الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(61) بَابٌ: مَنْ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ
580 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِىُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى (1) إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَجَاءٍ قال: سَمِعْتُ أَوْسَ بْنَ ضَمْعَجٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الْبَدْرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ،
===
ما إذا تدافعوها لا لغرض شرعي، وإلَّا فإن أعرض عنها غير الأفقه رجاء تقدم الأفقه فلا يكره.
(61)
(بَابٌ: مَنْ أَحَقُّ (2) بالإمامةِ)
580 -
(حدثنا أبو الوليد الطيالسي، ثنا شعبة، أخبرني إسماعيل بن رجاء) ابن ربيعة الزبيدي بضم الزاي، أبو إسحاق الكوفي، ثقة، تكلم فيه الأزدي بلا حجة، (قال: سمعت أوس بن ضمعج) بفتح المعجمة وسكون الميم بعدها مهملة مفتوحة ثم جيم بوزن جعفر، معناه ناقة غليظة، الكوفي الحضرمي (3) أو النخعي، مخضرم (يحدث عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم) صيغة خبر بمعنى الأمر، أي ليؤم (أقرؤهم (4) لكتاب الله).
(1) وفي نسخة: "أنا".
(2)
ذكر ابن العربي أبواب الإِمامة سردًا، وقال: ذكر البخاري في الإِمامة أربعين حديثًا. انظر: "عارضة الأحوذي"(2/ 34). (ش).
(3)
نسبة إلى حضرموت، قال الصاغاني: بلدة وقبيلة. (ش).
(4)
هذا مستدل أحمد وأبي يوسف، وأجاب عنه صاحب "الهدايه"(1/ 56) بأن أقرأهم كان أعلمهم، ويشكل عليه بوجهين: الأول: أن يكون تكرارًا محضًا فيما ورد في بعض الروايات بعد ذلك "فأعلمهم بالسنَّة"، وأجيب بأن العلم بالقرآن غير العلم بالسنَّة، كما حققه ابن الهمام (1/ 103)، وأشكل أيضًا بأن أبيًّا كان أقرأهم بالنص، فينبغي أن يكون أعلم. وسكت الحافظ عن الجواب بعد ذكر الإِشكال، ويظهر الجواب بما في "شرح المنهاج"(2/ 351) بأن ذلك كان باعتبار الغالب، يعني قد يكون غير الأقرأ أعلم منه، وأجاب الزيلعي: ما رواه أبو يوسف كان في الابتداء، وكان يستدل بحفظه على علمه =
وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً، فَإِنْ كَانُوا فِى الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً،
===
قال ابن الملك (1): أحسنهم (2) قراءة لكتاب الله، انتهى، والأظهر أن معناه أكثرهم قراءة بمعنى أحفظهم للقرآن، كما ورد "أكثركم قرآنًا"، قيل: إنما قدم النبي -صلي الله عليه وسلم- الأقرأ، لأن الأقرأ في زمانه كان أفقه، إذ لو تعارض فضل القراءة فضل الفقه قدم الأفقه إذا كان يحسن من القراءة ما تصح به الصلاة، وعليه أكثر العلماء، فيؤول المعنى إلى أن المراد أعلمهم بكتاب الله، وذهب جماعة إلى تقدم القراءة على الفقه، وبه قال أبو يوسف عملًا بظاهر الحديث.
وفي "شرح السنَّة": لم يختلفوا في أن القراءة والفقه مقدمان على غيرهما، واختلفوا في الفقه مع القراءة، فذهب جماعة إلى تقدمها على الفقه، وبه قال أصحاب أبي حنيفة، أي بعضهم عملًا بظاهر الحديث، وذهب قوم إلى أن الفقه أولى إذا كان يحسن من القراءة ما تصح به الصلاة، وبه قال مالك والشافعي؛ لأن الفقيه يعلم ما يجب من القراءة في الصلاة، لأنه محصور، وما يقع فيها من الحوادث غير محصور، وقد يعرض للمصلي ما يفسد صلاته وهو لا يعلم إذا لم يكن فقيهًا (3).
(وأقدمهم قراءة) فإن الأقدم في القراءة يكون أكثرهم حفظًا للقرآن، (فإن كانوا في القراءة) أي في مقدارها أو حسنها أو عملها أو في العلم بها (سواء) أي مستوين (فليؤمهم أقدمهم هجرة) أي انتقالًا من مكة إلى المدينة قبل الفتح، قال ابن الملك: والمعتبر اليوم الهجرة المعنوية وهي الهجرة من المعاصي، فيكون الأورع أولى.
= لقرب العهد بالإِسلام، ولما طال الزمان وتفقهوا قدم الأعلم نصًّا، وقال قبله: وإنما قدم الأقرأ في الحديث لأنهم كانوا يتلقونه بأحكامه، حتى عن ابن عمر رضي الله عنه: أنه حفظ سورة البقرة في اثنتي عشر سنة. (ش).
