإقامة بالأجمال، وذكر أنها مرتين، وذكر قد قامت الصلاة مرتين، ولكن أخرج الطحاوي (2) حديث أبي عاصم عن ابن جريج بهذ السند، وذكر فيه قد قامت الصلاة مرتين.

(1)(1/ 121).

(2)

"شرح معاني الآثار"(1/ 134).

ص: 259

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَإِذَا (1) أَقَمْتَ فَقُلْهَا مَرَّتَيْنِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، أَسَمِعْتَ؟

===

وكذلك أخرج النسائي من طريق حجاج عن ابن جريج بهذ السند وفيه: وعلمني الإقامة مرتين، ثم ذكر كلمات الإقامة، فذكر الله أكبر أربع مرات، والشهادتين مرتين، والحيعلتين مرتين، وقد قامت الصلاة مرتين، ثم التكبير مرتين، ثم ذكر كلمة التوحيد مرة.

وكذلك الدارقطني أخرج من طريق حجاج، عن ابن جريج بهذ السند، وقال فيه: وعلمني الإقامة مرتين، وكذلك أخرج البيهقي بسنده من طريق روح بن عبادة، عن ابن جريج بهذا السند وذكر فيه قال: وقد علمني الإقامة مرتين مرتين، ثم ذكر كلمات الإقامة.

ثم أخرج الدارقطني حديث عبد الرزاق، عن ابن جريج بهذا السند، فذكر قصة الأذان مفصلة، وقال في آخره: وإذا أقمت فقلها مرتين قد قامت الصلاة قد قاممت الصلاة، أسمعت؟ وكما ذكر أبو داود والدارقطني حديث عبد الرزاق، كذلك ذكره البيهقي: وإذا أقمت فقلها مرتين قد قامت الصلاة أسمعت؟

(وقال أبو داود: وقال عبد الرزاق) أي قال الحسن بن علي، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج:(وإذا أقمت الصلاة فقلها مرتين) الضمير يرجع إلى ما يتضمن قوله: "إذا أقمت الصلاة" من الإقامة أي قل: كلمات الإقامة مرتين مرتين، وقيل:(قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة) مرتين كررها اهتمامًا، وتأكيدًا، لأن هذه الكلمة لم تكن في الأذان (أَسَمِعْتَ؟ )(2) بهمزة الاستفهام،

(1) وفي نسخة: "فإذا".

(2)

قال ابن رسلان: فيه تثبت للسامع لتحقق ما سمعه، قلت: والأوجه عندي في معناه أنه بيان لغاية رفع الصوت بالإقامة، يعني لا تجهره مثل جهرك بالأذان، بل تجهر بها حتى تسمعها الحاضرين فقط، إذ الإِقامة للحاضرين والأذان للغائبين، فعلى هذا قوله:"أسمعت" من الإِسماع. (ش).

ص: 260

قَالَ: فَكَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ لَا يَجُزُّ نَاصِيَتَهُ وَلَا يَفْرِقُهَا، لأَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَيْهَا.

500 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ

===

وهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي محذورة، أي هل سمعت وحفظت ما قلت لك؟ ويحتمل أن يكون هذا قول عبد الرزاق لتلميذه أسمعت ما رويت لك؟ .

ويمكن أن يقال: إنه على صيغة الخطاب من الإسماع، أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي محذورة: أي إذا أقصتَ الصلاة وقلتَ كلمات الإقامة، فقد أَسْمَعْتَ الجماعة.

(قال) أي السائب: (فكان أبو محذورة لا يجز) أي لا يقطع (ناصيته) أي شعر ناصيته (ولا يفرقها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح عليها).

500 -

(حدثنا الحسن بن علي، ثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الصفار، أبو عثمان البصري، مولى عزرة بن ثابت الأنصاري، سكن بغداد، قال العجلي: عفان بصري ثقة ثبت صاحب سنَّة، سئل يحيى بن معين عن عفان وبهز أيهما كان أوثق؟ فقال: كلاهما ثقة، وقال أبو حاتم: ثقة إمام متقن، وقال ابن عدي: عفان أصدق وأوثق وأشهر من أن يقال فيه شيء، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث ثبتًا حجة، وقال ابن خراش: ثقة من خيار المسلمين، وقال ابن قانع: ثقة مأمون، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(وسعيد بن عامر) الضبعي بضم المعجمة هكذا في "الخلاصة"، وفي "التقريب": بضم المعجمة وفتح الموحدة، وفي "الأنساب" (1): بفتح الضاد المعجمة وفتح الباء المنقوطة بواحدة وفي آخرها العين المهملة، هذه النسبة إلى ضبعة بن قيس بن ثعلبة، نزل أكثرهم البصرة، وكانت بها محلة ينسب إليهم،

(1)(3/ 231).

ص: 261

وَحَجَّاجٌ (1) - وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ - قَالُوا (2): حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا عَامِرٌ الأَحْوَلُ، حَدَّثَنِى مَكْحُولٌ أَنَّ ابْنَ مُحَيْرِيزٍ

===

انتهى، أبو محمد البصري، روي عن يحيى بن سعيد أنه قال: هو شيخ المصر منذ أربعين سنة، وقال ابن مهدي لابنه يحيى: الزمه، فلو حدثنا كل يوم حديثًا لأتيناه، وقال أبو مسعود وزياد بن أيوب: ما رأيت بالبصرة مثله، وقال ابن معين: حدثنا سعيد بن عامر الثقة المأمون، وقال أبو حاتم: كان رجلًا صالحًا وكان في حديثه بعض الغلط، وهو صدوق، وقال ابن سعد: كان ثقة صالحًا، وقال العجلي: ثقة، رجل صالح، من خيار الناس، وقال ابن قانع: ثقة، مات سنة 208 هـ.

(وحجاج) بن منهال بمكسورة، وسكون نون وبلام، الأنماطي، أبو محمد السلمي، وقيل: البرساني مولاهم، البصري، وثَّقه أحمد وأبو حاتم والعجلي والنسائي وابن سعد وابن قانع، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات سنة 217 هـ (والمعنى واحد) أي ومعنى حديث كل واحد منهم متحد، وإن اختلفت ألفاظهم.

(قالوا: ثنا همام) بن يحيى، (ثنا عامر) بن عبد الواحد (الأحول) البصري، قال أحمد: ليس بقوي، وليس حديثه بشيء، وقال النسائي: ليس بالقوي، وعن ابن معين: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: ثقة لا بأس به، وقال ابن عدي: لا أرى برواياته بأسًا، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(حدثني مكحول) الشامي (أن ابن محيريز)(3) بضم أوله وفتح المهملة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة مكسورة، ثم تحتانية ثم معجمة، ابن جنادة بن وهب الجمحي، أبو محيريز المكي، من رهط أبي محذورة، وكان يتيمًا

(1) وفي نسخة: "والحجاج".

(2)

وفي نسخة: "قال عفان".

(3)

اسمه عبد الله كما سيأتي. (ش).

ص: 262

حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ حَدَّثَهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ الأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، الأَذَانُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ،

===

في حجره، نزل الشام وسكن بيت المقدس، قال العجلي: شامي تابعي ثقة، وقال ابن خراش: كان من خيار الناس وثقات المسلمين، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(حدثه أن أبا محذورة حدثه) أي ابن محيريز (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة) فإنه أدخل في الأذان أربع كلمات الشهادة التي كانت للترجيع، وإذا أخرجت منه بقيت خمس عشرة كلمة (والإقامة سبع عشرة كلمة) لأنه أخرج منها أربع كلمات الترجيح، وزيدت فيها كلمتا الإقامة فصارت سبع عشرة كلمة، كما هو عند الحنفية.

(الأذان) هكذا: (الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر) أربع كلمات التكبير (أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله) كلمتان للتوحيد (أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله) كلمتان لشهادة الرسالة (أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله) ولم يذكر في هذه الرواية أربع كلمات الشهادة للترجيع في النسخ القادرية والمصرية، وأما في النسخة المكتوبة والمجتبائية والكانفورية والنسخة التي على "عون المعبود"، ففيها ذكر الترجيع.

وأخرج هذا الحديث مسلم في "صحيحه" من طريق عامر الأحول، عن مكحول، عن عبد الله بن محيريز، عن أبي محذورة وذكر فيه الترجيع بلفظ: ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إله إلَّا الله، الحديث، وكذا أخرجه الدارمي من

ص: 263

حَىَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَىَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَىَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَىَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ.

وَالإِقَامَةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَىَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَىَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَىَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَىَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ». كَذَا فِى كِتَابِهِ فِى حَدِيثِ أَبِى مَحْذُورَةَ. [ت 192، م 379، ن 629، دي 1196، حم 3/ 409، 6/ 401، خزيمة 377 - 379، حب 1680، قط 1/ 233، ق 1/ 393 - 419]

===

طريق سعيد بن عامر، عن همام، عن عامر الأحول، عن مكحول، وذكر فيها الترجيح، وكذا أخرج الدارقطني من طريق همام بهذا السند، وذكر فيها الترجيح، وكذلك ذكر الترجيع في هذ الحديث بهذا السند البيهقي، كما ذكره مسلم، فالظاهر أن ما في النسخ الدهلوية والمصرية من ترك كلمات الترجيع سهو من النساخ.

(حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الصلاة) مرتين (حَيَّ على الفلاح، حَيَّ على الفلاح) مرتين (الله أكبر الله أكبر) مرتين (لا إله إلَّا الله) مرة واحدة.

(والإقامة) هكذا: (الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر) أربع مرات (أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله) مرتين، (أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله) مرتين، (حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الصلاة) مرتين، (حَيَّ على الفلاح، حَىَّ على الفلاح) مرتين، (قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة) مرتين، (الله أكبر الله أكبر) مرتين، (لا إله إلَّا الله) مرة واحدة (كذا في كتابه في حديث أبي محذورة) أي قال أبو داود: قال الحسن بن علي: قال مشايخي عفان وسعيد وحجاج هكذا، أي مثل الذي حدثنا من حفظه كذلك في كتابه بأن كلمات الأذان تسع عشرة كلمة بتربيع التكبير في أوله والترجيع في

ص: 264

501 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِى مَحْذُورَةَ - يَعْنِى عَبْدَ الْعَزِيزِ -

===

الشهادتين، وبأن الإقامة مثل الأذان إلَّا أنها ليس فيها ترجيع، وفيها قد قامت الصلاة مرتين.

وغرض المصنف بهذا الكلام أن همامًا اختلف في توثيقه وتضعيفه، فوثقه بعضهم، فإن العجلي قال: بصري ثقة، وقال الحاكم: ثقة، حافظ، وكذلك وثَّقه أحمد وابن معين، وقال يزيد بن هارون: كان همام قويًا في الحديث، وقال صالح بن أحمد عن أبيه: همام ثبت في كل المشايخ، وضعفه البعض، فإن يحيى القطان لا يروي عنه ولا يعبأ به، ويقول: ألا تعجبوا من عبد الرحمن يقول: من فاته شعبة يسمع من همام حتى إن إبراهيم بن عرعرة قال ليحيى: حدثنا عفان قال: حدثنا همام، فقال له يحيى: اسكت ويحك، كأنه ينكر عليه لأجل همام، وقال بعضهم: همام حفظه رديء، وكتابه صالح، قال أبو حاتم وقد سئل عن همام وأبان؟ قال: همام أحبُّ إليَّ ما حدث من كتابه، وإذا حدث من حفظه فهما متقاربان في الحفظ والغلط، وقال: ثقة، صدوق، في حفظه شيء، وقال عفان: كان همام لا يكاد يرجع إلى كتابه ولا ينظر فيه، وكان يخالف فلا يرجع إلى كتابه، ثم رجع بعد فنظر في كتبه، فقال: يا عفان كنا نخطئ كثيرًا فلنستغفر الله تعالى، وقال الساجي: صدوق سيِّئ الحفظ، ما حدث من كتابه فهو صالح، وما حدث من حفظه فليس بشيء.

ولما كان هذا أعدل الأقوال فيه أراد المصنف أن يؤيد ويقوي أمر الحديث الذي حدثهم حفظًا بأنه هكذا في كتابه فوافق حفظه كتابه ولم يخالفه، فثبت أن حديث همام غير متكلم فيه من جهته، وقوله: في حديث أبي محذورة، أي في الجزء الذي فيه أحاديث أبي محذورة.

501 -

(حدثنا محمد بن بشار) بندار، (ثنا أبو عاصم) النبيل، (ثنا ابن جريج) عبد الملك، (أخبرني ابن عبد الملك بن أبي محذورة- يعني عبد العزيز-) وهو عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة الجمحي المكي

ص: 265

عن ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عن أَبِي مَحْذُوْرَةَ قَالَ: أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم التَّأذِينَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ: "قُلْ: اللَّه أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّه أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِله إِلَّا اللَّه، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِله إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه (1) ". قَالَ: "ثُمَّ (2) ارْجِع فَمُدَّ مِنْ صَوْتِكَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ،

===

المؤذن، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "الجوهر النقي" (3): وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سمعت علي بن المديني يقول: بنو أبي محذورة الذين يحدثون كلهم ضعيف ليس بشيء.

(عن ابن ميحريز)(4) عبد الله، (عن أبي محذورة) المؤذن (قال: ألقى عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين) أي الأذان مع كيفية التأذين (هو) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بنفسه فقال: قل: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر) أربع مرات (أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: ثم ارجع) وفي نسخة: "ثم قال: ارجع"(فَمُدَّ من صوتك: أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله).

قال الطحاوي (5): فاحتمل أن يكون الترجيح الذي حكاه أبو محذورة إنما

(1) زاد في نسخة: "مرتين مرتين".

(2)

وفي نسخة: "ثم قال".

(3)

انظر: "السنن الكبرى"(1/ 393).

(4)

وهذا مختصر، وأخرجه النسائي ح (632) مفصلًا، فقال: إن ابن محيريز كان في حجر أبي محذورة حتى جهزه إلى الشام، فقال له: إني خارج إليهم وأخشى أن أسأل عن تأذينك فأخبرني، فقال: خرجت، الحديث، "ابن رسلان". (ش).

(5)

"شرح معاني الآثار"(1/ 132).

ص: 266

حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللهُ أَكْبَرُ اللَّه أَكْبَرُ، لَا إِله إِلَّا اللَّه". [قط 1/ 235، وانظر سابقه]

502 -

حَدَّثَنَا النُّفَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِى مَحْذُورَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّى عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِى مَحْذُورَةَ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَحْذُورَةَ يَقُولُ: أَلْقَى عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الأَذَانَ حَرْفًا حَرْفًا: «اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ،

===

كان لأن أبا محذورة لم يمد بذلك صوته على ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم منه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع وامدد عن صوتك.

(حيَّ على الصلاة، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الفلاح، حَيَّ على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلَّا الله) وفي هذا السياق اقتصار على الأذان، وليس فيه ذكر الإقامة.

502 -

(حدثنا النفيلي) عبد الله بن محمد، (نا إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة) ضعفه (1) الأزدي، وقال في "التقريب": مجهول، (قال: سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة يذكر أنه سمع أبا محذورة) المؤذن (يقول) أي أبو محذورة: (ألقى عَلَيَّ) أي لَقَّنني (رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان حرفًا حرفًا) أي كلمة كلمة من كلمات الأذان (الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر) أربع مرات (أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله) مرتين (أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله) مرتين

(1) قال ابن رسلان: تفرد به أبو داود، ولم يذكره الذهبي بجرح ولا تعديل. (ش).

[قلت: قال الذهبي في "الميزان" (1/ 77): إبراهيم بن أبي محذورة: قال الأزدي: هو وإخوته يضعفون، وأما في "الكاشف" (1/ 76) فلم يذكره بجرح ولا تعديل].

ص: 267

أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَىَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَىَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَىَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَىَّ عَلَى الْفَلَاحِ» (1)، قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ فِى الْفَجْرِ: "الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ". [انظر تخريج الحديث السابق]

503 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الإِسْكَنْدَرَانِىُّ، حَدَّثَنَا زِيَادٌ - يَعْنِى ابْنَ يُونُسَ -، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ - يَعْنِى الْجُمَحِىَّ -، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِى مَحْذُورَةَ، أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ الْجُمَحِىِّ، عَنْ أَبِى مَحْذُورَةَ، "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ الأَذَانَ، يَقُولُ: «اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ،

===

(أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله) مرتين، (أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله) مرتين، (حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الصلاة) مرتين (حَيَّ على الفلاح، حَيَّ على الفلاح) مرتين، (قال) أي إبراهيم بن إسماعيل: سمعت جدي عبد الملك يقول: (وكان) أي أبو محذورة (يقول في الفجر: الصلاة خير من النوم) أي مرتين.

503 -

(حدثنا محمد بن داود الإسكندراني، ثنا زياد - يعني ابن يونس-، عن نافع بن عمر -يعني الجمحي-) وهو نافع بن عمر بن عبد الله بن جميل الجمحي الحافظ المكي، قال عبد الرحمن بن مهدي: كان من أثبت الناس، وقال أحمد: ثبت ثبت صحيح الكتاب، وقال ابن معين والنسائي وأبو حاتم: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات سنة 169 هـ.

(عن عبد الملك بن أبي محذورة، أخبره عن عبد الله بن محيريز الجمحي، عن أبي محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه) أي أبا محذورة (الأذان، يقول: الله أكبر الله أكبر) هكذا مرتين في جميع النسخ الموجودة، وأكثر

(1) زاد في نسخة: "مرتين".

ص: 268

أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ"، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ أَذَانِ حَدِيثِ (1) ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمَعْنَاهُ.

[انظر سابقه]

(2)

وَفِى حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ أَبِى مَحْذُورَةَ قُلْتُ: حَدِّثْنِى عَنْ أَذَانِ أَبِيكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ فَقَالَ:«اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَطُّ»

===

الروايات على التربيع (أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله، ثم ذكر مثل أذان حديث ابن جريج، عن عبد العزيز بن عبد الملك ومعناه) أي ومثل معنى حديث ابن جريج.

حاصله: أن رواية نافع بن عمر عن عبد الملك بن أبي محذورة يخالف رواية ابن جريج في تثنية التكبير لا في غيره من الكلمات، فإن في رواية ابن جريج تربيع التكبير، وفي رواية نافع تثنيته، وسائر الكلمات فيهما سواء.

قال أبو داود: (وفي حديث مالك بن دينار قال: سألت ابن أبي محذورة) ولعله عبد الملك (قلت: حدثني عن أذان أبيك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر، فقال: الله أكبر الله أكبر) مرتين (قط) أي لم يزد على مرتين.

قلت: وقد أخرج الدارقطني (3) حديث مالك بن دينار وليس فيه لفظ: "الله أكبر الله أكبر" مرتين، حدثنا القاضي أبو عمر، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا مسلم، ثنا داود بن أبي عبد الرحمن القرشي، ثنا مالك بن دينار قال: صعدت إلى ابن أبي محذورة فوق المسجد الحرام بعد ما أذن، فقلت له: أخبرني عن أذان أبيك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان يبدأ فيكبر، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على

(1) وفي نسخة: "حديث أذان".

(2)

زاد في نسخة: "قال أبو داود".

(3)

"سنن الدارقطني"(1/ 243).

ص: 269

وَكَذَلِكَ حَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِى مَحْذُورَةَ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ جَدِّهِ،

===

الفلاح مرة ثم يرجع، فيقول: أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حتى يأتي على آخر الأذان، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلَّا الله، تفرد به داود.

(وكذلك) أي مثل حديث مالك بن دينار (حديث جعفر بن سلميان) في تثنية التكبير، (عن ابن أبي محذورة، عن عمه، عن جده) والظاهر أن المراد من ابن أبي محذورة في هذا السند ابن ابنه، فإن ابن أبي محذورة لا يروي عن عمه، أي عن أخي أبي محذورة، ولم يثبت أن أخا أبي محذورة أسلم، وروى عنه أحد من الناس، بل قال الحافظ في "تهذيب التهذيب": وقال ابن جرير وغيره: كان لأبي محذورة أخ يسمى أنيسًا قتل يوم بدر كافرًا، فلا يمكن أن يروي ابن أبي محذورة وهو عبد الملك عن عمه أخي أبيه، بل هو يروي عن أبيه بلا واسطة بينهما.

وكذلك يشكل رواية عمه عن جده، فإنه محال، لأنه لم يثبت أن جد عبد الملك بن أبي محذورة أسلم، ولم يرو الأذان إلَّا عن أبي محذورة لا عن أبيه، فيمكن أن يوجه (1) الكلام بأن المراد من ابن أبي محذورة عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، وهو يروي عن عمه، وهو عبد الله بن محيريز، فإنه وإن لم يكن له عمًّا على الحقيقة فهو عم مجازي، فإنه كان يتيمًا في حجر أبي محذورة، فكأنه ابنه، فصار كأنه عم لعبد العزيز، وهو يروي عن جده، أي جد عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة وهو أبو محذورة صاحب الأذان.

ويمكن أن يكون المراد من ابن أبي محذورة ابن ابن ابنه إبراهيم بن

(1) وشرحه ابن رسلان بأن عبد الملك بن محذورة روى عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة، فهو أيضًا قريب بما قاله الشيخ. (ش).

ص: 270

إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: "ثُمَّ تَرْجِعُ فترفعُ صَوْتَكَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ".

504 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ،

===

إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة، وهو يروي عن عمه عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، وهو يروي عن جده عبد الملك أو أبي محذورة، وعبد العزيز هذا له رواية عن عبد الله بن محيريز (1) وأبي محذورة.

ووقع في رواية ابن السني عن النسائي عن بشر بن معاذ، عن إبراهيم بن عبد العزيز، حدثني أبي عبد العزيز، حدثني جدي عبد الملك عن أبي محذورة، وهو وهم، والصواب ما رواه الترمذي عن بشر بن معاذ، عن إبراهيم قال: حدثني أبي وجدي جميعًا عن أبي محذورة، قاله الحافظ في "تهذيب التهذيب"(2).

فهذا الكلام يدل على أن عبد العزيز له رواية عن أبيه عبد الملك، وعن جده أبي محذورة، فيمكن أن يكون المراد عن جده في حديث جعفر بن سليمان إما عبد الملك أو أبا محذورة، وقد بالغت في تصفح هذا الحديث فلم أجد هذا السياق لغير أبي داود فيما تصفحت من الكتب، والذي يغلب على الظن أن في هذا السند تصحيفًا، ولعله كتب في محل "عن أبيه""عن عمه" غلطًا- والله أعلم- هذا ما وقع في فهمي القاصر- والله تعالى أعلم-.

(إلَّا أنه) أي جعفر بن سليمان (قال) في حديثه: (ثم ترجع فترفع) إما بلفظ الأمر من التفعل أو المضارع من المجرد في الصيغتين (صوتك: الله أكبر الله أكبر) حاصله أن هذه زيادة في حديث جعفر بن سليمان، أي الترجيح في التكبير ليس في حديث مالك بن دينار.

504 -

(حدثنا عمرو بن مرزوق) الباهلي يقال: مولاهم، أبو عثمان

(1) وكتب مولانا أسعد الله أن حق العبارة أن يقول: ولعبد العزيز رواية عن عبد الملك وأبي محذورة. (ش).

(2)

(6/ 347).

ص: 271

أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِى لَيْلَى. (ح): وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قال: سَمِعْتُ (1) ابْنَ أَبِى لَيْلَى قَالَ: أُحِيلَتِ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ

===

البصري، قال ابن عمار الموصلي: ليس بشيء، وقال العجلي: عمرو بن مرزوق بصري ضعيف يحدث عن شعبة، وقال الدارقطني: صدوق، كثير الوهم، وقال الحاكم: سيِّئ الحفظ، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ربما أخطأ، قال عبيد الله بن عمر: كان يحيى بن سعيد لا يرضى عمرو بن مرزوق، وقال الساجي: كان أبو الوليد يتكلم فيه.

وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث عن شعبة، وعن ابن معين: ثقة مأمون صاحب غزو وقرآن وفضل، وحَمِدَه جدًا، وقال أبو حاتم: كان ثقة، من العباد، وقال أحمد بن حنبل: ثقة، مأمون، فتشنا على ما قيل فيه فلم نجد له أصلًا.

قال أبو زرعة: وسمعت سليمان بن حرب وذكر عمرو بن مرزوق، فقال: جاء بما ليس عندهم فحسدوه، وقال أبو زرعة: سمعت أحمد بن حنبل، وقلت له: إن علي بن المديني يتكلم في عمرو بن مرزوق؟ فقال: عمرو رجل صالح، لا أدري ما يقول علي، وتكون في مجلس درسه عشرة آلاف رجل.

(أنا شعبة) بن الحجاج، (عن عمرو بن مرة) الجملي (قال: سمعت ابن أبي ليلى) عبد الرحمن، (ح: وحدثنا ابن المثنى) محمد، (ثنا محمد بن جعفر) غندر، (عن شعبة، عن عمرو بن مرة قال: سمت ابن أبي ليلى) عبد الرحمن (قال) أي ابن أبي ليلى: (أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال) أي وقع فيها ثلاث تحويلات وتغييرات، ثم فصل ذلك الإجمال.

(1) وفي نسخة: "عن".

ص: 272

قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَقَدْ أَعْجَبَنِى أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ" - أَوْ: الْمُؤْمِنِينَ - وَاحِدَةً، حَتَّى لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبُثَّ رِجَالاً فِى الدُّورِ يُنَادُونَ النَّاسَ بِحِينِ الصَّلَاةِ، وَحَتَّى هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رِجَالاً يَقُومُونَ عَلَى الآطَامِ يُنَادُونَ الْمُسْلِمِينَ بِحِينِ (1) الصَّلَاةِ، حَتَّى نَقَسُوا أَوْ كَادُوا أَنْ يَنْقُسُوا»

===

(قال: وحدثنا أصحابنا)(2) والمراد بهم الصحابة رضي الله عنهم، وقد أخرج الطحاوي بسنده عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أخبرني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك أخرج البيهقي بسنده عن وكيع، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، الحديث، فثبت بهذا أن المراد بأصحابنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقد أعجبني) أي سرني، قال في "لسان العرب": وأعجبه الأمر: سره (إن تكون صلاة المسلمين أو المؤمنين) لفظة "أو" للشك من الراوي (واحدة) أي جماعة واحدة لا يصلون منفردين.