(1)
وبه جزم في "نيل المآرب"(1/ 222) و"الروض المربع"(1/ 247). (ش).
(2)
ونقله ابن رسلان عن ابن الرفعة. (ش).
(3)
انظر: "مرقاة المفاتيح"(3/ 81).
فَإِنْ كَانُوا فِى الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا،
===
وهذا الحديث وقع فيه اختصار من شعبة، فإن التي سيأتي من رواية الأعمش عن إسماعيل ففيه:"فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنَّة"، وقد أخرجه مسلم في "صحيحه" مثل سياق أبي داود، ولكن خالف النسائي أبا داود ومسلمًا في سياق هذا الحديث عن الأعمش عن إسماعيل، فقال فيه:"يؤم القوم أقرأهم بكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأقدمهم في الهجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأعلمهم بالسنَّة"، والظاهر أن الراجح ما اتفق عليه مسلم وأبو داود.
واستدل بتقديم الأفقه والأعلم بالسنَّة على الأقرأ بتقديمه صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة على غيره مع أن غيره كان أقرأ منه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أقرأكم أُبَىٌّ"، والمراد بالأقرأ في الحديث الأفقه في القرآن، فإذا استووا في القرآن فقد استووا في فقهه، فإذا زاد أحدهم بفقه السنَّة فهو أحق، فلا دلالة في الخبر على تقديم الأقرأ مطلقًا، بل على تقديم الأقرأ الأفقه في القراءة على من دونه، ولا نزاع فيه.
ولما كان الصديق مشتركًا مع غيره في ضبط القراءة وحسن أدائها قدم عليهم، فدل على أنه إذا تعارض الأقرأ والأعلم يقدم الأعلم، وقد كان مع هذا أورع وأسن وأسبق، فكان بها أولى وأحق، ويدل على كونه أعلم قول أبي سعيد:"كان أبو بكر أعلمنا"، إلَّا أن قصة الإشارة إلى الاستخلاف ربما تكون مخصصة على أنها واقعة حال لا عموم لها، ومن ثم اختار جمع من المشايخ قول أبي يوسف.
(فإن كانوا) أي بعد استوائهم فيما سبق (في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنًا) أي في الإِسلام (1) لأنه في معنى الأقدم في الهجرة والأثبت في الإيمان، ويؤيده ما في رواية مسلم:"فأقدمهم سلمًا".
(1) فمن أسلم وهو ابن عشرين مقدم على من أسلم بعده ولو كان ابن ثلاثين، "ابن رسلان". (ش).
وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِى بَيْتِهِ وَلَا فِى سُلْطَانِهِ وَلَا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ». قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ لإِسْمَاعِيلَ: مَا تَكْرِمَتُهُ؟ قَالَ: فِرَاشُهُ. [م 673، ن 780، ت 235، جه 980، حم 4/ 118، خزيمة 1507، حب 2127، قط 1/ 279، ك 1/ 243، ق 3/ 90، عب 3808]
581 -
حَدَّثَنَا ابْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، عن (1) شُعْبَةُ
===
(ولا يوم) بصيغة المجهول (الرجل في بيته ولا في سلطانه)(2) أي محل ولايته، أو في محل يكون في حكمه، ولذلك كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج، وتحريره أن الجماعة شرعت لاجتماع المؤمنين على الطاعة وتألفهم وتوادهم، فإذا أم الرجل الرجل في سلطانه أفضى ذلك إلى توهين أمر السلطنة وخلع ربقة الطاعة، وكذا إذا أمه في قومه وأهله أدى ذلك إلى التباغض والتقاطع، فلا يتقدم رجل على ذي السلطنة لا سيما في الأعياد والجمعات، ولا على إمام الحي ورب البيت إلَّا بالإذن، نقله القاري (3) عن الطيبي.
(ولا يجلس) على البناء للمفعول أي الرجل (على تكرمته) بفتح تاء وكسرها، هو موضع خاص لجلوسه من فراش أو سرير بما يعد لإكرامه (إلَّا بإذنه، قال شعبة: فقلت: لإسماعيل: ما تكرمته؟ قال: فراشه) والمراد بالفراش ما يفرش لإكرامه ويعد لخصوصه.
581 -
(حدثنا ابن معاذ) عبيد الله، (ثنا أبي) معاذ، (عن شعبة) أبي معاذ (4)
(1) وفي نسخة: "ثنا".
(2)
قال ابن رسلان: إن الإِمام الأعظم لا يستخلف إلَّا عن ضرورة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف إلَّا في غيبة، وأما في حضوره أو قدرته على الحضور إلى المسجد لم يرو عنه أنه استخلف، ولو كان جائزًا لفعله مرة لبيان الجواز. (ش).
(3)
"مرقاة المفاتيح"(3/ 82)
(4)
هكذا في الأصل، والظاهر حذفه.
بِهَذَا الْحَدِيثَ قَالَ فِيهِ: "وَلَا يَؤُمُّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ (1) ". [انظر تخريج الحديث السابق]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَذَا قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ شُعْبَةَ: «أَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً» .