(حتى لقد هممت أن أبث رجالًا في الدور) أي القبائل والمحلات (ينادون الناس بحين الصلاة) أي يقولون مثلًا: الصلاة الصلاة (وحتى هممت) أي أردت (أن آمر رجالًا يقومون على الآطام) بمد الهمزة جمع أطم بالضم، أي على القصور والأبنية المرتفعة (ينادون المسلمين بحين الصلاة حتى نَقَسُوا) أي ضربوا بالناقوس، (أو كادوا أن ينقسوا) أي أرادوا ضرب الناقوس، وقربوا

(1) وفي نسخة: "لحين".

(2)

قال ابن رسلان: قال المنذري (1/ 205): إن أراد به الصحابة فهو متصل، وإلَّا فهو مرسل، قال ابن حجر: في رواية ابن أبي شيبة وابن خزيمة والبيهقي والطحاوي: أصحاب محمد، فهو متصل، ولذا صححه ابن حزم وابن دقيق العيد. (انظر:"التلخيص الحبير" 1/ 203). (ش).

ص: 273

قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّى لَمَّا رَجَعْتُ لِمَا رَأَيْتُ مِنَ اهْتِمَامِكَ رَأَيْتُ رَجُلاً كَأَنَّ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ (1) أَخْضَرَيْنِ، فَقَامَ عَلَى الْمَسْجِدِ فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مِثْلَهَا، إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، وَلَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ - قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: أَنْ تَقُولُوا - لَقُلْتُ: إِنِّى كُنْتُ يَقْظَانًا

===

من أن يضربوا بالناقوس، وهذا الكلام يحتمل أن يكون من النبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يكون مدرجًا من بعض الصحابة رواة الحديث.

(قال) أي ابن أبي ليلى: قالوا: (فجاء رجل من الأنصار) وهو عبد الله بن زيد بن عبد ربه (فقال: يا رسول الله، إني لما (2) رجعت) أي من مجلسك إلى البيت (لما)(3) بكسر اللام علة لقوله: "رأيت رجلًا" ومتعلق به، أو متعلق بمقدر: وكنت مهتمًّا، وما موصولة (رأيت من اهتمامك) أي من اعتنائك بجمع الناس (رأيت) أي في المنام (رجلًا كأن) بتشديد النون (4)(عليه ثوبين أخضرين (5)، فقام على المسجد فأذن، ثم قعد قعدة، ثم قام فقال مثلها، إلَّا أنه يقول) في هذه المرة:(قد قامت الصلاة).

(ولولا أن يقول الناس) وهذا لفظ ابن مرزوق بلفظ الغيبة، (- قال ابن المثنى أن تقولوا-) أي لولا أن تقولوا بلفظ الخطاب، ثم اتفقا (لقلت: إني كنت يقظانًا (6)

(1) وفي نسخة: "ثوبان""ابن رسلان". (ش).

(2)

بتشديد الميم. "ابن رسلان". (ش).

(3)

بتخفيف الميم. "ابن رسلان". (ش).

(4)

وليس للتشبيه بل للتحقيق كما بسطه ابن رسلان، ويدل عليه رواية ابن ماجه بدون لفظ كأن. (ش).

(5)

فيه إشارة إلى أن الأذان والإِقامة من أسباب دخول الجنة لقوله تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} [الإنسان: 21]. "ابن رسلان". (ش).

(6)

وهل يمكن رؤية الملك وكلامه يقظانًا، الظاهر لا مانع فيه لقوله تعالى في قصة

مريم في [سورة] آل عمران، ففي "تفسير الجمل" (1/ 411):{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ} =

ص: 274

غَيْرَ نَائِمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى-:«لَقَدْ أَرَاكَ اللَّهُ خَيْرًا» ، وَلَمْ يَقُلْ عَمْرٌو:«لَقَدْ (1) "، "فَمُرْ بِلَالاً فَلْيُؤَذِّنْ» .

===

غير نائم) أي كنت (2) غير مستغرق في النوم كأني كنت يقظانًا.

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن المثنى-: "لقد أراك الله خيرًا"، ولم يقل عمرو "لقد") هكذا في بعض النسخ من المطبوعة الهندية (3) والمكتوبة، فعلى هذه النسخ الاختلاف الواقع بين لفظ ابن المثنى وبين عمرو بن مرزوق في لفظ "لقد" بأن ابن المثنى (4) ذكر لفظ "لقد" وعمرو بن مرزوق لم يذكره، وفي بعض النسخ وهي المصرية والتي على حاشية "عون المعبود":"ولم يقل عمرو: لقد أراك الله" فعلى هذه النسخ الاختلاف بينهما في ذكر تمام الجملة بأن ابن المثنى ذكر "لقد أراك الله خيرًا" ولم يقلها عمرو.

(فمر بلالًا فليؤذن) مقولة لقوله: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على النسخة المصرية، ونسخة "عون المعبود"، وأما على النسخة المطبوعة الهندية والمكتوبة فيكون مقولة قال من قوله: "أراك الله خيرًا"، وهذا على رواية عمرو بن مرزوق، وأما على رواية ابن المثنى فمقولة قال تمام الجملة من قوله: "لقد أراك الله خيرًا، فمر بلالًا فليؤذن".

= [آل عمران: 42] أي مشافهة لها بالكلام. وبين تحت قوله: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17] كيفية تمثله بشرًا سويًا، وفي قوله تعالى:{إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى} [طه: 38] ، حمل الكلام على المنام لكونها غير نبية، وقال تحت قوله تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} [القصص: 7]: كتكليم الملك الأقرع والأبرص والأعمى، وبحث الرازي في ذلك مختصرًا، وذكر القاضي في "الشفاء"(3/ 379) رؤية الصحابة الملائكة وكلامهم، وبَيَّن العيني (10/ 577) الفرق بين مريم وعائشة إذ قالت: ترى ما لا أرى، وجزم بالرؤية في "شرح الشمائل"(2/ 233). (ش).

(1)

زاد في نسخة: "أراك الله".

(2)

وتقدم في هامش "باب بدأ الأذان" ما هو الأوجه عندي. (ش).

(3)

وكذا في نسخة ابن رسلان. (ش).

(4)

وهكذا بين الاختلاف بين روايتيهما ابن رسلان. (ش).

ص: 275

قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنِّى قَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِى رَأَى، وَلَكِنْ (1) لَمَّا سُبِقْتُ اسْتَحْيَيْتُ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا (2) أَصْحَابُنَا، قَالَ: وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا جَاءَ يَسْأَلُ فَيُخْبَرُ بِمَا سُبِقَ مِنْ صَلَاتِهِ،

===

(قال) أي ابن أبي ليلى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فقال عمر) بعد ما علم أنه أذن على رؤيا عبد الله بن زيد: (أما إني قد رأيت) أي في المنام (مثل الذي رأى) أي عبد الله بن زيد، (ولكن لما سبقت) أي سبقني به عبد الله بن زيد وصرت مسبوقًا (استحييت) أن أذكره، ثم بعد ذلك أخبر بما رأى على ما اقتضته المصلحة الدينية، وهذا الحال أول الأحوال الثلاثة الواقعة في الصلاة، فإنه لم تكن الجماعة واجبة إذ ذاك، ولم يكن يؤذن لها، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكون الصلاة جماعة، واهتم في طريق جمع الناس في هذا، ولم يرض النبي صلى الله عليه وسلم بما أشاروا إليه، ثم رؤى عبد الله بن زيد رضي الله عنه الأذان في منامه، فاختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشرع الأذان.

(قال) ابن أبي ليلى: (وحدثنا أصحابنا) وهذا شروع في الحال الثاني، (قال) أي ابن أبي ليلى عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وكان الرجل) أي من الصحابة (إذا جاء) في المسجد، والجماعة قائمة (يسأل) عن المصلين عما سبق من صلاتهم.

(فيخبر بما سبق من صلاته) أي فيخبره المصلون وهم في صلاتهم بما سبق وصلي قبل مجيئه من صلاته بالإشارة (3)، فإذا أخبر بما صلي قبل مجيئه من الصلاة دخل في الصلاة وصلَّى بما سبق من صلاته مستعجلًا، ثم دخل مع الإِمام في صلاته.

(1) وفي نسخة: "لكني".

(2)

زاد في نسخة: "بعض".

(3)

كما هو مصرح في رواية أحمد (5/ 246) بسطه ابن رسلان، قلت: فلا يصح الاستدلال به على أن نسخ الكلام بالمدينة، كما استدل به صاحب "العرف الشذي". (ش).

ص: 276

وَأنَّهُمْ قَامُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وَقَاعِدٍ وَمُصَلٍّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: قَالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِى بِهَا حُصَيْنٌ عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى، حَتَّى جَاءَ مُعَاذٌ، قَالَ شُعْبَةُ: وَقَدْ سَمِعْتُهَا مِنْ حُصَيْنٍ

===

(وأنهم) أي المصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (قاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي دخلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته وصاروا (من بين قائم وراكع وقاعد ومصل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بعضهم قائم، وبعضهم راكع، وبعضهم قاعد، وبعضهم مصل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الذين اقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في التحريمة أو الركعة الأولى، أو الذين سبقوا من صلاتهم وأدوا ما سبقوا به فهم مصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الذين يؤدون ما سبقوا من صلاتهم فبعضهم قائم، وبعضهم راكع، وبعضهم قاعد على اختلاف أحوالهم، وعلى خلاف ما فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يؤدي من أجزاء الصلاة التي سبق بها.

(قال ابن المثنى) أي بسنده عن محمد بن جعفر عن شعبة: (قال عمرو) أي ابن (1) مرة: (وحدثني بها) أي بهذه (2) الرواية (حصين) بن عبد الرحمن السلمي، (عن ابن أبي ليلى) أي كما حدثني بها ابن أبي ليلى، حاصله: أن عمرو بن مرة يقول: حصل لي هذه الرواية من ابن أبي ليلى بطريقين: أحدهما بواسطة حصين، والثاني بلا واسطة.

(حتى جاء معاذ) متعلق بالكلام السابق، وهو: "وأنهم قاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغاية لما يحصل من ذلك الكلام، أي كانوا في هذا الاختلاف من الأحوال في الصلاة حتى جاء معاذ في المسجد، والناس يصلون بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشاروا إلى معاذ بأنه سبق من الصلاة كذا.

(قال شعبة: وقد سمعتها) أي هذه الرواية (من حصين) فحصل لي هذه

(1) وقال ابن رسلان: لعله ابن مرزوق. (ش).

(2)

وقال ابن رسلان: أي بهذه القصة. (ش).

ص: 277

فَقَالَ: لَا أَرَاهُ عَلَى حَالٍ، إِلَى قَوْلِهِ:"كَذَلِكَ (1) فَافْعَلُوا".

(2)

ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ، قَالَ: فَجَاءَ مُعَاذٌ فَأَشَارُوا إِلَيْهِ - قَالَ شُعْبَةُ: وَهَذِهِ سَمِعْتُهَا مِنْ حُصَيْنٍ - قَالَ: فَقَالَ مُعَاذٌ: لَا أَرَاهُ عَلَى حَالٍ إلَّا كُنْتُ عَلَيْهَا. قَالَ: فَقَالَ:

===

الرواية من طريق عمرو بن مرة، ومن طريق حصين، (فقال) أي فأجاب معاذ لما أشاروا إليه، وقال:(لاأراه) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (على حال) أي في الصلاة (إلى قوله: كذلك فافعلوا).

قال أبو داود: (ثم رجعت إلى حديث عمرو بن مرزوق) فإنه لم يذكر رواية عمرو بن مرة عن حصين، ولا رواية شعبة عن حصين، بل روى من طريق واحد من طريق شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت ابن أبي ليلى إلَّا قوله: فأشاروا إليه، فإن هذا اللفظ رواه شعبة عن حصين.

(قال) أي ابن أبي ليلى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فجاء معاذ) أي في المسجد، والمسلمون في الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، (فأشاروا) أي الصحابة الذين كانوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة بما سبق من صلاتهم (إليه) أي إلى معاذ، (قال شعبة: وهذه) أي الكلمة (3) وهي قوله: فأشاروا إليه (سمعتها من حصين) أي لم أسمعها من عمرو بن مرة.

(قال) ابن أبي ليلى: (فقال) أي أجاب (معاذ: لا أراه) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (على حال) أي في الصلاة (إلَّا كنت عليها) أي على تلك الحال، أي لا أخالفه، بل أدخل معه صلى الله عليه وسلم في الفعل الذي يؤديه، فأتبعه في القيام والقعود والركوع والسجود.

(قال) ابن أبي ليلى عن بعض أصحابه: (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا سمع

(1) وفي نسخة: "فكذلك".

(2)

زاد في نسخة: "قال أبو داود".

(3)

وظاهر كلام ابن رسلان أن الإِشارة إلى قول معاذ الآتي في روايته: لا أراه على حال، إذ قال: وهذه أي القصة. (ش).

ص: 278

إِنَّ مُعَاذًا قَدْ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً، كَذَلِكَ فَافْعَلُوا".

قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَهُمْ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ أُنْزِلَ رَمَضَانُ، وَكَانُوا قَوْمًا لَمْ يَتَعَوَّدُوا الصِّيَامَ، وَكَانَ الصِّيَامُ عَلَيْهِمْ شَدِيدًا، فَكَانَ (1) مَنْ لَمْ يَصُمْ أَطْعَمَ

===

قول معاذ: (إن معاذًا قد سن (2)) أي قد أجرى وأحدث (لكم سنَّة) أي سنة حسنة (كذلك فافعلوا) فلا تخالفوا الإِمام في أداء ما سبق من الصلاة، بل ادخلوا مع الإِمام في الصلاة واتبعوه فيما يؤديه.

وهذا حال ثان بأن المسبوق إذا حضر الجماعة كان يسأل عما سبق به فيخبر، فيؤديها قبل الإِمام، ثم يدخل في صلاة الإِمام، فَحُوِّل ذلك وغُيِّر وأمروا بأنهم إذا سبقوا بركعة من الصلاة فعليهم أنهم إذاحضروا جماعة أن يدخلوا في صلاة الإِمام ولا يخالفوه، ثم إذا فرغ الإِمام من الصلاة أدوا ما سبقوا بها، ثم لم يذكر في هذه الرواية الحال الثالث، وسيذكره المصنف في الرواية الآتية.

(قال) أي ابن أبي ليلى: (وحدثنا أصحابنا) وهذا شروع في التغير الواقع في الصوم، فإنه وقع في الصوم أيضًا ثلاث تحويلات: إحداها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة) أي مهاجرًا (أمرهم) أي المسلمين (بصيام ثلاثة أيام) من كل شهر، فأوجب عليهم صيامها (ثم أنزل رمضان) أي صوم شهر رمضان، (وكانوا) أي الصحابة (قومًا لم يتعودوا) أي لم يعتادوا (الصيام، وكان الصيام عليهم شديدًا) لأجل أنهم كانوا لم يعتادوها، (فكان من لم يصم أطعم

(1) وفي نسخة: "وكان".

(2)

فيه البحث عن الاجتهاد في عصره صلى الله عليه وسلم، وبسطه ابن رسلان، وقال: اختلف أهل الأصول في جواز الاجتهاد في عصره جمع على خمسة أقوال: أصحها عند الأكثرين الجواز، وقيل: المنع مطلقًا، وقيل: بإذنه، وقيل: للغائب دون من بحضرته، لأن الغائب لو أخر الحادثة إلى لقائه لفاتت المصلحة، وقيل: يجوز للغائبين من الولاة كعلي ومعاذ

إلخ، ثم قال: وعلى القول بالجواز اختلفوا في وقوعه على خمسة أقوال، ثم بسطها. (ش).

ص: 279

مِسْكِينًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ، فَكَانَتِ الرُّخْصَةُ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، فَأُمِرُوا بِالصِّيَامِ

===

مسكينًا) أي كان جائزًا أن من لم يصم من غير عذر أن يطعم مسكينًا، فعلى هذا قوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (1) محمول (2) على ظاهره بمعنى أن مطيقي الصوم عليهم إذا لم يصوموا فدية طعام مسكين أن يطعموا المسكين الطعام فديةً عن الصوم.

(فنزلت هذه الآية) وهي قوله تعالى: ({فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ})(3) ومعنى الآية: فمن كان شاهدًا أي حاضرًا مقيمًا غير مسافر في الشهر فليصم فيه ولا يفطر، والشهر منصوب على الظرف، وكذلك الهاء في "فليصمه"، ولا يكون مفعولًا به، كقولك: شهدت الجمعة "كشاف"(4)، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من الرخصة للمطيقين أن لا يصوموا ويفدوا.

(فكانت الرخصة للمريض والمسافر) أي بعد نزول هذه الآية نسخت الرخصة لغير المعذورين، وبقيت الرخصة للمعذورين من المرضى والمسافرين في الإفطار (فأمروا بالصيام) أي أُمِرَ غير المعذورين بأن يصوموا ولا يفطروا ولا يجزئهم الإطعام، فهذا مشتمل على حالين في الصوم، أولهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين بثلاثة أيام من كل شهر، وكذلك أمرهم بصوم يوم عاشوراء، سواء كان ذلك الأمر أمر الوجوب، كما هو عند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى- أو الاستحباب استحبابًا مؤكدًا، كما هو عند بعض أصحاب الشافعي رحمه الله، ثم نسخ ذلك وفرض رمضان، وهذا أول الحالين.

ثم لما فرض شهر رمضان وكانوا لم يتعودوا الصيام، كان يجوز لهم- من المعذورين وغيرهم- أن لا يصوموا، ويفدوا، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى:

(1) سورة البقرة: الآية 184.