582 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ الْحَضْرَمِىِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: «فَإِنْ كَانُوا فِى الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِى السُّنَّةِ
===
(بهذا الحديث) المتقدم (قال فيه) أي معاذ: (ولا يؤم) بصيغة المعلوم (الرجل الرجل) الأول فاعل، الثاني مفعول به، والغرض بذكره بيان المخالفة في هذا اللفظ بين تلميذي شعبة أبي الوليد الطيالسي ومعاذ بأن أبا الوليد ذكر بصيغة المجهول وإقامة المفعول مقام الفاعل، وأن معاذًا ذكر بصيغة المعلوم وذكر الفاعل والمفعول.
(قال أبو داود: وكذا قال بحيى القطان عن شعبة: أقدمهم قراءة)، أي كما قال أبو الوليد عن شعبة:"وأقدمهم قراءة"، كذلك قال يحيى القطان عن شعبة هذا اللفظ، لعل الغرض من هذا الكلام تقوية رواية أبي الوليد في هذا اللفظ، ورواية يحيى أخرجها أحمد في "مسنده"(2).
582 -
(حدثنا الحسن بن علي) الخلال، (ثنا عبد الله بن نمير، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج الحضرمي قال: سمعت أبا مسعود عن النبي -صلي الله عليه وسلم- بهذا الحديث) أي المتقدم متعلق بحدثنا (قال) الأعمش: (فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنَّة، فإن كانوا في السنَّة)
(1) زاد في نسخة: "في سلطانه".
(2)
"مسند أحمد" رقم (17099)(4/ 121).
سَوَاءَ فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً"، وَلَمْ يَقُلْ: "فَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً" (1). [انظر تخريج الحديث السابق]
583 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ قَالَ: كُنَّا بِحَاضِرٍ
===
أي في العلم بالسنَّة (سواء فأقدمهم هجرة، ولم يقل) الأعمش: (فأقدمهم قراءة).
حاصله: أن شعبة ذكر في روايته عن إسماعيل أولًا القراءة، ثم ذكر الهجرة، ثم السنن، ولم يذكر علم السنَّة، وأما الأعمش عن إسماعيل فخالف شعبة، لأنه ذكر أولًا القراءة، ثم العلم بالسنَّة، ثم تقدم الهجرة، ولم يذكر أقدمهم قراءة.
583 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، أنا أيوب، عن عمرو بن سلمة)(2) بن قيس الجرمي، أبو بريد بالموحدة والراء، ويقال: بالتحتانية والزاء، صحابي صغير، نزل البصرة (3) (قال) عمرو:(كنا بحاضر).
قال في "المجمع"(4): الحاضر: القوم على ماء يقيمون به، ولا يرحلون عنه، ويقال للمناهل: المحاضِر للاجتماع والحضور عليها.
(1) وفي بعض نسخ "سنن أبي داود" زيادة في آخر الحديث: "قال أبو داود: رواه حجاج بن أرطاة عن إسماعيل قال: ولا تقعد على تكرمة أحدٍ إلَّا بإذنه"
قلت: ذكر المصنف اختلاف الألفاظ، حيث قال في رواية شعبة عن إسماعيل:"ولا يجلس" بصيغة المبني للمجهول، وفي رواية حجاج بن أرطاة عن إسماعيل بلفظ:"ولا تقعد" بالنهي للمخاطب عن القعود، ورواية الحجاج وصلها الطبراني في "الكبير"(17/ 224) رقم (617)، والدارقطني (1/ 279). والحاكم (1/ 243) ولفظهم: "ولا يقعد على تكرمته
…
إلخ"، وهي موافقة لرواية الباب، فلعل حجاجًا رواه بالصيغتين.
(2)
وفي "المغني"(3/ 70): كان أحمد يضعف هذا الحديث، وفي "فيض الباري" (2/ 218):
أن هذا العمر كان عمر تعلمه القرآن لا عمر إمامته، كما يظهر من كتب الرجال. (ش).
(3)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(3/ 378) رقم (3951).
(4)
"مجمع بحار الأنوار"(1/ 531).
يَمُرُّ بِنَا النَّاسُ إِذَا أَتَوُا النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فَكَانُوا إِذَا رَجَعُوا مَرُّوا بِنَا، فَأَخْبَرُونَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ كَذَا (1) وَكَذَا، وَكُنْتُ غُلَامًا حَافِظًا، فَحَفِظْتُ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنًا كَثِيرًا، فَانْطَلَقَ أَبِى وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَعَلَّمَهُمُ الصَّلَاةَ وقَالَ (2):«يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ» ، فكُنْتُ أَقْرَأَهُمْ لِمَا كُنْتُ أَحْفَظُ، فَقَدَّمُونِى فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَعَلَىَّ بُرْدَةٌ لِى صَغِيرَةٌ صَفْرَاءُ، فَكُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَكَشَّفَتْ (3) عَنِّى، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ
===
[قال] الخطابي: ربما جعلوا الحاضر اسمًا للمكان المحضور، يقال: نزلنا حاضر بني فلان، فاعل بمعنى مفعول.