(2)

وأيضًا قوله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} محمول على ثلاثة أيام من كل شهر. (ش).

(3)

سورة البقرة: الآية 185.

(4)

"الكشاف" للزمخشري (1/ 254).

ص: 280

قَالَ: وحدَّثنا أصحابُنا قال: وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَفْطَرَ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ لَمْ يَأْكُلْ حَتَّى يُصْبِحَ. قَالَ: فَجَاءَ عُمَرُ فَأَرَادَ امْرَأَتَهُ فَقَالَتْ: إِنِّى قَدْ نِمْتُ، فَظَنَّ أَنَّهَا تَعْتَلُّ فَأَتَاهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَرَادَ الطَّعَامَ (1). فَقَالُوا: حَتَّى نُسَخِّنَ لَكَ شَيْئًا،

===

{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وبقيت الرخصة للمعذورين والمسافرين، ووجب الصيام على غير المعذورين منهم حتمًا.

(قال) أي ابن أبي ليلى: (وحدثنا أصحابنا قال) ولفظ "قال" هذا ثبت في النسخة المصرية ونسخة "عون المعبود" وغيرها من النسخ المطبوعة، وليس في النسخة المكتوبة، فعلى تقدير وجوده يرجع ضمير فاعله إلى بعض أصحابنا، (وكان الرجل) أي في ابتداء الإِسلام وأول الأمر (إذا أفطر) أي دخل في وقت الإفطار (فنام قبل أن يأكل لم يأكل) أي يحرم عليه الأكل (حتى يصبح) فإذا أصبح صار صائمًا في اليوم الثاني، فيحرم عليه الأكل فيه للصوم حتى تغرب الشمس.

(قال) أي بعض أصحابنا: (فجاء عمر)(2) أي بيته (فأراد) أي عمر (امرأته) أي مجامعتها (فقالت) أي امرأة عمر: (إني قد نمت) قبل أن آكل (3) فحرم عليَّ الجماع (فظن) أي عمر (أنها) أي امرأته (تعتل) أي تلهى وتعتذر عذرًا كاذبًا (فأتاها) أي جامعها (فجاء رجل من الأنصار) أي ثم وقع لرجل (4) من الأنصار بعد واقعة عمر رضي الله عنه أنه جاء بيته (فأراد الطعام) أي طلبه من أهله، (فقالوا) أي أهله:(حتى نسخن لك شيئًا) أي اصبر حتى نزيل برودتها

(1) وفي نسخة: "طعامًا".

(2)

وقال صاحب "التلقيح"(ص 508): روي أن كعب بن مالك الأنصاري جامع أيضًا في هذا الوقت.

(3)

كتب مولانا أسعد الله: لا حاجة إلى هذا القيد، بل حذفه أولى أو واجب. (ش).

(4)

اختلف في اسمه، فقيل: قيس بن صرمة، وقيل: أبو قيس بن عمرو، وقيل: صرمة بن مالك، وقيل: ضمرة بن أنس. "تلقيح فهوم أهل الأثر"(ص 508). (ش).

ص: 281

فَنَامَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ فِيهَا:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} (1). [حم 5/ 246، خزيمة 284، ق 1/ 390، ش 1/ 104]

===

على النار، وشيئًا إما مفعول لنسخن أي شيئًا من الطعام، أو منصوب على الظرفية لفعل مقدر أي اصبر شيئًا من الزمن.

(فنام) أي فغلبته عيناه، (فلما أصبحوا) أي المسلمون (نزلت عليه) أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذه الآية فيها) أي في تلك الواقعة، وهي قوله تعالى:({أُحِلَّ}) أي أحل الله ({لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ}) أي ليلة يوم الصيام ({الرَّفَثُ}) كناية عن الجماع، عدي بإلى لتضمنه معنى الإفضاء أي مفضين ({إِلَى نِسَائِكُمْ}).

وهذا تحويل ثالث، فإنه كان في الأول أن الرجل إذا أفطر فنام قبل أن يأكل لا يجوز له الأكل بعده لا في ليل ولا في نهار حتى يفطر في اليوم الثاني، ثم نسخ هذا الحكم وأبيح لهم في جميع ليلة الصيام المفطرات الثلاثة.

قال الشوكاني (2): الحديث أخرجه أيضًا الدارقطني من حديث الأعمش عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل به، ورواه أبو الشيخ في كتاب الأذان من طريق يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن زيد. قال الحافظ: وهذا الحديث ظاهر الانقطاع، قال المنذري: إلَّا أن قوله في رواية أبي داود: "حدثنا أصحابنا" إن أراد الصحابة فيكون مسندًا وإلَّا فهو مرسل، وفي رواية ابن أبي شيبة وابن خزيمة والطحاوي والبيهقي:"حدثنا أصحاب محمد"، فتعين الاحتمال الأول، ولهذا صححها ابن حزم وابن دقيق العيد.

(1) سورة البقرة: الآية 87.

(2)

"نيل الأوطار"(2/ 69).

ص: 282

505 -

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ أَبِى دَاوُدَ. (ح): وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ الْمَسْعُودِىِّ،

===

قلت: قولهم: إن حديث ابن أبي ليلى منقطع، ولم يدرك ابن أبي ليلى عبد الله بن زيد، أجاب عنه في "الجوهر النقي"(1) بأنه يمكن سماع ابن أبي ليلى من عبد الله بن زيد، لأن عبد الله توفي سنة ثنتين وثلاثين، وقد ذكر البيهقي أن الواقدي ذكر بسنده عن محمد بن عبد الله بن زيد قال: توفي أبي بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين، وصلى عليه عثمان بن عفان، وابن أبي ليلى وُلد سنة سبع عشرة.

505 -

(حدثنا ابن المثنى) محمد، (عن أبي داود) الطيالسي، (ح: وثنا نصر بن المهاجر، ثنا يزيد بن هارون، عن المسعودي) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي المسعودي، وثَّقه أحمد بن حنبل، وقال: إنما اختلط المسعودي ببغداد، ومن سمع منه بالكوفة والبصرة فسماعه جيد، وقال: وسماع أبي النضر وعاصم من المسعودي بعد ما اختلط، ووثَّقه ابن معين، وقال يحيى: من سمع منه في زمان أبي جعفر فهو صحيح السماع، ووثَّقه يحيى، وقال: كان يغلط فيما يروي عن عاصم والأعمش، ووثَّقه علي بن المديني، وقال: كان يغلط فيما روى عن عاصم وسلمة، ويصحح فيما روى عن القاسم ومعن، وقال ابن نمير: كان ثقة، واختلط بأخرةٍ، سمع منه ابن مهدي ويزيد بن هارون أحاديث مختلطة، وما روى عنه الشيوخ فهو مستقيم.

وقال يحيى بن سعيد: آخر ما لقيت المسعودي سنة سبع أو ثمان وأربعين، ثم لقيته بمكة سنة 58 هـ، وكان عبد الله بن عثمان ذلك العام معي وعبد الرحمن بن مهدي فلم نسأله عن شيء، وقال أبو حاتم: تغير قبل موته بسنة أو سنتين، وقال ابن عيينة: ما أعلم أحدًا أعلم بعلم ابن مسعود من المسعودي، وقال ابن حبان: اختلط حديثه فلم يتميز فاستحق الترك، وقال أبو النضر هاشم بن القاسم: إني لأعرف اليوم الذي قد اختلط فيه المسعودي

(1) انظر: "السنن الكبرى مع الجوهر النقي"(1/ 421).

ص: 283

عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ:"أُحِيلَتِ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، وَأُحِيلَ الصِّيَامُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ". وَسَاقَ نَصْرٌ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.

وَاقْتَصَّ ابْنُ الْمُثَنَّى مِنْهُ قِصَّةَ صَلَاتِهِمْ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَطْ. قَالَ: الْحَالُ الثَّالِثُ:

===

كنا عنده وهو يعزى في ابن له إذ جاءه إنسان، فقال له: إن غلامك أخذ من مالك عشرة آلاف وهرب، ففزع وقام فدخل في منزله، ثم خرج إلينا وقد اختلط، مات سنة 160 هـ.

(عن عمرو بن مرة) الجملي، (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن، (عن معاذ بن جبل) الأنصاري (قال) أي معاذ بن جبل:(أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال).

فذكر ابن المثنى ونصر بن المهاجر بسنديهما من طريق المسعودي التغيرات الثلاثة في الصلاة والصيام في الإجمال، وأما في التفصيل فلم يذكر ابن المثنى من أحوال الصيام شيئًا، ولم يذكر من أحوال الصلاة إلَّا الحال الثالث، وهو تحويل القبلة، وأما نصر فقد ذكر في حديثه الطويل الأحوال الثلاثة المتعلقة بالصلاة، لكن لم يذكرها المصنف اختصارًا، وكذا ذكر نصر في حديثه الأحوال المتعلقة بالصيام، وذكرها المصنف لكن ذكر الحال الثالث مختصرًا، وأما عمرو بن مرزوق برواية شعبة، وابن المثنى برواية محمد بن جعفر عن شعبة فلم يذكرا "وأحيل الصيام ثلاثة أحوال" في الإجمال، وذكرا في التفصيل، لكن لم يميز الثانية من الأولى، وذكرا من أحوال الصلاة حالين، كما تقدم.