(يمر بنا الناس إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رجعوا مروا بنا) أي كنا في طريق الناس وممرهم، يمرون بنا إذا وفدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا رجعوا من عنده يمرون بنا أيضًا.
(فأخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، وكنت غلامًا) أي صبيًا صغير السنن (حافظًا) أي أحفظ ما أسمع، (فحفظت من ذلك) أي من أجل ذلك أو مما سمعت (قرآنًا كثيرًا، فانطلق أبي وافدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه) أي داخلًا في نفر من قومه، أو بمعنى مع أي مع نفر من قومه.
(فعلمهم) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم (الصلاة، وقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(يومكم أقرأكم) أي أكثركم قرآنًا (فكنت أقرأهم) أي أكثرهم قرآنًا (لما كنت أحفظ) القرآن من الذين يصدرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، (فقدموني) أي جعلوني إمامًا في الصلاة.
(فكنت أؤمهم وعليّ بردة لي صغيرة صفراء، فكنت إذا سجدت تكشفت عني) أي تقلصت عني وزالت، فتظهر عورتي، (فقالت امرأة من
(1) وفي نسخة: "وقال كذا".
(2)
وفي نسخة: "قال".
(3)
وفي نسخة: "انكشفت".
النِّسَاءِ: وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ، فَاشْتَرَوْا لِى قَمِيصًا عُمَانِيًّا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَىْءٍ بَعْدَ الإِسْلَامِ فَرَحِى (1) بِهِ، فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَأَنَا ابْنُ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ. [خ 4302، ن 789، حم 5/ 30]
===
النساء) أي من نساء الحي: (واروا) أي غطوا وأشفوا (عنا عورة قارئكم) وإمامكم، (فاشتروا) أي القوم (لي قميصًا عمانيًا) بضم المهملة وتخفيف الميم، نسبة إلى عمان موضع عند البحرين (فما فرحت بشيء بعد الإِسلام فرحي به) أي مثل فرحي بالقميص، (فكنت أؤمهم) أي أصلي بهم إمامًا (وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين).
قال الحافظ في "الفتح"(2): وفي الحديث حجة للشافعية في إمامة الصبي المميز في الفريضة، وهي خلافية مشهورة، ولم ينصف من قال: فعلوا ذلك باجتهادهم، ولم يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، لأنها شهادة نفي، ولأن زمن الوحي لا يقع التقرير فيه على ما لا يجوز، كما استدل أبو سعيد وجابر لجواز العزل بكونهم فعلوه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان منهيًا عنه لنهي عنه في القرآن، وكذا من استدل به بأن ستر العورة في الصلاة ليس شرطًا لصحتها بل هو سنَّة، ويجزئ بدون ذلك لأنها واقعة حال، فيحتمل أن يكون ذلك بعد علمهم بالحكم.
قال العيني في "شرح الهداية"(3): وأما الصبي فلأنه متنفل فلا يجوز اقتداء المفترض به أي بالمتنفل، لأن صلاة الإِمام متضمنة صلاة المقتدي صحًة وفسادًا لقوله عليه السلام:"الإِمام ضامن"، ولا شك أن الشيء يتضمن ما هو دونه لا ما هو فوقه، فلم يجز اقتداء البالغ بالصبي لهذا، وبه قال الأوزاعي والثوري ومالك وأحمد وإسحاق، وفي النفل روايتان، وقال ابن المنذر: وكرهها عطاء والشعبي ومجاهد، وقال الحسن والشافعي:
(1) وفي نسخة: "ما فرحت به".
(2)
"فتح الباري"(8/ 23).
(3)
(2/ 406).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
تصح إمامته، وفي الجمعة له قولان: قال في "الأم"(1): لا تجوز، وقال في "الإملاء": تجوز.
وقال الخطابي (2): كان الحسن يضعف حديث عمرو بن سلمة، وقال مرة: دعه ليس بشيء بين.
قال أبو داود: وقيل لأحمد: حديث عمرو؟ قال: لا أدري ما هذا؟ فلعله لم يتحقق بلوغ أمر النبي- صلى الله عليه وسلم، قال: وقد خالفه أمثال الصحابة، وقد قال عمرو:"كنت إذا سجدت خرجت استي"، وهذا غير بالغ.
والعجب أنهم لم يجعلوا قول أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وكبار الصحابة رضي الله عنهم وأفعالهم حجة، واستدلوا بفعل صبي ست سنين، ولا يعرف فرائض الوضوء والصلاة، فكيف يتقدم في الإمامة، ومنعه أحوط في الدين، وعن ابن عباس:"لا يؤم الغلام حتى يحتلم"، وعن ابن مسعود:"لا يؤم الغلام الذي لا تجب عليه الحدود"، رواهما الأثرم في "سننه"، انتهى.