(وساق نصر الحديث بطوله) أي يقول المؤلف أبو داود: إن شيخي نصر بن المهاجر ساق هذا الحديث بطوله، وذكر فيه الأحوال الثلاثة للصلاة.

(واقتص ابن المثنى منه) أي من الحديث (قصة صلاتهم نحو بيت المقدس قط) أي فقط ولم يذكر الحالين الأولين (قال) أي ابن المثنى: (الحال الثالث:

ص: 284

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَصَلَّى - يَعْنِى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ - ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا،

===

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة) أي مهاجرًا، (فصلَّى يعني نحو بيت المقدس)(1) أي جهة بيت المقدس (ثلاثة عشر شهرًا).

وفي رواية البخاري: "ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا"، حكى الحافظ في "فتح الباري"(2) عن الطبري وغيره من طريق علي بن [أبي] طلحة، عن ابن عباس قال:"لمَّا هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واليهود- أكثر أهلها- يستقبلون بيت المقدس أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها سبعة عشر شهرًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم، فكان يدعو وينظر إلى السماء، فنزلت". ومن طريق مجاهد قال: "إنما كان يحب أن يتحول إلى الكعبة، لأن اليهود قالوا: يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا، فنزلت". وظاهر حديث ابن عباس هذا أن استقبال بيت المقدس إنما وقع بعد الهجرة إلى المدينة، لكن أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه"، والجمع بينهما ممكن بأن يكون أُمِرَ صلى الله عليه وسلم لما هاجر أن يستمر على الصلاة لبيت المقدس.

وأخرج الطبراني من طريق ابن جريج قال: "صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم أول ما صلَّى إلى الكعبة، ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة، فصلَّى ثلاث حجج، ثم هاجر فصلَّى إليه بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرًا، ثم وجهه الله إلى الكعبة".

(1) ولا يذهب عليك حقيقة القبلة، وما أورد بأنه يشتبه بعبادة الأصنام، أجاد الشيخ النانوتوي في الجواب عنه في رسالته الطويلة له المسماة بـ "قبله نما"، وأجاب الشيخ التهانوي في "أشرف الجواب" بالأردية بعدة أجوبة، فأرجع إليهما لو شئت. (ش).

(2)

"فتح الباري"(1/ 502).

ص: 285

فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَة: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ

===

وأما الاختلاف الواقع في مدة استقباله قبل بيت المقدس في الروايات، فوقع في رواية البخاري بالشك "ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا"، قال الحافظ (1) ما ملخصه: ورواه أبو عوانة في "صحيحه"، فقال:"ستة عشر" من غير شك، وكذا لمسلم، وللنسائي ولأبي عوانة أيضًا، وكذا لأحمد بسند صحيح، وللبزار والطبراني من حديث عمرو بن عوف "سبعة عشر"، وكذا للطبراني عن ابن عباس.

والجمع بين الروايتين سهل بأن يكون من جزم بستة عشر لفق من شهر القدوم وشهر التحويل شهرًا، وألغى الزائد، ومن جزم بسبعة عشر عدهما معًا، ومن شك تردد في ذلك، وذلك أن القدوم كان في شهر ربيع الأول بلا خلاف، وكان التحويل في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح، وبه جزم الجمهور، ورواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس، وقال ابن حبان:"سبعة عشر شهرًا وثلاثة أيام"، وهو مبني على أن القدوم كان في ثاني عشر شهر ربيع الأول.

وشذت أقوال أخرى، ففي "ابن ماجه":"ثمانية عشر شهرًا"، ومن الشذوذ أيضًا رواية ثلاثة عشر شهرًا، ورواية تسعة أشهر أو عشرة أشهر، ورواية شهرين، ورواية سنتين، وأسانيد الجميع ضعيفة، والاعتماد على القول الأول، فجملة ما حكاه تسع روايات.

(فأنزل الله) أي بعد ما رغب صلى الله عليه وسلم في تحويل القبلة إلى الكعبة ودعا ربه أنزل (هذه الآية: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ}) أي ربما نرى، فإن معناه كثرة الرؤية بتردد وجهك وتصرف نظرك ({فِي}) جهة ({السَّمَاءِ}) وكان يرجو أن يحول إلى الكعبة لأنها قبلة إبراهيم، وأدعى للعرب إلى الإيمان فكان ينتظر الوحي بالتحويل ({فَلَنُوَلِّيَنَّكَ}) أي نجعلنّك واليًا ونمكننك من استقبالها من الولاية،

(1)"فتح الباري"(1/ 96).

ص: 286

قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (1)، فَوَجَّهَهُ اللَّهُ عز وجل إِلَى الْكَعْبَةِ، وَتَمَّ حَدِيثُهُ، وَسَمَّى نَصْرٌ صَاحِبَ الرُّؤْيَا.

قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ اللَّه بْنُ زيدٍ - رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ- وَقَالَ فِيهِ: فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، مرَّتَيْنِ،

===

أو فلنجعلنك تلي جهة الكعبة من الولي ({قِبْلَةً تَرْضَاهَا}) تحبها لمصالح مرضية عند الله تعالى ({فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}) أي نحوه، وذكر المسجد الحرام دون الكعبة دليل على أن الواجب مراعاة الجهة دون العين ({وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ}) من الأرض برًا وبحرًا، سهلًا وجبلًا ({فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ}) أي تولوا وجوهكم واصرفوها ({شَطْرَهُ}) تلقاءه أي المسجد الحرام، (فوجهه الله عز وجل إلى الكعبة)(2)، وهذا حال ثالث من الأحوال الثلاثة في الصلاة، (وتم حديثه) أي ابن المثنى، (وسمَّى نصر صاحب الرؤبا) الذي أري الأذان في المنام.

(قال) أي نصر بسنده أو معاذ بن جبل: (فجاء عبد الله بن زيد رجل من الأنصار) خبر مبتدأ محذوف، وهو ضمير هو، أو بيان لعبد الله. (وقال) نصر (فيه) أي في الحديث:(فاستقبل) أي الرجل الذي رآه عبد الله بن زيد في المنام (القبلة، قال) أي الرجل المرئي: (الله أكبر الله أكبر) بتثنية التكبير، (أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حَيَّ على الصلاة، مرتين، حَيَّ على الفلاح مرتين،

(1) سورة البقرة: الآية 144.

(2)

قال ابن العربي (2/ 139): نسخ الله القبلة ونكاح المتعة ولحوم الحمر الأهلية مرتين مرتين، وقال: ولا أحفظ رابعًا، وقال أبو العباس الغرفي: الرابع الوضوء مما مست النار، كذا في "قوت المغتذي"، وزاد العيني عن بعضهم الكلام في الصلاة والمخابرة، كذا في "الأوجز"(4/ 193). (ش).

ص: 287

اللَّهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِله إِلَّا اللهُ. ثُمَّ أَمْهَلَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مِثْلَهَا، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: زَادَ بَعْدَمَا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَقِّنْهَا بِلَالاً". فَأَذَّنَ بِهَا بِلَالٌ.

وَقَالَ في الصَّوْمِ: قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كلّ شَهْرٍ، وَيَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ

===

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلَّا الله، ثم أمهل) أي مكث واتَّأَدَ (هنية) مصغر هنة أصلها هنوة، أي شيء يسير كناية عن الزمان، أي زمانًا يسيرًا (ثم قام) الرجل المرئي (فقال مثلها) أي مثل ما قال قبل (إلَّا أنه) أي عبد الله بن زيد (قال: زاد) الرجل المرئي (بعد ما قال حَيَّ على الفلاح: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة) مفعول لزاد.

(قال) أي معاذ: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لعبد الله بن زيد: (لقنها) أي الكلمات المرئية (بلالًا)، فلقنها إياه، (فأذن بها بلال)، وهذا حال ثالث من الأحوال الثلاثة الواقعة في الصلاة، الذي لم يذكر في الرواية السابقة، فتمت في هاتين الروايتين الأحوال الثلاثة الواقعة في الصلاة.

(وقال) أي نصر بن المهاجر (في الصوم: قال) أي معاذ: (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ويصوم يوم عاشوراء، فأنزل الله: ({كُتِبَ}) أي فرض ({عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}) والمراد بها صيام رمضان، أو عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، كتب عليه صلى الله عليه وسلم صيامها حين هاجر ثم نسخت بشهررمضان، ({كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}) أي على الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى عهدكم، أي لم يفرضها عليكم وحدكم، بل هي عبادة قديمة أصلية ما أخلى الله أمة من افتراضها عليهم ({لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}) أي المعاصي، فإنه يكسر الشهوة، وقال صلى الله عليه وسلم:"فإن الصوم له وجاء"({أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}) منصوب بالصيام، أو بصوموا مقدرًا، أي مُوَقَّتات بعدد معلوم، والمراد بها إما أيام رمضان، أو عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، كما تقدم.

ص: 288

فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (1)، فَكَانَ مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُفْطِرَ وُيطْعِمَ كلَّ يَوم مِسْكِينًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ. فَهَذا حَوْلٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ

===

({فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا}) مرضًا يضره الصوم ({أَوْ عَلَى سَفَرٍ}) أي مسافرًا ({فَعِدَّةٌ}) أي فعليه صوم عدة تلك الأيام التي لم يصم فيها لعذر المرض والسفر ({مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}) غير أيام المرض والسفر يقضيها عوضها ({وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}) أي الصوم ثم لا يصومون ({فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}) هي أي الفدية طعام مسكين، هذا على قراءة الجمهور بغير إضافة الفدية إلى الطعام، وقرأ ابن عامر برواية هشام "مساكين" بإضافة الفدية إلى الطعام.

(فكان من شاء أن يصوم صام) أي كانوا لم يتعودوا الصيام فشق عليهم الصوم، فخيروا بين الصوم والإفطار، فمن شاء صام (ومن شاء أن يفطر) أي أن لا يصوم (ويطعم كل يوم مسكينًا أجزأه) أي كفاه (ذلك) أي الإطعام، (فهذا حول)، أي تغير وتحول، فإنه وجب أو أكد صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عاشوراء أولًا، ثم نسخ ذلك بصيام شهر رمضان مخيرًا بين الصيام والفدية، فأذن أن من شاء أن يصوم صام، ومن شاء أن يفطر فعليه أن يطعم كل يوم مسكينًا، فهذا أول الأحوال في الصوم، ثم نسخ ذلك التخيير بقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ، ووجب على المطيقين غير المريض والمسافر أن يصوموا ولا يفتدوا، وهذا حول ثان، وشرعه المصنف بقوله:(فأنزل الله: {شَهْرُ رَمَضَانَ} (2)) مصدر رمض إذا احترق من الرمضاء، فأضيف إليه الشهر وجعل علمًا، ومنع الصرف للتعريف والألف والنون، كما قيل: ابن داية للغراب بإضافة الابن إلى داية البعير، ({الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}) خبر لشهر رمضان أي أبتدئ

(1) سورة البقرة: الآية 183، 184.

(2)

يقال: أول من صام شهر رمضان نوح لما خرج من السفينة "ابن رسلان". (ش).

ص: 289

{هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فَثبَتَ الصّيَامُ عَلَى مَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ، وَعَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَقْضِيَ، وَثَبَتَ الطَّعَامُ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْعَجُوزِ اللَّذَيْنِ لَا يَسْتَطِيعَانِ الصَّوْمَ، وَجَاءَ صِرْمَةُ وَقَدْ عَمِلَ يَوْمَهُ، وَسَاقَ الْحَدِيثِ. [انظر تخريج الحديث السابق]

===

فيه إنزاله، وكان ذلك في ليلة القدر، ({هُدًى لِلنَّاسِ}) نصب على الحال، أي أنزل وهي هداية للناس على الحق، ({وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى}) أي آياتٍ واضحات مما يهدي إلى الحق، ({وَالْفُرْقَانِ}) أي يفرق بين الحق والباطل.

({فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ})، أي فمن كان شاهدًا، أي حاضرًا مقيمًا غير مسافر (1) في الشهر ({فَلْيَصُمْهُ}) أي ولا يفطر ولا يطعم، ({وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}) فثبت الصيام على من شهد الشهر) أي وهو صحيح غير مسافر، (وعلى المسافر) وكذا المريض (أن يقضي)(2) صوم أيام السفر والمرض إذا أقام وإذا برئ، (وثبت الطعام للشيخ الكبير والعجوز اللذين لا يستطيعان الصوم) لدوام عذرهم، ولاستمرار عدم استطاعتهم.

(وجاء صرمة وقد عمل يومه) وهذا حول ثالث، وقد تقدم شرحه في الحديث السابق (وساق) أي نصر بن المهاجر (الحديث) وسيذكر المصنف حديث صرمة في كتاب الصوم من حديث البراء، قال: كان الرجل إذا صام فنام لم يأكل إلى مثلها، وإن صرمة (3) بن قيس الأنصاري أتى امرأته وكان صائمًا، الحديث.

(1) ولو في وسط الشهر، قال ابن رسلان: وذهب علي وابن عباس وسويد بن غفلة وعائشة أربعة من الصحابة إلى أن من حضر دخول الشهر لا بد أن يصوم سافر بعده أو أقام، وإنما يفطر في السفر من دخل عليه رمضان وهو مسافر، وقال الجمهور: من شهد أوله أو آخره فليصم ما دام مقيمًا. "ابن رسلان". (ش).

(2)

إذا لم يصم في السفر عند الجمهور. "ابن رسلان". (ش).

(3)

بكسر الصاد المهملة. "ابن رسلان". (ش).

ص: 290

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

واختلفت الروايات في اسم هذا الصحابي، فإنه قيل فيه: صرمة بن قيس، وصرمة بن مالك، وصرمة بن أنس، وقيس بن صرمة، وأبو قيس بن صرمة، وأبو قيس بن عمرو، فإن حمل هذا الاختلاف على تعدد أسماء من وقع له ذلك، وإلَّا فيمكن الجمع برد جميع الروايات إلى واحد، فيمكن أن يقال: إنه كان اسمه صرمة بن قيس، فمن قال فيه: قيس بن صرمة قلبه، وكنيته أبو قيس أو العكس، وأما أبوه فاسمه قيس أو صرمة على ما تقرر من القلب، وكنيته أبو أنس، ومن قال فيه: أنس حذف أداة الكنية، ومن قال فيه ابن مالك نسبه إلى جد له، والعلم عند الله تعالى، هذا خلاصة ما قال الحافظ في "الإصابة"(1).

قلت: قد أخرج الإِمام أحمد هذا الحديث في "مسنده"(2): حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا أبو النضر، ثنا المسعودي ويزيد بن هارون، أخبرنا المسعودي، قال أبو النضر في حديثه: حدثني عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وأحيلت الصيام ثلاثة أحوال.

فأما أحوال الصلاة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهو يصلي سبعة عشر شهرًا إلى بيت المقدس، ثم إن الله أنزل عليه:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (3) قال: فوجهه الله إلى مكة، قال: فهذا حول.

قال: وكانوا يجتمعون للصلاة ويُؤْذِنُ بها بعضهم بعضًا، حتى نقسوا أو كادوا ينقسون، قال: ثم إن رجلًا من الأنصار يقال له: عبد الله بن زيد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني رأيت فيما يرى النائم، ولو قلت:

(1)"الإِصابة"(3/ 241).

(2)

"مسند أحمد"(5/ 246).

(3)

سورة البقرة: الآية 144.

ص: 291

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

إني لم أكن نائمًا لصدقت، إني بينا أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصًا عليه ثوبان أخضران، فاستقبل القبلة، فقال: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله، مثنى مثنى، حتى فرغ من الأذان، ثم أمهل ساعة، قال: ثم قال مثل الذي قال، غير أنه يزيد في ذلك، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"عَلِّمْها بلالًا فليؤذِّن بها"، فكان بلال أول من أذَّن بها، قال: وجاء عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله، إنه قد طاف بي مثل الذي أطاف به غير أنه سبقني، فهذان حولان.

قال: وكانوا يأتون الصلاة وقد سبقهم ببعضها النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فكان الرجل يشير إلى الرجل إذا جاءكم صلَّى، فيقول: واحدة أو اثنتين، فيصليها، ثم يدخل مع القوم في صلاتهم، قال: فجاء معاذ فقال: لا أجده على حال أبدًا إلَّا كنت عليها، ثم قضيت ما سبقني، قال: فجاء وقد سبقه النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها قال: فثبت معه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قام فقضى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنه قد سن لكم معاذ، فهكذا فاصنعوا"، فهذه ثلاثة أحوال.

وأما أحوال الصيام: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام- وقال يزيد: فصام سبعة عشر (1) شهرًا من ربيع الأول إلى رمضان، من كل شهر ثلاثة أيام - وصام يوم عاشوراء، ثم إن الله عز وجل فرض عليه الصيام، فأنزل الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} إلى هذه الآية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (2) قال: فكان من شاء صام، ومن شاء أطعم مسكينًا، فأجزأ ذلك عنه، قال: ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} إلى قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (3) قال: فأثبت الله

(1) في بعض نسخ "مسند أحمد" بدله: تسعة عشر شهرًا.

(2)

سورة البقرة: الآية 183 - 184.

(3)

سورة البقرة: الآية 185.

ص: 292