قلت: وما قال الحافظ: ولم ينصف من قال: إنهم فعلوا ذلك باجتهادهم ولم يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، لأنها شهادة نفي، عجيب من مثل الحافظ، فإنّ الحديث صريح بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"وليؤمكم أكثركم قرآنًا أو أقرأكم" فاجتهدوا وفهموا الخطاب عامًا، فبهذا ظهر أن جعلهم عمرو بن سلمة إمامًا كان باجتهاد منهم، ولم يصرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بإمامته حتى يكون نصًا، ومع هذا فهذا منع لاستدلال المستدلين من المانعين، وليس هذا شهادة على النفي، فإن المانع لا يحتاج إلى الشهادة.
وأعجب من هذا ما قال الشوكاني في "النيل"(3): وأما القدح في الحديث
(1) وبه اختار ابن رسلان. (ش).
(2)
"معالم السنن"(1/ 224).
(3)
"نيل الأوطار"(3/ 198).
584 -
حَدَّثَنَا النُّفَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ بِهَذَا (1) الْخَبَرِ قَالَ:"فَكُنْتُ (2) أَؤُمُّهُمْ فِى بُرْدَةٍ مُوصَلَةٍ، فِيهَا فَتْقٌ، فَكُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ خَرَجَتِ اسْتِى". [ن 767، وانظر سابقه]
===
بأن فيه كشف (3) العورة في الصلاة وهو لا يجوز، كما في ضوء النهار، فهو من الغرائب، وقد ثبت أن الرجال كانوا يصلون عاقدي أزرهم، ويقال للنساء:"لا ترفعن رؤسكن حتى يستوي الرجال جلوسًا"، زاد أبو داود:"من ضيق الأزر"، فإن كلامه هذا يدل على أن ستر العورة ليس بشرط لصحة الصلاة، فلو صلَّى أحد عاريًا بحضرة الرجال تجوز صلاته، وقد قال فيما تقدم في أبواب ستر العورة: والحق وجوب الستر في جميع الأوقات إلَّا وقت قضاء الحاجة وإفضاء الرجل إلى أهله، انتهى.
584 -
(حدثنا النفيلي) عبد الله بن محمد، (ثنا زهير) بن معاوية، (ثنا عاصم الأحول، عن عمرو بن سلمة) المتقدم (بهذا الخبر) المتقدم (قال) عمرو: (فكنت أؤمهم) أي أصلي بهم إمامًا (في بردة موصلة) أي مرقعة (فيها فتق) أي خرق وشق، (فكنت إذا سجدت خرجت) من الخرق (استي).
قال في "لسان العرب": السَّتْهُ والسَّتَهُ والاسْتُ معروفة، وهو المحذوف المُجْتَلَبَة له ألفُ الوَصْلِ، الجوهري: والاسْتُ: العَجُزُ، وقد يراد به حلقة الدبر، وأصله سَتَهٌ على فَعَلٍ بالتحريك، يدل على ذلك أن جمعه أستاه مثل جمل وأجمال.
وغرض المصنف بسوق رواية عاصم عن عمرو بن سلمة بيان الاختلاف
(1) وفي نسخة: "في هذا الخبر".
(2)
وفي نسخة: "وكنت".
(3)
وأجاب الوالد في "تقرير الترمذي" عن الشافعية بأنه لا يلزم منه إلَّا فساد صلاة الإِمام دون المقتدين على أصلهم، ولم يؤمر بالإِعادة، لأنه صبي. (ش).
585 -
أخبرنا (1) قُتَيْبَةُ (2) ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ حَبِيبٍ الْجَرْمِىِّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ، عَنْ أَبِيهِ:
===
بين رواية عاصم وبين رواية أيوب عن عمرو بن سلمة، فإن رواية أيوب بظاهرها تدل على أن عمرو بن سلمة كانت عليه بردة صغيرة إذا سجد تكشفت عنه لصغره فظهرت عورته، ورواية عاصم تدل على أن البردة التي عليه كان فيها فتق، فإذا سجد خرجت استه من الفتق، ويمكن الجمع بينهما بأن له كان بردان في وقتين مختلفين، ففي وقت كانت بردة صغيرة تتكشف عن عورته، وفي وقت تكون مشقوقة تخرج استه من الخرق، ويحتمل أن يكون الأمران في وقت واحد بأن تكون صغيرة مشقوقة، فتقلص عن بعض عورته، ويخرج بعض عجزه من الخرق، ولا مضايقة فيه.
585 -
(أخبرنا قتيبة، ثنا وكيع، عن مسعر) بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح المهملة (ابن حبيب الجرمي) أبو الحارث البصري ثقة، (ثنا عمرو بن سلمة) بكسر اللام، ابن قيس الجرمي، أبو بريدة بالموحدة والراء مصغرًا، ويقال: أبو زيد بالتحتانية والزاي، صحابي صغير، نزل البصرة، وفد أبوه على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمرو يصلي بقومه في عهده، وهو صغير، ولم يصح له سماع ولا رواية.
قلت: روى ابن منده في "كتاب الصحابة" حديثه من طريق صحيحة، وهي رواية الحجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن أيوب عن عمرو بن سلمة قال: كنت في الوفد الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا تصريح بوفادته، قاله الحافظ في "تهذيبه"(3).
(عن أبيه) هو سلمة بن قيس، وقيل: ابن نفيع، ويقال: ابن لائم، أو ابن لاي، أبو قدامة الجرمي البصري، صحابي، وفد علي النبي صلى الله عليه وسلم،
(1) وفي نسخة: "حدثنا".
(2)
زاد في نسخة: "بن سعيد".
(3)
(8/ 42).
أَنَّهُمْ وَفَدُوا إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَنْصَرِفُوا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ يَؤُمُّنَا؟ قَالَ: «أَكْثَرُكُمْ جَمْعًا لِلْقُرْآنِ، أَوْ: أَخْذًا لِلْقُرْآنِ» ، قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ جَمَعَ مَا جَمَعْتُ، قَالَ: فَقَدَّمُونِى وَأَنَا غُلَامٌ وَعَلَىَّ شَمْلَةٌ لِى، قال: فَمَا شَهِدْتُ مَجْمَعًا مِنْ جَرْمٍ إلَّا كُنْتُ إِمَامَهُمْ، وَكُنْتُ أُصَلِّى عَلَى جَنَائِزِهِمْ إِلَى يَوْمِى هَذَا. [حم 5/ 29، ق 3/ 91 - 92]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ حَبِيبٍ الْجَرْمِىِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ قَالَ: لَمَّا وَفَدَ قَوْمِى إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. لَمْ يَقُلْ عَنْ أَبِيهِ.
===
وقد قيل فيه: سلمة بفتح اللام، والصواب كسرها، (أنهم) أي قومه (وفدوا إلى النبي -صلي الله عليه وسلم-، فلما أرادوا أن ينصرفوا) إلى وطنهم (قالوا: يا رسول الله من يؤمنا؟ ) أي من نجعله إمامنا، (قال: أكثركم جمعًا للقرآن) أي اجعلوا إمامكم من كان أكثركم حفظًا للقرآن (أو أخذًا للقرآن) شك من الراوي.
(قال) عمرو بن سلمة: (فلم يكن أحد من القوم جمع) أي حفظ القرآن (ما جمعت) أي ما حفظت، (قال: فقدموني) أي جعلوني إمامًا في الصلاة، (وأنا غلام) أي محتلم، (وعلي شملة لي) أي كساء صغير، (قال) أي عمرو بن سلمة:(فما شهدت مجمعًا من جرم) هي قبيلته (إلَّا كنت إمامهم، وكنت أصلي (1) على جنائزهم إلى يومي هذا).
(قال أبو داود: ورواه يزيد بن هارون (2)، عن مسعر بن حبيب الجرمي، عن عمرو بن سلمة قال: لما وفد قومي إلى النبي صلى الله عليه وسلم. لم يقل عن أبيه).
(1) يؤخذ منه أن الأقرأ مقدم على الولي، وقال الشافعي: القريب أولى، لأنه يختص بمزيد الشفقة، فلعله لم يكن في قومه من يحسن الصلاة على الجائز، "ابن رسلان". (ش).
(2)
رواية يزيد بن هارون وصلها ابن سعد في "الطبقات"(1/ 336) و (7/ 89).
586 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ - يَعْنِى ابْنَ عِيَاضٍ -. (ح): وَحَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِىُّ الْمَعْنَى قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ:"لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ نَزَلُوا الْعَصْبَةَ قَبْلَ مَقْدَمِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا". زَادَ الْهَيْثَمُ: وَفِيهِمْ
===
حاصل قول أبي داود أن وكيعًا ويزيد بن هارون اختلفا في الرواية عن مسعر بن حبيب، فزاد وكيع بعد عمرو بن سلمة:"عن أبيه" ولم يذكره يزيد بن هارون، فمفاد رواية وكيع أن عمرو بن سلمة لم يكن في الوفد الذين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، بل سمع من أبيه ما دار بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من الكلام في الإمامة، ومفاد رواية يزيد بن هارون أن عمرو بن سلمة يحتمل أن يكون وفد معهم، وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما سمعوا، ويحتمل أنه لم يكن معهم في الوفد فسمع من أبيه أو ممن معه في الوفد.
586 -
(حدثنا القعنبي، ثنا أنس -يعني ابن عياض-، ح: وحدثنا الهيثم بن خالد) ويقال: ابن جنّاد، بجيم ونون (الجهني) أبو الحسن الكوفي، ثقة (المعنى) أي معنى حديثهما واحد وإن اختلفت ألفاظهما (قالا) أي أنس والهيثم:(ثنا ابن نمير) عبد الله، (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص، (عن نافع، عن ابن عمر) عبد الله (أنه قال: لما قدم المهاجرون الأولون) أي المدينة مهاجرين (نزلوا العصبة) موضع بالمدينة عند قباء، ضبطه بعضهم بفتح العين والصاد (قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرًا إلى المدينة (فكان يؤمهم (1)) أي المهاجرين ومن أسلموا من الأنصار (سالم مولى أبي حذيفة (2)، وكان أكثرهم قرآنًا) أي حفظًا للقرآن.
(زاد الهيثم) أي في حديثه (وفيهم) أي وفي الذين يؤمهم سالم مولى
(1) قبل العتق، ولذا بوب عليه البخاري "إمامة المولى والعبد"، "ابن رسلان". (ش).
(2)
وكان مولى امرأة من الأنصار، ثم لما عتق لازم أبا حذيفة وتبناه، فعرف به، "ابن رسلان". وستأتي ترجمته في "الشرح". (ش).
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ. [خ 692]
===
أبي حذيفة (عمر بن الخطاب (1) وأبو سلمة بن عبد الأسد) هو عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي، أبو سلمة، أخو النبي - صلي الله عليه وسلم - من الرضاعة، وابن عمته برة بنت عبد المطلب، كان من الصادقين، شهد بدرًا، ومات في حياة النبي - صلي الله عليه وسلم - في جمادى الآخرة سنة أربع بعد أحد، فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعده زوجته أم سلمة.
والجملة حالية، أي والحال أنه كان فيهم عمر بن الخطاب وأبو سلمة بن عبد الأسد من كبار الصحابة، ومع هذا كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة.
وكان سالم مولى امرأة من الأنصار فأعتقته، وإنما قيل له: مولى أبي حذيفة، لأنه لازم أبا حذيفة بعد أن أعتق فتبناه، فلما نهوا عن ذلك، قيل له: مولاه، واستشهد سالم باليمامة في خلافة أبي بكر - رضي الله تعالى عنه -، وهو من كبار البدريين، مشهور كبير القدر، يقال له: سالم بن معقل، وكان من أهل فارس من إصْطَخْر، وقيل: إنه من العجم من سبي كرمان، وكان يُعَدُّ في قريش لتبني أبي حذيفة له، ويعد في العجم لأصله، ويعد في المهاجرين لهجرته، ويعد في الأنصار لأن معتقته أنصارية، ويعد في القراء لأنه كان أقرأهم، أي أكثرهم قرآنًا، "عيني شرح البخاري"(2).
قلت: وكان سالم رضي الله عنه حسن القراءة أيضًا، فقد أخرج البزار عن عائشة قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم سالمًا مولى أبي حذيفة يقرأ من الليل فقال: "الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك"، نقله الحافظ في "الإصابة"(3)، وقال: رجاله ثقات.
(1) زاد في "الإِحكام": وفيهم أبو بكر وعمر، وأشكل ذكر أبي بكر لأنه كان رفيقه- عليه الصلاة والسلام، ووجه بأنه يحتمل أن بقي سالم على إمامته حتى صلَّى خلفه أبو بكر، "ابن رسلان". (ش).
(2)
(4/ 317).
(3)
(3/ 57).
587 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. (ح): وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ - الْمَعْنَى وَاحِدٌ -، عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِى قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ (1) أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ أَوْ لِصَاحِبٍ لَهُ: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا،
===
587 -
(حدثنا مسدد، ثنا إسماعيل) بن علية، (ح: وحدثنا مسدد، ثنا مسلمة بن محمد) الثقفي البصري، لين الحديث (المعنى واحد) أي معنى حديث إسماعيل وحديث مسلمة بن محمد واحد، وإن اختلفت ألفاظهما، (عن خالد) الحذاء، (عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث)(2) بالتصغير، أبو سليمان الليثي، الصحابي، نزل البصرة، ومات سنة 74 هـ.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أو لصاحب له) فإنهما وفدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في رواية البخاري (3) في "صحيحه"(4) وأحمد في "مسنده"، قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شَبَبَة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وفي رواية للبخاري: عن مالك بن الحويرث، قال: أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر، قال الحافظ (5): هما مالك بن الحويرث راوي الحديث ورفيقه، وقال: ولم أر في شئ من طرقه تسمية صاحبه.
(إذا حضرت الصلاة فأذنا) اختلفت الروايات في ذلك ففي بعضها: "ارجعوا فكونوا فيهم وعلموا وصلوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم" وهذا في رواية أيوب عن أبي قلابة، وأما في رواية خالد الحذاء عن أبي قلابة ففيه:"إذا أنتما خرجتما فأذنا ثم أقيما"، فوقع الاختلاف في أمرين:
(1) وفي نسخة: "حويرث".
(2)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(4/ 16) رقم (4587).
(3)
وفي لفظ للنسائي: "قد أتيت أنا وابن عم لي"، وفي رواية:"أو صاحب لي"، "ابن رسلان". (ش).
(4)
"صحيح البخاري"(685).
(5)
"فتح الباري"(2/ 112).
ثُمَّ أَقِيمَا، ثُمَّ ليَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا".
وَفِي حَدِيثِ (1) مَسْلَمَةَ قَالَ: "وكُنَّا يَوْمَئِذٍ مُتَقَارِبَيْنِ في الْعِلْمِ".
===
الأول: أن ظاهر الحديث الأول أن الأمر بالأذان بعد وصولهم إلى أهلهم وتعليمهم، وفي الحديث الثاني بعد خروجهما من المدينة قبل وصولهما إلى أهلهما.
والثاني: أن في الحديث الأول أمر بالأذان لأحدهما، وفي الحديث الثاني لكليهما، وفي الحقيقة لا اختلاف بين الحديثين، فإن الحديث الأول الذي فيه الأمر بالأذان في الحضر لا ينافي الأمر بالأذان في السفر، كما أن الحديث الثاني الذي فيه الأمر بالأذان في السفر لا ينافي الأمر بالأذان في الحضر.
وكذلك المراد بقوله: "أذنا"، فإن المراد بقوله:"أذنا"، أي من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن، وذلك لاستوائهما، ولا يعتبر في الأذان السنن وغيره بخلاف الإمامة، وهو واضح من سياق حديث أيوب حيث قال:"ليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم"، ويمكن أن يوجه قوله:"فأذنا" بأن أحدهما يؤذن والآخر يجيب.
وقال الكرماني: قد يطلق الأمر بالتثنية وبالجمع، والمراد واحد، كقوله: يا حرسي اضربا عنقه، وقوله: قتله بنو تميم مع أن القاتل والضارب واحد، وفهم منه أبو الحسن بن القصار أنه صلى الله عليه وسلم أمرهما أن يؤذنا جميعًا، كما هو ظاهر اللفظ، وهذا ليس بمراد، وإن أراد أن كلًّا منهما يؤذن على حدة، فهذا أيضًا بعيد، فإن أذان الواحد يكفي الجماعة (2).
(ثم أقيما) أي ثم ليقم أحدكما، فإن تكرار الإقامة مكروه، وهذا محمول على الجواز، وإلا فالأولى أن الذي يؤذن هو الذي يقيم (ثم ليؤمكما أكبركما) أي سنًا.
(وفي حديث مسلمة قال) أي مالك بن الحويرث: (وكنا يومئذ متقاربين في العلم) وهذا اعتذار عن أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر الرجحان في السن ولم يعتبر
(1) وفي نسخة: "وقال في حديث".
(2)
إجماعًا، "ابن رسلان". (ش).
وَقَالَ في حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ: قَالَ خَالِدٌ: "قُلْتُ لأَبِي قِلَابَةَ: فَأَيْنَ الْقُرْآنُ (1)؟ قَالَ: إِنَّهُمَا (2) كَانَا مُتَقَارِبَيْنِ". [خ 628، م 674، ت 205، ن 634، حم 3/ 436، دي 1253، ق 2/ 393، جه 979]
588 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عِيسَى الْحَنَفِيُّ، ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ليُؤَذِّنْ لَكُمْ
===
العلم، كما في الأحاديث الآخر، فاعتذر مالك بن الحويرث بأنا كنا متساويين في العلم، وهذه الزيادة من قول مالك بن الحويرث غير مذكورة في حديث إسماعيل بن علية، ولكن فيه زيادة بهذا اللفظ.
(وقال) أي مسدد (في حديث إسماعيل: قال خالد) أي الحذاء: (قلت لأبي قلابة: فأين القرآن؟ ) أي فأين الترجيح بكثرة القرآن (قال) أي أبو قلابة في جوابه: (إنهما) أي مالك بن الحويرث ورفيقه (كانا متقاربين) أي متساويين في القرآن.
وغرض المصنف بيان الاختلاف الواقع في حديث مسلمة وفي حديث إسماعيل بأن في حديث مسلمة ليس ذكر سؤال خالد والجواب لأبي قلابة، بل فيه قول مالك بن الحويرث في ذكر التقارب بينه وبين رفيقه في العلم، وأما في حديث إسماعيل ففيه سؤال خالد والجواب عن ذلك السؤال من أبي قلابة بأنهما كانا متقاربين، وليس فيه ذكر كونهما متقاربين من مالك بن الحويرث.
588 -
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا حسين بن عيسى) بن مسلم (الحنفي) أبو عبد الرحمن الكوفي، ضعفه كثيرون، وذكره ابن حبان في "الثقات"، (ثنا الحكم بن أبان) العدني، أبو عيسى، صدوق عابد، وله أوهام، مات سنة 154 هـ، (عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليؤذن لكم) أمر
(1) وفي نسخة: "القراءة".
(2)
وفي نسخة: "فإنهما".